أمدها بالغاز لسنوات.. 4 فوائد يحققها المغرب ببدء "التغذية العكسية" من إسبانيا

12

طباعة

مشاركة

عادت الحياة إلى خط أنابيب "المغرب العربي - أوروبا"، حيث جرى لأول مرة أواخر يونيو/حزيران 2022، نقل الغاز عبره، بعد توقف دام ثمانية أشهر كاملة.

وانطلقت عملية ضخ الغاز بشكل "عكسي" لأول مرة في تاريخ البلدين، بعد أن تم نقل الغاز من إسبانيا هذه المرة باتجاه المغرب.

عودة الحياة

وكشف موقع "ألبيريو ديكوديلا إينيرجيا"(elperiodicodelaenergia) الإسباني عبر تقرير نشره في 28 يونيو/حزيران 2022، أن "المغرب استلم أولى وارادته من الغاز المنقول عكسيا من مدريد".

وأوضح أن "سفينة صغيرة تحمل الغاز الخام حطت رحالها بالشواطئ الإسبانية في 26 يونيو 2022، قبل أن يجري نقل حمولتها إلى محطات تسييل الغاز بإقليم الأندلس المحاذي للمغرب"، ولم تكشف الجريدة عن اسم الميناء ولا المدينة التي حطت فيها السفينة المغربية. 

C:\Users\DELL\Desktop\جانب من الجانب الإسباني من خط أنابيب المغرب العربي ـ أوروبا.jpg

من جهتها، كشفت شركة "إيناغاس" (Enagás) الإسبانية المتخصصة في نقل المحروقات، أن المغرب استفاد بعد انطلاق أولى عمليات "تسييل" الغاز من 5900 متر مكعب في الساعة، وهي كمية أقل بكثير من الكمية التي كانت تصله من الجزائر، حيث كانت تصل إلى 900 ألف متر مكعب في الساعة.  

و"تسييل الغاز"، عملية كيميائية معقدة يتم فيها استخراج الغاز من حقول النفط والغاز، ثم ينقل عبر أنابيب خاصة إلى منشأة المعالجة، حيث تتم عمليات معالجة إضافية عبر التبريد، وتسمى "تسييل" الغاز.

وكانت الجزائر قد قررت بشكل منفرد، بعد احتدام خلافاتها السياسية مع الرباط، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عدم تجديد اتفاقية نقل الغاز الجزائري إلى أوروبا، والذي كان يتم عبر خط أنابيب مقام على الأراضي المغربية، ومنه كانت الرباط تستفيد ماليا وتحصل أغلب حاجاتها طاقيا.

هذه التطورات جاءت أسبوعا واحدا، بعد إعلان وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، في 20 يونيو 2022، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، نجاح المغرب في توقيع عقد لتوريد الغاز، وتفادي الأزمة.

C:\Users\DELL\Desktop\ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.jpg

سوق الغاز 

قبل أشهر من قرار الجزائر توقيف العمل باتفاقية تصدير المحروقات إلى أوروبا عبر خط "المغرب العربي - أوروبا" الذي يمر عبر المغرب، شرعت الرباط في البحث عن بدائل لتوفير احتياجاتها من الطاقة، خاصة الكهرباء.

وفي معرض جوابها خلال جلسة مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) في 20 يونيو 2022، قالت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بنعلي، إن "العروض (المناقصة) خضعت لدراسة مستعجلة ودقيقة والتفاوض مع الشركات المعنية، قادتها لجنة خاصة".

C:\Users\DELL\Desktop\أعلن المغرب نيته دخول سوق الغاز المسال لأول مرة في تاريخه.jpg

وكشفت الوزيرة أن المملكة "وضعت خطة استعجالية لتلبية حاجياتها من الكهرباء، والتي تتطلب نصف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، سنويا في المدى القصير". 

وأشارت إلى أن "القدرة الإجمالية لتخزين المواد البترولية بالمغرب تبلغ، 1.8 مليون طن، ما يغطي 57 يوما من الاستهلاك الوطني الإجمالي".

وقالت بنعلي إن "توقف تدفق الغاز الجزائري إلى المغرب، بسبب عدم تجديد عقود أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، لم يؤثر على إنتاج الكهرباء في المملكة، كما لم يسبب أي نقص أو عجز على مستوى تلبية احتياجات المغرب من الكهرباء".

ورغم مرور أسبوعين على تصريحات الوزيرة إلا أن الرباط لم تعلن عن توقيع أي اتفاق مع شركات توريد الغاز المسال، كما أن الرباط لم تعلق بعد على التقارير الإسبانية التي أفادت باستقبال المغرب للغاز المسال من إسبانيا عبر "أنبوب المغرب العربي".

ويعتمد المغرب في خطته الجديدة على خط أنبوب "المغرب العربي-أوروبا"، الذي كان يمتد لمسافة 1620 كيلومترا، يصل طول القسم الجزائري إلى 515 كيلومترا، بينما القسم المغربي يصل طوله إلى 522 كيلومترا وتملكه سلطات الرباط.

الخطوات المغربية تهدف إلى إعادة تشغيل أنبوب الغاز "المغاربي-الأوروبي" في الاتجاه المعاكس، من أجل تشغيل محطتي توليد الكهرباء في كل من مدينة طنجة ووجدة، المتوقفتين عن العمل منذ تعليق عمليات تسليم الغاز عبر خط الأنابيب القادم من الجزائر باتجاه إسبانيا.

وأوضحت الوزيرة أن المغرب بموجب الخطة الجديدة، سيكون قادرا على الوصول إلى سوق الغاز المسال، وشراء الغاز الطبيعي من الأسواق الدولية، من خلال استيراده عبر البواخر، وتفريغه بمصنع إعادة تحويل الغاز بشبه الجزيرة، واستخدام خط الأنابيب لإيصاله إلى محطات الكهرباء. 

وأوضحت بنعلي أنه في إطار السياسة التي تنهجها بلادها لزيادة مستوى المخزون الاحتياطي وتأمين احتياطات السوق المحلية، تعمل الوزارة على إنجاز عدد من المشاريع وتسريعها لرفع القدرة الإجمالية لتخزين المواد النفطية، تصل إلى 777 ألف متر مكعب، باستثمارات تصل لـ2.7 مليار درهم (270 مليون دولار) بحلول عام 2023.

"محطات التسييل" 

في أبريل/نيسان 2021، أطلق وزير التجهيز والنقل واللوجستيك السابق، عزيز رباح، الدعوة الأولى لتقديم العطاءات (المناقصات)، وذلك لبناء وحدة يمكنها تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي قبالة سواحل المغرب.

هذا المشروع واصلت الحكومة الجديدة وتيرة تسريع تنفيذه، خاصة بعد القرار الجزائري بوقف تصدير الغاز إلى أوروبا والذي كان يستفيد منه المغرب.

وفتحت الرباط في يناير/كانون الثاني 2022، الباب لاستقبال طلبات عروض (المناقصات) لإنجاز الدراسات المتعلقة بمشروع تطوير محطة عملاقة لتخزين الغاز، ضمن خطة بعيدة المدى؛ لسد الخصاص الذي خلفه القرار الجزائري.

وفي هذا الاتجاه، أطلقت "الوكالة المغربية للموانئ" (رسمية) دعوة لتقديم مناقصات لاستكمال دراسة المحطة الفرعية في الميناء الواقع شمال البلاد، على أن يشمل المشروع إلى جانب إنشاء وحدة عائمة لتخزين الغاز المسال وتغويزه (عملية تحويل المواد إلى غاز) محطة لاستقبال بواخر الغاز المسال في الميناء.

C:\Users\DELL\Desktop\يبحث المغرب لاقتناء محطات عائمة لتسييل الغاز.jpg

وقدرت الرباط أن تبلغ كلفة إنجاز الدراسة 4 ملايين درهم (382 ألف دولار)، دون الكشف عن المبلغ المرصود لتشييد محطة استقبال بواخر الغاز والوحدة العائمة للتخزين.

ورغم هذا السعي الحثيت للرباط من أجل الحصول على مناقصات مناسبة لامتلاك تقنية تسييل الغاز، إلا أنها لم تحسم في عدد المحطات، حيث تتضارب بين محطة واحدة أو اثنتين، كما لم يحدد بعد موقعها الجغرافي هل في مدن الناظور (شمال) أم القنيطرة، أم المحمدية، أم الجرف الأصفر (وسط).

وفي وقت يتوقع أن تمتد الدراسة المقرر إجراؤها حوالي 7 أشهر، حيث تتضمن عدة مهام، بينها تحليل البيانات وإجراءات السلامة والإرساء والتصميم الأولي، أفادت وسائل إعلام محلية، أن ميناء المحمدية سيستضيف أول محطة للغاز المسال في المغرب مزودة بوحدة عائمة للتخزين و"إعادة التغويز". 

وكان قانون المالية لسنة 2022، قد توقع الحكومة أن توصل استثمارات البلاد في إنتاج الغاز الطبيعي إلى ما مجموعه 265 مليون درهم (29.17 مليون دولار) خلال عام 2021.

الرباط ولتسهيل عمليات متابعة ملف الغاز المسال وتسييله، عملت بحسب وزارة المالية ضمن وثائق قانون المالية عام 2022 على إحداث شركة ستعمل على تدبير وتطوير البنى التحتية الوطنية للغاز.

كما أن الشركة الجديدة ستدير خط أنابيب الغاز "المغرب العربي – أوروبا"، وستواكب مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب، الذي تجري حاليا دراسات بشأنه.

غير مكلفة

المحلل الاقتصادي المغربي إدريس عيسوي، انطلق في تحليله لآثار عودة خط أنابيب "المغرب العربي ـ أوروبا" للعمل على المغرب، من كون إسبانيا عملت على فتح أنبوب الغاز تجاه المغرب، وهي بذلك تحول للرباط كميات هائلة من الغاز المسال، وبهذا الحجم من الغاز يستطيع المغرب إنتاج كميات مهمة من الكهرباء".

ولخص عيسوي لـ"الاستقلال"، النتائج التي سيحصل عليها الرباط في هذه الظروف، في أربع ملاحظات.

وقال عيسوي، إن "أول ملاحظة هنا أن المغرب استطاع أن يستفيد من مزايا الغاز لصناعته، وهو الذي حرم من قبل الجزائر التي قررت حذف الأنبوب وقطع تزويده بالغاز الجزائري".

وبخصوص الملاحظة الثانية، يرى أن "الاقتصاد المغربي يجد حلولا غير مكلفة لميزانيته، خاصة في هذه الفترة العصيبة التي تتميز بانسداد كل الآفاق بفعل آثار الحرب الروسية الأوكرانية وغلاء المواد البترولية، وكذا الحبوب والبقوليات والمواد الأساسية".

وعد في مستوى ثالث، أن "هذه الوضعية ستساهم في الرفع من مستوى أداء الاقتصاد المغربي، حيث تفيد الإحصائيات الأخيرة أن المملكة استطاعت أن ترفع من مستوى صادرات الفوسفات التي بلغت نسبة متميزة".

ومن جهة أخرى، بحسب عيسوي، فإن المغرب "استطاع أن يضع مركزيات الإنتاج الكهربائي في وضع الاشتغال، ويتعلق الأمر بمنطقتي تهدارت وبني مطهر، خاصة بعد تزويدهما بالغاز الطبيعي المسال الذي تم استيراده من قبل المكتب الوطني للماء والكهرباء (شركة عمومية)".

وفي 5 يوليو/تموز 2022، أعلنت الحكومة المغربية "إعادة تشغيل محطتي توليد الطاقة ذات الدورة المركبة بتهدارت وعين بني مطهر باستخدام الغاز الطبيعي المسال المستورد من السوق الدولية".