تنظيم الدولة في البادية السورية.. لماذا فشلت حملة مليشيا "نمر روسيا" باستئصاله؟

12

طباعة

مشاركة

فشلت المليشيات الروسية بتحقيق نتائج ملموسة ضمن حملة عسكرية جديدة وقصيرة نفذتها ضد خلايا تنظيم الدولة في البادية السورية.

فبعد خمس سنوات من قيادته المعارك نهاية عام 2017 شخصيا ضد تنظيم الدولة والقضاء عليه في محافظة دير الزور، عاد العميد في قوات النظام السوري، سهيل الحسن ورجل روسيا الأول في سوريا لمحاربة التنظيم بأوامر مباشرة من موسكو.

ورغم انشغال روسيا بغزو أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، فقد كلفت الحسن الملقب بـ"النمر"، عبر "الفرقة 25 مهام خاصة" التي يقودها، بحملة جديدة أطلقت في 19 مايو 2022 لتمشيط البادية السورية ضد خلايا تنظيم الدولة المنتشرة هناك.

حملة فاشلة

وعلى مدار أقل من أسبوع منيت الحملة بفشل ذريع، وتكبدت قوات "النمر"، خسائر بشرية بالعشرات بين قتيل وجريح وأسير، رغم كون فرقته العسكرية الأكثر استخدما للأسلحة الروسية المتطورة في المعارك، فضلا عن دعم وإسناد مباشر من الخبراء والضباط الروس.

ونعت وسائل إعلام النظام السوري، مقتل العقيد "نشوان محمد السعد" من "الفرقة 25" في 25 مايو، أثناء حملة التمشيط المذكورة، وذلك بعد يوم واحد من فقدان الاتصال بمجموعة مؤلفة من 15 عنصرا في منطقة "كم صواب" بالبادية.

وذكرت شبكة "فرات بوست" المعارضة، أن الحملة الأخيرة التي أطلقتها المليشيات الروسية في البادية السورية، فشلت في تحقيق أهدافها المخطط لها.

وشن الطيران الحربي والمروحي الروسي عشرات الغارات الجوية في البادية، استهدفت مغارات وكهوفا ومنازل قديمة وأنفاقا بداعي وجود عناصر تنظيم الدولة فيها.

وأوضحت الشبكة، أن الحملة كانت "شكلية ودعائية أكثر مما هي ذات هدف حقيقي، ولم تستطع تحقيق أي تقدم أو تثبيت نقاط جديدة ضمن عمق البادية السورية".

ولجأ تنظيم الدولة لتشتيت القوات المهاجمة على الطرق الرئيسة التي تخترق البادية وتصل بين محافظات دير الزور – الرقة – حمص – حماة، متبعا أسلوب الكمائن وزرع الألغام الأرضية على أكثر من محور.

وتعد البادية السورية الشاسعة المرتبطة مع صحراء العراق، موطنا جديدا لتنظيم الدولة، واختارها لبقايا عناصره، منذ هزيمته على يد قوات النظام أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.

واعتمد تنظيم الدولة الذي تمدد مطلع 2014 في سوريا، على تقسيم البادية إلى قطاعات من أجل ضمان بقاء مجموعاته.

وزادت أعداد تلك المجموعات عقب إعلان الولايات المتحدة الداعمة لـ قوات سوريا الديموقراطية "قسد" القضاء على التنظيم بشكل نهائي بمحافظة دير الزور في مارس/آذار 2019.

وبشكل متقطع، تنفذ خلايا تنظيم الدولة هجمات ضد أرتال قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية والروسية، عند الطرق الرئيسة التي تشق البادية الرابطة بين محافظات حمص – حماة – الرقة – دير الزور.

توقيت مدروس

وهذه ليست المرة الأولى التي تشن فيها المليشيات الروسية منفردة، أو بالتعاون مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية، حملات تمشيط ضد خلايا تنظيم الدولة في البادية.

إذ سبقها حملات تجاوزت الـ 20، وجميعها باءت بالفشل، ولم تفض إلى نتيجة تغير واقع تمركز خلايا التنظيم وتحويل البادية لباحة خلفية له بسوريا.

لكن توقيت هذه الحملة العسكرية من قبل المليشيات الروسية، ضد تنظيم الدولة، كان ملفتا، ويأتي في ذروة انشغال قاعدة حميميم العسكرية الروسية بريف اللاذقية باجتياح أوكرانيا وحاجتها لتوظيف قدراتها نحو تلك المعركة الفاصلة مع الغرب.

إلا أن الحملة كانت "استعراضا للقوة" الروسية على الأرض السورية، والتأكيد على قدرة أدواتها الممثلة بالمليشيات المحلية التي بنتها منذ عام 2015، على الجاهزية القتالية.

ولا سيما أن المعارك مع تنظيم الدولة تعد "مفتوحة"، منذ انتهاء العمليات العسكرية في غالبية الأراضي السورية وبرود الجبهات خاصة بعد معارك ريفي حلب وإدلب مطلع 2020.

ولطالما اتبعت روسيا تكتيكا عسكريا تعطي فيه لـ "الحسن" صورا عن "معارك الحسم"، بمعنى أنها تزجه في معارك ذات ثقل على صعيد السيطرة على الأراضي السورية.

ومنها خوضه معارك ضد تنظيم الدولة أفضت للقضاء عليه أواخر 2017 على الضفة اليمنى من نهر الفرات في محافظة دير الزور، والتي تتمركز فيها حاليا المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري.

ويرى كثير من المراقبين العسكريين للشأن السوري، أن تكليف سهيل الحسن، بهذه المهمة، محاولة من روسيا لبعث رسائل متعددة.

فعلى الصعيد الخارجي، ومع انشغالها بحرب أوكرانيا، أرادت موسكو إظهار أن لديها أدوات عسكرية على الأرض قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية بسوريا.

وعلى الصعيد الداخلي، أوكلت روسيا مهمة التنسيق العسكري لقوات النظام الذي أظهر فشله.

وهذه رسالة من موسكو لرئيس النظام بشار الأسد، بأنه لا قدرات عسكرية لديه لولا الدعم والإسناد الروسي، وفق مراقبين.

كما أن فشل الحملة دلل على ضعف المليشيات التي صنعتها روسيا في سوريا على تنفيذ أي مهمة خارج تنسيق ودعم كامل من قاعدة حميميم.

انعدام الدعم

وفي هذا الإطار قدم المحلل والخبير العسكري الرائد طارق غنوم، لـ "الاستقلال"، صورة بانورامية عن جملة من المعطيات والأسباب التي أدت لفشل مبكر وسريع للحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة من قبل المليشيات الروسية.

وقال غنوم إن "الحملات العسكرية للمليشيات الروسية باتجاه البادية السورية سابقا كانت بدعم وتخطيط وقيادة ودعم لوجستي روسي كامل، إضافة إلى استخدام أجهزة عسكرية حديثة، لكن رغم ذلك جميعها باء بفشل نسبي".

وأضاف الخبير العسكري، أنه "مع انشغال روسيا في المستنقع الأوكراني، ترى موسكو أنه لا يمكن إهمال البادية السورية مهما كانت النتائج والخسائر حتى لا يأخذ تنظيم الدولة متنفسا قويا في المنطقة الإستراتيجية لكل من روسيا وإيران والنظام".

ومضى يقول: "إن الحملة الأخيرة منيت بفشل ذريع جدا، لعدة أسباب، والتي يقودها سهيل الحسن بنفسه، أولا لكون البادية صحراء شاسعة وفيها وديان ومخابئ وحرارتها عالية في النهار ومنخفضة في الليل".

وتابع غنوم قائلا: "وهذا ما يتطلب تقنيات خاصة لضرورات المعركة، لتفادي الخسائر والتحرك، لكن بدا واضحا غياب الدعم الروسي اللوجستي والتقني والاتصالات والاستطلاع واستخدام الطيران الحربي الروسي والحوامات".

وزاد بالقول: "هناك أجهزة ومعدات عسكرية وتقنية يستخدمها فقط العناصر والضباط الروس في المعارك بسوريا".

بمعنى أن التقنيات التي تمتلكها قوات سهيل الحسن ليست بقوة ودقة التي تستخدمها روسيا، فضلا عن الدعم الجوي المختلف الذي يمتلكه النظام السوري والذي يشكل 5 بالمئة مما يمتلكه الروس، وهذا كله أثر على سير المعركة، كما قال.

ولفت الرائد طارق غنوم، إلى أن المعركة الأخيرة بالبادية السورية "أثبتت خوف المليشيات الروسية المحلية من نفاد الذخيرة والمحروقات والإمدادات، مما يعيق الحركة وإدارة المعركة، ويجعلهم تحت أمر واقع في التراجع والانسحاب مبكرا دون أي نتائج ملموسة".

وألمح الرائد إلى أن الحملة الجديدة ضد تنظيم الدولة أظهرت "ضعف التنسيق وإدارة المعركة بشكل منفرد من قبل قوات سهيل الحسن والأسد، بمعنى ظهور فقدان القيادة والتحكم والسيطرة على القوات، وهذا ما لم نشهده في الحملات السابقة التي كانت تقودها روسيا بتنسيق كامل من قاعدة حميميم".

أوراق جديدة

كبح نشاط تنظيم الدولة في البادية السورية التي تبلغ مساحتها نحو 80 ألف كيلومتر مربع، يشكل أولوية لدى كل من إيران وروسيا. فطهران ما تزال تربط حركة التجارة البرية من وإلى سوريا بتأمين الطرق البرية.

بينما تعد موسكو أن تنظيف البادية من خلايا تنظيم الدولة أهمية اقتصادية لها، نظرا لتوقيع شركات روسية ومحلية عقودا طويلة الأجل مع النظام لاستثمار حقول النفط والغاز في دير الزور وحمص.

وكان المدير التنفيذي لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف أخبر مجلس الأمن الدولي في فبراير 2022، أن هناك ما يصل إلى 10 آلاف عنصر نشط لتنظيم الدولة في العراق وسوريا.

وبين فورونكوف، أن هؤلاء يواصلون شن الهجمات بمعدل ثابت، بما في ذلك عمليات الكر والفر والكمائن والقنابل المزروعة على جوانب الطرق في كلا البلدين.

وأمام هذه المعطيات، فإن مسألة القضاء على تنظيم الدولة في البادية السورية يتفق الجميع أنها تتطلب جهدا دوليا بعيدا عن حسابات الروس والإيرانيين ومصالحهما.

وخاصة أن روسيا تحاول أن تخلق عملية توزان في محاربة تنظيم الدولة، إلى جانب الولايات المتحدة التي تدخل جيشها بسوريا في سبتمبر/ أيلول 2014، لتنفيذ ضربات جوية ضد التنظيم لمساندة قوات "ي ب ج" الكردية والتي تعد العمود الفقري لـ "قسد" التي تشكلت عام 2015.

إذ إن تركيز روسيا على فتح معارك البادية؛ فيه رسالة للمجتمع الدولي حول خطر تنظيم الدولة على الملف السوري، وذلك بهدف كسب مزيد من المماطلة في العملية السياسية ولفت الأنظار إلى عودة نشاط التنظيم.

لكن هناك "انعكاس إيجابي" للحملات العسكرية الروسية على تنظيم الدولة، كونها متشابهة وتستخدم ذات الخطط والأساليب القتالية.

وتوضح شبكة "الشرقية 24" المحلية المعارضة، أنها "تلاحظ أن تنظيم الدولة، بات يستفيد من الحملات العسكرية ضده عبر كسب خبرة في التصدي والمناورة والتعامل مع الهجمات".

وتضيف الشبكة لـ "الاستقلال"، أنه "مع كل حملة يتمكن تنظيم الدولة من أسر عدد كبير من قوات النظام السوري والمليشيات الأخرى، وهذا ما يمنح التنظيم أوراق قوة عبر تنفيذه عمليات مبادلة سرية لهؤلاء مقابل تأمين ما يحتاجه لبقائه في الصحراء".

وختمت بالقول: "وهذا كله يتقاطع مع أن تنظيم الدولة يتلقى إتاوات مالية من شخصيات مقربة من النظام السوري كالقاطرجي".

ويهدف ذلك إلى عدم مهاجمة قوافل النفط القادمة من مناطق قسد لمناطق الأسد، مما يدل على وجود إياد خفية لتنظيم الدولة في البادية.