تصطاد قادة "بي كا كا".. المسيّرات التركية تمهد الطريق للعملية العسكرية بسوريا

12

طباعة

مشاركة

تصاعد اصطياد المسيرات التركية لقادة فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" بشكل ملحوظ أخيرا، تزامنا مع تأكيد أنقرة أن العملية العسكرية المرتقبة ضدها داخل الحدود السورية قائمة وقد تشن بأي لحظة

وتتحضر تركيا منذ مايو/أيار 2022 لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد فروع "بي كا كا" في مناطق متعددة شمال سوريا، بهدف توسيع المنطقة الآمنة، وإبعاد تلك الفروع عن مناطق المعارضة السورية بغية تحقيق مزيد من الاستقرار فيها.

ورغم محاولات روسيا وإيران والولايات المتحدة لثني تركيا عن شن العملية، فإن أنقرة تتمسك بها، إذ أكد المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، في 27 يوليو/تموز 2022، أن بلاده لن تطلب الإذن من أحد لشن العملية العسكرية، رافضا إعطاء موعد محدد لها.

اغتيالات نوعية

ووسط قرع أنقرة لطبول الحرب في شمال شرقي سوريا، ما تزال الطائرات المسيرة (الدرون) التركية التي اشتهرت بقلب الموازين العسكرية في أكثر من دولة، تقلق فروع "بي كا كا"، أكثر من أي وقت مضى.

وخاصة أن عمليات استهداف المسيرات التركية لعناصر وقادة "بي كا كا" في مناطق سيطرتهم بسوريا أخذت منحنى متصاعدا وصلت حد اغتيال متورطين بهجمات في الداخل التركي.

وحزب "الاتحاد الديمقراطي" "ب ي د" وهو الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا.

والفرع السوري من "بي كا كا"، هي قوات "ي ب ج" الكردية العمود الفقري لـ "قسد".

ومن أبرز العمليات التي نفذتها المخابرات التركية خلال يوليو 2022، تصفية "نصرت تبيش" القيادي في "بي كا كا"، المسؤول عن تفجير إسطنبول عام 2008، والذي أدى لمقتل 18 شخصا بينهم 5 أطفال، وإصابة 154 آخرين بجروح.

ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن مصادر أمنية، قولها في 30 يوليو، إن المخابرات التركية رصدت انتقال "تبيش" إلى أحد المنازل بمحافظة الحسكة السورية شمال شرقي البلاد، قادما من العراق التي فر إليها عقب التفجير المذكور، وجرى تحييده عبر عملية خاصة نفذتها على مقر إقامته.

وانضم "تبيش" إلى "بي كا كا" عام 1995، وتولى مناصب عدة في صفوف التنظيم.

وكشف قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في 30 يوليو 2022، أن هجمات المسيرات التركية أسفرت منذ 20 من الشهر المذكور عن مقتل تسعة مقاتلين من قسد وأربعة عناصر من قوى الأمن الداخلي "الأسايش".

وفي 24 يوليو، نعى مظلوم عبدي، مقتل قائدة العمليات المشتركة مع التحالف الدولي "جيان عفرين".

ووفقا للصحفي السوري قحطان الشرقي، فإن جيان اسمها الحقيقي سلوى يوسف وهي من مواليد 1980 بمدينة عفرين بريف حلب.

وانتسبت لتنظيم "بي كا كا" عام 2003 والتحقت بمعسكرات قنديل بالعراق في 2006.

وأضاف الشرقي، أن جيان تلقت العديد من التدريبات العسكرية على يد مستشارين عسكريين من السويد والدنمارك في سوريا.

وجاءت تلك التدريبات تحت ذريعة مكافحة تنظيم الدولة عام 2014، وأسست "وحدات حماية المرأة" أحد فروع "بي كا كا" بسوريا.

وذكر الشرقي على حسابه في فيسبوك، أن جيان استهدفتها طائرة بدون طيار تركية في مدينة عين العرب فقتلت مع عدد من عناصر "بي كا كا" بالتزامن مع مقتل ثلاثة قادة آخرين بقصف طيران تركي مسير في القامشلي.

هجمات دقيقة

كما قتلت إلى جانب "جيان"، القيادية في "ي ب ج"، "جوانا حسو" التي كانت إلى جانبها في السيارة، وهي تعمل تحت الاسم الحركي "روج خابور"، وتنحدر من مدينة الدرباسية شمالي الحسكة وهي من مواليد 1992.

وقد نشر عبدي صورا متفرقة لكل من "جيان" و"جوانا" على حسابه الشخصي في تويتر.

بدورها نشرت القيادة المركزية للقوات الأميركية (CENTCOM) رسالة تعزية بمقتل جيان، وذكرت أنها نائبة قائد ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، وفق ما نقلت وكالة الأناضول.

وأعلن المكتب الإعلامي لـ"قسد"، في الثاني من يوليو 2022 مقتل القيادية في "ب ي د" سهام مسلم، جراء استهداف طائرة مسيرة تركية لسيارتها في ريف الرقة.

وتنحدر مسلم من مدينة عين العرب بريف حلب الحدودية مع تركيا، وهي من مواليد عام 1990، وتلقب بـ "مزكين كوباني". وتشرف على مجموعة لـ "وحدات حماية المرأة" في بلدة عين عيسى.

وفي 20 يوليو نعت "قسد" مقتل اثنين من مقاتليها في هجوم طائرة مسيرة تركية على مدينة عين العرب على سيارة كانا يستقلانها، وهما "كندال روج آفا" و"برخدان كوباني".

واللافت أن حركة الطائرات المسيرة التركية تكاد تكون شبه دائمة في مناطق سيطرة فروع "بي كا كا" بسوريا.

وشكلت تلك المسيرات التركية أسلوبا ناجعا في تصفية قيادات وعناصر "قسد" شرقي الفرات بشكل بطيء.

وفي 24 يوليو، تحدثت وكالة الأناضول عن مقتل ما يسمى مسؤول منطقة "عين العرب" في "بي كا كا"، المدعو "شاهين تكين طانغاتش" الذي يحمل الاسم الحركي "كندال أرمني"، مشيرة إلى أنه شارك في العديد من الأعمال الإرهابية.

وبينت الوكالة أن طانغاتش كان ينشط في الماضي باسم "بي كا كا" في أرياف ولايات آغري وقارص ووان وبينغول وبيتليس التركية.

وفي هجوم واحد، استهدفت الطائرات المسيرة التركية أربعة عناصر من "ي ب ج" في 28 يوليو، كانوا يستقلون سيارة جنوب بلدة عين عيسى بريف الرقة، ما أدى لمقتلهم.

وبعد ساعات، نشرت مليشيا "قسد" صور وأسماء القتلى، وهم "بشار محمد علي بوزان، سلمى علي مصطفى، جيهان محمد مصطفى، وسارة محمد الحسين".

وفي 26 يوليو، استهدفت مسيرة تركية سيارة عسكرية في قرية "بير عرب" شمالي الرقة، كان بداخلها قائد عسكري من "قسد"، مما أدى لمقتله على الفور.

بؤرة للتنظيمات الإرهابية

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في لقاء مباشر على قناة "تي آر تي" الحكومية في 26 يوليو 2022، إن سوريا أصبحت بؤرة للتنظيمات الإرهابية.

ومضى يقول: " لذلك على إيران وروسيا اتخاذ موقف حيال سوريا، وخاصة في غربي وشرقي الفرات، فتنظيم بي كا كا يواصل هجماته على المدنيين وبلدنا".

وأكد أردوغان أن ملف العملية العسكرية الجديدة شمالي سوريا سيظل مدرجا على أجندة تركيا لحين "تبديد مخاوفنا المتعلقة بأمننا القومي".

وجاءت تصريحاته خلال عودته من إيران في 20 يوليو بعد حضور القمة الثلاثية السابعة لمسار أستانا لبحث تطورات سوريا، والتي جمعته مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي.

ولفت أردوغان، إلى أن فروع "بي كا كا" تعتقد عبثا أنها تستطيع خداع الجيش التركي من خلال رفع علم النظام السوري شمالي البلاد.

وأوضح الرئيس التركي أنه وفقا للنتيجة التي خرجت بها مفاوضات عملية أستانا، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة حاليا مغادرة مناطق شرقي نهر الفرات في سوريا.

وأشار إلى أن تركيا تتطلع أيضا إلى أن تنسحب واشنطن من شرق الفرات لأنها تدعم التنظيمات الإرهابية، وأنه بمجرد انسحابها فإن مكافحة الإرهاب ستصبح أسهل.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، بدأت قوات سوريا الديمقراطية عملية تمويه جديدة لحماية قادتها من المسيرات التركية، عبر شراء سيارات يستخدمها المزارعون وتوزيعها عليهم.

ولم تتوقف الهجمات التركية بطائرات مسيرة على مواقع عسكرية لقوات قسد في ريفي حلب والرقة والحسكة.

وبحسب موقع "نداء الفرات" المعارض، فإن قوات "قسد" نشرت في أبريل/نيسان 2022 مضادات أرضية من عيار 21 و14.5 على امتداد خطوط التماس مع فصائل "الجيش الوطني السوري" المعارض المدعوم من تركيا شمال الحسكة وشمال الرقة، بهدف التصدي للمسيرات التركية.

وكان الرئيس المشارك للمجلس التنفيذي في "الإدارة الذاتية"، عبد حامد المهباش، عد في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن الهجمات التركية المستمرة "من أكبر التحديات التي تواجه مناطقها شمال وشرق سوريا"، مطالبا الولايات المتحدة وروسيا بالتدخل الفوري.

سيدة المعارك

والآن باتت الطائرات العسكرية المسيرة العمود الفقري لقوات تركيا الجوية بفضل قدراتها التقنية المرتفعة، والتي بدأت الشركة التركية للصناعات الدفاعية "بيكار" عام 2007 المرحلة الأولى بتطوير نموذجها "بيرقدار TB2"، وأجرت أولى رحلاتها في يونيو/حزيران 2009.

وتصنف "بيرقدار TB2" ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية، التي تقدم مهام المراقبة والهجوم، إذ يمكنها التحليق على ارتفاع "20 ألفا إلى 27 ألف قدم" نحو 8 آلاف متر، وحمل معدات بوزن 150 كيلوغراما، والطيران حتى 25 ساعة متواصلة.

بالإضافة إلى تميزها بإمكانية إجراء مهام الاستكشاف والتدمير الفوري للأهداف خلال الليل والنهار.

إذ تعمل على تزويد مراكز العمليات للقوات المسلحة التركية بمعلومات دقيقة، فهي مزودة بكاميرا تبلغ دقتها 1.8 مليار بيكسل، فضلا عن كونها قادرة على استهداف التهديدات المحددة بذخائر وصواريخ محمولة على متنها.

وفي الثاني من يوليو، أعلنت شركة "بايكار" التركية نجاح المسيرة الهجومية "بيرقدار أقنجي تيها" في أول اختبار لإطلاق ذخيرة "مجموعة التوجيه بالليزر" (LGK-82) وإصابتها الهدف بدقة.

ويمكن لـ"أقنجي تيها" التحليق 24 ساعة متواصلة، بارتفاع يصل حتى 40 ألف قدم، فيما يبلغ وزنها 6 أطنان، وحمولتها المفيدة من الذخيرة 1.5 طن.

وساهم الطيران المسير التركي في نجاح العمليتين العسكريتين التركيتين الهادفتين لقطع الطريق أمام محاولات فروع "بي كا كا" وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها، تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

الأولى، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".

والثانية، في 9 أكتوبر 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، إذ أبعدت قوات "ي ب ج" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.

كما كان لطائرات "بيرقدار" دور كبير في حسم عملية "درع الربيع" العسكرية التي نفذتها تركيا برا وجوا بين 27 فبراير/شباط و5 مارس/آذار 2020 في إدلب لمنع توسع النظام وضمان أمن القوات التركية الموجودة في المنطقة، وقالت أنقرة حينها إن "العملية منعت حدوث مأساة إنسانية كبيرة شمالي سوريا".

وجاءت العملية بعد ساعات من مقتل 33 جنديا تركيا في غارات للنظام السوري استهدفت تجمعا عسكريا لهم في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب.

وفي غضون يومين فقط، تمكنت "بيرقدار" من إلحاق خسائر فادحة بالنظام السوري البشرية وفي عتاده الثقيل.

فبحسب الدفاع التركية، أسفرت "درع الربيع" عن تحييد 3 آلاف و473 عنصرا، فضلا عن 3 طائرات و8 مروحيات وطائرة مسيرة مسلحة و93 دبابة و36 عربة مدرعة و67 مدفعا و10 أنظمة للدفاع الجوي.

وتركت وقتها قوات النظام السوري وحدها تواجه الهجمات التركية، وسط صمت مريب من حليفتيه روسيا وإيران.