مع دخول رمضان.. ما أهداف الحوثيين بالتضييق على المنظمات الدولية في اليمن؟

عصام الأحمدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في محاولة للضغط، يلجأ الحوثيون إلى اختطاف العاملين في المنظمات الدولية الإغاثية العاملة في اليمن بغرض التأثير على أنشطتها وإخضاعها لرغباتهم والحصول على مكاسب إضافية لتمويل مجهودهم الحربي، لا سيما مع دخول شهر رمضان المبارك.

وإلى جانب الاختطافات، يعمل الحوثيون على تقييد أنشطة المنظمات، ومراقبة مختلف تحركاتها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم شمالي اليمن ووسطه، رغم حاجة الشعب إلى دعمها في الحرب المستمرة منذ 2015 بين المليشيا المدعومة من إيران وبين قوات الحكومة يساندها التحالف السعودي والإماراتي.

وقبل قدوم رمضان، ازدادت الأزمة الاقتصادية في اليمن توحشا، لا سيما مع تضييق الحوثيين على وصول المساعدات، والارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، وشح المشتقات النفطية، التي تضاعف سعرها إلى ما يقارب 300 بالمئة، ما زاد من معاناة اليمنيين.

خطف وقيود

وفرض الحوثيون على المنظمات إجراءات إضافية لمزاولة أنشطتها، عبر المؤسسات الحكومية الخاضعة لسيطرتهم وعبر وزارة التخطيط والتعاون الدولي.

وهو ما دفع بعض المنظمات إلى نقل مقراتها من العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، إلى العاصمة المؤقتة عدن الواقعة تحت إدارة الحكومة الشرعية وسيطرة قوات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات.

ولم تعد القيود والتصرفات التعسفية للحوثيين تشكل الانتهاكات الوحيدة التي تطال العاملين في وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة أو الدولية في اليمن.

 إذ ظهر سلاح الخطف وسيلة ترهيب جديدة تمارسها مليشيا الحوثي ضد العمل الإنساني بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية بصورة مستمرة.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اختطف الحوثيون اثنين من موظفي الأمم المتحدة في العاصمة صنعاء، يعمل أحدهما في منظمة التربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والآخر يعمل في مكتب حقوق الإنسان.

وظل مصيرهما مجهولا لأسابيع، قبل أن يعلن المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، خلال كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في 15 فبراير/ شباط 2022، أن مليشيا الحوثي سمحت أخيرا لأفراد من عائلتي الموظفين اليمنيين المخطوفَين بزيارتهما. 

وفرض الحوثيون قيودا جديدة على تصاريح الدخول والتنقل لموظفي المنظمات ما يعرقل وصول المساعدات وتأخيرها، وسط ترد للأوضاع المعيشية في اليمن.

وشددت تلك القيود الخناق على تحركات منظمات الإغاثة في محافظتي الحديدة وحجة، اللتين شهدتا مواجهات عنيفة بين الحوثيين وقوات الحكومة اليمنية. 

كما فرضت المليشيا قيودا على الموظفات اليمنيات في المنظمات وجرى منعهن من التنقل إلا بوجود مرافق، والمطالبة بتسليم نسخة من قوائم المستفيدين من المساعدات.

وفي هذا الصدد ذكر أحد العاملين في منظمة أممية وسط اليمن أن" الحوثيين أجبروهم في نقاط التفتيش على تسليم نسخة من كشوفات المستفيدين ومراجعتها والضغط لحذف بعض الأسماء بحجة عدم انتمائهم للجماعة".

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": "فرض الحوثيون رقابة على تحركاتنا في المنطقة وفتشوا هوياتنا أكثر من مرة".

وطبقا لإحصائيات اللجنة العليا للإغاثة التابعة للحكومة اليمنية، هناك 65 سفينة احتجزت خلال الفترة من 2015 حتى 2018 من قبل الحوثيين، وخلال الفترة نفسها جرى الاستيلاء على 615 شاحنة إغاثية وتفجير أربعة منها.

بالإضافة إلى 16 واقعة اعتداء على منظمات تابعة للأمم المتحدة والعاملين بها، تنوعت بين القتل والخطف وإغلاق المكاتب بالقوة، وتركزت الانتهاكات في صنعاء وتعز ثم الحديدة وإب.

مكاسب إضافية

وتضطر المنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الأخرى، لدفع مبالغ مالية لقيادات مليشيات الحوثي لتسهيل مهام أنشطتها.

كما تعمل على إخراج المخصص المالي للحوثيين من أي عمل إنساني، وتوزعه على المديرين التنفيذيين المسؤولين عليها، في المؤسسات الحكومية الخاضعة لسيطرة المليشيا. 

شملت إجراءات الحوثيين منظمات محلية أيضا، تعمل كشركاء للمؤسسات الأممية والدولية الأخرى.

ويحتجز الحوثيون من حين لآخر قوافل المساعدات الإنسانية بحجة أنها تالفة من أجل الحصول على مكاسب مالية وليس من باب الحرص على حياة المواطنين اليمنيين.

وتعليقا على هذا الأمر، قال الصحفي والحقوقي اليمني همدان العليي إن "هذه الممارسات وسيلة من وسائل الضغط لتمرير سياسة الجماعة وسبق أن تحدثت كثير من التقارير الدولية حول هذا المسألة وأيضا تقارير فريق الخبراء أشارت بشكل أو بآخر لهذا الأمر ".

ويضيف العليي لـ"الاستقلال": "هذه الممارسات تنعكس بشكل سلبي على اليمنيين لأن عملية توزيع المساعدات ستتأثر وهذا ما حدث خلال الفترة الماضية عندما أعلنت بعض المنظمات تعليق أعمالها في مناطق سيطرة الحوثيين وكان السبب استهدافهم الموظفين".

ولفت إلى أن "هذا يؤثر على قدرة المنظمات على رصد الانتهاكات الحوثية وهو يساعد على استمرارها".

كما لجأ الحوثيون إلى استدراج مقاتلين من أبناء القبائل الذين لا ينتمون إلى "السلالة الهاشمية" من خلال استخدام ورقة المساعدات، من أجل الحشد والتجنيد.

وهو ما جعل منح أو حجب المساعدات الغذائية بناء على توجيه من سلطات الحوثيين، التي تشترط توفير مقاتلين من العائلات المسجلة لتلقي المساعدات.

ويفرض الحوثيون شخصيات "هاشمية"، من السلالة التي يدعون الانتماء لها، لشغل مناصب رفيعة في المنظمات الدولية العاملة في اليمن، بالإضافة لتعيين مشرفين في المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم.

وتشترط المليشيا على المنظمات الدولية العاملة في اليمن، الحصول على ترخيص مسبق من هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية التي استحدثتها بغرض الإشراف على جميع المشاريع الإغاثية.

كما فرضت توريد مخصصات المساعدات وبرامج المسؤولية الاجتماعية إلى حسابات هيئة تنسيق الشؤون الإنسانية، والتي شكلها الحوثي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

 وعُرفت تلك الهيئة باسم "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية"، وهدفها تحقيق المزيد من السيطرة على المعونات الإنسانية.

ويتدخل المجلس الحوثي في أعمال المنظمات الأممية، من خلال إصدار التصاريح اللازمة لعملها مقابل اشتراطات معينة يفرضونها للإثراء وتمويل المجهود الحربي.

والمجلس كيان غير مشروع ابتكره القيادي عبد الغني المداني، الذي ينتمي إلى السلالة الحوثية، ويرأسه عبدالمحسن طاووس بمسمى "أمين عام المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي".

لوبي ومصالح

وعمل الحوثيون منذ وقت مبكر على تكوين شبكة من الناشطين الموالين لهم في الخارج، لتسويق مظلوميتهم أمام العالم وهيئات الأمم المتحدة.

كما نشطت المليشيا بدعم إيراني لاستقطاب وتجنيد ناشطين وموظفين في منظمات دولية وشكلت جناحا، يقود حربها الناعمة في أروقة المجتمع المدني والمحافل الدولية بما فيها مجلس الأمن.

فمنذ بدء التمرد الحوثي بمحافظة صعدة في 18 يونيو/حزيران 2004، عمل الجناح المدني لإضفاء عباءة "الأقلية المضطهدة" ليعبد للمليشيا الطريق إلى صنعاء.

 وبعد الانقلاب الحوثي أواخر 2014، حاولت ذات الأدوات إضفاء المظلومية وحرية الرأي والتعبير والتظاهر للتغطية على مشروعهم في اليمن.

ومع كل جهد دولي لوقف نزيف الدم باليمن، يلجأ الحوثي لإشهار الورقة الإنسانية، عبر ناشطيه وجناحه الناعم لتضليل العالم وإطالة الحرب.

ويشمل دور الناشطين ولوبي الحوثي إعداد التقارير المشبوهة لحجب انتهاكاتهم عن العالم، والسعي لاستغلال بعض المنظمات للوقوف أمام كل سياسة ضغط لتطويعهم وإجبارهم على القبول بالتسوية.

ولعل أبرزها الضغوط الدولية لوقف معركة استعادة مدينة "الحديدة"، منفذ تهريب السلاح الإيراني، بحجة الوضع الإنساني عبر اتفاق "ستوكهولم" في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، الذي جرى توقيعه بين الحكومة الشرعية والحوثيين برعاية أممية 

كما أن محاولة مواجهة قرار تصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية، بتوظيف معاناة اليمنيين هو جزء من مهمة جناح المليشيا الناعم الرامي إلى إطالة أمد الحرب.

وعلى الرغم من ضغوط الحوثيين وانتهاكاتهم ضد منظمات الأمم المتحدة فإن هناك تنسيقا كبيرا بين الطرفين يعمل على تقديم تسهيلات متبادلة.

ومنها منح تأشيرات لهبوط طواقم الأمم المتحدة في مطار العاصمة صنعاء، التي تضم المقار الرئيسة لكل المنظمات الأممية والدولية، على الرغم من تعنتهم أحيانا وتأخرهم في منح التراخيص.

وفي المقابل تسهيل تنقل الحوثيين عبر طائرات الأمم المتحدة، ونقل قياداتهم وجرحاهم إلى الخارج، بالإضافة إلى عدم التعامل بجدية مع انتهاكات المليشيا.

وكشف تحقيق صحفي استقصائي لشبكة الجزيرة، عن ازدهار الملاحة الجوية في مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة الحوثيين، الذي يفترض أنه مغلق منذ عام 2016.

وهذا بالمقارنة بمطار عدن الدولي الخاضع بشكل صوري لسيطرة الحكومة اليمنية فيما تديره قوات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيا، والذي شهد عدد رحلات أقل بكثير، رغم أنه مفتوح أمام جميع الرحلات التجارية.

وأضاف التحقيق أن المطار المغلق "أمام اليمنيين؛ مفتوح لفئة من الناس"، بمن فيهم العديد من "قيادات الحوثيين الذين يسافرون من مطار صنعاء عبر طيران الأمم المتحدة أو الطيران العماني الذي يأتي إلى المطار من وقت إلى آخر".

وخلص إلى أن مطار صنعاء الدولي استقبل خلال الفترة بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2020 أكثر من 270 رحلة، أي بمعدل ثلاث رحلات أو رحلتين يوميا وتصل أحيانا إلى أربع رحلات، مقارنة بـ220 رحلة استقبلها مطار عدن الدولي في نفس الفترة.