قضية الأميركيين المحتجزين بسوريا.. هل ينجح مدير أمن لبنان في إنهائها؟
عاد ملف الرهائن الأميركيين المحتجزين في سوريا إلى الواجهة، بعدما أثارت واشنطن مسألة الصحفي أوستن تايس الموقوف لدى جهة تتبع نظام بشار الأسد منذ عام 2012.
وعبر طائرة أميركية خاصة، توجه المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، في 21 مايو/أيار 2022 إلى الولايات المتحدة، وأكد أن المسؤولين في واشنطن يريدون منه أن يستأنف جهوده لإعادة تايس، وغيره من الأميركيين المفقودين في سوريا.
إنقاذ أوستن
خلال مقابلة مع مجلة الأمن العام، أوضح اللواء أن مهمته الجديدة هي العمل على أن استئناف المفاوضات بين النظام السوري وواشنطن من حيث انتهت في نهاية فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب 2020.
وأوضح مدير الأمن اللبناني أنه سيتوجه إلى العاصمة السورية دمشق لبحث مصير الصحفي الأميركي مع مسؤولي النظام السوري.
وكان سقف مطالب النظام للإفراج عن تايس عالية، تتعلق بانسحاب القوات الأميركية من سوريا واستئناف العلاقات الدبلوماسية ورفع بعض العقوبات المفروضة عليه من واشنطن، وفق اللواء عباس.
واختفى الصحفي المستقل والجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية، أوستن تايس، عقب إعداده تقارير صحفية في مناطق المعارضة السورية آنذاك بريف دمشق عام 2012، بعد دخوله عبر لبنان.
تمكن أوستن من توثيق جرائم النظام وقصفه للمدنيين، وحينما هم الصحفي بالخروج من سوريا عبر لبنان، اعتقل عند أحد حواجز قوات الأسد خارج مدينة داريا في 14 أغسطس/آب 2012.
وعقب ذلك، فبرك النظام السوري، حسبما أكدت وسائل إعلام المعارضة، مقطع فيديو يظهر مزاعم اختطاف أوستن من قبل "جماعات مسلحة مجهولة"، في محاولة لنفي مسؤولية حواجزه عن اعتقاله.
لكن التسجيل المصور الذي ظهر فيه أوستن بدا مزيفا لأن إخراجه كان بطريقة مخابراتية بدائية، لدرجة أن أحد رجالات الاستخبارات الأميركية قال: إن من أنتجوا هذا التسجيل أمضوا وقتا طويلا في مشاهدة تسجيلات قادمة من أفغانستان ونفذوه بشكل سيئ.
و"أوستن تايس" خدم في البحرية الأميركية قبل امتهانه للصحافة، وقدم إلى سوريا بصفة صحفي مستقل يعمل لصالح قنوات ووسائل إعلام غربية متعددة.
في السنوات الأولى من اختفاء أوستن في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، كثف فريقه الدبلوماسي التواصل بشكل مباشر وغير مباشر للتوصل إلى صفقة مع النظام السوري للإفراج عنه لكنها باءت بالفشل.
ومما دلل على وجود أوستن حيا حتى عام 2015، هو تأكيد مبعوث الحكومة الأميركية إلى النظام أنه استطاع رؤية الصحفي "كخطوة أولى على طريق تحريره"، بحسب ما نقل عنه دبلوماسي أوروبي يتردد على دمشق لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وتزامن ذلك حينها مع إطلاق وزير الخارجية الأميركي جون كيري، تصريحات مرطبة للأجواء، أكد فيها وجود تفاوض مع النظام السوري لإطلاق سراح الرهينة لديه أوستن تايس.
لكن قيل وقتها إن تصريح كيري كان بهدف خلق "الثقة" حول القضية المعقدة.
توقيت حساس
توتر العلاقة بين موسكو وواشنطن بسبب حرب أوكرانيا المستمرة منذ فجر 24 فبراير/شباط 2022، والضغط المحلي على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تمارسه عائلة تايس أسوة بالإدارات الأميركية السابقة، دفع واشنطن للرجوع إلى تكتيك قديم في عمليات التفاوض حول الرهائن.
وهنا كان لافتا، اعتماد واشنطن في تكليف اللواء عباس على الأسلوب ذاته المتمثل في تقديم تنازلات لقاء إطلاق سراح الرهائن والذي يعيد إلى الأذهان حرب لبنان في ثمانينيات القرن العشرين.
وجرى آنذاك تحرير عدد من الرهائن الغربيين، بعد مفاوضات طويلة وصعبة مع كل من النظام السوري وإيران اللذين كانا يديران الحرب في الكواليس.
كما أن اللواء عباس له سوابق في ملف الرهائن، إذ نجح في التواصل لإطلاق سراح 16 راهبة سورية في مارس 2014 اختطفن من مدينة معلولا بريف دمشق لمدة ثلاثة أشهر، مقابل إفراج النظام وقتها عن 150 معتقلة من سجونه على خلفية الثورة السورية.
وهنا فإن المعطيات والأجواء الدبلوماسية متغيرة كليا وليست في صالح الولايات المتحدة خاصة مع توتر علاقاتها مع روسيا حليفة النظام السوري عقب غزو أوكرانيا.
فسابقا كانت واشنطن تضغط عبر موسكو على الأسد، إذ سبق وأن كان هناك حالة إطلاق سراح للصحفي الأميركي المستقل "كيفن باتريك داوز" في أبريل/نيسان 2016 بعدما اعتقله النظام السوري عام 2012.
وحينها نقل الجيش الروسي الصحفي من سوريا إلى موسكو، بعدما طلب باراك أوباما آنذاك بصفة شخصية من نظيره الروسي فلاديمير بوتين المساعدة في إطلاق سراحه، حسبما نقلت صحيفة واشنطن بوست.
لكن ملف أوستن تايس ما يزال يشكل قضية رأي عام في الولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى الحراك المكثف الذي تنظمه والدته كل عام، عبر عقد مؤتمرات صحفية للتذكير بقصته وضرورة إطلاق سراح ابنها الأكبر.
وهذا ما اضطر باراك أوباما للتدخل في محاولة لإطلاق سراحه، وامتد الأمر لخلفه دونالد ترامب، إلا أنهما فشلا في ذلك رغم وجود أجواء دبلوماسية آنذاك تسمح بذلك.
مهمة معقدة
إعادة الولايات المتحدة فتح ملف أوستن تايس المعقد في هذا التوقيت وتسليمه إلى لبنان، يرجع إلى عدة عوامل وفق الصحفي السوري عمار عز.
وقال عز لـ "الاستقلال": إن "ما يحصل في عملية تحريك من إدارة جو بايدن لملف الرهائن بسوريا وعلى رأسهم تايس الأكثر شهرة، هو لكسب إنجاز جديد مع اقتراب الولايات المتحدة من موسم انتخابات التجديد النصفي والتي ستقام هذا الخريف وتحدد بموجبها الأغلبية داخل الكونغرس.
وبين أن ذلك يأتي في وقت يعتقد أن بايدن من الرؤساء الأميركيين الأقل شعبية في البلاد.
وأضاف الصحفي قائلا: "إن لقاء بايدن بوالدي أوستن، وتأكيده العمل لتأمين عودة ابنهما سالما إلى منزله، كان أولى إشارات عزمه تحريك الملف من جديد".
ولفت عز إلى أن إدارة بايدن تريد استغلال الضغط المحلي من عائلة تايس وتعاطف الأميركيين معهم لصالحه.
وزاد بالقول: "ولذلك ما تسليم ملف الرهائن للواء عباس إبراهيم إلا لتوتر العلاقة بين موسكو وواشنطن بسبب أوكرانيا والذي كان هناك خيط رفيع من التواصل حولهم".
وتابع: "ثانيا واشنطن أعطت فرصة للواء عباس لحل الأمر دون تنازلات أميركية نظرا لقربه من النظام وحزب الله وإدارته لملفات رهائن سابقة مثل راهبات معلولا وإطلاق سراح المواطن اللبناني نزار زكا بعد احتجاز لأربع سنوات في إيران".
ومضى عز يقول: "أعتقد أن أي تقدم في ملف أوستن سينعكس على لبنان وليس على النظام السوري في حال حدث شيء، بمعنى أن تكليف اللواء عباس من واشنطن لا يحمل أي ضمانات أو تنازلات للأسد".
واستبعد عز أن "يقدم النظام على إطلاق سراح أوستن تايس دون تحقيق مكسب ما أو مقايضة لأن الأسد يتذرع بأنه داخل إلى سوريا بطريقة غير شرعية".
وأرى الصحفي السوري: "أن مصلحة النظام في خطف أوستن كانت واضحة لتغطياته الإعلامية ونقل جرائم قوات الأسد من داخل مناطق المعارضة من جهة مستقلة ومحايدة للرأي العام العالمي".
وبين أن "الأسد استثمر في اختطافه سياسيا وجعله ورقة تفاوض مع الأميركي لحساسية الموقف داخل الولايات المتحدة ووجود مجتمعات ضغط تطالب به، لكن الإهمال وعدم حل ملفه كل هذه السنوات يرجع لمطالب النظام غير المنطقية كالحديث عن انسحاب القوات الأميركية من الرقة".
وختم بالقول: "لن تكون مهمة اللواء عباس سهلة ولا أتوقع أن يحدث أي تقدم فيها، خاصة أن العلاقة متوترة بين واشنطن وموسكو بسبب أوكرانيا، وهذا ما يعقد ملف أوستن أكثر ويبقيه في الفترة الحالية دون تقدم".
تبييض صورته
وقبل تكليفه بملف الرهائن لم يكن اللواء عباس إبراهيم المولود في قضاء صيدا اللبناني عام 1959، على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة، لكنه تلقى "فرصة ذهبية" من إدارة بايدن في ملف الرهائن، لانتزاعها بحكم علاقته القوية مع نظام الأسد.
وعباس إبراهيم البالغ من العمر 63 عاما، شيعي كان حاضرا في كل مكان منذ أن أصبح الميشال عون رئيسا عام 2016، وبات يسيطر منذ ذلك الحين على علاقات لبنان مع نظام الأسد.
وأنجز عباس العديد من صفقات تبادل الرهائن والأسرى خلال مسيرته المهنية، ونجح مجددا في تأمين إطلاق سراح معتقل لبناني في أبو ظبي.
فبعد أكثر من شهر على اعتقاله في أبو ظبي لنشره تغريدات رأتها السلطات الإماراتية تشهيرية، أُطلق سراح الطبيب اللبناني ريتشارد خياط، ليعود إلى وطنه أواخر أبريل 2022.
ولم يتردد خياط في شكر اللواء عباس إبراهيم الذي تدخل لدى السلطات الإماراتية بشخصه لتأمين الإفراج عنه وفقا لدوره التقليدي كمفاوض في ملفات الرهائن.
ومع ذلك، لم تساهم جهوده الأخيرة في تهدئة الغضب الأميركي المتزايد إثر الاتهامات المتعلقة بمشاركته في تعذيب وخطف عامر الفاخوري الأميركي الجنسية.
ففي عام 2020، أُفرج عن الفاخوري من السجون اللبنانية، حيث احتجز عام 2017 بعد اتهامات بالإشراف على تعذيب معتقلين لبنانيين خلال خدمته في جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين.
لكن بالرغم من الموقف الصعب الذي يعيشه اللواء عباس إبراهيم لتبييض صورته أمام واشنطن بسبب علاقاته مع حزب الله، فإنه ما يزال يحظى بدعم السيناتور الديمقراطي "جين شاهين".
وكذلك الأمر من مؤسسة جيمس فولي للأعمال الخيرية التي أنشأتها والدة جيمس الصحفي الأميركي الذي قطع تنظيم الدولة رأسه في سوريا عام 2014.
ففي خريف عام 2020، حصل اللواء عباس إبراهيم على "جائزة حرية الرهائن الدولية" خلال أمسية اجتماعية نظمتها الجمعية تحمل اسم الرهينة في إشارة إلى جيمس.
ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخل صحفيون غربيون وأطباء وناشطون إلى سوريا بقصد التغطية الصحفية أو تقديم المساعدة بصورها كافة.
إلا أن النظام كان يضيق على المتعاطفين مع الثورة أو الذين يتوجهون إلى مناطق المعارضة السورية، لدرجة أنه كان يقصف الأبنية السكنية التي يوجدون فيها.
وأشهرها حادثة مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين، من صحيفة صنداي تايمز" في 22 فبراير 2012، مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك، بعد قصف قوات الأسد المركز الإعلامي المؤقت داخل حي بابا عمرو بمدينة حمص الذي كان وقتها أحد معاقل المعارضة.
وسبق أن كشفت شقيقة الطبيب البريطاني عباس خان الذي توفي خلال اعتقاله في سجون النظام السوري عام 2013، أن مكتب بثينة شعبان المسؤولة الإعلامية لدى بشار الأسد قالت لأمه "إننا قتلنا ابنك" و"اذهبي إلى بريطانيا وأبلغي حكومتك بهذا".
وخان سافر لمساعدة اللاجئين السوريين وتدريب مسعفين داخل تركيا قرب الحدود في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 مع قافلة لمنظمة "هيومان إيد"، وحينما قرر الدخول إلى مدينة حلب لمعالجة الجرحى اعتقله حاجز أمني لقوات الأسد في 22 من الشهر المذكور.