بلا موعد أو تفاصيل.. لماذا يشكك معارضون بمبادرة تبون للمصالحة في الجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

بهدف فتح صفحة جديدة بين السلطات والمعارضة، أعلن عن مشروع مبادرة رئاسية في الجزائر تحت شعار "لم الشمل"، تزامنت مع استقبال الرئيس عبد المجيد تبون قادة أحزاب مؤيدة ومعارضة وشخصيات مستقلة.

المبادرة المفاجئة رحبت بها بشكل كبير قوى سياسية ومدنية، مع احتفاء إعلامي كبير بها، فيما عدها آخرون "خطوة منقوصة" لـ"بناء الثقة" بين جميع الأطياف كونها تفتقد لتطمينات جريئة، في مقدمتها الإفراج عن معتقلي الرأي.

وترى القوى الموالية للسلطة هذه الخطوة السياسية بأنها "خيار" يعزز الجبهة الداخلية للبلاد وتقويه لمواجهة التحديات الخارجية، وسط تساؤلات عن سر التوقيت وضمانات هذه المبادرة التي تعد الأولى من نوعها في عهد تبون منذ انتخابه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.

لغط سياسي

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية، إن "يد تبون، وهو رئيس لطالما اهتم بالنقاش السائد في المجتمع، ممدودة للجميع بشكل دائم، ما عدا للذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم، فهو ليس من دعاة التفرقة، بل بالعكس تماما".

وأضافت أنه "يجب أن يعرف أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة، وكلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية الذي يسخر كل حكمته للم شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي".

مشروع المبادرة المعلن عنه عبر الوكالة الرسمية في 3 مايو 2022 أثار لغطا في الساحة السياسية، لأنه جاء من دون موعد مسبق ولا بيان رئاسي يوضح حيثياته.

لكن تبون بادر بعدها باستقبال زعماء أحزاب من المعارضة والموالاة وشخصيات مستقلة، تباعا وبشكل مستقل منذ 9 مايو، في مؤشر إضافي على تثبيت المبادرة، بينما تستعد البلاد للاحتفال بالذكرى الـ60 لاستقلالها في يوليو/تموز 2022.

وفي أعقاب تلك اللقاءات مع قادة الأحزاب، وفي تصريحات صحفية، قال أمين عام "جبهة التحرير الوطني"، أبو الفضل بعجي، إن الرئيس تبون "يحرص على التشاور في كل وضعية تخص البلاد على المستويين الداخلي والخارجي، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والوضع الإقليمي".

من جانبه، أعرب رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق المقري، عن أمله في "بلورة رؤية مشتركة بين الجزائريين تضمن الانتقال السياسي الفعلي" في البلاد.

أما الوزير والدبلوماسي السابق، عبد العزيز رحابي، فقد ذكر أنه تباحث مع تبون "القضايا الداخلية وضرورة إصلاح الجبهة الداخلية لتكون قوية، إضافة إلى إرساء ثقافة التحاور والتشاور".

وتساءل المحلل السياسي الجزائري، جمال بن شمسة، عن "المعيار الذي اعتمدته الرئاسة في استقبال رؤساء أحزاب لمناقشة هذه المبادرة في الحياة السياسية".

وأوضح بن شمسة في حديث لـ"الاستقلال" أنه "بالعودة إلى هذه الشخصيات، نرى أنها اختيرت بعناية وهي صناعة من النظام لغرض معين بهدف وتوقيت معينين، وبالتالي سنحكم عليها تماما بالفشل، رغم أن الإعلام سيحاول تبييض صورتي المبادرة والرئيس، وسيحاول أن يضع الرجل بمثابة المنقذ الجديد وأنه أرسى ديمقراطية رغم مئات معتقلي الرأي".

ورأى أن "الإعلام المحلي يسعى بكل الأشكال أن يسوق لتبون على أنه الحل للبلاد، مع ضخ أكبر قدر ممكن من البروباغندا توهم الجميع بأن المبادرة نجحت قبل بدايتها وأننا انتقلنا إلى مرحلة جديدة، لكن العكس هو القائم".

ولفت بن شمسة إلى أن "المبادرة لم تطرح للنقاش، ما يعني أنها درست وستنفذ بالطريقة التي يريد النظام، وبالتالي لن ينجح فيها وسط ظل غياب حوار حقيقي مع من شارك في حراك 2019 (ضد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة)".

وتابع: "كان يجب أن يطلق سراح معتقلي الحراك قبل التحدث عن مبادرة لم الشمل، لأنهم رمانة الميزان، ومن هنا يتبين أنه لا توجد نية حقيقية لطرح حوار حقيقي للحياة السياسة".

والحراك الذي اندلع في 22 فبراير شباط 2019، أطاح ببوتفليقة في الثاني من أبريل/ نيسان من العام ذاته، وتواصلت هذه الانتفاضة الشعبية في شكل مسيرات خلال الأشهر الأولى لحكم تبون، رفضا للانتخابات التي أوصلته إلى سدة الحكم، لأنها لم تساهم في تغيير جذري للنظام.

وشهدت تلك الفترة اعتقالات لشباب الحراك لا يزال العشرات منهم داخل السجون، ويطالب المواطنون بين الفينة والأخرى بإطلاق سراحهم.

فرصة لطي الخلاف

صحيفة "الخبر" المحلية (خاصة)، عنونت عددها الصادر في 11 مايو 2022، بـ"الرئيس تبون يقترح صفحة جديدة"، وكتبت قائلة: "المسعى الرئاسي يعني من لم ينخرط في مسار الجزائر الجديدة والذين يحسون بالتهميش".

فيما كتبت صحيفة "الشروق" (خاصة) تعليقا على المبادرة: "معالم الجزائر الجديدة تترسخ بعد 30 شهرا من انتخابه (..) يد الرئيس تبون ممدودة لجميع الجزائريين بلا إقصاء".

من جانبه، أكد مكتب مجلس الأمة (البرلمان)، في بيان، انخراطه في سياسة رئيس الجمهورية الرامية إلى "لم الشمل والاحتواء" الجامعة لكل أبناء الجزائر.

وفي السياق، قال المتحدث باسم "التجمع الوطني الديمقراطي" (الحزب الثاني للسلطة)، صافي لعرابة، إن "فكرة لم الشمل مهمة وضرورية سبق للحزب أن دعا إليها منذ الانتخابات النيابية الماضية".

وأضاف لموقع "العربي الجديد" (مستقل) "نعتقد أن الجزائر بحاجة إلى رص الصفوف لمواجهة التحديات الداخلية المتعلقة بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية وإعادة بناء الجمهورية الجديدة على أسس صحيحة".

هذا فضلا عن مواجهة التحديات الخارجية، ولا سيما ما يتعلق بالتوترات القائمة في محيطنا الملتهب، وفق ما قال.

وتابع: "نشد على يد الرئيس تبون في كل خطوة سياسية تتعلق بلم الشمل والمصالحة، بوصفه رئيسا لكل الجزائريين، وأن الجزائر بحاجة إلى ذلك".

وطفا على سطح المشهد السياسي في الجزائر قطبان، أحدهما يرى المبادرة الجديدة "فرصة لطي صفحة الخلاف الواضح الذي يطبع ملامح الحياة السياسية منذ الحراك الشعبي عام 2019، وطيف آخر يشكك في جدواها.

من جهته، يعتقد الأستاذ الجامعي والحقوقي، إدريس فاضلي، أن "مشروع لم الشمل المعلن من قبل السلطة عبارة عن مرحلة جديدة في تاريخ البلاد قد تسمح للعديد من المعارضين الجزائريين بالخارج بالعودة إلى حضن الوطن".

وقال لموقع "أصوات مغاربية"، إن "هذه الفرصة قد لا يجدون مثلها، بشرط أن يلتزموا بقوانين الدولة وبتقاليد العمل السياسي المشروع المعترف به في كل بلد".

وأفاد بأن "العديد من الناشطين الجزائريين الذي يعارضون النظام السياسي خلطوا بين فعل المعارضة وبين ثقافة الانتقام التي عمت قلوبهم وجعلتهم يفقدون رشدهم فجعلوا من المؤسسة العسكرية هدفا رئيسا لكل أنشطتهم".

فيما يعتقد المحلل السياسي، ابن شمسة أن "المبادرة الرئاسية أسالت وستسيل الكثير من الحبر نظرا لما طرحته من قضايا نقاشية، انطلاقا من التوقيت الذي طرحت فيه نظرا لأن البلاد تعيش انغلاقا منذ حراك 2019 وحتى اليوم".

وشدد على أن "وجود المئات من المعارضين السياسيين ومعتقلي الرأي داخل السجون يطرح السؤال عن جدوى هذه المبادرة".

وأردف: "كل هذا لم يطلق إلى الآن سراح معتقلي وبالتالي نتساءل عن فائدة طرح مثل هذه المبادرة في غياب نية حقيقية من النظام للإفراج عن المعتقلين، خصوصا من الشباب الذي شارك في الحراك ضد حكم بوتفليقة".

وأفاد ابن شمسة بأن "النظام يختار من يعارض والطريقة التي يجب أن يعارض بها وهنا مربط الفرس، في الداخل لا توجد معارضة حقيقية عدا أحزاب لم تعتمد إلى اليوم، وأصوات حرة هنا وهناك".

وتابع: "معارضة الخارج لن تشارك أساسا لأن الغالبية المهيكلة، مثلا حركة (رشاد) صنفت بأنها حركة إرهابية بالإضافة إلى عدد كبير من المغضوب عليهم، وبالتالي عن أي مشاركة نتحدث وهي موسومة بالإرهاب، لا يمكن أبدا أن نتحدث عن معارضة الخارج التي لا يعترف بها أساسا النظام الجزائري".

وختم ابن شمسة حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "المبادرة فاشلة عطفا على المعطيات السابقة، لأنه رسم لها أن تكون لمرحلة انتقالية تحوي جميع أبنائها وتمارس فيها الأحزاب حقها بكل حرية، غير أن ذلك لا يوجد بتاتا على أرض الواقع".