بينهم السيسي.. كيف نجحت "أوبر" في رشوة سياسيين ورؤساء دول؟

12

طباعة

مشاركة

في 10 يوليو/تموز 2022 كشفت صحيفة الغارديان البريطانية حصولها على أكثر من 124 ألف وثيقة سربت لها من شركة "أوبر" للنقل التشاركي عبر "مارك ماكغان" أحد موظفيها السابقين، تغطي الفترة ما بين 2013 و2017.

"وثائق أوبر" وبينها 83 ألف بريد إلكتروني، شاركتها الغارديان مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وعمل عليها 180 صحفيا من 44 صحيفة من 29 دولة، شاركوا في فحصها وكشفوا العديد من فضائح الفساد وممارسة النفوذ في العالم.

ظهر أن الشركة اعتمدت على كسر قوانين الدول وإعطاء رشاوى سخية لسياسيين ورؤساء دول لضمان انتشارها السريع ونجاحها، ومن ضمنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وشخصيات عربية لم يجر ذكرها.

بينت الوثائق العلاقة بين شركة "أوبر" وبين رؤوس هرم السلطة في كثير من الدول، وطبيعة العلاقات بينها وبين النخب الحاكمة في دول منها مصر ولبنان والسعودية والإمارات والرسائل المتبادلة بين الشركة وبين نافذين في حكومات هذه الدول. 

أخطر التسريبات

العمل الصحفي "الاستقصائي" كشف أن شركة "أوبر" كانت تنفق 90 مليون دولار سنويا في "جهود الضغط (اللوبي) العالمية والعلاقات العامة"، ما مكنها من الوصول إلى أعلى المستويات في السلطة بعدة بلدان.

ومن الأسماء المتورطة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي أعاد صياغة القوانين لتصبح لصالح أوبر، ونيلي كروس مفوضة الاتحاد الأوروبي السابقة للمجال الرقمي.

تبين أيضا أن الشركة انتهكت قوانين 40 دولة وفرضت نفسها ودخلت للعمل بالقوة في هذه الدول حتى وهي ممنوعة وغير مرخصة، مستغلة الضغوط على كبار رجال الأعمال ورؤساء ووزراء حول العالم وأقطاب إعلامية ضخمة.

وكشف الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن أوبر سعت للتصدي للاحتجاجات التي واجهت عملها في دول العالم، ببناء شبكة علاقات معقدة مع السلطات الحاكمة، ما مكنها من الضغط لسن تشريعات لمصلحتها، أو تجاوز قوانين.

من بين آلاف الوثائق التي جرى نشرها يمكن رصد أخطر التسريبات على النحو التالي:

سعت الشركة، وفق الوثائق، لربط وصولها إلى بلدان العالم العربي مثل مصر ولبنان والخليج بشكل يجعل الفساد هو القناة الوحيدة للعلاقة بين المواطنين وبين دولتهم.

بخلاف رشوة سياسيين والإنفاق على الحملات الدعائية، بينت الوثائق خرائط توظيف "أوبر" كل شيء في خدمة البزنس الجديد، ومن بينها تمويل "أكاديميين" لنشر دراسات داعمة للشركة على صعد مختلفة.

وتوظيف "أوبر" للإعلام الدولي والمحلي خدمة لمصالحها، عبر إنفاق مبالغ نقدية كبيرة على آلية تأثير عالمية وضعت لكسب رضا السياسيين والهيئات التنظيمية والقادة الآخرين، الذين غالبا ما كانوا حريصين على تقديم يد العون. 

سعيا لنشر رسالتها، جمعت أوبر وشركة استشارية قوائم تضم أكثر من 1850 ممن أسمته "الأطراف المعنية من أصحاب المصلحة" (stakeholder) من مختلف القطاعات الذين جرى رشوتهم وهم: مسؤولون حكوميون سابقون ومراكز أبحاث وتفكير وفئات من المواطنين.

أيضا عُرض على بعض أعضاء جماعات الضغط والمستشارين في أوبر حصصا في الشركة كي يحققوا نتائج إيجابية، وهي وفقا للوثائق، هدايا وامتيازات ودعم حملات سياسية مجانا وخصومات على رحلات Uber، ووجبات غداء "فائقة المستوى".

بالمقابل، حددت الشركة قوائم ومنهم كمثال أكثر من 250 من الحلفاء والخصوم وغيرهم في فرنسا، بما في ذلك حوالي 180 من السياسيين والمسؤولين الحكوميين.

تظهر وثائق "أوبر" عقد نحو 100 اجتماع على الأقل بين مسؤولين تنفيذيين في الشركة ومسؤولين حكوميين من دول مختلفة من 2014 إلى 2016.

وتُظهر السجلات أن المسؤولين التنفيذيين في أوبر اجتمعوا مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء الأيرلندي آنذاك إندا كيني، وآخرين من قادة العالم.

في عام 2016، طلب جو بايدن نائب الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، عقد اجتماع مع كالانيك في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، وعقب الاجتماع غير أجندة أحاديثه لمدح الشركة.

استخدمت أوبر عدة مرات ما يسمى "مفتاح القتل أو القفل "Kill Switch الذي يعني محو سجلات الشركة في دولة ما بلمسه زر من مقراتها بالخارج، حال تمت تحقيقات جنائية وتنظيمية في أي دولة بشأن أنشطتها.

وبحسب ما ورد فقد جرى استخدام المفتاح أكثر من عشرين مرة لإحباط جهود جمع المعلومات التي يحتمل أن تكون صحيحة من قبل الضباط المحليين في عدة دول.

أيضا جندت أوبر كتيبة من المسؤولين الحكوميين السابقين، بما في ذلك العديد من المساعدين السابقين للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لمطالبة المسؤولين الحكوميين بإسقاط التحقيقات وتغيير السياسات المتعلقة بحقوق العمال وصياغة قوانين جديدة لسيارات الأجرة.

لقاءات السيسي

لأن النظام المصري والأوضاع السياسية في البلاد كثيرة التقلبات، وغير مستقرة بعد ثورة 2011 ثم انقلاب 2013، تظهر الوثائق أن أوبر كانت حريصة في بداية عملها في مصر على إبقاء مسافة آمنة بينها وبين الدولة.

وبالمقابل، حاولت إدارة الشركة (في فترة الوثائق المسربة التي تنتهي حتى عام 2017) التقرب من كبار رجال الأعمال والدبلوماسيين النافذين، بدلا من التعاطي مع الدولة بشكل مباشر، مثل رجل الأعمال محمد شفيق جبر القريب من السلطة للدعاية لها.

كما تقربت من سفير مصر في الأمم المتحدة عمرو أبو لطة الذي كان قريبا من وزير الخارجية سامح شكري، والذي كان سفيرا سابقا لمصر في الولايات المتحدة الأميركية.

لكن الوثائق كشفت أن الرئيس التنفيذي للشركة "خسرو شاهي" اجتمع لاحقا عدة مرات مع عبد الفتاح السيسي، عقب استقرار حكمه، آخرها عام 2021.

ويلاحظ أن الأمر انتهى (بعد تاريخ فترة الوثائق المسربة) بتوقيع السيسي على مرسوم في 26 يونيو/حزيران 2018 يسمح لشركات النقل البري ومنها أوبر بالعمل بشكل قانوني، دون معرفة المقابل الذي حصل عليه رئيس النظام لأنها فترة لم يجر تسريب وثائقها.

تكشف الوثائق أيضا أنه في عام 2014 تلقت شركة أوبر دعوة مغلقة من مكتب السيسي يشارك فيها حوالي 10-15 رئيسا تنفيذيا أميركيا وبلغت تكلفة المشاركة في اللقاء 10 آلاف دولار أميركي.

وبينت الوثائق تدخل ديفيد بلوف، المستشار الرئيس للرئيس التنفيذي لأوبر حينها، والذي سبق أن كان عضوا في الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لدى المسؤولين المصريين عقب احتجاجات سائقي التاكسي على تأثير الشركة عليهم.

وأنه عقد لقاء بين الوزراء المصريين المعنيين في فبراير/شباط 2016، ثم تفاوضت أوبر مع الحكومة المصرية مايو/أيار 2016، من أجل تيسير عمل الشركة وسائقيها عبر إعطائها "نوعا من رخصة مخفّفة" وفق الوثائق.

وعقدت اجتماعات لاحقة مع وزراء مصريين، عقب تعيين "خسرو شاهي" رئيسا لشركة أوبر وبدء لقاءاته مع السيسي في نيويورك خلال أكتوبر/تشرين أول 2018، والتي تكررت لاحقا عدة مرات، وتأييد رئيس النظام توسع الشركة في مصر.

في نفس العام 2018، كان من المفترض أن تمثل أوبر أمام المحكمة العليا في مصر بعدما رفع 42 سائقا للأجرة دعوى قضائية ضدها لكونها غير قانونية وتستخدم السيارات ذات اللوحة الخصوصية لتوظيفها مع الشركة.

وقد فاز حينها سائقو التاكسي بالقضية، وأصدرت المحكمة قرارا بإيقاف عمل شركتي أوبر وكريم فورا. لكن أوبر رفضت ذلك وقالت إنها ستكمل عملها بشكل طبيعي في القاهرة. 

وقبل موعد المحكمة الأخيرة، أصدر مجلس الدولة قانونا يسمح لشركات نقل الركاب المشترك، مثل أوبر، بالعمل بشكل طبيعي لتيسير أمورها وبذلك أُبطل قرار المحكمة.

بعدها، وقع السيسي على مرسوم يسمح لشركة أوبر بالعمل بشكل قانوني، ولا يعرف المقابل الذي حصل عليه، حيث بينت وثائق الشركة حتى 2017 دفع رشاوي لسياسيين، لكن اتفاق السيسي خارج نطاق تاريخ الوثائق المسربة.

أسواق عربية

وحاول الجيش المصري عام 2018 منافسة شركة أوبر وغيرها عبر إعلان شركة جديدة تسمي "دابسي"، كان يديرها المتحدث العسكري السابق للجيش العميد محمد سمير، كبيزنس جديد للعسكر.

وقالت الشركة حينئذ إنها ستنافس أوبر وكريم وستوفر طائرات هليكوبتر بجانب 100 ألف سيارة واتوبيسات ودراجات بخارية، لكن الشركة فشلت وتوقفت قبل بدء عملها لأسباب مجهولة.

قبل ذلك كشف صحيفة نيويورك تايمز في 10 يونيو 2017، أن جهات سيادية، هي "المخابرات الحربية"، طالبت شركتي أوبر وكريم، بالكشف عن البيانات الخاصة بعملائهما والسائقين العاملين للتنصت على خصوصية المصريين وتتبع رحلاتهم.

وقال مسؤول في شركة "كريم" للصحيفة الأميركية: عرض اللواء علاء عطوة من الجيش المصري خلال اجتماع في 19 يناير/كانون الثاني 2017، صفقة، تشتري بموجبها شركة مملوكة للجيش تسمى MSA دهب 5 بالمئة من أسهم فرع مصر وتستضيف خوادمه.

وبرر اللواء علاء عطوة حرص الجيش على دخول هذا المجال حينئذ بقوله لمسؤول شركة كريم إن "المعلومات هي القوة ونحن نحتاجها".

وقالت نيويورك تايمز إن "كلتا الشركتين تمنحان طوعا معلومات الزبائن للأمن في عدة دول، فيما يخص قضايا معينة أو استجابة لطلب قانوني.

لكن السماح للأجهزة الأمنية المصرية بالدخول الي أنظمة أوبر الالكترونية، يمنحها قدرات أوسع على تتبع أشخاص متعددين وتحليل تاريخ وأنماط رحلات الشخص المستهدف".

وتشير الوثائق عن مصر أيضا إلى أن أوبر استعانت بباحثين أكاديميين لإجراء دراسة (دعائية) عن أهمية عملها في مصر وتأثيرها الإيجابي على الاقتصاد المصري، مثل أن "56 بالمئة من السائقين يعدونها الركيزة الأساسية لقوتهم اليومي".

حين دخلت أوبر السوق المصرية كان عليها أن تُسكت عشرات الآلاف من سائقي سيارات التاكسي الذين شعروا بتهديد أوبر للقمة عيشهم فاتخذت من رجال أعمال وسياسيين مفتاحا لهم. 

وحين دخلت السوق اللبنانية كانت الشركة تدرك أنها لن تتمكن من ذلك بدون "أقوى دعم سياسي" حسبما ذكرت في إحدى مراسلاتها الداخلية وبدأت بجملة لقاءات واسعة مع سياسيين ومسؤولين نافذين.

لكن حين أرادت شركة أوبر دخول الإمارات المتحدة، دخلت مباشرة عبر حاكم دبي رئيس الوزراء، محمد بن راشد آل مكتوم والدائرة القريبة منه، وفق الوثائق المسربة.

وبناء على الوثائق حاول فريق "أوبر" مخاطبة أبوظبي بلغتها عبر استخدام الكلمات والشعارات الرنانة: "أصحاب رؤية"، "الابتكار"، و"ريادة أعمال" لأن الإمارات تحب أن يكون كل شيء لديها "هو الأول من نوعه، الأكبر أو الأفضل في العالم".

وفي السعودية نفذت شركة أوبر جهودا تسويقية عبر الوزير توفيق الربيعة، وهو حاليا وزير الحج والعمرة السعودي منذ 15 أكتوبر/تشرين أول 2021، وكان قبلها يشغل منصب وزير الصحة منذ مايو 2016

توصيف وثائق أوبر لأنظمة الحكم في العالم العربي والخليج بأنها "أنظمة المحسوبية"، هو أمر معروف لشعوب هذه الدول، لكن كشف الوثائق يتوقع أن يضع مزيدا من الضغوط على الأنظمة الفاسدة بعد أحداث سريلانكا وغيرها. 

وملفات أوبر، التي أظهرت فسادا عابرا للدول، وصفقات سرية، ومسؤولون متواطئون، وكيف تصبح الشركات أكبر من الحكومات، يتوقع أن يكون لها دور آخر في تسخين غضب الشعوب الذي تحذر دراسات من أنه وصل لمرحلة الغليان.

جديد هذه الوثائق أيضا هو كشفها ضمنا أيضا لفساد القضاء المصري وإصداره أحكاما لصالح أوبر ضد حقوق سائقي التاكسي المحلي، وأن رفعهم دعاوى في القضاء ضد الشركة لم يجلب لهم حقوقهم بسبب رشاوي القضاة أيضا بجانب السياسيين.

وهو ما يتوقع أن يزيد غضب سائقي التاكسي ويعرقل خطط حكومية لإدماجهم عبر شركة أوبر.

ومع تزايد الخدمات المنافسة في دول عربية منها مصر مثل ديدي الصينية وإن دريفر الروسية ورفع أوبر المستمر لأسعار خدماتها وظهور فضائها، يتوقع عزوف مزيد من المصريين عن خدماتها، ما يؤدي لتقلص أعمالها.

وسبق أن قالت مصادر في "أوبر" لوكالة رويترز البريطانية في 7 مايو 2020 إن الشركة سرحت نحو 40 بالمئة من العاملين لديها في مصر مع تراجع عدد الركاب تزامنا مع انتشار فيروس كورونا. وجاءت منافسة الشركات الجديدة لتزيد الأزمة.