المغرب وإسبانيا ينهيان خلافاتهما.. لماذا خيم "صمت" على مصير سبتة ومليلية؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت كان فيه مصير مدينتي "سبتة" و"مليلية" واحدا من الملفات الأكثر سخونة في الخلافات بين الرباط ومدريد، تحول فجأة بعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للمغرب إلى موضوع "مسكوت عنه".

وفيما صمت المغرب عن مستقبل المدينتين بعد الزيارة، رفع سانشيز في وجه معارضيه بند "الأسرار الرسمية للدولة".

وتخضع مدينتا سبتة ومليلية، الواقعتان شمالي المغرب، لإدارة إسبانيا، حيث تعدهما الرباط "ثغرين محتلين" وتطالب بإجراء مفاوضات مباشرة على أمل استرجاعهما.

خارطة طريق

وبعد آخر زيارة لرئيس الحكومة الإسبانية إلى الرباط عام 2018، توقفت اللقاءات إثر ذلك بسبب جائحة كورونا والخلافات بين الجانبين، قبل أن يلتقي سانشيز بالعاهل المغربي محمد السادس، في 7 أبريل/نيسان 2022، بالعاصمة الرباط.

وانتهى اللقاء بالتوافق حول "خارطة طريق"، ونشرت وزارة الخارجية المغربية "بيانا مشتركا"، في أعقاب المباحثات، في إطار مرحلة جديدة من الشراكة بين البلدين. 

وأصر البيان على إظهار الرباط في "موقع قوة"، من خلال التذكير بسياق الدعوة التي وجهها العاهل المغربي إلى رئيس حكومة إسبانيا، مسجلا أن "الرسالة الموجهة من سانشيز إلى الملك محمد السادس في 14 مارس/آذار 2022، والمحادثة الهاتفية بين الملك ورئيس الحكومة الإسبانية في 31 مارس، فتحت صفحة جديدة في العلاقات الثنائية".

وأوضح بيان الخارجية المغربية، الذي نشرته عبر موقعها الرسمي في 7 أبريل 2022، أن خارطة الطريق بين الجانبين تضمنت الاتفاق على 16 نقطة، مع تعيين لجنة مكلفة بالسهر على تنفيذه، خلال 3 أشهر.

وجاءت خارطة الطريق مقسمة على ستة محاور، الأول قضية الصحراء، حيث "تعترف إسبانيا بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متوافق بشأنه".

وفي هذا الإطار، تعد إسبانيا المبادرة المغربية لـ"الحكم الذاتي" التي قدمها المغرب عام 2007 "هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وذات المصداقية لحل هذا النزاع".

بينما تناول المحور الثاني، ملف الحركة التجارية بين البلدين، حيث جرى الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري، مع إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين.

وتطرق المحور الثالث لملف الهجرة، حيث اتفق الجانبان على إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة، في إطار مقاربة شاملة ومتوازنة للظاهرة.

وشمل المحور الرابع تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والطاقي والصناعي والثقافي، إذ تقرر إعادة تفعيل التعاون القطاعي في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها تسهيل المبادلات الاقتصادية والمواصلات بين البلدين.

وتوقف المحور الخامس عند العلاقة بين البلدين، من خلال البدء في التواصل حول تحديث معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون لسنة 1991، على أساس المبادئ والمحددات والأولويات التي ستوجه العلاقات الثنائية في السنوات المقبلة.

أما المحور السادس، فضم الملفات التي تعرف خلافات حادة بين الجانبين، مثل سبتة ومليلية، والمجال البحري في المحيط الأطلسي، وتدبير المجالات الجوية.

مصير المدينتين

كان لافتا في البيان المشترك المضمن لخارطة الطريق، خلوه من الحديث بشكل مباشر عن ملف مدينتي سبتة ومليلية اللتين يعدهما المغرب مدينتين "محتلتين"، بينما تعدهما إسبانيا جزءا من سيادتها.

غير أن فقرة من البيان المشترك أشارت بشكل شبه حاسم إلى ملف المدينتين، وذلك من خلال القول إن الجانبين اتفقا على "معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح من الثقة والتشاور، بعيدا عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع".

الصمت كان باديا في الموقف المغربي، الذي اكتفى بالحديث عن خارطة الطريق، والشروع في التنفيذ العملي لمخرجاتها، وتجنب المسؤولون الحديث أو الإشارة إلى موضوع سبتة ومليلية وباقي الجزر المحتلة.

من جهته، اختار رئيس الحكومة الإسبانية الذي عقد ندوة صحفية في مقر إقامته بالقصر الملكي في الرباط، بعد لقائه العاهل المغربي، في 7 أبريل، أن يجيب صحافة بلاده حين سألته عن موضوع سبتة ومليلية بشكل فضفاض، قائلا: "وحدة الأراضي الإسبانية ليست قيد المناقشة".

هذا الجواب العام، رفضت الحكومة الإسبانية تفصيله، رغم ضغط الصحافة والمعارضة البرلمانية.

فيما قال موقع "إس دياريو" الإسباني، إن "سانشيز بعدما غير موقفه من الصحراء، يفضل إبقاء كل ما يتعلق بمحادثاته مع محمد السادس في سرية تامة، رغم أن هذه قضايا تؤثر على السياسة الخارجية لإسبانيا والتي أعرب الكونغرس عنها رفضه المطلق لها".

وأشار الموقع في تقرير نشره في 11 أبريل 2022، إلى أن "الحكومة في ردها على سؤال برلماني من حزب فوكس (يمين متطرف)، أعلنت أنها لا تنوي الإعلان عن الخطة الشاملة لسبتة ومليلية، والتي تتضمن إستراتيجية الأمن القومي الجديدة.

ورأى "إس دياريو" أن "الخطة التي يتم العمل عليها ستكون سرية بموجب قانون أسرار الدولة".

زوايا مختلفة

موقف الدولتين من ملف سبتة ومليلية يجد أصوله في تاريخ العلاقة بين البلدين، وتحديدا في فترة حصول المغرب على استقلاله، حيث يقول مؤرخون إن لديهما "تعريفا متباينا" لمفاهيم "الاستقلال" و"السيادة" و"الوحدة الترابية".

ويعود ذلك إلى أول وثيقة اعتراف إسبانية باستقلال المغرب، حيث تذهب الفقرة الثانية من "البيان المشترك" الصادر في 7 أبريل 1956، إلى أن مدريد تعترف باستقلال المغرب المعلن من طرف الملك محمد الخامس، وسيادته الكاملة واحترام الوحدة الترابية للمملكة، وتلتزم (إسبانيا) بالقيام الإجراءات الضرورية لجعله (استقلال المغرب) نافذا. 

التفسير العملي لهذه المعاهدة، طبقه الملك محمد الخامس، الذي قام في 9 أبريل 2022 بزيارة تطوان قادما من إسبانيا بعد توقيع الاتفاق بين الجانبين، معلنا تحرير شمال المغرب من الاحتلال، وتوحيد المملكة.

وقال في خطابه: "بالأمس عدنا من ديار فرنسا ووجهتنا عاصمة مملكتنا رباط الفتح لنزف منها إلى رعايانا بشائر الاستقلال، واليوم نعود من رحلتنا من الديار الإسبانية ووجهتنا تطوان قاعدة نواحي مملكتنا في الشمال، وتحت سماء هذه المدينة قصدنا أن يرن صوت الإعلان بوحدة التراب إلى رعايانا في جميع المملكة، وذلك رمز إلى إتمام هذه الوحدة وتثبيتها".

غير أن هذا التفاهم بين الرباط ومدريد، سرعان ما تلاشى بسبب فهم كل طرف لمعنى "الاستقلال" و"السيادة" و"الوحدة الترابية".

وقال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة فاس، إسماعيل حمودي: "المغرب كان يطالب بانسحاب إسبانيا من الأراضي التي احتلتها قبل 1912، ومن ثم رأى دعمها لاستقلاله على هذا الأساس، بينما كانت مدريد تصر على أنها اعترفت باستقلاله وسيادته على الأراضي التي احتلت بعد ذلك التاريخ".

وكانت إسبانيا قد بسطت سيطرتها على شمال وجنوب المغرب بعد معاهدة "وادي الراس"، إثر هزيمة الرباط في معركة تطوان عام 1860، ومنح الملك محمد الرابع عددا من المناطق لإسبانيا.

وأكد حمودي لـ"الاستقلال"، أن "المغرب المستقل حرص على استعادة كل أراضيه، فاستعاد الأراضي التي كانت تحتلها فرنسا في مارس/آذار 1956، كما حصل على اتفاق مع إسبانيا في أبريل/نيسان من نفس السنة، ولأن مواقف الرباط ومدريد كانت مختلفة فقد لجأ المغرب إلى تغيير الواقع على الأرض".

وبحسب المراجع التاريخية الإسبانية، فإنه بعد سنة من معاهدة الرباط ومدريد، اندلعت مظاهرات عنيفة ضد "الحكم الأجنبي" في منطقة سيدي إفني خلال أبريل/نيسان 1957.

وتطورت المظاهرات إلى مواجهات مسلحة بعد دخول جيش التحرير المغربي (جيش شعبي) الحرب ضد الوجود الإسباني على الأراضي التي تحتلها من سيدي إفني (جنوب أغادير) إلى نواذيبو (شمال موريتانيا) في يونيو/حزيران 1957.

وانخرط الجيش المغربي في الحرب داعما لجيش التحرير، وفي 2 أبريل 1958، وقعت حكومتا مدريد والرباط "معاهدة أنجرا وسينتا" (خليج طرفاية) أعلن المغرب بموجبها تحرير طرفاية، وفي 1969 انسحبت إسبانيا من سيدي إفني، قبل أن تقضي الأمم المتحدة بعدم سيادة إسبانيا على ما بقي من إقليم الصحراء الغربية.

وعد حمودي، أن "العلاقة بين الرباط ومدريد وتفسير كل واحدة منهما لـ(الاستقلال) و(السيادة) و(الوحدة الترابية)، يمكن إسقاطه على ملف سبتة ومليلية والجزر المحتلة، أي أن الوقائع على الأرض هي التي تفسر الاتفاقات والمعاهدات وتمنحها المضمون المناسب لكل طرف". 

صمت مشترك

وفي الوقت الراهن، استعصى فهم صمت الرباط ومديد على الصحافة والمعارضة في إسبانيا، بينما غطى "الصمت" على نظرائهم المغاربة، فيما قررت حكومتا البلدين عدم إثارة الموضوع أمام الرأي العام في البلدين.

هذا الصمت يشرح حمودي حيثياته لـ"الاستقلال" قائلا: الراجح أن البلدين لم يعودا إلى خلافات الماضي السحيق، فهما يعرفان أن هناك مشكلات حديثة عالقة بينهما، وأنهما معا متضرران منها، ويريدان حلها".

وتابع حمودي: "في موضوع سبتة ومليلية، يبدو أن الطرفين اختارا حل الإشكالات التي وقعت بينهما قبيل وأثناء إغلاق معبري سبتة ومليلية، وبالتالي عملا معا على طي الأسباب التي دفعت إلى الإغلاق".

وكان المغرب قد شرع منذ 2018، في سلسلة إجراءات للتضييق على النشاط التجاري في معبري سبتة ومليلية، وصولا إلى الإغلاق النهائي في مارس/آذار 2019.

وأوضح حمودي، أن "ملف سبتة ومليلية معقد، ولا يمكن حله بسرعة".

ولفت إلى أن "ملك المغرب الراحل الحسن الثاني سبق ودعا عام 1986 إلى إحداث لجنة مشتركة، لبحث مستقبل المدينتين والجزر المحتلة، غير أن إسبانيا رفضت المقترح".

وختم حمودي حديثه بالقول إن "صمت الطرفين حاليا يعني أنهما توافقا، حتى وإن تحدثا بشكل مباشر على ترك ملف المدينتين إلى المستقبل وأنهما مهتمان حاليا بإجراءات بناء الثقة واستثمار التفاهمات السياسية الحالية بما يحقق مصالح البلدين".