أنتج الكهرباء بوقود محلي.. هل يتحرر العراق من احتكار إيران لإمدادات الطاقة؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بافتتاح أولى محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعتمد على الغاز المحلي، يكون العراق قد وضع قدمه على طريق التخلص من الاعتماد على استيراد الغاز والكهرباء من إيران، وهو أمر يكبده مليارات الدولارات سنويا.

إيران تزوّد العراق بـ1200 ميغاواط من الكهرباء عبر أربعة خطوط؛ هي خط (خرمشهر- البصرة)، و(كرخة- العمارة)، و(كرمنشاه– ديالى)، و(سربيل زهاب– خانقين)، وتشكل صادرات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق نحو 4 مليارات دولار سنويا.

وعلى ضوء الخطوة الأخيرة باعتماد العراق على الغاز المحلي في توليد الطاقة الكهربائية، أثيرت تساؤلات عن مدى تحرر العراق من الهيمنة الإيرانية على ملف الطاقة واستنساخ تجربة محطة ميسان (جنوب شرق) في باقي مدن البلاد لسد نقص الكهرباء؟

"تطور نوعي"

خلال افتتاح محطة ميسان الكهربائية في 3 يوليو/ تموز 2022، أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أن "محطة ميسان الاستثمارية المركبة لإنتاج الطاقة الكهربائية، تعمل على الغاز المحلي وسترفد الشبكة الوطنية بمزيد من الطاقة الكهربائية". 

وقال الكاظمي، في كلمة له خلال الافتتاح، نقلها مكتبه الإعلامي، إن "هذه المحطة تشكل إضافة نوعية لتوفير الطاقة الكهربائية في كل محافظاتنا، ومحافظة ميسان ستكون هي المستفيد الأول". 

ووفقا لرئيس الحكومة العراقية، فإن "التطور النوعي في هذه المحطة سيساعد في تقليل الاعتماد على الغاز المستورد؛ إذ إنها تعمل على الغاز المنتج محليا، وسترفد الشبكة الوطنية بالمزيد من إنتاج الطاقة الكهربائية". 

محطة ميسان، ستضيف 750 ميغاواط إلى إنتاج الشبكة الوطنية في الظروف التشغيلية الطبيعية، 500 منها عبر الدورة البسيطة، و250 منها عبر الدورة المركّبة، وهي تستخدم تقنيات حديثة تقلّل من هدر الطاقة وصديقة للبيئة، وتعمل على الغاز الطبيعي من حقلي حلفاية وبزركان وكلاهما في المحافظة ذاتها. 

وفي السياق ذاته، قال وزير الكهرباء العراقي، عادل كريم خلال مقابلة مع قناة "العراقية" الرسمية في 3 يوليو، إنه رغم افتتاح محطة ميسان التي تعتمد على الغاز المحلي، لكننا "ليس لدينا القدرة حاليا على تجهيز محطاتنا الكهربائية كافة بالغاز المحلي، ونحتاج إلى 5 سنوات كحد أدنى لاستيراد الغاز لحين إيجاد البدائل الأخرى".

وأوضح الوزير: "نحن الآن لدينا عقد كبيرة جدا لإنشاء مجموعة كبيرة من الطاقة الشمسية، المرحلة الأولى 7500 ميغاواط، والمرحلة الثانية 5 آلاف ميغاواط، وأيضا الربط مع المنظومة الخليجية السعودية والأردن وتركيا وأربع خطوط مع إيران حتى يكون هناك استقرار في الطاقة، وممكن تقليل الاعتماد على الغاز".

وتابع: "الآن نحتاج إلى 35 ألف ميغاواط لتجهيز المواطنين بكهرباء على مدار 24 ساعة، لكن للأسف الشديد نحن بالكاد نصل إلى 24 ألف ميغاواط في حال توفير الوقود حتى اليوم لدينا مشاكل في تجهيز الغاز الطبيعي".

وأكد الوزير، قائلا: "لذلك لما تبقى من كمية الكهرباء نحتاج إلى وقود سواء سائل أو غازي، وبالتالي من الضروري استيراد الغاز لحين ما يتم الاستثمار في حقلي المنصورية وعكاز (في العراق) وتجميع الغاز المصاحب للوقود في المنطقة الجنوبية".

وفي 11 مايو/ أيار 2022، قال الوزير، في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية، إنه "جرى الاتفاق مع إيران على تزويد العراق بـ50 مليون متر مكعب يوميا من الغاز خلال أشهر الصيف الأربعة"، مؤكدا أن "العراق سيستورد في الشتاء ما بين 10 إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني يوميا".

رهن الإرادة

وعن تفاصيل المحطة، قال خبير الطاقة العراقي إن "هناك نوعين من المحطات الكهربائية العاملة على الغاز، النوع الأول هو المحطات ذات الدورة المركبة، والثاني ذات الدورة البسيطة، والأول أكثر كفاءة من الثاني".

وأوضح هورامي، خلال تصريحات لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 4 يوليو، أن "المحطات ذات الدورة المركبة تستفيد من الغاز المتوفر بنسبة 54 بالمئة لإنتاج الكهرباء، أما محطات الدورة البسيطة فتستفيد بنسبة 32 بالمئة"، مؤكدا أن "محطة ميسان من النوع الأول الأكثر كفاءة".

وأشار إلى أن "المحطات ذات الدورة المركبة محطات ذات كفاءة وقليلة الانتشار في العراق، ومن الضروري الاعتماد عليها لمواجهة أزمة الكهرباء المتجذرة"، مبينا أن "إنشاء المحطة الواحدة منها يستغرق نحو عامين".

وأكد هورامي، أن "العراق يمتلك الإمكانيات المالية لجعل كل محطاته من ذوات الدورة المركبة، ولكن يجب توفر الإرادة لذلك"، مبينا أن "هناك آبارا نفطية كثيرة متوزعة في جميع أنحاء البلاد، ومن الممكن بناء محطات كهرباء ذات دورات مركبة بالقرب منها وتزويدها بالغاز المستثمر من استخراج النفط".

من جهته، يقول الباحث الاقتصادي صباح نعوش خلال مقال نشره موقع "البيت الخليجي" للدراسات في 1 مارس/ آذار 2022، إن الواردات الطاقية من إيران تمثل ربع الإنتاج العراقي وهي نسبة عالية جدا ونادرة على الصعيد العالمي".

وأضاف: "تتجلى خطورة التعامل الكهربائي مع إيران في عدم ترددها بقطع التيار الكهربائي عن العراق حتى في حالة العسر المالي. ففي النصف الثاني من عام 2015 دخل العراق في معارك مع تنظيم الدولة أثرت بشدة على حالته المالية. وبدلا من أن تتولى طهران مساعدة حليفتها بغداد قامت بقطع الإمدادات الكهربائية مطالبة بتسديد ما على العراق من ديون".

وتابع الكاتب: "لم يوافق الإيرانيون على مواصلة الإمدادات إلا بعد أن دفع العراق قسطا من ديونه في مطلع عام 2016. تضررت أربع مدن عراقية جراء هذا القطع وهي البصرة والعمارة وديالى وخانقين".

ولفت نعوش إلى أن "التبعية الطاقية هذه تتأتى من سببين على الأقل. السبب الأول عدم رغبة الحكومة في استغلال الغاز المصاحب للنفط المتوفر بكميات هائلة في العراق والذي يهدر بالإحراق. والسبب الثاني عدم رغبة الحكومة في تنويع مصادر الإمدادات الغازية من دول الخليج".

هيمنة إيرانية

أزمة الكهرباء في العراق مستمرة ومعقدة، وتتداخل فيها عوامل عدة، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة، بعد عام 2003، في إيجاد حلول لانقطاعها لساعات طويلة يوميا، ويقدر قيمة ما أنفقته الحكومات المتعاقبة أكثر من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء دون أية حلول ملموسة.

ويحاول العراق تنويع مصادر الطاقة والتحرر من الهيمنة الإيرانية، إذ أوفد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وزير المالية علي علاوي في 23 مايو/ أيار 2020، إلى السعودية، لبحث تزويد العراق بالطاقة الكهربائية.

وقال علاوي في مقابلة مع صحفية "الشرق الأوسط" السعودية آنذاك، إن قطاع الكهرباء كان في الحسبان خلال لقاءاته مع المسؤولين السعوديين بالرياض، مؤكدا أن هناك مشاريع مهمة، ونريد أن تكون السعودية هي من يحصل على الحصة الأكبر منها.

وشدد على ضرورة أن "نربط الشبكة الكهربائية بالعراق مع شبكة السعودية والكويت، وهذا التنوع مهم بالنسبة للتوازن الاقتصادي في العراق"، الأمر الذي رآه مراقبون أنه قد يهدد المصالح الإيرانية في العراق، لا سيما ملف الكهرباء.

يأتي ذلك عقب بلوغ المشروع مراحل متقدمة، إذ أعلنت وزارة الكهرباء العراقية في حينها، أن العراق أنجز نحو 81 بالمئة من مستلزمات ومتعلقات هذا الربط، مع وجود مباحثات ومفاوضات مع هيئة الربط الخليجي لإنشاء خط بطول 300 كم، وسيكون بواقع 220 كم داخل الكويت و80 كم داخل العراق.

وفي خطوة لإعاقة الربط الخليجي، أعلن السفير الإيراني في بغداد أيرج مسجدي، في 15 مايو/ أيار 2021 أن بلاده "ستباشر حاليا في إنشاء محطتين لتوليد الكهرباء في العراق". وأضاف أن "أحد هذين المشروعين سيتحول إلى محطة كبرى لإنتاج الكهرباء".

ومثل هذا الإعلان مفاجأة للأوساط المعنية، ومسؤولي ملف الطاقة في العراق، حيث لم يعلن سابقا عن بوادر دخول طهران، لإنشاء محطات توليد كهرباء داخل العراق، إذ علق المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى أن "الوزارة لم تصدر أي تفصيل بشأن تصريحات سفير إيران".

ولعل ما يؤكد وقوف إيران وراء إعاقة مشاريع الطاقة في العراق، هو ما كشفه بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة السابق (2014 إلى 2015)، خلال مقابلة تلفزيونية عام 2018، عن وقف إيران لمشاريع تخص ملف الكهرباء بالعراق، وأنها "لو قدر لها أن تكتمل لتحسن وضعها بنسبة 80 بالمئة".

وأوضح: "جاءني السفير الإيراني شخصيا وقال لي أوقف هذه المشاريع، واستطلع عن المشروع الجديد وسأل عنه، لكني لم أعطه مجالا في حينها، وكانت هذه القصة واحدة من الضغوطات التي ساهمت بأن أستقيل من حكومة العبادي".

وأشار الأعرجي إلى أن "إيران تفكر في مصلحتها، لبيع الكهرباء لنا بملايين الدولارات في ظل الأزمة الموجود بالعراق".