عوامل داخلية وخارجية.. هل يكرر لبنان سيناريو 2016 لاختيار رئيسه الجديد؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على بعد نحو ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، بدأت الأطراف السياسية المعنية بمنصب الرئيس تتحدث عن ضرورة الإسراع بانتخاب شخصية جديدة تخلف عون في المرحلة المقبلة، تجنبا لحصول فراغ رئاسي سبق وعانى منه لبنان في عهدين سابقين.

ووقع لبنان في فراغ رئاسي مرتين، الأولى استمرت 6 أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق إميل لحود عام 2007، والثانية كانت بعد ختام عهد الرئيس السابق ميشال سليمان عام 2014، حيث بقي المنصب خاليا مدة عامين ونصف العام حتى انتخاب ميشال عون عام 2016.

وطبقا للدستور اللبناني، فإن منصب رئيس الجمهورية يذهب إلى المكون المسيحي الماروني في البلد، ويجرى انتخاب الرئيس داخل البرلمان كل 6 سنوات لفترة رئاسية واحدة لا تمدد. ويتولى السنة رئاسة الوزراء، فيما يحصل الشيعة على رئاسة البرلمان.

سيناريو 2016

تخشى القوى السياسية المناوئة لـ"حزب الله" وحلفائه من تعطيل الأخير جلسات البرلمان لانتخاب رئيس جديد موالٍ لهم كما حصل في سيناريو 2016، وتمكنه من إيصال حليفه عون الذي ينتمي لـ"التيار الوطني الحر" إلى قصر بعبدا، وبالتالي أصبح يتحكم بمنصبي رئاسة الجمهورية والبرلمان.

وعلى ضوء ذلك، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي رئيس الكنسية "البطريركية المارونية" في بكركي خلال بيان، في 13 يوليو/ تموز 2022 إلى انتخاب رئيس للجمهورية في بداية المهلة الدستورية المحددة لانتخابه أي قبل شهرين على انتهاء الولاية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

ولأن قرار تحديد موعد جلسات الانتخاب يعود دستوريا إلى رئيس البرلمان نبيه بري، فإن دعوة البطريرك الماروني المدرك لإمساك الثنائي "حركة أمل" و"حزب الله" بقرار الجلسات، تعبّر عن تخوف واضح من تكرار سيناريو التعطيل عام 2016 ودخول الموقع الماروني الأول مرحلة الفراغ.

تتعارض مواقف البطريرك الماروني من الاستحقاقات الدستورية في لبنان مع توجهات "التيار الوطني الحر" الطامح إلى تولي زعيمه جبران باسيل منصب رئيس الجمهورية خلفا لميشال عون، وهو ما يشي بوجود قطيعة غير معلنة بين الطرفين ستلقي بظلالها على انتخابات الرئاسة، بحسب مراقبين.

وحدد البطريرك الماروني مواصفات الرئيس المقبل، محذرا في الوقت ذاته من تعطيل جلسات الانتخاب. ولخص الراعي المواصفات المطلوبة في أن يكون "رئيسا متمرسا سياسيا وصاحب خبرة، محترما وشجاعا ومتجردا ورجل دولة وحياديا في نزاهته وملتزما وطنيته".

وتابع الراعي: "ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب ولا يشكل تحديا لأحد، ويكون قادرا على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية على جمع المتنازعين، للشروع في وضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقي والتغيير الإيجابي".

وعلى الصعيد ذاته، كان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وهو أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، قد دعا أطراف المعارضة، حزب الله وحلفاءه، إلى الاتفاق على اسم واحد، واصفا الاستحقاق الرئاسي بأنه "المفترق الأساس الذي سيحدد مصير لبنان للسنوات الست المقبلة".

وحذر جعجع خلال تصريحات تناقلتها وسائل إعلام لبنانية في 10 يوليو، من خطورة عدم الاتفاق على مرشح واحد، بالقول إن "تعذر اتفاق المعارضة على اسم مرشح واحد سيسهّل على الفريق الآخر الإتيان برئيس محسوب عليه، ما يعني أننا سنعيش ست سنوات إضافية في جهنم أعمق وأصعب".

انقسام المعارضة

يمثل عدم الاتفاق بين صفوف المعارضة عقبة رئيسة أمام اختيار شخصية واحدة لرئاسة الجمهورية وتجنب تكرار سيناريو 2016، إذ إن محاولات توحيدهم فشلت أثناء انتخاب نائب رئيس المجلس وهيئة المكتب وكذلك في تسمية رئيس الحكومة المكلَّف، في 31 مايو/ أيار 2022.

وتتكون أحزاب المعارضة من حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" وكذلك "الحزب التقدمي الاشتراكي"، والنواب التغييريين (يمثلون حراك أكتوبر 2019) والنواب المستقلين ومن بينهم أيضا مرشحون لرئاسة الجمهورية كالنائب ميشال معوض والنائب نعمت افرام.

وبحسب المادة 49 من الدستور فإن رئيس الجمهورية يُنتخب بغالبية ثلثي مجلس النواب في الدورة الأولى من الاقتراع أي 86 نائبا، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. ويكفي أن تتكون مجموعة من 42 نائبا ولا تحضر الجلسات لتعطيل النصاب.

وإذا جرى قياس عدد الأصوات المعارضة، على عدد الأصوات انتخاب رئيس البرلمان نبيه بري، فإن الأخير حصل على 65 صوتا من إجمالي 128، فيما صوت 23 نائبا بورقة بيضاء، إضافة إلى 40 ورقة ملغاة.

وصوّت لصالح بري كل من نواب "حزب الله"، وحركة "أمل"، والحزب "التقدمي الاشتراكي" الذي يتزعمه وليد جنبلاط، وبعض النواب المستقلين المقربين من قوى 8 (مارس) آذار. لكن حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية" المسيحيين، إضافة إلى نواب مستقلين ومن "قوى التغيير"، أعلنوا عدم منح أصواتهم لبري.

وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 15 مايو/ أيار 2022، تراجع عدد مقاعد "حزب الله" و"حركة أمل" و"الوطني الحر" (ماروني) وحلفائهم من 71 إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، والبعض الآخر مستقل.

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب اللبناني فارس خشان، أن "الانتخابات الرئاسية لو جرت في الأيام القليلة المقبلة، فسيكون الجواب الأكثر ترجيحا أن حظوظ الفراغ الرئاسي كبيرة جدا، مثله مثل حظوظ عدم تشكيل حكومة جديدة".

واستدرك خلال مقال نشرته صحيفة "النهار" اللبنانية في 19 يوليو، "لكنّ المعطيات لن تكون هي نفسها، مع دخول لبنان في المهلة الدستورية لهذا الاستحقاق المطلوب إنجازه لبنانيا وعربيا ودوليا".

وأشار إلى أن "الصورة ستتضح مع حلول سبتمبر/ أيلول المقبل، خلافا لما هي عليه اليوم، ذلك أنّ الرؤية الإقليمية والدولية للبنان، تكون قد أظهرت نفسها، تماما كما رؤية (حزب الله) لموقعه ودوره وآفاقه".

وأضاف: "وفي هذه الحال، فإن للصدام، إذا كان هو السائد، أحكامه وللهدنة، إذا فرضت نفسها، نتائج. وعليه فإنّ الاهتمام، في هذا التوقيت، باستشراف مآلات الانتخابات الرئاسية، يصلح لترويج المواصفات أكثر ممّا يصلح لتكوين قرار".

عوامل خارجية

وبخصوص الانعكاس الإقليمي والدولي على انتخابات الرئاسة اللبنانية، يقول الكاتب اللبناني إيلي القصيفي، إن "كلّ المتغيّرات اللبنانية والإقليمية والدولية لا تغيِّر في معطى لبناني رئيس يتّصل بانتخابات رئاسة الجمهورية، وهو أنّ حزب الله ما يزال، كما في عام 2016، الناخب الرئاسي الأوّل".

ويوضح خلال مقال نشره موقع "أساس ميديا" اللبناني في 20 يوليو، أن "هذا يعني أنه أيا تكن حسابات الحزب فيما يخص هذه الانتخابات بالنظر إلى المسارات الدولية والإقليمية الجديدة، وبالنظر أيضا إلى وطأة الانهيار الاقتصادي الداخلي وشلل الدولة، فهو لا يمكنه القبول برئيس جديد لا يواليه في الملفّات الرئيسة.

ويضيف القصيفي: "فإذا كان من الممكن للحزب أن يقبل بمرشح (أقل ولاء) من العماد عون، فهو بالتأكيد يريد رئيسا (أكثر ولاء) من العماد ميشال سليمان".

ويتابع: "لذلك يخضع الاستحقاق الرئاسي، من حيث إتمامه ضمن المهلة الدستورية المحددة له، ومن حيث طول أمد الفراغ في حال وقع، بالدرجة الأولى لمعايير حزب الله، سواء في (نوعيّة) الرئيس أو طبيعة التسوية التي ستأتي به، لا سيما أن أي تسوية رئاسية لا بد أن تشمل ترتيبات السلطة في مطلع العهد الجديد بدءا من تشكيل الحكومة الجديدة". 

ويرى القصيفي أنه "لن تكون التسوية الرئاسية هذه المرة داخلية مئة بالمئة، أو بالأحرى لن تكون عناصرها الداخلية مكتملة، بل ستكون تسوية هجينة داخلية- خارجية، مع ترجيح أن تلعب فرنسا دورا رئيسا فيها بأن تكون وسيطا بين الحزب ومن ورائه إيران وبين واشنطن والرياض".

من جهته، رأى الكاتب اللبناني حنا صالح، أن انتخابات الرئاسة لم تكن في يوم من الأيام صناعة لبنانية. على الدوام كانت موضع تجاذب خارجي. وعلى الدوام كان الدور اللبناني يتقزم زمن الأزمات، و(يتعملق) زمن الاسترخاء، وفي النهاية لم يكن قرارا محليا، بقدر ما كان وصول الشخص المحظي إلى الرئاسة يعكس في شخصه توازنات وتقاطعات خارجية".

وأضاف خلال مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في 21 يوليو: "قبل الذهاب إلى رئاسيات 2022، هناك الكثير من الأسئلة المطروحة ويمكن اختصارها بسؤال محوري عن انعدام تأثير القوى السياسية اللبنانية تاريخيا في أبرز استحقاقٍ دستوري، ألا وهو رئاسة الجمهورية.

ومضى يقول: "هل يعود ذلك للنظام الطائفي وارتباط الأطراف الطائفية بجهات خارجية فانعدم الوطني لصالح الطائفي؟ ربما ولا بد للدارسين المؤرخين من الإجابة عن هذه المسألة".

وأوضح صالح أن "الأكيد أن كل الظروف المحيطة برئاسيات العام الحالي مغايرة لما كانت عليه في عام 2016. داخليا تتم بعد الانهيار الكبير، في مرحلة تميزت بسيطرة (حزب الله) الكاملة، والفشل المريع الذي مثله وجود عون في الرئاسة".

وتابع: "ما تسبب في انفجار ثورة (17 تشرين/أكتوبر) التي عرّت الطبقة السياسية وكشفت عن فسادها فأخلت الفضاء العام كمتهمة، لكنها لم تسقط ولم تحاسب رغم تصدع نظام المحاصصة الغنائمي".

وأردف قائلا: "لقد خسر (الحزب) أكثريته النيابية، مع فشل الكثير من حلفائه وإضعاف الآخرين، وبات غير قادر على الإملاء والفرض، وبين (حلفائه) ما (صنعه الحداد)، في حين تمثل الجديد بوصول 13 نائبا يعكسون الجو التشريني، هم نواب الثورة، وهم الأكثر ارتباطا بنسيج البلد مناطق وشرائح وفئات".

وأكد صالح أنه "رغم الوقت القصير الذي مرّ على انتخابهم فرضوا ممارسة سياسية لم تكن مألوفة لجهة الانسجام مع الدستور والقوانين".

وأضاف: "هم أمام تحدي ترشيح لرئاسة الجمهورية مقنع للمزاج الشعبي، محترم ومتجرد ودستوري قادر على القيام بدور المرجعية الوطنية والأخلاقية، لإفشال محاولات المتسلطين نسج تسوية ترضي الخارج ومن ارتهنوا البلد للممانعة، ليستمر تسلط التحالف الذي يقوده حزب الله، باستبدال اسم سليمان فرنجية أو حتى جبران باسيل باسم ميشال عون، ويتم القفز مجددا فوق مآسي الناس ومتطلبات انتشال البلد".

وبين أن "الظروف الإقليمية رغم تغول نظام الملالي (في إيران). لكن لا (الخيار الإيراني) في أوجه مع فشل (فيينا)، ولم يعد العالم العربي في موقعه السابق، وآخر الأدلة قمة جدة التي انعقدت بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن، وما أبرزته من اهتمام بمكانة لبنان ودعم سيادته واستقراره وأمنه واعتزام نجدة شعبه".

وتوصل الكاتب اللبناني إلى أن "الأكيد، أن الأفق الخارجي يشهد تبدلا وهناك تغيير داخلي، ولو نسبيا، وباستنفار الناس واستعادتهم إلى الفعل السياسي ستتبلور (الكتلة التاريخية) كحالة شعبية فاعلة من دونها سيحل الشغور في الرئاسة وسيبقى الأمل بالتغيير معلقا".

يذكر أن عون قد صرح لقناة الجزيرة القطرية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أنه ينوي ترك منصبه بعد انقضاء فترة ولايته، لكنه أشار إلى أنه سيبقى في حال اتخاذ مجلس النواب قرارا لاستمرار توليه الرئاسة.