مع تقاعس حكومة أخنوش.. هل تستطيع الإضرابات إطفاء لهيب الأسعار بالمغرب؟
يئن المواطن المغربي تحت الضربات المتكررة للارتفاعات الكبيرة التي عرفتها البلاد في أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية الأساسية، الأمر الذي بدأ ينذر بإضرابات واحتجاجات متوقعة للشارع، على أمل دفع حكومة عزيز أخنوش على اتخاذ أي إجراء يكبح هذا التدهور.
ومنذ أيام تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب دعوات لتنظيم احتجاجات، ردا على استمرار ارتفاع الأسعار، لاسيما المحروقات، ودعت عدة هاشتاغات مثل "يوم بدون سيارات" المتواصل منذ عدة أيام، إلى مزيد من التصعيد.
نقابيا، دعت عدد من التنسيقيات ومؤسسات المجتمع المدني إلى إضرابات من خلال بيانات استنكرت فيها ارتفاع الأسعار، وحذرت من تداعيات وخيمة حال تواصل عجز المواطن عن توفير مستلزمات الحياة اليومية.
في الأثناء، سجلت محطات الوقود المغربية ارتفاعات جديدة في الأسعار، إذ قاربت أسعار الغاز 16 درهما للتر الواحد (1.6 دولار)، و18 درهما للتر الواحد من البنزين (1.8 دولار).
غضب كبير
وفي هذا الإطار، استنكر المرصد الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، في بيان منتصف يونيو/ حزيران 2022، الارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية بالأسواق المغربية.
وأكد أنها ستؤدي لا محال إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية عديدة، ستنال معظم الأسر المغربية وتعمل على زعزعة الاستقرار داخل الأسر المغربية، إضافة إلى سوء التغذية الناجم عن نسف القدرة الشرائية لدى المواطن البسيط.
وأضاف، كما سينعكس هذا الوضع الاقتصادي على قطاع السكن بعد الارتفاع المتوقع في مواد البناء الأساسية الشيء الذي سيؤثر لا محال على سلامة الفرد المغربي وقدرته على التكيف الاجتماعي.
ولفت إلى أن مجموعة من الدراسات الاقتصادية أثبتت أن التضخم سيفرز العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أضحت واضحة وجلية على المواطن المغربي البسيط بشكل خاص.
مثل ارتفاع الطلب وقلة العرض وازدياد نسبة الإفلاس الشهري بين ذوي الدخل المحدود، وتفاقم لجوء الأفراد إلى الاقتراض من البنوك والمؤسسات الائتمانية الصغرى لسد الفجوة بين الدخل والنفقات.
وحسب ذات البيان فإن المرصد استنكر ما أسماه "غياب سياسة اقتصادية واجتماعية واضحة قد تساهم في الحد من تداعيات هذه الأزمة على المواطن المغربي".
وطالب المرصد من الحكومة المغربية اتخاذ ما يلزم من الإجراءات لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة من خلال ضبط ومراجعة أسعار المواد الغذائية والمحروقات التي عرفت ارتفاعا كبيرا.
وشدد أنه على الجهات المسؤولة أن تفعل آليات المراقبة والعودة إلى تحديد الأسعار بالنسبة للمواد الأساسية وعلى رأسها المحروقات، "خصوصا أمام استمرار التداعيات الاجتماعية للأزمة العالمية الشيء الذي يقتضي دعم القدرة الشرائية للمواطنين".
من جانبها، هددت الجمعية المهنية لمستودعي الغاز السائل بالجملة بالمغرب (غير حكومية) في بيان بتاريخ 18 يونيو، بتوقيف عملها يومي 29 و30 من الشهر ذاته.
وأكدت في البيان، أن "الزيادات التي عرفتها المواد الطاقية بالمغرب مؤخرا وخاصة مادة الغازوال، دون أن ننسى الزيادات الأخرى التي تهم تحرك القطاع من قطاع الغيار والعجلات المطاطية، صارت مهولة ورهيبة وتثقل كاهل الموزع".
وأضافت الجمعية، أن هذا المشكل يمكن أن يؤدي إلى إفلاس القطاع في انعدام لإيجاد حل، معلنة أنه يستحيل الاستمرار في هذه الحالة، وبالتالي تقرر التوقف عن التوزيع يومي 29 و30 يونيو 2022 وقابلة للتمديد".
اضطرابات مرتقبة
بعد هذه الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار المحروقات بالمغرب، والتي بررتها الحكومة بارتفاع أسعار الطاقة بالأسواق الدولية، دعا أرباب النقل إلى إضراب وطني خاصة أصحاب سيارة الأجرة.
إذ أكد الكاتب العام للاتحاد الديموقراطي المغربي للنقل مصطفى لكيحل في تصريحات إعلامية قبل أيام، أن المهنيين يتخبطون في أزمة حادة جراء الزيادات في أسعار المحروقات.
ولفت إلى وجود غياب تحرك لافت من الحكومة، إلى عملية المضاربة في الأسواق، مشيرا إلى أن المهنيين سيدخلون في إضراب قريب.
من جانبه، أكد الناطق باسم حكومة أخنوش، مصطفى بايتاس، أن ارتفاع أسعار المحروقات مرتبط بسياق دولي معروف وهو الحرب في أوكرانيا، مضيفا أنه يوما بعد يوم يزداد اللايقين بخصوص هذه المواد وأسعارها.
وأضاف بايتاس في ندوة صحفية بتاريخ 16 يونيو، أن الحكومة قامت بإجراءات لمواجهة هذه الوضعية آخرها فتح اعتمادات إضافية في قانون المالية بـ16 مليار درهم (1.6 مليار دولار).
ووفق ذات المسؤول، فإن الارتفاعات في المواد الطاقية تجاوزت الضعف، مثل غاز البوتان الذي ستصل تكلفة دعمه في صندوق المقاصة إلى 21 مليار درهم عوض 9 مليارات درهم المحددة من قبل.
من جانبها، كشفت مندوبية التخطيط في المغرب، أن مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد ارتفع 5.9 بالمئة على أساس سنوي في مايو/ أيار 2022.
وأشارت في بيان في 22 يونيو، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.4 بالمئة، بينما زادت أسعار المواد غير الغذائية 4.1 بالمئة.
بدوره رأى المحلل الاقتصادي المغربي محمد جدري، أن الاقتصاد الوطني يمر بأزمة غير مسبوقة، فالمغرب لم يخرج بعد من آثار جائحة كورونا ليليها الآن ارتفاع مهول في أسعار المحروقات التي وصلت لمستويات قياسية حيث لم يسبق شراء البنزين والغازوال بـ16 درهما.
وأوضح جدري لـ"الاستقلال"، أنه إضافة لذلك هناك ارتفاعات في مجموعة من المواد الأولية على المستوى العالمي كالقمح والالمنيوم ومواد البناء.
أزمة غير مسبوقة
ولفت المحلل المغربي إلى أن معدلات التضخم الرسمية في البلاد وصلت لمستويات قياسية، رغم أن الحكومة حاولت التدخل من خلال زيادة 16 مليار درهم لصندوق المقاصة بالإضافة لدعم القمح المستورد حيث سيصل 6 مليارات درهم خلال نهاية سنة 2022.
وتابع: كذلك لدينا دعم مهنيي النقل الذي وصل اليوم لأكثر من مليار و400 مليون درهم، بالإضافة إلى دعم الكهرباء، إذ حتى الساعة لم تتم أية زيادات بها سواء على المواطن أو على المقاولات.
ومضى جدري يقول، كل هذه الإجراءات تبقى ذات مفعول ضعيف، لأن القدرة الشرائية للمواطنين تأثرت بشكل كبير، وأعتقد أن الوضعية صعبة جدا بحيث إن الحكومة تحاول أن تجد الموارد المالية المهمة، لكن أسعار المحروقات وصلت مستويات قياسية.
ولفت إلى أنه إذا استمر هذا الارتفاع خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة فلن يكون هناك حل إلا أن نتدخل عن طريق الضرائب أو النقص من الضريبة الداخلية على الاستهلاك وكذلك الضريبة عن القيمة المضافة.
"وإلا فإن المواطن سيتضرر وهذا سيؤثر على الاستهلاك وعلى الدورة الاستهلاكية بالمغرب بصفة عامة" يحذر جدري.
بينما رأى الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز الحسين اليماني، أن من عوامل ارتفاع الثمن، هو أن سعر النفط الخام ارتفع والكلفة المالية الناتجة عن عملية التكرير، ارتفعت هي الأخرى، والتي قد تصل إلى 25 دولارا للبرميل الواحد.
وأوضح في تصريحات لصحيفة "اليوم 24" المحلية، أن هذه هي التكلفة المالية التي تطالب جبهة إنقاذ “سامير” (شركة مغربية مختصة في تكرير وتجارة النفط) بترويجها في البلاد، عبر إعادة تشغيل مصفاة التكرير بالمحمدية، ودعم مخزون المحروقات، وهي العملية التي ستستفيد منها خزينة الدولة في جميع الحالات.
ونبه اليماني إلى خطورة التوجه نحو انقطاع الإمدادات، الذي منح الأولوية بالنسبة لدول العالم للتخزين، مضيفا “إذا بقينا نواجه الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات وتداعياته على المناحي الاقتصادية والاجتماعية، فهذا يفرض بالضرورة على الدولة دعم هذا القطاع لتشجيع الدورة الاقتصادية على الإنتاج، وإلا فإن الحركة الاقتصادية ستقف لا محالة".