قرية موتيزين.. قصة واحدة من "أبشع" الانتهاكات الروسية في أوكرانيا
تحدثت صحيفة الغارديان البريطانية عن قرية موتيزين الأوكرانية التي "شهدت واحدة من أبشع انتهاكات الجنود الروس القادمين من سوريا ضد المدنيين".
وتعرض بوندارينكو الذي كان يتذكر أمام حديقة منزله، ما حدث معه على أيدي الجنود الروس القادمين من سوريا، من ضرب وتعذيب.
وفقد بوندارينكو العديد من أسنانه في الاعتداءات الروسية، كما أن جسمه مغطى بالندوب، وقد يكون الضرر الذي لحق بعموده الفقري دائما.
لكن روح الدعابة التي يتمتع بها لم تتأثر بطريقة ما من محنة استمرت أياما على أيدي الجنود الروس الذين قدموا من سوريا ونقلوا معهم بعض أهوال تلك الحرب إلى الريف خارج كييف.
وقال بوندارينكو بابتسامة ساخرة: "منزلي الصغير، إنه كبير بما يكفي ليحمل رجلا منحنيا". وبقي هناك لمدة يومين في مارس/آذار 2022، وفقد ببطء كل الإحساس في ذراعيه وساقيه، ثم كل القدرة على تحريكهما.
قصة موتيزين
وكانت القوات الروسية قد وصلت إلى موتيزين، جنوب الطريق السريع الرئيس الذي يؤدي إلى الغرب من كييف بعد خمسة أيام من الحرب.
وفي غابة صغيرة على أطرافها، خبأت القوات بطارية من قاذفات صواريخ غراد ومدفعية أخرى، وحفرت مخابئ لعشرات الجنود، ثم أقامت معسكرًا لتعذيب المدنيين وقتلهم في المجمع المجاور لموقعها.
وبحلول الوقت الذي جرى فيه إحضار بوندارينكو إلى هناك - معصوب العينين فوق شاحنة بعد الضرب وغيره من أشكال التعذيب في منزله ثم في مزرعة مهجورة - كان الجنود قد وضعوا روتينًا كئيبًا لقضاء يومهم من خلال إراقة الدماء في حالة سكر.
وقال بوندارينكو "كان الأمر منهجيا، استخدموا مخزنا للتعذيب واستراحوا وأكلوا تحت المظلة".
وأردف: "كانت أنقاض المنزل الذي تعرض للقصف مكان تنفيذ عمليات الإعدام، وفي الغابة المجاورة حفروا مقابر جماعية للضحايا".
وأبطال هذا الكابوس ثلاثة رجال نشأوا في صراع مشهور بالانتهاكات، حيث سمع بوندارينكو، المحاصر في غرفته تحت الأرض، قصة نقلهم إلى أوكرانيا.
وواصل: "قالوا إنه بعد سوريا، كان الأمر بمثابة قصة خيالية بالنسبة لهم الوصول إلى هنا، إنها قرية ثرية وكان هناك الكثير لسرقته".
وكان من الواضح منذ بدء الغزو في 24 فبراير/شباط 2022، أن القوات والضباط الذين يقاتلون في أوكرانيا من بينهم العديد ممن كانوا في سوريا.
لكن شهادة بوندارينكو تربط الآن بعض أسوأ الانتهاكات في هذه الحرب برجال كانوا على الأرض على بعد آلاف الأميال، يدافعون عن النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
ويحقق المدعون العامون في منطقة كييف في معسكر القتل بهذه القرية، وقد اضطروا للتحول فجأة من التحقيق في جريمة بلدة صغيرة إلى توثيق فظائع واسعة النطاق.
وقال المدعي العام لمنطقة كييف أوليه تكالينكو: "نحن على علم بهؤلاء المجرمين.. نحن على وشك تحديد هويتهم وسيتم الكشف عن أسمائهم قريبا"، وفق صحيفة الأوبزرفر.
وتابع أن السلطات كانت على علم بأن عددا من الجنود الروس الذين قدموا إلى منطقة كييف عملوا سابقا في سوريا.
وبين بوندارينكو إن أجهزة المخابرات أبلغته بالفعل بالاسم الأول لأحد معذبيه الرئيسين.
وفي موتيزين، على عكس سوريا، كان بإمكان الجنود التحدث بنفس لغة ضحاياهم، لكن ذلك لم يحدث فرقا. لقد استخدموا هذه الميزة لمجرد الاستجواب والتعذيب دون الحاجة إلى مترجم.
وأوضح بوندارينكو بسخرية مريرة أن المفهوم الذي استند إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبرير غزوه هو إنكار وجود دولة أوكرانيا وأنها مجرد منطقة من روسيا الكبرى.
وجر هؤلاء بوندارينكو إلى مركز عمليات محلي لحرب موسكو القاتلة في المكان الذي كان يعيش فيه. وهناك وضع الآلاف من المدنيين الأوكرانيين في طريق الجنود المسيئين وأسلحتهم.
وربما كان قائد الجيش الإقليمي للقرية، أكثر حكمة من شجاعته، فقد فر مع أسرته في بداية الغزو. لكنه كان يمتلك ساحة بجوار مركز إعادة تأهيل لمتعاطي المخدرات حيث يعمل بوندارينكو كمدير مقيم.
وكان الروس متوترين وغاضبين بعد نصب كمين أوكراني لقافلة ذخيرة كانت متجهة عبر وسط القرية.
وقال سيرهي دوفيتشينكو وهو يعمل في متجر القرية الذي تعرض للنهب والحرق: "في اليوم التالي جاء الروس بدبابتين وقتلوا أشخاصا وأطلقوا النار على السيارات والمرائب". كما دمروا عدة منازل بالقرب من موقع الهجوم.
وفي 23 مارس، اقتنع الروس بأن المقاومة الأوكرانية كانت نشطة في مكان قريب، ولذلك اقتحموا مركز بوندارينكو، وأطلقوا النار على الجدران والمرايا والنوافذ.
عمليات انتقامية
وضربوا بوندارينكو ونفذوا حكم إعدام وهميا ثم ربطوه بدراجة رباعية وأجبروه على الركض وهي تنطلق، وأخبروه أنه إذا سقط فسوف يُطلقون عليه الرصاص.
وتمكن بوندارينكو من البقاء منتصبا حتى وصلوا إلى مزرعة قريبة، حيث ضربوه مرة أخرى وأوهموه بأنه سيجري إعدامه مرة أخرى.
وبعد ذلك، ولأنه لم يستطع إخبارهم بموقع وحدة عسكرية لم يكن جزءا منها، حملوه معصوب العينين في شاحنة ونقلوه إلى معسكرهم.
وبعد وقت قصير من وصوله، بدأت القوات الأوكرانية في القصف، وفر آسروه إلى الطابق السفلي، وتركوه مقيدا في الخارج.
وروى بوندارينكو: "قالوا لنا، سندعهم يقتلونكم"، قبل أن تقطع شظية بطنه، مما تسبب له في نزيف وندبة.
وفي ذلك الوقت لم يكن لديه أي فكرة عن مكانه، على الرغم من أن المخيم كان على بعد ميلين من منزله.
لكنه أدرك ما يجرى هناك، عندما أخبره الجنود أنهم قتلوا للتو رئيسة مجلس القرية المحبوبة مع زوجها وابنها.
وكانت معروفة لدى السكان المحليين باسم أولغا بيتريفنا، وهو الاسم الذي يجمع بين المودة والاحترام، وقد اختارت البقاء وتنسيق المساعدة والدفاع عن القرية عند وصول الروس. ومن أجل ذلك، دفعت حياة كامل عائلتها.
وتقديرا لروحها وضعت لوحة إعلانات كبيرة عليها صورة لهم تشير إلى مدخل القرية من الطريق السريع، مع رسالة مفادها "الاحترام الأبدي من أهل موتيزين".
وقال السكان المحليون إنهم تعرضوا لنفس الطقوس السادية مثل معظم ضحايا المخيم، حيث واجهوا الضرب المبرح ولي أذرعهم وكسرها، ثم مع اقتراب الموت، أصيبوا برصاصة في اليدين أو الركبتين لإحداث أقصى قدر من الألم .
ثم أطلق الجنود الروس النار مرة أخرى في المعدة قبل أن يقتلوا ضحاياهم في النهاية برصاصة في مؤخرة الرأس.
وقال بوندارينكو عن جريمة قتل لاحقة سمعها وهو تحت الأرض: "سمعتهم يقتلونه لمدة ساعة ونصف الساعة، ودعوتهم لأن ينهوا حياته أسرع".
وربما كان هناك 60 جنديا في موقع موتيزين، منتشرين في مخابئ مع الضباط في منزل عبر بحيرة صغيرة، بحسب الغارديان.
لم يكن جميعهم من قدامى المحاربين في سوريا فقد كان هناك أيضا مجندون جدد من روسيا لم يدركوا أنهم كانوا في أوكرانيا لمدة أسبوعين، وكان عليهم الطهي للقادة وحمل المياه، وقد شعروا بالرعب على ما يبدو مما رأوه.
وفي محاولة، ربما، لإنقاذ إنسانيتهم، أنقذوا بوندارينكو، بعد 48 ساعة من محنته، وفق الصحيفة.
وبينما كان الجلادون في حالة سكر، جروه إلى الخارج ونقلوه إلى غرفة تستخدم كسجن في الجزء الخلفي من المنزل.
وطالب الجنود الروس الجدد بوندارينكو بالتزام الصمت وإخفاء وجهه لأن قادتهم سيعتقدون عندما يستفيقون أنهم قتلوه، لينضم إلى آخرين في المقبرة الجماعية إذا لاحظوا أنه مفقود، وبأنهم سيقتلونه بالتأكيد إذا وجدوه حيا.
وبعد يومين، فتح نفس المجندون الروس الجدد الباب، وقالوا لبوندارينكو إنهم سيغادرون مع قادتهم ونصحوه بالبقاء بالداخل وعدم الخروج لمدة ساعتين بسبب استمرار خطر القناصين.
وقال بوندارينكو: "لقد طلبوا مني أن أدعو لهم.. هؤلاء الرجال (الجنود الروس المجندون حديثا) لا يريدون أيا من هذا؛ لقد أصيبوا بالصدمة، وما زلت أصلي من أجلهم حتى يومنا هذا. لقد أنقذوا حياتي".
كما حفر حديثو الانضمام بالجيش الروسي أيضا قبرا عميقا لدفن امرأة قتلت على يد قناص بعد أن توسل والدها- الذي كان محتجزا مع بوندارينكو لمجرد أنه جاء إلى القاعدة لطلب المساعدة الطبية- ألا يجرى رميها في حفرة دون دفنها.
ورغم أن الروس أحرقوا الغابة والحقول للتمويه والتشويش على القوات الأوكرانية، فإنه ومع عودة الربيع، بدأت البراعم الخضراء عبر الأرض تتفتح كما تتفتح أزهار النرجس على بعد أمتار قليلة من غرفة التعذيب.