زيارة وفد أوروبي إلى تونس.. دعما للديمقراطية أم بحثا عن مصالحه؟

12

طباعة

مشاركة

إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، حل مجلس نواب الشعب (البرلمان)، في 30 مارس/آذار 2022، أثار قلق الاتحاد الأوروبي، ما دفع وفدا من برلمانييه إلى إجراء زيارة للبلاد. 

ويرى مراقبون، أن زيارة الوفد الأوروبي تهدف إلى "تحقيق تسوية بأي صورة، ومن باب السعي لضمان استقرار المنطقة جنوبي المتوسط، خاصة في تونس".

ورغم حاجة أوروبا لاستقرار تونس، يؤكد محللون، أن دول الاتحاد تباطأت في دعم الديمقراطية أو الدفاع عنها على غرار ما تقوم به الآن من "مزاعم" الدفاع عن الديمقراطية في أوكرانيا.

وأدى التقاعس الأوروبي عن دعم "الديمقراطية الناشئة" في تونس إلى تفاقم الأزمات، وخلق مواجهة بين القوى الديمقراطية والسلطوية.

زيارة متأخرة

وخلال الفترة ما بين 11 و13 أبريل/نيسان 2022، أجرى وفد من البرلمان الأوروبي زيارة إلى تونس، التقى خلالها سعيّد وممثلين عن الأحزاب والمجتمع المدني، بهدف بحث الأزمة السياسية الراهنة في البلاد.

وترى الكاتبة المختصة بالشأن السياسي التونسي، مبروكة خذير، أن الزيارة الأوروبية "جاءت متأخرة ونتاجا لسلسلة من النقاشات الأوروبية شارك فيها برلمانيون وسياسيون تونسيون".

لكن خذير استدركت في حديث لـ"الاستقلال" بالقول إن "الزيارة تؤكد على اهتمام دول الاتحاد الأوروبي بمجريات المسار الديمقراطي في تونس".

واعتبرت أن "أوروبا مهتمة بتونس كشريك إستراتيجي من الناحية الأمنية والاقتصادية في المنطقة المغاربية، وهو ما يجعل البرلمان الأوروبي حريصا على الانتقال الديمقراطي، فكانت الزيارة للقاء كافة الشركاء السياسيين عن قرب، وكذلك لقاء رئاسة الجمهورية، وذلك لفهم المشهد التونسي الداخلي والقوى الفاعلة في هذا المشهد".

وشددت خذير على أن "الزيارة تحمل رسائل مفادها أن أوروبا تشعر بالقلق تجاه الوضع في تونس، وأنها لن تمنح صكا على بياض للحكومة في هذا الوضع الاستثنائي، وتهدف للاطمئنان على مآل الوضع الاقتصادي، في ظل ارتفاع مديونياتها للمؤسسات المانحة الأوروبية، والرغبة في الاستدانة من جديد، وكذلك بحث ملف الهجرة غير النظامية لأوروبا".

وأشارت إلى أن "أوروبا تريد أن يصل الحل في تونس عبر الحوار والطرق السلمية، وأن يكون تشاركيا على قواعد تمثيلية لكل الأطراف، دون إقصاء أو تمييز، حتى تصل البلاد إلى الاستقرار وحفظ الأمن في جزء من بوابة الاتحاد الجنوبية".

ويبدو أن الأوروبيين مضطرين للعمل على استقرار الأوضاع في تونس، خاصة مع حالة التدهور الاقتصادي التي تعيشها البلاد وعجز الحكومة عن مواجهة الضغط الاجتماعي، بسبب الحالة الاقتصادية، مما يدفع الشباب لأن يرموا بأنفسهم في البحر نحو أوروبا، وهو ما يثير قلق دول الاتحاد.

وجهة نظر

ويرى البرلماني، زياد الهاشمي، أن "الزيارة الأوروبية إلى بلاده جاءت نتيجة طلب وتحركات للنواب في الخارج بالتنسيق مع نواب الداخل الذين منعتهم الإجراءات الظالمة التي فرضها سعيد من السفر".

وقال الهاشمي، وهو نائب عن ائتلاف الكرامة، لـ"الاستقلال" إنه "تم تحديد مجموعة من الأهداف مسبقا لهذه الزيارة والتي كانت مبرمجة منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، لكنها تأخرت نظرا لعدم ارتياح (سلطة الانقلاب) لهذه الزيارة".

وأشار إلى أن "سعيد أرادها زيارة فارغة من أي مضمون، وتقتصر فقط على زيارة رسمية للقصر وتحت إشرافه ورعايته، وهذا ما رفضه البرلمانيون مع الجانب الأوروبي وأصروا عليهم أن أي زيارة دون لقاءات مع أقطاب المعارضة وخصوصا رئيس البرلمان تعتبر تلميعا للانقلاب، وهذا ما تفهمه الوفد".

ومن بين الأهداف المعلنة لهذه الزيارة، الوقوف على الانتهاكات الحقوقية ضد المعارضين للانقلاب، وخصوصا من النواب، وللاستماع لوجهة نظر المدافعة عن الانقلاب، وجدية الرئيس سعيد في أجندته الانتخابية والحوار المزمع قيامه، وهذا ما تم الإشارة إليه في البيان الختامي لزيارة الوفد.

ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حين بدأ سعيد فرض إجراءات "استثنائية" منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة وتعيين أخرى جديدة وحل المجلس الأعلى للقضاء.

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2021، رحب الاتحاد في بيان، بخارطة الطريق التي أعلنها سعيد في 13 من الشهر نفسه، والمتعلقة بتنظيم استفتاء شعبي حول طبيعة النظام السياسي في يوليو 2022 وتحديد موعد لانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022.

ليعود الاتحاد، في 7 أبريل 2022، للإعراب عن "قلقه الشديد من حلّ البرلمان التونسي"، وفق بيان للمتحدثة الأوروبية نبيلة مصرالي.

وقالت المتحدثة باسم منسق السياسة الخارجية للاتحاد، مصرالي، إن "الاتحاد يواصل متابعة مراحل تنفيذ الجدول الزمني السياسي الذي أعلنه الرئيس سعيد في ديسمبر 2021".

ولاقت خطة سعيد ترحيبا دوليا، وعبرت الولايات المتحدة عن أملها في دعم الإصلاح السياسي في تونس، ودعم تطلعات شعبه في انتخاب حكومة ديمقراطية وفعالة تحمي الحقوق والحريات.

لكن لم يمض سعيد في تنفيذ خطة الإصلاح المعلنة، بل أعلن حل البرلمان إثر جلسة افتراضية عقدها البرلمان عبر الإنترنت في 30 مارس 2022 صادق فيه بأغلبية 116 نائبا من 217 على قانون يلغي جميع الأوامر الرئاسية التي أصدرها سعيّد منذ 25 يوليو 2021 باعتبار القرارات والمراسيم "غير دستورية".

قلق مشروع

ويثير عدم الاستقرار السياسي، قلق الأوروبيين على مصالحهم ومؤسساتهم الاقتصادية، حيث توجد 1300 منشأة رأس مالها لفرنسيين، إضافة إلى 1200 شركة ذات استثمار إيطالي، وفق بعض التقديرات، وهو ما يحتم التدخل الغربي لحفظ وضعية تلك المؤسسات والسعي نحو الاستقرار.

ولم يستبعد خيار الضغط الأوروبي على سعيّد، وهو بمثابة "الحل الأخير"، بحسب البرلماني الهاشمي، لأن النظام في تونس "لا يتحرك إلا تحت الضغط وخصوصا الخارجي".

وأكد نائب "ائتلاف الكرامة" أنه "رغم الضغوطات الداخلية والخارجية إلا أن سعيد يرفض الحوار الجاد الذي يفضي لاتفاق سياسي ويدعم الوصول لمؤسسات ديمقراطية مستقرة ومنتخبة".

واعتبر الهاشمي أن "سعيّد شخصية عدائية جدا تجاه أي عمل جماعي، وهذا ما تأكد منذ الاستشارات الدستورية حول رئيس الحكومة التي رفض فيها الاستماع والتشاور مع بقية الطيف السياسي".

وتباينت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي حول حل البرلمان بين مؤيد ومعارض، وعبرت رئيس الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، أن حله يستدعي الفرح.

فيما اعتبر مراقبون ونشطاء أن حل البرلمان "غير قانوني وغير دستوري"، وأن الرئيس سعيد أبعد ما يكون عن حماية القانون والدستور ويمضي في استفراده بالحكم على غرار الدول الملكية.

ويأتي التحرك الأوروبي بفعل العلاقات الإستراتيجية مع تونس، باعتبارها دولة جوار لجنوب أوروبا حيث تربط مع دول الاتحاد شراكة إستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.

وتندرج العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي، في إطار "سياسة الجوار" التي تم إطلاقها سنة 2004، بهدف دعم وتعزيز الاستقرار والأمن والازدهار في الجوار الجنوبي والشرقي للحوض المتوسطي. 

وكانت تونس أول بلد يعقد شراكة أورومتوسطي مع الاتحاد الأوروبي في 17 يوليو/تموز 1995 ودخل حيز التنفيذ في 1 مارس/آذار 1998، بهدف تعزيز الحوار السياسي بين الطرفين.