أصبحوا جزءا من حضارتها.. لماذا تستمر دول الغرب في شيطنة المسلمين؟
تحدث مركز دراسات تركي عن الأسباب التي أدت إلى ظهور نتائج عكسية ضد المسلمين في الدول الغربية مثل التنمر الإلكتروني والتمييز العنصري، اللذين يظهران بعد تصاعد الخطاب السياسي والإعلامي ضدهم.
ويقول مركز الدراسات الإنسانية والاجتماعية "إنسامر" إن تسارع الأحداث في العقود الماضية جعل الكثير من الحضارات في الشرق والغرب تتأهب للسيناريوهات الأسوأ، وتبني بناء على ذلك تصورات لا صحة لها على أرض الوجود.
ولذا حاول هذا البحث دراسة الوجود الإسلامي في الغرب بشكل موضوعي، بعيدا عن التصورات الكارثية التي يحاول اليمين الغربي تصويرها، وبعيدا كذلك عن التصورات ذات الإيجابية الفائقة التي تتجاهل الحقائق والوقائع.
ويقول الباحث الأكاديمي "إرسين دويران" إن الدول الغربية والولايات المتحدة، تواجه الآن مشكلة عميقة تضعها في تناقض عجيب.
فهي تواجه مجتمعات إسلامية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحضارة الغربية وقطعة منها، لذا لا يمكن مواجهتها وكأنها شيء خارجي.
وفي نفس الوقت فإن الغرب يسعى لمحاربة هذه الهوية، وحين يتخذ هذا القرار يبدو وكأنه سيواجه ظله في المرآة بسبب التداخل الذي أصبح بينه وبين المسلمين في الدول الغربية.
النقيض والهوية
ويرى الباحث دويران أن الهوية الغربية بشكلها الحديث، إنما تأسست بتأثير كبير من الإسلام والمسلمين، سواء بالحروب التي خاضها الغرب تاريخيا مع العالم الإسلامي، أو بالتأثير الإيجابي الذي كان يجري عبر التجارة وتبادل العلوم بين الحضارتين في الماضي والحاضر.
ويقول إن علاقات المسلمين مع الغرب والمسيحيين بدأت مع بدء الإسلام.
فقد اتجه المسلمون إلى النجاشي ملك الحبشة ولجؤوا إليه من ظلم قريش، واستقبلهم ووفر لهم الملاذ الآمن.
كما أن المسلمين بعد الفتوحات الإسلامية بدؤوا ببناء علاقات إيجابية جدا مع سكان جميع الدول.
والواقع أن هذا الأمر أدى إلى تبادل حضاري كبير بين المسلمين والغرب، طوال فترة الفتوحات الإسلامية.
بل إنه وفي القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يطلبون أن تكون كتب القسطنطينية والحضارات الغربية الأخرى جزءا من الجزية التي يأخذونها من الغرب، الأمر الذي جعلهم قريبين من بعضهم البعض على مستوى الحضارات.
ويبين الباحث أن الحضارة الغربية الحديثة أرادت أن تؤسس نفسها كجسم فرنجي لاتيني يواجه الإسلام.
ويقتبس الكاتب مقولة من المؤرخ البلجيكي المشهور "هنري بيرني" الذي يقول إن الإمبراطورية الفرنجية لم تكن موجودة لولا وجود الإسلام، وأن الملك شارلمان لم يكن ليصل إلى مجده لولا وجود الرسول محمد.
ولذا فقد حرصت الحضارة الغربية على بناء هوية تعتمد على فكرة "النقيض" لكل ما هو موجود في الحضارة الإسلامية والشرقية، وهذا ما يفسر فكرة الحروب الصليبية، بل ويفسر طريقة تعامل الصليبيين مع المسيحيين الآخرين الذين كانوا يعيشون في سلام مع المسلمين في المنطقة.
إذ عدوا أنهم أقل درجة، فقط لأن هؤلاء المسيحيين لم يكونوا يرون أنهم نقيض لما هو مسلم، وفق دويران.
ويتابع: هكذا فقد اعتمد الغرب على فكرة أن المسلمين هم "الآخر" و"النقيض" وهي فكرة تحمل بداخلها فوقية، إذ تعتبر نفسها أفضل من الآخر، وتضعه في تصنيف أقل منها.
وفي القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي، عاشت أوروبا تغيرات عدة، أدت إلى حدوث تحول جذري في طريقة تفكير "الرجل الأبيض".
وأوضح ذلك بالقول: قرر الرجل الأبيض أنه لن يرضى بقدره ويستقر في أوروبا، بل سيذهب ويتوسع ويبني قدره بنفسه، ويتجاوز هذا الأمر ليرسم أقدار الآخرين كذلك.
وقد رأى الغرب في تلك الفترة أن الحضارة الإسلامية عدو جيد يمكن لنفسه أن يتخذه عدوا لنفسه، ليبني هويته على النقيض من هذه الهوية، ولذا فعل هذا الأمر.
فترة الاستعمار
مع دخول القرن الثامن عشر، تغيرت البنية الغربية، وقرر الرجل الأبيض أن يكون مستعمرا يتحكم في جميع الثروات الموجودة في الأرض، وتغير الحال كذلك بالنسبة إلى المسلمين، فلم يعودوا منافسين أقوياء للحضارة الغربية.
ولأن المسلمين كانوا الأعداء الرئيسين للحضارة الغربية خلال القرون العشرة الأخيرة، فهم أكثر من يعانون من التوسع الغربي، خصوصا مع وجود رغبة انتقامية غربية تجاههم بسبب التاريخ.
ولذا فقد غزا نابليون بشكل مفاجئ مصر، ورغم فشل حملته وهزيمته أمام أسوار عكا واضطراره إلى العودة نحو فرنسا، فإن فترة الاحتلال هذه والتي استمرت ثلاث سنوات، كانت كافية ليزرع في المصريين فكرة أن الغرب هو المتحضر وأن المسلمين هم المتخلفين.
ويشير الباحث إلى أن الاستعمار عمل على تثبيت هذه الفكرة في كل مكان ذهب إليه، وجلبوا العلماء والمفكرين والتكنولوجيا المتقدمة إلى الدول الإسلامية، وسحروا الناس بها.
وهذا أمر يبدو أوضح في الجزائر التي بقيت تحت الاستعمار الفرنسي أكثر من 100 سنة.
وهو أمر لا يختلف بالمناسبة كثيرا عما فعله الرئيسان الأميركيان سابقا جورج بوش الأب والابن في أثناء غزو الكويت والعراق.
ومع دخول القرن العشرين، عاشت الشعوب فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي كانت نتيجة لسباق التنافس الاستعماري المحموم بين الدول الغربية.
وفي الواقع فقد بينت الحرب أن هذه الدول ليست قوية كما تبدو، وأنها ضعيفة ومهددة بالانهيار في أي وقت، وفقا للمركز التركي.
ويتابع: رأينا جميعا كيف أن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس تضاءلت وأصبحت جزيرة صغيرة، وأثناء عملية التقزم لم تكن هذه الدول الاستعمارية تتردد في استخدام القوة المفرطة تجاه البلدان التي يستعمرونها كما شهدنا ذلك في الجزائر وغيرها.
لكن وعلى الرغم من استخدام جميع أنواع العنف الممكن، فإن الدول الغربية لم تنجح في إيقاف عملية التاريخ، وانسحبت من أغلب الدول المستعمرة.
ويلفت دويران بالقول: بعد الانسحاب بدأت عملية هجرة كبيرة من الدول النامية التي كانت مستعمرات سابقا.
وهاجر الناس بما فيهم المسلمين إلى الدول الغربية وبدؤوا بناء حياة لهم هناك، واستغل الغرب الخبرات والتجارب والعمالة القادمة من تلك البلدان.
إلا أن المشكلة الأساسية التي كانت في الغرب هي مطالبة هؤلاء "المهاجرين الغرباء" بالمساواة بالحقوق التي يتمتع بها الإنسان الغربي.
في الواقع لم يكن هؤلاء الناس غرباء عن الغرب، ولكن كانوا غرباء عن طريقة التعامل بشكل متساو.
فقد اعتاد الغرب أن يستعمر هؤلاء الناس لا أن يتعامل معهم بشكل متساو، لذا فالمشكلة الحقيقية الموجودة هي في عدم تقبل الدولة العربية لهؤلاء البشر كأناس متساوين في الحقوق والواجبات.
انعكاسات الأزمة
يتناول الباحث دويران في هذا المبحث أشكال انعكاسات أزمة المسلمين في الغرب على الحياة الاجتماعية والسياسية في الدول الغربية، ويصنفها في ثلاثة أقسام:
ويقول الباحث إن الإعلام الغربي بعد الحرب الباردة نفذ حملة موجهة ضد الإسلام والمسلمين، وصار يتناول قضاياهم من خلال سيناريوهات يرسمها ويقدمها، بدلا من الصحافة الموضوعية.
وذلك من خلال ادعائه بأن الصحافة تمثل الشعب وأن لها دورا ومسؤولية في تشكل الرأي العام.
وبذلك فإن المؤسسات الإعلامية تؤدي دورا يصور الأمور غير الموجودة على أنها موجودة، وهذه الحملة اشتدت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 (هجمات ناطحات السحاب في نيويورك).
وصار الغرب يجتزئ من النصوص الدينية الإسلامية ليرسم صورة عن المسلمين على أنهم إرهابيون وأنهم يعادون الحضارة الغربية ويعملون على إزالتها من الوجود، الأمر الذي صار يشكل رأيا عاما مضادا لهم في الإعلام الغربي.
ويستخدم الغرب الخطاب المعادي للإسلام "الإسلاموفوبيا" أداة لتشكيل سياسته الحديثة، والقائمة على تمييز نفسه وفصله عن المسلمين، وإعادة تعريف مفهوم الحضارة الغربية.
ويبين الباحث، في هذا الإطار أنه يمكن أن نرى كيف أن تسن فرنسا قوانين تنتهك أبسط حقوق الإنسان في إطار ما تسميه الحفاظ على هوية الجمهورية.
وهو ذات الأمر الذي تفعله الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر، بل ويمكن أن نقول إن مفهوم الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام صار سياسة متبعة حتى في الأمم المتحدة وخطاباتها وشعاراتها.
إذ تحاول الدول الغربية أن تجعل معاداة الإسلام سياسة داخلية وخارجية لها.
ويختم دويران بحثه بالقسم الأهم من الأدوات الغربية المستخدمة في محاربة الإسلام ومحاربة الوجود الإسلامي في الدول الغربية، ألا وهو الليبرالية العنصرية أو العرقية.
إذ إن تطبيق القيم الليبرالية مثل الحرية وغيرها لا يكون إلا على الملابس أو المظاهر الغربية.
أما المظاهر والملابس الإسلامية، فلا تنطبق عليها القيم الليبرالية عند الغرب، لذا تهاجم فرنسا الحجاب ولا تعتبره حرية شخصية.
كما أن المفكرين والأدباء الليبراليين عادة ما تكون كتاباتهم كلها مليئة بالتعامل العنصري تجاه الإسلام، وهو الأمر الذي يشجع التنمر الإعلامي والخطاب السياسي الموجه ضد المسلمين.
ويضيف الباحث أن الليبرالية العنصرية هي الجانب المخفي من الجبل الجليدي في محاربة المسلمين في الغرب، وهو الركن الذي يعتمد عليه الإعلام الغربي والسياسة الغربية لتطبيق ذلك.