صمت الجزائر أمام العقوبات الأميركية... تكتيك دبلوماسي أم ارتباك سياسي؟

“الجمعية رائدة في تقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني”
في قرار جائر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جمعية جزائرية، متهمة إياها بتحويل أموال مخصصة للمساعدات الإنسانية إلى شبكات مالية مرتبطة بحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تُصنفها واشنطن "منظمة إرهابية"، بينما تعدها الجزائر "حركة مقاومة شرعية".
وقالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية: "بسبب دعاوى انخراطها منذ زمن طويل في دعم الفلسطينيين، تتهم الولايات المتحدة جمعية (البركة) الجزائرية ورئيسها أحمد براهمي بتقديم المساعدة لحركة حماس".
وأعربت عن أن "أكثر ما يثير الدهشة في الجزائر، هو غياب أي رد فعل رسمي على هذا الإجراء العقابي".
عقوبات أميركية
وأدرجت الولايات المتحدة، في 10 يونيو/ حزيران 2025، جمعية "البركة" الجزائرية، إضافة إلى رئيسها أحمد براهمي، على قائمة الكيانات والأشخاص المتهمين بإعادة توجيه الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية إلى الشبكات المالية التابعة لحركة "حماس" في فلسطين.
وبحسب واشنطن، فإن هذه المنظمة غير الحكومية، رغم تسجيلها القانوني في الجزائر، قد عملت كحلقة وصل بين متبرعين دوليين حسني النية وبين هيئات قريبة من الحركة الفلسطينية.
وأوضحت المجلة أن "هذا التصنيف، الذي يحمل عواقب جسيمة، يؤدي إلى تجميد جميع الأصول المرتبطة بجمعية البركة الواقعة تحت الولاية القضائية الأميركية، إلى جانب حظر صريح لأي تعامل مالي معها من قبل أي كيانات أو أفراد خاضعين للقانون الأميركي".
وترى أن "هذا القرار يأتي في إطار إستراتيجية أميركية أوسع لتعقب شبكات التمويل غير الرسمية التابعة لحماس، لا سيما في تركيا وهولندا وإيطاليا، وحتى داخل قطاع غزة".
واستدركت: "لكن في الحالة الجزائرية، يبدو أن عاملا آخر قد لعب دورا في هذا التصعيد".
وتابعت موضحة: "ففي أبريل/ نيسان 2025، يبدو أن تصريحا سياسيا عالي السقف كان الشرارة الأولى لانطلاق هذه الإجراءات".
وأردفت: "حيث اتهمت ابتسام حملاوي، رئيسة الهلال الأحمر الجزائري والتي أصبحت مطلع 2025 على رأس المرصد الوطني للمجتمع المدني (وهي هيئة أنشئت بموجب مرسوم رئاسي)، بشكل ضمني، جمعية البركة بأنها مخترقة من قبل (تجار حروب ومرتزقة)".
وأضافت: "هذا التصريح الصادم، الذي وصفته الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، بأنه كان إيذانا ببدء استهداف منهجي للجمعية، رغم أنها منخرطة منذ سنوات في إيصال المساعدات إلى غزة".
وأوضحت المجلة أن "حملاوي لم تتراجع عن موقفها منذ ذلك الحين، بل أكدت رفضها التعاون مع من تصفهم بـ(سماسرة الحرب)، لكنها أنكرت أن يكون مقصدها جمعية البركة تحديدا".
وعقبت: "لكن الأوان كان قد فات".
غياب رسمي
ولفتت المجلة الفرنسية إلى أن "الجمعية المقربة من حزب حركة مجتمع السلم، والتي تعرف نفسها بأنها رائدة في تقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، باتت حاليا تحت مجهر السلطات الأميركية، مدرجة على القائمة السوداء، ومشلولة ماليا".
من زاوية أخرى، أشارت إلى أن "إعلان هذه العقوبات لم يستدعِ أي رد فعل رسمي من السلطات الجزائرية".
فلم يصدر أي تصريح من الحكومة، ولا من وزارة الشؤون الخارجية.
وترى المجلة أن هذا الصمت "يثير تساؤلات".
وأوضحت: "فمن جهة، تواجه الجزائر عقوبة تستهدف واحدة من أبرز جمعياتها الإنسانية، ما يمكن أن يُفهم على أنه تقويض لجهودها في دعم غزة".
وأضافت: "من جهة أخرى، يبدو أن السلطات الجزائرية، المعروفة تقليديا بحساسيتها الشديدة تجاه الاتهامات الخارجية، اختارت ألا ترد رسميا، وكأنها تتجنب الدخول في مواجهة مع واشنطن".
وهذا الصمت -حسب "جون أفريك"- "قد يفسره الأميركيون إما على أنه رفض غير معلن، أو -وهو الاحتمال الأكثر إزعاجا للجزائر- كنوع من الإقرار الضمني".
وتابعت: "وفي ظل علاقات تتسم بالحذر أصلا مع إدارة دونالد ترامب، لا شك أن الجزائر تزن جيدا تكلفة التصعيد الدبلوماسي".
واختتمت: "لكن في المدى البعيد، قد تتجاوز تبعات هذه القضية حدود جمعية البركة وحدها، إذ تثير تساؤلات حول قدرة المنظمات غير الحكومية الجزائرية على العمل في الخارج دون أن تُتهم بازدواجية الأدوار".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل - بدعم أميركي- إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 184 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات الآلاف من النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.