"استباحة تامة".. ما سر توالي الزيارات العسكرية والأمنية الإسرائيلية للمغرب؟
بوتيرة متسارعة ولافتة يتزايد التنسيق العسكري والأمني بين المغرب والكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين، ما يثير جدلا كبيرا بشأن غايات الطرفين من هذا التقارب.
وأجرى رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، في 18 يوليو/ تموز 2022، زيارة استمرت 3 أيام، هي الأولى من نوعها إلى الرباط، عقد خلالها لقاءات مع القيادات العسكرية المغربية، لتعزيز التعاون بين البلدين.
وفي مطلع أغسطس/ آب 2022، بدأ المفوض العام لشرطة الاحتلال الإسرائيلي يعقوب شبتاي، زيارة رسمية إلى المغرب استمرت 5 أيام، تفقد خلالها عددا من المنشآت الأمنية، وبحث فيها تعزيز التعاون الميداني والاستخباراتي بين شرطة البلدين.
ويرى مراقبون أن المغرب يسعى عبر هذه الزيارات إلى التحول إلى دولة قوية أمنيا وعسكريا قادرة على صنع سلاحها، خاصة الطائرات من دون طيار، بينما يسعى الاحتلال إلى توسيع دائرة حلفائه العرب، والاقتراب أكثر من أسواق السلاح في إفريقيا وأوروبا.
مسلسل مؤسف
وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي في 19 يوليو، أن كوخافي سيلتقي خلال الزيارة مع وزير الدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي، والمفتش العام للقوات الملكية المغربية الفريق أول بلخير الفاروق، ومسؤولين أمنيين آخرين.
وأضاف في بيان: "تعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس الأركان إلى المغرب حيث تهدف إلى تبادل الخبرات، كجزء من الجهود لتوسيع مجالات التعاون العسكري بين إسرائيل ودول أخرى".
كما وصف جيش الاحتلال الإسرائيلي في تغريدة على تويتر الزيارة بأنها "تاريخية لإسرائيل والمغرب".
من جانبها، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، في نفس اليوم، أن "الجيش الإسرائيلي استضاف وحدة كوماندوز مغربية في تمرين متعدد الجنسيات في يوليو 2021، وأقام علاقات عسكرية مباشرة مع الرباط في مارس/آذار 2022، واستضاف في يونيو/ حزيران 2022 ضباطا مغاربة كبارا للاتفاق على برنامج عمل مشترك لمدة عام".
وأضافت: "منذ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب في عام 2020، بدأ مسؤولون إسرائيليون في القيام بزيارات تاريخية أولى إلى المملكة".
وتابعت: "يتوقع البلدان أن تنمو التجارة المغربية الإسرائيلية بسرعة، وفي الصيف الماضي أطلقت شركتا طيران إسرائيليتان أولى رحلاتهما المباشرة من تل أبيب إلى مراكش".
ولفتت إلى أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، زار وزير الدفاع بيني غانتس المغرب، ووقع فيها اتفاقيات تعاون أمني".
وفي 2021، سافر وزير الخارجية آنذاك يائير لابيد إلى المغرب في أول زيارة يقوم بها دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى منذ 2003.
وأكدت هآرتس أن المغرب تعاقد خلال زيارة كوخافي على مجموعة من الطائرات المسيرة الإسرائيلية، من نوع هاروب، والمعروفة أيضا باسم الطائرات بدون طيار "كاميكازي".
لكن لم يوضح الإعلام العبري ما إن كانت هذه صفقة ثانية لتوريد طائرات من دون طيار أم هي فقط امتداد للصفقة الأولى التي أبرمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أثناء زيارة بيني غانتس للرباط.
بدوره، نشر موقع "إسرائيل 24" العبري، أن كوخافي وقع صفقة لشراء الطائرات المسيرة "كاميكازي" أثناء زيارته للمغرب.
وأضاف الموقع أن المغرب سيوقع اتفاقا مع إسرائيل لصناعة هذه الطائرات المسيرة، إضافة إلى توقيع عدد من اتفاقيات الدفاع لفائدة تعزيز الترسانة العسكرية للقوات المسلحة المغربية.
تعاون مشين
فيما ذكرت القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، في بيان، أن هذه الزيارة تأتي لتعزز التعاون الثنائي في سياق التوقيع التاريخي أمام الملك محمد السادس، على الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020.
من جانبها، سجلت الوزارة المكلفة بالدفاع في المغرب، أن "هذه الزيارة تعكس علاقات التعاون العسكري المتميزة بين المغرب وإسرائيل".
وأضافت في بيان أن هذه الزيارة مكنت من جهة أخرى، من بحث فرص تطوير أفضل لمحاور هذا التعاون الذي يتعلق أساسا بالتكوين، ونقل التكنولوجيا، وكذا تقاسم التجارب والخبرات بين القوات المسلحة الملكية، ونظيرتها من القوات الإسرائيلية".
وتعليقا على الزيارة، نشر الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، في 22 يوليو، تغريدة عبر تويتر بها عدة صور لأنشطة كوخافي في المغرب.
وكتب أدرعي: "ما أعظمه، أسبوع أختتمه بصور دخلت التاريخ من بابه العريض لتشهد على أهمية سلام تعزز على أسس تراث مشترك وقوة مسار ومصير بين الشعبين الإسرائيلي والمغربي تكلل بالزيارة التاريخية لقائد جيش الدفاع أفيف كوخافي".
وما أعظمه أسبوع أختتمه بصور دخلت التاريخ من بابه العريض لتشهد على أهمية #سلام تعزز على أسس تراث مشترك وقوة مسار ومصير بين الشعبين الإسرائيلي والمغربي �������� تكلل بالزيارة التاريخية لقائد جيش الدفاع الجنرال أفيف #كوخافي.#جمعة_مباركة#شابات_شالوم pic.twitter.com/DZ9BvFAfTl
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) July 22, 2022
يذكر أن مراقبين عسكريين تابعين للاحتلال شاركوا أواخر يونيو 2022، للمرة الأولى في تدريبات "الأسد الإفريقي 2022"، التي تعد أكبر تدريبات عسكرية في القارة الإفريقية، تنظمها الولايات المتحدة، واحتضنها المغرب.
ومناورات الأسد الإفريقي، هي تدريبات عسكرية مشتركة بمختلف الأسلحة، تقام بين كل من الولايات المتحدة والمملكة المغربية بمنطقة طانطان المغربية وانطلقت عام 2007.
وتوسعت مع السنوات لتشمل مشاركة دول أخرى، كما أنها بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء أصبحت تشمل منطقة المحبس (متنازع عليها مع الانفصاليين) قرب الحدود الجزائرية منذ 2021.
وقبلها في مارس 2021، قام وفد من كبار ضباط الاحتلال الإسرائيلي بزيارة إلى المغرب، أسفرت عن توقيع اتفاقية تعاون لإنشاء لجنة عسكرية مشتركة، من بين مهامها العمل على إنشاء أرضية لصناعة الدرون العسكري في المغرب.
وفي نوفمبر 2021، وأثناء زيارته للمغرب، وقع وزير دفاع الكيان الإسرائيلي بيني غانتس مذكرة تفاهم في الرباط لتنظيم العلاقات العسكرية والأمنية مع المغرب، نصت على التعاون بين أجهزة الاستخبارات، وتطوير الروابط الصناعية، وشراء الأسلحة والتدريب المشترك.
مصالح متبادلة
وتعليقا على زيارة كوخافي، قال الباحث في الشؤون العسكرية محمد شقير، إن أهم دلالة للزيارة هو دخولها في إطار تدعيم العلاقات المغربية الإسرائيلية في إطار الاتفاق الإبراهيمي، الذي أكد على تحالف المغرب وأميركا ودولة الاحتلال.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "هذه الزيارة استكمال لما جرى التفاهم بشأنه في زيارة وزير الدفاع، وبعدها الداخلية، وذلك عبر توقيع مذكرات تفاهم عسكري بين البلدين".
وأوضح شقير الذي أصدر مؤلفات عن الجيش المغربي، أن "زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي في هذا الإطار تضمن التعاون العسكري والتدريب، وتبادل الخبرات، ونقل التكنولوجيا من خلال الاتفاق على تصنيع طائرات الدرون".
ومضى يقول إن "المغرب بحاجة الى الخبرة نظرا لرغبته في امتلاك صناعة سلاح خاصة، تدفعها الرغبة في الوصول إلى لعب دور قوة إقليمية، لذلك حرص على التحالف مع أميركا والتعاون مع إسرائيل".
وأفاد الباحث بأن هناك "تبادل مصالح بين الطرفين، إسرائيل تعد المغرب بوابة لإفريقيا، فيما تحرص الرباط على الحصول على نواة صناعية في أفق التصدير، وحتى تصبح قوة إقليمية عليك صناعة السلاح ضرورة، ولنأخذ مثال مصر وتركيا في المنطقة".
وعن تأثير الزيارة على العلاقات المغربية الجزائرية، قال شقير إن "الجزائر رفضت الاتفاق الثلاثي، لأنها تعتقد بأنه ضد مصالحها في المنطقة، وتعده فتح المجال لإسرائيل، فالمشاركة في المناورات، والزيارات، تثير مخاوف الجزائر من ترجيح الكفة العسكرية لصالح المغرب".
وبخصوص فلسطين قال الباحث إن "المغرب يقول أنه حريص على أن التقارب مع إسرائيل ليس ضد فلسطين، وفي هذا الإطار نفهم الوساطة المغربية التي أدت إلى فتح معبر الملك حسين الرابط بين الأردن ـ فلسطين".
وفي 16 يوليو، أفضت وساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس مع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اتفاق على فتح المعبر الوحيد بين الأردن والضفة الغربية المحتلة "جسر الملك حسين"، بلا انقطاع.
وكان المعبر يغلق في وجه المسافرين في أوقات معينة، خاصة يومي الجمعة والسبت.
وزاد الباحث أن المغرب يميز بين علاقته مع فلسطين وإسرائيل، فهو من جهة يرأس لجنة القدس، ويقدم دعما لسكان القدس وكامل فلسطين، وهذا ما دفع السلطة الفلسطينية إلى شكر المغرب على الوساطة".
مقاومة التطبيع
التقارب المغربي مع كيان الاحتلال لا يمر دون مقاومة، فأنصار فلسطين يواصلون الاحتجاج على هذه الخطوات، ولم تفلح المحاولات الرسمية في إقناع الرأي العام بأن التعاون مع الاحتلال هو لصالح فلسطين والمغرب.
وخلفت هذه الزيارة ردود فعل غاضبة في الشارع المغربي، وصلت أصداؤها البرلمان، حيث لقيت تفاعلا من رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية (المغرب) في مجلس النواب عبد الله بووانو.
وحذر بووانو في تصريحات نشرها عبر فيسبوك، في 29 يوليو، أنه بعد أن كان الاتفاق المعلن يقتصر على التطبيع في مجالين أو ثلاثة مجالات، أصبحت اليوم الهرولة تشمل قطاع التعليم والرياضة والثقافة وشتى المجالات.
وأضاف أن هذه الهرولة نحو التطبيع خطر على البلاد وعلى استقرار المغرب، والتطبيع مع الكيان الصهيوني خطر على البلاد، نقولها ونكررها".
من جهتهم، نظم المعارضون للتطبيع وقفة احتجاجية احتضنتها الساحة المقابلة للبرلمان في 18 يوليو في الرباط، وطالبوا بتقديم كوخافي للمحاكمة.
وعلق رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان، على هذه الزيارة قائلا إن "زيارة مجرم الحرب كوخافي للمغرب تأتي في سياق مسلسل التفريط في السيادة الوطنية ورهن الوطن واستتباعه لقرار كيان الاحتلال العنصري في تل أبيب".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أنها "تأتي أيضا في سياق توالي زيارات وزراء وقادة الكيان المحتل لبلادنا في الفترة الأخيرة؛ هذا السياق الذي أصبح يعبر عنه عدد من القادة السياسيين من مختلف المشارب، وعدد من الوزراء السابقين والفاعلين المدنيين بتوصيفات من قبيل الاستعمار الصهيوني".
وتابع: "والأخطر من كل هذا أن زيارة المجرم كوخافي تأتي بعد شهور قليلة من زيارة زميله وشريكه في جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وزير الحرب بيني غانتس الذي أثارت زيارته ضجة كبيرة إثر فضيحة الصلاة والدعاء الذي رفعه المصلون إلى جانبه في أحد الكنس اليهودية بالمغرب لفائدة جيش الاحتلال".
وأوضح ويحمان أن "زيارة هذا الإرهابي الذي قتل أربع طفلات مغربيات قبل شهور فقط بغزة والذي توجد بذمته أرواح الآلاف من الضحايا الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، تأتي والحديث يدور عن توطين 2 مليون يهودي صهيوني بالمغرب، حتى من غير أصول مغربية".
وزاد أن "زيارة هذا الإرهابي وغيره من قادة الإرهاب الصهيوني الذين يدنسون باب المغاربة بالقدس ويهدفون لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه تشكل تهديدا حقيقيا لأمن واستقرار ووحدة المغرب أرضا وشعبا".
ومضى يقول "وتبقى أكبر المخاطر هي ما هو مرسوم في الخطط الصهيونية والاستعمارية للمغرب والمنطقة من خلال ما يتم تحضيره من الصراعات الإثنية والنزعات الانفصالية التي يشرف عليها المستوى الأول من صنع القرار السياسي والاستخباري والعسكري في الكيان في أفق تمزيق المغرب والجزائر داخليا".