واشنطن تتبنى رواية إسرائيل.. ما فرص محاكمة "الجنائية" لقتلة شيرين أبوعاقلة؟
بعد تأكيد تورط جيش الاحتلال الإسرائيلي باغتيال الصحفية الفلسطينية مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، في 11 مايو/أيار 2022، باتت محاكمة إسرائيل والقادة المسؤولين عن قتلها ضرورة دولية ملحة.
وقتلت شيرين أبو عاقلة التي تحمل أيضا الجنسية الأمريكية، أثناء تغطيتها مداهمة قوات الاحتلال مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية المحتلة.
وأصيبت صحفية الجزيرة المخضرمة، البالغة من العمر 51 عاما، برصاصة قاتلة على مستوى الوجه، على الرغم من ارتدائها سترة واقية من الرصاص تحمل "تعريف الصحافة".
وتعهدت شبكة الجزيرة القطرية والسلطة الفلسطينية بتفعيل كل المسارات الممكنة لتقديم المسؤولين عن الاغتيال إلى منصات العدالة الدولية وأخذ جزائهم القانوني.
لكن حتى اليوم لم يصدر تعليق من المحاكم الدولية بشأن القضية، ما يثير مخاوف كبيرة بشأن قدرة الكيان الإسرائيلي على الإفلات من العقاب على جرائمه المتكررة.
يعزز ذلك، ترجيح الولايات المتحدة، في 4 يوليو/تموز 2022، أن تكون الرصاصة التي قتلت شيرين قد أطلقت من موقع إسرائيلي، إلا أنها شدّدت على عدم وجود ما يدعو للاعتقاد بأنها "قُتلت عمدا".
وزعمت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان لها، أن الرصاصة التي قتلت أبوعاقلة لا تتيح التوصل إلى "استنتاج نهائي" عما يتعلق بمصدر الرصاصة التي قتلتها والتي تسلّمتها، من السلطات الفلسطينية لإجراء الفحوصات عليها.
تحقيقات متعددة
أول ملف قد تحمله الجزيرة في قضية الشهيدة شيرين، هو تقرير النيابة العامة الفلسطينية، الذي خلص إلى أن المقذوف الناري الذي أصاب رأس أبو عاقلة وأدى لاستشهادها، من النوع الخارق للدروع، ويحمل خصائص تُستخدم مع سلاح قناص.
وأكد النائب العام الفلسطيني، المستشار أكرم الخطيب، أن التقرير المفصل الذي أعد حول جريمة قتل الشهيدة أبو عاقلة، يؤكد أن أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي أطلق الرصاص عليها وأصابها في الرأس أثناء محاولتها الهرب للاحتماء.
وشدد الخطيب في مؤتمر صحفي في 26 مايو، على أن إطلاق النار صوب الصحفيين من قبل قوات الاحتلال كان "بشكل مباشر ومتعمد".
وإلى جانب التحقيقات الفلسطينية، نشرت وكالة "أسوشيتد برس" وشبكة "سي إن إن" الأميركتين، في 24 مايو، تحقيقين يكشفان حقيقة اغتيال أبو عاقلة.
وقالت شبكة "سي إن إن" إنها جمعت أدلة تؤكد أن الجيش الإسرائيلي استهدف شيرين عمدا، مضيفة أن تحليل آثار الرصاص في الشجرة التي احتمت بها أبو عاقلة يدل على أنه تم استهدافها عمدا لاغتيالها.
وتوصل تحقيق الشبكة إلى "عدم وجود مسلحين أو مواجهات مسلحة قرب شيرين أبو عاقلة خلال اللحظات التي سبقت قتلها".
من جانبها، قالت وكالة "أسوشيتد برس"، إن تحقيقها في ملابسات مقتل شيرين أبو عاقلة يعزز تأكيدات السلطات الفلسطينية وزملاء الفقيدة بأن الرصاصة التي قتلتها جاءت من بندقية جندي إسرائيلي.
وأوضحت الوكالة أن صحفييها زاروا الموقع الذي قُتلت فيه شيرين على أطراف مخيم جنين، واستمعوا إلى شهود العيان، كما فحصوا الصور ومقاطع الفيديو المتوفرة.
وذكرت أن مقابلاتها مع 5 شهود عيان جاءت بنتيجة تتوافق مع ما توصلت إليه مجموعة "بيلينغكات" الهولندية للصحافة الاستقصائية، بشأن موقع القوات الإسرائيلية وقربها من شيرين، وهو ما يجعل استهداف جنود الاحتلال لها هو الاحتمال المرجح.
مطالبات واسعة
كما أظهرت تحقيقات مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن القوات الإسرائيلية كانت وراء إطلاق النار المميت على شيرين أبو عاقلة، ولم يكن مصدرها إطلاق نار عشوائي من قبل مسلحين فلسطينيين.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية، رافينا شامداساني في مؤتمر صحفي بجنيف، في 24 يونيو/ حزيران 2022، "بعد أكثر من ستة أسابيع على مقتل شيرين أبو عاقلة وإصابة زميلها علي سمودي، من المقلق للغاية أن السلطات الإسرائيلية لم تجر تحقيقا جنائيا".
وفي نفس اليوم، سارع الجيش الإسرائيلي إلى رفض نتائج التحقيقات التي أكدتها الأمم المتحدة حول تحميل إسرائيل مسؤولية قتل أبو عاقلة.
وقال في بيان، "في أعقاب التحقيقات المنحازة، يكرر الجيش الإسرائيلي دعوته الى الفلسطينيين نقل الرصاصة التي أُطلقت على الصحفية شيرين أبو عاقلة، حيث يرمز رفض الفلسطينيين نقل الرصاصة وإجراء تحقيق مشترك، إلى دوافع الجانب الفلسطيني".
وبعد إنكار وروايات متضاربة بشأن المسؤول عن مقتل شيرين، قال جيش الاحتلال إنها قد تكون أصيبت برصاص جندي إسرائيلي عن طريق الخطأ، فيما أكدت صحف عبرية أنه تم تحديد البندقية التي أُطلقت منها الرصاصة.
بعد اغتيال أبو عاقلة، تعالت الأصوات والمطالبات الدولية والأممية بإجراء تحقيق شفاف حول ما جرى، كان أبرزها دعوة من السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال جلسة مجلس الأمن، في 27 مايو، إلى تحقيق شفاف وموضوعي وحيادي حول أبو عاقلة.
وإلى جانب الإدارة الأميركية، طالبت 229 منظمة حقوقية عربية ودولية، فتح تحقيق دولي محايد ومستقل وشفاف تحت إشراف المحكمة الجنائية الدولية للوقوف على جريمة استهداف قوات الاحتلال أبو عاقلة.
ودعت المنظمات في بيان مشترك، في 13 مايو، إلى رفع قضية حقوقية قانونية بشأن هذه الجريمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لمقاضاة القادة والسياسيين الإسرائيليين الذين يحرضون علانية على قتل المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الصحفيون.
أيضا كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، أن أكثر من 20 عضوا في مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي وجهوا رسالة إلى الرئيس جو بايدن لمطالبته بالتدخل المباشر في التحقيق حول اغتيال شيرين أبو عاقلة.
وفقا للرسالة التي حصلت بوليتيكو على نسخة منها ونشرتها في 23 يونيو، فإن “غياب الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يستوجب تدخلا مباشرا من الولايات المتحدة لضمان نتائج تحقيقات عادلة”.
وأضافت، أن أعضاء مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، أكدوا أن السبيل الوحيد لضمان إجراء تحقيق عادل في وفاة شيرين أبو عاقلة هي أن تصبح الولايات المتحدة “منخرطة بشكل مباشر”.
وكتب أعضاء مجلس الشيوخ “من الواضح أن أيا من الطرفين على الأرض لا يثق بالطرف الآخر لإجراء تحقيق موثوق به ومستقل”، مضيفين أن تقارير إعلامية دحضت روايات إسرائيل الأولية عن الحادث.
دور الجنائية الدولية
وبعد إحالة السلطة الفلسطينية وشبكة الجزيرة ملف اغتيال شيرين إلى المحكمة الجنائية الدولية، يؤكد الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (مقرها غزة)، بهجت الحلو، أن ميثاق روما المنظم للمحكمة الجنائية الدولية، حدد ثلاث جهات على وجه الحصر هي المناط بها المطالبة بإجراء تحقيق بالجرائم التي تدخل في اختصاص في المحكمة.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن الجهة الأولى، هي الدولة الطرف بالمحكمة الجنائية الدولية، والتي وقع على إقليمها الجريمة، والثانية هو المدعي العام للمحكمة ويشرع بالتحقيق بعد أن يحصل على إذن من الدائرة التمهيدية في المحكمة، لأنه يؤسس لديه اعتقادا أن هناك جرائم ارتكبت باختصاص المحكمة فيشرع بالتحقيق من تلقاء نفسه.
والجهة الثالثة، وفق الحلو، تكون بناءة على إحالة الملف من مجلس الأمن الدولي للمحكمة الجنائية ويطلب منها التحقيق.
وحول ما قدمته شبكة الجزيرة من مذكرة أو مطالبة بالتحقيق إلى المحكمة الجنائية الدولية، يوضح الحلو، أنه من شأنها المساهمة في تعزيز قناعات المحكمة بوجود جرائم ارتكبت تدخل في اختصاصها.
وتنظر المحكمة حصرا، كما يبين الحلو، في أربع جرائم، أولها المتعلقة بالحرب، وجرائم ضد الإنسانية، والعدوان، وجرائم الإبادة نفسها، ومقتل الصحفية أبو عاقلة يصنف على أنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
ويقول: "أركان الجريمة ضد أبو عاقلة متوافرة، حيث إن الركن الأول الوقوع في ظل نزاع مسلح، والثاني وجود علم ودراية من قبل قادة الاحتلال حول الموضوع، والثالث استهدافها لشخص مدني".
وتحتاج قضية أبو عاقلة في المحكمة الجنائية، وفق الباحث الحقوقي، إلى فريق دفاع قوي ومؤهل، لأن الحالة الفردية وقعت في ظل نزاع مسلح، ووجود نية وعلم، وتقصد من قبل الاحتلال.
ولن تحاكم المحكمة الجنائية، حسب الحلو، دولة الاحتلال، بل القادة والمسؤولين، لذلك يجب إعداد ملف يتسم بالذكاء، قائم على التحقيق والشفافية، من أجل الوصول لقناعة المحكمة للشروع في تحقيق وإدانة الأطراف المسؤولة.
وحول عدم انضمام إسرائيل للمحكمة الجنائية، يبين الحلو أن ذلك لن يعفيها من المحاكمة والمحاسبة والمسؤولية، إذ إنه يمكن للمحكمة الدولية، بناء على طلب من دولة فلسطين، أن يمتد اختصاصها لمحاكمة المسؤولين في دولة الاحتلال.
القانون الدولي
وحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فالعقوبات الواجبة التطبيق للمدانين، هي السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها 30 سنة، والسجن المؤبد حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المدان.
وتفرض المحكمة أيضا بالإضافة إلى السجن، غرامة بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، ومصادرة العائدات والممتلكات والأصول المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة, دون المساس بحقوق الأطراف الثالثة الحسنة النية.
ولن تحتاج قضية أبو عاقلة إلى الكثير من مهارات المحامين أو المترافعين أمام المحاكمة الدولية، كون جميع القوانين الدولية توفر الحماية للصحفيين، وتجرم الاعتداء عليهم، أثناء قيامهم بمهامهم الصحفية.
وينص القانون الدولي الإنساني على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد.
ويؤمن القانون الدولي الإنساني للصحفيين المدنيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين طالما أنهم لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
كما تنص المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 على أن الصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصا مدنيين، يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا اللحق " البروتوكول " شريطة ألا يقوم بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين".
وتعد الجريمة التي اقترفتها قوات الاحتلال بحق شيرين أبو عاقلة انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2222) الخاص بحماية الصحفيين، والصحافيات، والذي أصدره المجلس في مايو 2015.
المصادر
- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
- الرصاصة التي قتلت الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة جاءت من القوات الإسرائيلية
- موقف أميركي جديد.. تحقيقان لسي إن إن وأسوشيتد برس: إسرائيل اغتالت شيرين أبو عاقلة
- النائب العام: ثبت أن أحد أفراد قوات الاحتلال أطلق عيارا ناريا أصاب الصحفية شيرين أبو عاقلة في الرأس
- اغتيال شيرين أبو عاقلة.. شبكة الجزيرة تشكل تحالفا قانونيا عالميا وتحيل الملف للجنائية الدولية