"لجنة توحيد القوات العسكرية".. هل تنهي حلم انفصال الجنوب في اليمن؟
.jpg)
في مساع يمنية لدمج كل المكونات والتشكيلات العسكرية المحسوبة على الشرعية تحت قيادة واحدة ومنعا لأي خلافات مستقبلية بينها، أقر "مجلس القيادة الرئاسي" تشكيل "لجنة مشتركة" لإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن.
وأعلن مجلس القيادة الرئاسي، في 30 مايو/أيار 2022، تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مكونة من 59 شخصا؛ لإعادة دمج وهيكلة القوات المسلحة، وذلك بعد نقاشات وخلافات ظهرت إلى العلن، كاشفة عن أزمة مبكرة قد تعصف بالمجلس الذي لم يكمل ترتيب أوراق مهامه بعد إعلان تشكيلته في 7 أبريل/نيسان 2022.
وبحسب وكالة "سبأ" الرسمية التابعة للحكومة، فإن القرار جاء بعد لقاء ضم رئيس المجلس، رشاد العليمي، وجميع أعضائه باستثناء اللواء سلطان العرادة، الذي غاب عن الاجتماع بعذر.
وخرج الاجتماع بتوافق المجلس على تشكيل اللجنة، برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، واللواء الركن طاهر علي العقيلي نائبا، والعميد ركن حسين الهيال عضوا مقررا.
كما وافق مجلس القيادة الرئاسي على تشكيل لجنة لتقييم وإعادة هيكلة الأجهزة الاستخباراتية، مؤكدا أهمية اضطلاع هذه اللجان بواجباتها في تحقيق الأمن والاستقرار، تحت قيادة وطنية موحدة، خدمة لمعركة "استعادة الدولة"، وحماية مكاسب "التوافق الوطني الراهن"، وفق وكالة "سبأ".
تحديات التنفيذ
وجاء تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية، وفق المادة الخامسة من إعلان نقل السلطة في 7 أبريل 2022، من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى المجلس الرئاسي المكون من 7 أعضاء برئاسة العليمي، والتي تنص على تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار ومنع أي مواجهات مسلحة في مختلف أنحاء البلاد.
كما تتولى اللجنة، تهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات تحت هيكل قيادة وطنية موحدة، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع "عقيدة وطنية" لمنتسبي الجيش، والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن.
لكن هذه اللجنة ستكون أمام تحدي دمج الفصائل، متعددة الأطياف والولاءات، سواء التي حاربت في صفوف الجيش أو الانفصالية التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" أو قوات "طارق صالح" الذي حارب مع الحوثيين، قبل الانشقاق عنهم في ديسمبر/كانون الأول 2017، بعد مواجهات انتهت بمقتل عمه، الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح على يد "الحوثيين".
وسبق أن نشبت بين هذه الأطياف والتشكيلات اشتباكات ومواجهات، آخرها في أغسطس/آب 2019، بين فصائل تابعة للمجلس الانتقالي وقوات الحكومة.
وتمكنت خلالها قوات المجلس من هزيمة الحكومة وإخراجها من مدينة عدن العاصمة المؤقتة بدعم وإسناد من الإمارات، ليبدأ المجلس بعد ذلك عملية إعادة نشر قواته، ليسيطر بشكل كامل على المدينة.
ورغم تشكل حكومة مناصفة مع المجلس الانتقالي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم ملحوظ في مسألة تنفيذ الشق العسكري من "اتفاق الرياض"، خصوصا دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.
لكن المرحلة الحالية التي بدأت بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بدفع من السعودية خصوصا، تستدعي تصفية الخلافات في صفوف الشرعية لتوحيد الجبهة بمواجهة الحوثيين، بحسب خبراء.
مهام صعبة
وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي، محمد الكميم، إن "اللجنة العسكرية الأمنية مهمتها توحيد القرار العسكري والصف العسكري، مثلما توحد الصف السياسي بتشكيل المجلس الرئاسي الذين يمثلون الآن الشرعية اليمنية، ويمثلون كل المكونات الوطنية المناوئة للحوثيين".
وشدد الكميم في حديث لـ"الاستقلال" على أن "التشكيلات الكثيرة الموجودة في اليمن وتعدد داعميها، وتعدد قياداتها واختلاف أجنداتها، وأيضا الخلافات البينية بين تلك القوات، أحد أسباب ضعف الأداء العسكري في القوات المسلحة".
وأردف الكميم: "نتوقع نجاح لهذه اللجنة رغم الصعوبات والمشاكل التي ستواجهها، خصوصا أن هناك صعوبات وعراقيل وتجار حروب يريدون للانقسامات أن تستمر، لكن يجب أن نعي أن الوضع بالنسبة للجنة سيكون مدعوما بشكل كامل إذا ما صدقت النوايا ووجدت الإرادة والإدارة الناجحة".
وبيّن أن "اللجنة ستكون لها آليات وإجراءات تضبط القوات المسلحة اليمنية، في الإطار والبناء التنظيمي المهني والحرفي القائم على الحوكمة، وستتفرع منها لجان عسكرية أصغر لحل كثير من المشاكل، في إطار التشكيلات القتالية والتخصصات النوعية للقوات ورفع الكفاءة، والنظر إلى الصعوبات كافة التي واجهت القوات خلال سبع سنوات ماضية".
وأوضح الخبير اليمني، أن "عمل اللجنة سيكون مؤسسيا ومنظما وفقا لقواعد البناء والتنظيم للقوات المسلحة في جميع أنحاء العالم، كتشكيلات الجماعات والسرايا والفصائل والهيكل التنظيمي للألوية والوحدات القتالية ونوعية الوحدات ومهامها وأماكن انتشارها".
وتابع: "ستنظر اللجنة إلى كثير من الأمور التي كانت سببا في عدم تحقيق نجاحات في بعض الجبهات ونوعية الأسلحة والقوى الموجودة".
وأشاد الكميم بـ"اختيار اللواء الركن، قاسم طاهر، رئيسا للجنة، كونه وزير دفاع سابق ولديه خبرة عسكرية كبيرة وميدانية"، مضيفا بأنه "رجل يقاتل هذه اللحظة ويملك من الخبرة الكثير وعصارة تجارب سابقة".
وزاد بالقول: "بالإضافة إلى اللواء الركن طاهر العقيلي، رئيس هيئة الأركان السابق، وكثير من القيادات التي اطلعنا على بعض أسمائها تمتلك الخبرة والقدرة والتأثير، وهي شخصيات عسكرية قوية".
قلق وتخوف
وأثار تعيين رئيس اللجنة العسكرية والأمنية، قاسم طاهر، الذي ينحدر من منطقة ردفان التابعة لمحافظة لحج جنوب اليمن، الموالي للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، توجسات وردود أفعال مختلفة.
وحذر مستشار وزير الإعلام، مختار الرحبي، من "العواقب الوخيمة للدور الذي يمكن أن يلعبه قاسم طاهر، في هذا الظرف المفصلي من تاريخ اليمن"، مؤكدا أن "تكليف شخص ليس لديه مواقف واضحة من وحدة الكيان الوطني وفكرة الجمهورية الجامعة، هو أمر باعث للقلق، مهما كانت التبريرات والضغوطات".
ولفت الرحبي عبر حسابه بموقع "تويتر"، إلى أنه "تمت هيكلة الجيش في 2012، وسقطت العاصمة صنعاء بعد ذلك بيد مليشيات الحوثي، واليوم تم تشكيل لجنة هيكلة الجيش والأمن برئاسة انفصالي يعمل مع الإمارات منذ سنوات كزعيم مليشيات خارج إطار الدولة، ولا أحد يعرف المصير الذي ينتظر عدن بعد هذا القرار".
لم يعد لدينا استعداد لأي عملية تجريبية في إدارة الدولة او في مناصب حساسة ، كل قرار يصدر يتوجب أن يكون محاطًا بتأمين شامل ومستوعب كل المخاوف والمحاذير ، أما أن يتم اتخاذ قرارات بشكل ارتجالي او استجابة لضغوط داخلية او خارجية سيجعل الكلفة مضاعفة في وقت نبحث عن تقليل الخسائر
— مختار الرحبي (@alrahbi5) May 30, 2022
ويرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالناصر المودع، أن "تعيين قاسم طاهر، لما يسمى اللجنة العسكرية وقبله رئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، هي تعيينات جاهزة ومعدة من إحدى دول الوصاية، وكلاهما يعمل موظفا لديها وربما يحملان جنسيتها.
وأضاف المودع "هذا يؤكد أن وظيفة مجلس القيادة التوقيع والختم للأوامر الصادرة من دول الوصاية، يوما بعد آخر يفقد هذا المجلس صفته التمثيلية لليمن".
تعيين هيثم قاسم، لما يسمى اللجنة العسكرية وقبله الغيثي، هي تعيينات جاهزة ومعدة من احد دول الوصاية والتي يعملان موظفان لديها وربما يحملان جنسيتها، وهذا يؤكد أن وظيفة مجلس القيادة وضع التوقيع والختم للاوامر الصادرة من دول الوصاية. يوما بعد اخر يفقد هذا المجلس صفته التمثيلية لليمن
— عبدالناصر المودع (@Almuwadea) May 30, 2022
تجربة سابقة
من جهة أخرى، أعلن المجلس الانتقالي رفضه القاطع لفكرة دمج التشكيلات العسكرية والأمنية.
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس، منصور صالح، مغردا في 31 مايو، إن "الدمج فكرة غير مقبولة، ولم يرد ذكرها، لا في اتفاق الرياض، ولا مشاورات الرياض، وهما المرجعيتان اللتان استند إليهما تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية".
الدمج فكرة غير مقبولة، ولم يرد ذكرها، لا في اتفاق الرياض، ولا مشاورات الرياض، وهما المرجعيتان اللتان استند اليهما تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية.
— منصور صالح (@MANS0RSALEH) May 31, 2022
ويتخوف اليمنيون من تكرار الهيكلة التي حدثت عقب الاحتجاجات في إطار الثورة الشعبية عام 2011، والتي ساهمت في تفكيك الجيش وصولا إلى تمكين الحوثيين من السيطرة على الدولة وإسقاط مؤسساتها عام 2014.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الكميم، أن "القوات ثابتة على الأرض وقاتلت الحوثيين وحققت انتصارات، ولها صولات وجولات مع المليشيا، والهدف حاليا هو دمج القرار العسكري وتوحيد غرفة العمليات المشتركة والعقيدة العسكرية وتوجيه الجهد الرئيس في إطار قرار قائد عسكري أعلى".
وأوضح أنه "كان هناك جيش واحدا عام 2011 لكن تم هيكلته والعملية كانت أقرب إلى التفكيك، وهذه هي المشكلة الكبيرة، فقوات الحرس الجمهوري تم تفكيكها وتقسيمها على المناطق، وكثير من الأمور الخاطئة أدت إلى انقسامات كبيرة واختلالات في الهيكلة".
وختم الكميم حديثه بالقول: "عام 2011 كان القرار العسكري واحد وغرفة العمليات واحدة والعقيدة واحدة والقيادة والسيطرة واحدة، لكن الآن أصبحت الجيوش كثيرة والعقيدة العسكرية مختلفة والأهداف متنوعة والإستراتيجية الدفاعية مختلفة، ولا يوجد تشابه بين 2011 الذي حدث فيه تفكيك للجيش وعام 2022 الذي حدث فيه توحيد للجيش".