عملية عسكرية تركية مرتقبة شمالي سوريا.. ما الجديد الذي تسعى إليه؟
جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع يونيو/حزيران 2022، أمام البرلمان، تهديده بشن عملية عسكرية على مناطق بشمال سوريا، تستهدف عناصر مجموعات كردية مسلحة، تعدها أنقرة "إرهابية".
وقال موقع "فيكير تورو" التركي إن "فرق هذه العملية عن درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام أن إطارها الأساسي ونطاقها العام ومدتها وتوقيتها ليست بسبب تأثرها من الحرب الأهلية والديناميكات الداخلية السورية، وإنما بسبب تأثرها من الحرب الروسية الأوكرانية".
وذكر الموقع في مقال للكاتب والباحث، سرحت أركمن، أن "مدى التأثير التي ستحدثه الحرب الأوكرانية على مختلف المناطق في العالم كان موضع نقاش منذ ثلاثة أشهر، وتحديدا في الشرق الأوسط، خاصة أن مدى ذلك كان غير واضح وليس مدعوما بمعطيات ملموسة".
كر وفر
وأوضح أركمن أنه "قبل بدء روسيا الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 لم تكن هناك أي إشارات أنه سيتم حل الانسداد المستمر في سوريا آخر سنتين، فقد كانت إيران تحاول منذ منتصف عام 2021 تسريع توسيع نفوذها بدءا من دير الزور تجاه غرب سوريا".
واستدرك موضحا: "لكن مساعي إيران هذه اصطدمت بمنطقة نفوذ الولايات المتحدة كلما اقتربت من حقول النفط في الشمال، واصطدمت بالقوات الروسية ومنظماتها بالوكالة كلما تقدمت نحو الغرب، ما أدى إلى فشل مساعيها هذه".
وتابع أركمن: "لقد كانت موسكو تواصل هجماتها الجوية التقليدية على محافظة إدلب، وتقصف بالطائرات دون الاهتمام لوجود مدنيين، حتى أن الهجمات الروسية تصاعدت ووصلت إلى ذروتها في إدلب خلال أغسطس/آب 2021، لكن اهتمام روسيا كان منصبا على الصحراء الواقعة بين شرق حمص وجنوب الرقة ودير الزور".
وعد أن "المناطق التي تتوسط البلاد والتي يقوم فيها تنظيم الدولة بهجماته من نوع الكر والفر ولعبة القط والفأر مع النظام السوري كانت تستهلك معظم طاقة روسيا، ذلك لأن الولايات المتحدة كانت تحاول ملء الفراغ الناشئ من الشمال والجنوب وإيران من الشرق".
وذكر الكاتب التركي أن "النظام السوري برئاسة بشار الأسد كان يحاول الاستعانة بروسيا لمواصلة تفتيش المناطق التي تحت سيطرتها".
وفي الوقت نفسه "كان يبحث الأسد الذي أعلن انتصاره، عن فرصة العودة إلى العالم العربي من خلال المحادثات الدبلوماسية المتوقع عقدها خلال عام 2022، أملا في أن هذا قد يضفي زخما لجمع الدعم المادي لإعادة إعمار سوريا".
ولفت إلى أن "جل اهتمام الولايات المتحدة كان منصبا على شمال شرقي سوريا في إطار علاقاتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي)، ورغم أن وحدات حماية الشعب (واي بي جي) تختبئ خلف الولايات المتحدة وإيران ودول أخرى وتقوم بهجمات ضيقة النطاق ضد الجيش التركي والجيش السوري الحر، إلا أن تأثيرها كان صغيرا جدا".
أما تركيا فكانت تطلق عمليات دقيقة متزايدة ضد حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الإرهابي من جهة، وتواصل جهود ضمان وحفاظ الأمن والاستقرار في مناطق سيطرة الجيش السوري الحر من جهة أخرى، بحسب الكاتب.
وعن تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على سوريا، قال أركمن: "أولا يجب أن نبين بوضوح أنه لا يوجد إلى الآن أثر إستراتيجي على سوريا جراء الغزو، وما نعيشه اليوم إنما هو بسبب مشاكل روسيا اللوجستية والتخطيطية، وبسبب تغير توازن القوى على الصعيد العالمي".
وأضاف أنه "في حال فقدت روسيا قوتها وبالتالي نفوذها في سوريا بسبب حرب أوكرانيا، لا يجب أن ننسى أن سبب بقاء نظام الأسد لم يكن بسبب إمكانياته وإمكانيات إيران، وإنما بسبب التدخل الروسي".
وواصل: "غير أنه في حال طال أمد الحرب في أوكرانيا وتسبب ذلك بتغيرات عالمية كبيرة فالوضع قد يختلف، أما بالنسبة للوضع الحالي، لنؤكد مرة أخرى على أننا نعيش في وضع ناتج عن المؤثرات التكتيكية، وليس الإستراتيجية في سوريا".
العملية المرتقبة
وأكد أركمن أن "المعطيات الموجودة في أيدينا تظهر لنا أنها لم تحدث تغييرات مهمة في سوريا بعد 24 فبراير".
ولفت إلى أن "الإشارات تدل على أن روسيا بدأت في جمع قواتها في مناطق محددة، بعد أن كانت منتشرة في جميع أنحاء سوريا، وأنها قللت من أعداد جنودها ومستشاريها إضافة إلى انسحابها بشكل كامل من بعض قواعدها العسكرية".
وأوضح أركمن أن "أجرى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو زيارة مهمة إلى سوريا قبل بدء الحرب في أوكرانيا بـ9 أيام، وأعلن في 22 فبراير، أي قبل بدء الحرب بيومين فقط، أن موسكو وضعت أسطولا مكونا من 16 سفينة، بأهبة الاستعداد في ميناء طرطوس، إضافة لوضعها أنظمة ميغ31 وكينزال في قاعدة حميميم الجوية".
وأشار إلى أن "الفرقة رقم 65، التي هي أهم قوات تحارب عن روسيا بالوكالة، وشركات الأمن الخاصة وضباطا تابعين للجيش الروسي كانوا ينفذون عمليات داخل البلاد".
واستطرد "لقد تغيرت هذه الصورة مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وبينما قامت روسيا بشن 910 هجمات جوية على المناطق التي تتوسط سوريا في فبراير، قلت هذه الهجمات إلى 270 هجمة جوية في مارس/آذار و550 في أبريل/نيسان 2022".
وتابع أركمن: "مع نهاية مايو/أيار فإن عدد الهجمات الجوية لم تتعد 310، وبالتالي فإن روسيا لم تقلل عدد هجماتها الجوية فقط، ولكن سحبت أفرادها التابعين للجيش وشركات الأمن الخاصة التي تعمل لأجلها في القواعد العسكرية شرق حمص، وفي المناطق المجاورة للرقة ومعسكر النيرب شرق حلب، وغيرها، وهذه الانسحابات تبدو وكأنها بلا رجعة".
واستدرك: "كل ذلك يظهر بوضوح أن روسيا جددت تنظيم قوتها العسكرية في سوريا وانسحبت من المناطق غير المهمة لها، لكن ينبغي أن لا نخطئ في فهم هذه المعطيات، إذ إن ما ذكرناه آنفا لا يعني أن روسيا تنسحب من سوريا بشكل تام، فهي تعمل على إعادة تموضع قواتها في المناطق الإستراتيجية الجوية".
وعد أركمن أن "ما ذكرناه سابقا يشكل البنية التحتية والخلفية للعملية العسكرية التي تحدث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
وقال الكاتب: "لن أدخل في تفاصيل الجبهات التي ستتخذها تركيا في القرى والبلدات، والجهات التي ستواجهها في هذه المناطق، لكن بما أنه تم ذكر تل رفعت ومنبج يمكنني أن أربط المعطيات السابقة بالتوقعات العامة من هذه العملية".
وأضاف "من الواضح أن تحركات تركيا لها علاقة بالخطوات الروسية في سوريا، وعلينا الأخذ بالاعتبار أن أميركا في هذه الفترة تعمل على تقوية وحدات حماية الشعب، لذا علينا أن لا ننظر إليها بأنها عمليات مكافحة إرهاب فقط".
ولفت أركمن إلى أنه "من المؤكد أن العمليات ضد وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني أساسها محاربة الإرهاب، لكن فمثلا إخراجهم من تل رفعت ليس فقط بسبب منع الهجمات ضد القوات التركية، وإنما أيضا بسبب تغير القوى في سوريا".
واستدرك قائلا: "غير أن البيئة الحالية والظروف الموجودة على أرض الواقع يزيد من احتمالية شيء وهو التالي، لقد كان عدم وصل منطقة درع الفرات بمنطقة نبع السلام من أكبر المشاكل التي تواجه المعارضة في سوريا منذ 2019".
وتابع: "أما الآن ومع احتمالية إطلاق عملية في منبج، لن ينفتح الباب أمام تزايد الكثافة في منطقة درع الفرات أو تزايد الراغبين في العودة من تركيا إلى المناطق المحررة في سوريا فحسب، بل سيتم ضمان وحدة المناطق المحررة أيضا"، بحسب الكاتب التركي.
وختم مقاله بالتأكيد على "عدم تقييم التطورات في الشرق بالتركيز على منبج فقط، بل يجب تضمين المناطق حولها أيضا، لأن فتح ممر شمال منبج وربط المنطقتين المحررتين ببعضهما فقط لن يقضي على وحدة الأراضي التابعة لحزب العمال الكردستاني فقط، بل سيضفي بعدا جديدا على نقاشات قضية السوريين في تركيا".