رغم ثبوت فشله.. لماذا الإصرار على عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ذهاب وعودة، هكذا دأبت مسيرة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، الذي أثار الجدل أخيرا عقب طرح اسمه كرئيس للحكومة من جديد، في وقت تتواصل فيه الاضطرابات والمظاهرات، رفضا لانقلاب الجيش على السلطة الانتقالية المدنية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ورغم أن حمدوك عاد إلى منصبه بعد أيام من إطاحة الانقلاب بحكومته، على وقع ضغوط غربية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكنه قدم استقالته في 2 يناير/ كانون الثاني 2022، على خلفية التظاهرات ضد اتفاقه مع المجلس العسكري، أملا في حلحلة الأزمة السياسية بالبلاد.

والآن يظهر اسم حمدوك من جديد وسط تساؤلات عن أسباب تلك الدعوات، ومَن وراءها، وأي دعم سوف يلقاه حمدوك إذا ما استلم منصبه مرة أخرى؟ وما الإشكاليات والاعتراضات على وجوده؟ 

ظاهرة حمدوك 

في 23 مارس/ آذار 2022، تجددت دعوات تناقلتها صحف محلية، بينها صحيفة "السوداني"، عن مفاوضات تجرى مع حمدوك، لعودته إلى منصبه مجددا، أو توليه منصبا سياديا.

واستندت هذه الدعوات إلى اللقاء الذي جرى بين حمدوك (المقيم في الإمارات)، ورئيس المجلس السيادي السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الذي بدأ زيارة إلى أبوظبي في 10 مارس، استمرت عدة أيام.

وكانت عقيلة حمدوك، "منى عبدالله" أكدت ذلك اللقاء، لكنها نفت في الوقت ذاته أن يفضي إلى عودة زوجها إلى منصبه السابق. 

وأوضحت في رسالة مكتوبة نشرتها صحيفة السوداني في 13 مارس، أن "حمدوك يقابل كل من له يد في حل الأزمة الحالية، أما مسألة عودته للسلطة فهو أمر لم يفكر فيه مطلقا ولم يتم التطرق إليه مع أي جهة كانت".

ومع ظهور اسم حمدوك لتولي رئاسة الوزراء، انتفضت قوى ثورية إلى إعلان رفضها القاطع هذه الخطوة باعتبارها إعادة تجربة فشلت في تحقيق أهداف الثورة.

حيث أصدرت 9 من تنسيقيات لجان مقاومة للمدن، و22 لجنة مقاومة الأحياء، بيانا مشتركا، أعلنت فيه رفض عودة حمدوك، ووصفت تلك الخطوة بأنها تجسد فشل الطبقة السياسية في تحقيق أي تطور للدولة.

وأضافت: "ليس من الصواب أو الحكمة تكرار الأخطاء، وتسمية رئيس الوزراء من أي جهة كانت، اختطاف لسلطة الشعب، وتكريس لنشوء حاضنة سياسية جديدة، ونخبة جديدة تهيمن على السلطة".

وتعليقا على هذا المشهد، قالت صحيفة "العرب" اللندنية، في تقرير بتاريخ 25 مارس 2022، إنه "بعد احتدام الأزمة السياسية في السودان عاد الحديث بقوة عن إمكانية الاستنجاد برئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك".

وأضافت أن "هذه الخطوة تعكس عجز الثورة السودانية عن إفراز نخبتها الخاصة (عسكريا وسياسيا)، وتحيي مرة أخرى الجدل بشأن مخاطر تدوير النخب في الدول العربية كلما اشتدت أزماتها". 

ضغوط غربية 

ولا تنفك أحاديث عودة حمدوك عن الموقف الدولي إزاء السودان، والضغوط الغربية على المكون العسكري، لتسليم القيادة للمدنيين، ففي 28 مارس 2022، أعلنت الولايات المتحدة، أن السودان "بحاجة إلى إطار انتقالي بقيادة مدنية وإعادة صياغة دور الأجهزة الأمنية".

وقالت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة، ليندا توماس غرينفيلد، في جلسة لمجلس الأمن الدولي، إن "السودان بحاجة إلى إطار انتقالي بقيادة مدنية، يدفع بالبلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة، ويعيد صياغة دور الأجهزة الأمنية بما يكون مقبولا من قبل الشعب".

وخلال فترة رئاسته الوزراء، حصل حمدوك على دعم غربي كبير ومتنوع، لإسناده وتعزيز موقفه، وهو ما تم في 30 يونيو/ حزيران 2020، عندما واجهت حكومة حمدوك، مظاهرات غاضبة، دفعته للتصريح بأن: "غياب المساعدات قد يؤدي إلى انتشار الاضطراب في منطقة ملتهبة بشرق وشمال شرق إفريقيا ويدفع الشباب لمواصلة الهجرة بحرا إلى أوروبا".

وبعد تصريح حمدوك، الذي حمل لهجة استجداء وتخويف للغرب، تحركت دول بالاتحاد الأوروبي، على رأسها ألمانيا وفرنسا، لتقديم مساعدات ومنح للسودان.

هذه المساعدات اعتبرها البعض بمثابة طوق نجاة لحمدوك وحكومته التي كثرت إخفاقاتها منذ بدء المرحلة الانتقالية، إذ فشلت في إجراء إصلاحات اقتصادية ملموسة، واستمرت أزمات توفير السلع الأساسية للمواطنين، ما عجل باندلاع مظاهرات ومطالبات بالرحيل.

وفي 25 يونيو 2020، عقدت برلين مؤتمرا لمساعدة السودان، في محاولة لإنقاذ حكومة حمدوك، بعد التعثر الاقتصادي، وبروز الأزمات المتعاقبة.

وفي المؤتمر الذي نظم عبر الإنترنت، تعهدت مجموعة دول بمنح السودان 1.8 مليار دولار، حيث أكد مسؤولون في المؤتمر بأن الاتحاد الأوروبي تعهد بمبلغ 312 مليون يورو، كما قدمت الولايات المتحدة 356.2 مليون دولار، وتعهدت بريطانيا بتقديم 150 مليون جنيه إسترليني لمشروعات مختلفة في السودان.

 

اتهامات وتنازلات

وفسر مراقبون هذا الدعم الغربي لحمدوك، بعدة تنازلات أقدم عليها، أبرزها طلبه تدخلا أمميا في السودان، ما دفع قوى سودانية لاتهامه بالخيانة العظمى، وهذه النقطة من أبرز الأمور التي أثارت شكوكا لدى المواطنين حيال حمدوك.

وفي 9 فبراير/ شباط 2020، دعا حمدوك، الأمم المتحدة لإرسال بعثة من مجلس الأمن الدولي لدعم حكومته بقوات للمراقبة وحفظ السلام، مطالبا بإسناد مجموعة من الوظائف لها.

أخطرها "تقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن". 

وأبدت أحزاب وتجمعات سياسية وشخصيات مجتمعية اعتراضها على ما أقدم عليه حمدوك جملة وتفصيلا.

وفي 5 مارس 2020، قدمت المحامية السودانية، أمل فايز الكردفاني، بلاغا للنائب العام، ضد حمدوك، تتهمه فيه بـ"الخيانة العظمى" تحت بند المادة (50) من القانون الجنائي لسنة 1991.

الكردفاني قالت في بلاغها: "بناء على ما تقدم يطلب رئيس وزراء السودان بموجبه من الأمم المتحدة أن تسعى إلى ‏الحصول على ولاية عامة من مجلس الأمن.. فما هي الولاية العامة؟"

وبينت أن "الولاية العامة تشمل كل عناصر دولة السودان (الإقليم، الشعب، السلطة ذات السيادة)".

وأضافت: "هذه الولاية تشمل حتى المرافق الحيوية والحساسة في الدولة كالقوات المسلحة وقوات الشرطة السودانية، في سابقة لم يشهدها الشعب منذ الاستقلال من الولاية البريطانية العامة على الدولة".

ثم شددت: "هذه البداية وحدها كافية لتأسيس جريمة الخيانة العظمى والتي هي مجموع الجرائم المقررة لتسهيل المساس باستقلال الدولة وفقا لميثاق الأمم المتحدة، ودساتير السودان والأعراف الدولية كافة ثم أخيرا القانون الجنائي".

وربما يفسر هذا الطرح الاهتمام بعودة حمدوك مرة أخرى أو طرح اسمه، لأنه شخصية تحظى بدعم كامل من القوى الدولية، وقد يساهم وجوده في تخفيف الضغوط المفروضة على السلطة الانقلاب الحالي، ويساعد على تفتيت حالة الغضب المتصاعدة. 

ومع ذلك يبقى حمدوك غير مرحب به من معظم القوى المحركة للشارع، وفق كثير من المراقبين.

حالة ارتباك 

وفي قراءته للمشهد، قال السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبدالعاطي، إن "مناقشات عودة حمدوك لرئاسة وزراء السودان مرة أخرى معبرة عن مدى التخبط السياسي وحالة السيولة العشوائية في اتخاذ القرارات".

وأضاف عبد العاطي لـ"الاستقلال"، أن "السودان يعيش حالة ارتباك منذ سنوات، على مستوى القيادة وعلى مستوى القواعد الحزبية والجماهيرية في آن واحد". 

وذكر أن "حمدوك الذي انقلب عليه ثم عاد ثم استقال هو في الأساس فشل فشلا ذريعا في إدارة المرحلة الانتقالية، كجزء من تكوين المجلس السيادي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، ومن غلب هو الشق الأقوى بطبيعة الحال، ولو امتلكت حكومة حمدوك القوة لفعلوا مثلما فعل البرهان وحميدتي وأكثر". 

وتساءل: "من الذي أغلق الجمعيات الأهلية، وعمل على إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وفق أجندته القاصرة، ومن الذي عطل إجراء الانتخابات، ومن الذي طلب الوصاية الأممية على السودان، ومن الذي أخفق في إدارة الملفات الاقتصادية وحل الأزمات، أليس حمدوك؟". 

وتابع مستنكرا: "لماذا يستدعونه إذا بعد كل هذا؟". 

وأوضح السياسي السوداني، أن "الدافع الوحيد لطرح حمدوك دائما، ناتج عن ضغوط غربية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكلاهما قدما دعما غير محدود لرئيس الوزراء السابق ورفاقه، وأمدوه بالأموال والقروض والدعم السياسي، لتثبيت أقدامه".

وفسر عبد العاطي ذلك بالقول: لأنه باختصار من سيحقق مصالحهم الخالصة في البلاد، بينما الجانب العسكري يمتلك علاقات أشمل مع القوى الإقليمية في الإمارات والسعودية ومصر، وكذلك روسيا، وبالتالي فالسيطرة عليه بشكل مطلق ستكون أصعب، على عكس حمدوك الضعيف، الذي لا يجد إلا علاقاته الخارجية لتعصمه".