حرب هجينة.. لماذا لا تزال الهند متخلفة في مواجهة الصين رغم دعم أميركا؟
أكد مركز الدراسات الجيوسياسية الإيطالي، أن الصراع التاريخي بين الصين والهند تطور في السنوات الأخيرة إلى حرب هجينة، عبر استخدام تقنيات مبتكرة، تعد بكين رائدة فيها.
وأوضح المركز أن الصين بفضل هذه الإستراتيجية تتقدم ببطء لكن بوتيرة مستمرة في مواجهتها ضد الهند المدعومة أميركيا، ومع ذلك تخشى من وصول نيودلهي إلى مستوى التطور التكنولوجي والصناعي الذي بلغته بكين.
نزاع تاريخي
ولفت المركز إلى أن الاهتمام الصيني بالمناطق الحدودية مع الهند ليس جديدا، وكان قد بدأ منذ غزو منطقة التبت في خمسينيات القرن العشرين.
وأضاف بأن طموح الهيمنة الصينية على القارة تواصل في الألفية الثالثة ليمتد إلى مناطق جديدة وذلك على مدى عقود.
وبين بأن هذا الطموح تعلق على وجه الخصوص بالمناطق الواقعة على طول خط السيطرة الفعلية، وهو حدود تم ترسيمها أثناء هدنة عام 1962 وتمتد على حوالي 2100 ميل لم تتوقف بالقرب منها النزاعات مطلقا.
ويشمل هذا الخط مناطق لاداغ وأروناتشال براديش وأسام وسيكيم وكشمير، كما تحظى، في الوقت نفسه، الجزر والموانئ الإستراتيجية للمحيط الهندي بنفس القدر من الاهتمام.
وأوضح المركز أن الأسباب لا تتعلق فقط بالصراع من أجل السيطرة على بعض المناطق أو النقاط الحدودية أو الموارد، وإنما تخشى الصين في الواقع أن تصل الهند إلى مستوى التطور التكنولوجي والصناعي الذي بلغته.
وذلك بالاستفادة من القوة السكانية التي بلغ تعدادها 1402 مليون نسمة و لا يفصلها سوى 46 مليونا عن الصين البالغ عدد سكانها 1448 مليونا.
ويقصد بالحرب الهجينة "إستراتيجية عسكرية تتميز بمرونة كبيرة تجمع بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية والحرب المكونة من الهجمات والتخريب السيبراني".
واستوحت الصين هذه الإستراتيجية من صراعات أخرى، لا سيما التدخلات العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم في عام 2014، وانخرطت بعد ذلك في تحديث قواتها المسلحة.
وركزت كذلك على استخدام الإستراتيجيات غير النظامية والإعلامية إلى جانب الإستراتيجيات التقليدية، ما أدى إلى تحول النزاعات الجارية إلى حروب هجينة.
الحرب الهجينة
والتقنيات الرئيسة التي تستخدمها الصين في المناطق الهندية ذات الأهمية تتعلق بالعمليات العسكرية للبحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني بالتعاون مع ما يسمى بالمليشيا البحرية، وهي هيئة غير نظامية تضم آلاف قوارب الصيد المجهزة بأسلحة هجومية.
والأسلوب الأكثر استخداما هو "تقطيع السلامى"، أي تنفيذ عمليات غير مباشرة تهدف إلى السيطرة على أجزاء أكثر من المناطق، بالإضافة إلى ما يسمى بـ"تكتيك الملفوف"، المتمثل في تطويق منطقة معينة وقطع اتصالاتها مع الخارج، وهو ما يؤدي في النهاية إلى وقوعها في أيدي العدو.
والعنصر الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر تكرارا في سياق الصراع الصيني الهندي في الآونة الأخيرة يتمثل في الحرب الإلكترونية.
وهذا يشمل جوانب مختلفة كالتعبئة السكانية، حيث شجعت الحكومة الصينية على تشكيل فيلق مؤلف من الطلاب والمدنيين يسمى أيضا "المحاربين السيبرانيين".
ويلعب هؤلاء دورا نشطا في العمليات الإلكترونية المختلفة وكذلك سيطرة الحكومة على شركات الاتصالات المستقلة شكليا و النشطة في جميع أنحاء الأراضي الهندية.
في هذا الصدد، ذكر المركز قضية شركة زينهوا الصينية التكنولوجية الشهيرة التي طفت على السطح في سبتمبر/أيلول 2020، في فترة شهدت توترا كبيرا على طول خط السيطرة الفعلية.
وكانت الشركة تراقب بنشاط من خلال قواعد بياناتها أنشطة أكثر من عشرة آلاف هندي، بما في ذلك الرئيس ورئيس الوزراء والعديد من السياسيين البارزين الآخرين في البلاد وكذلك عائلاتهم.
وتمت عمليات المراقبة بالتعاون مع المخابرات الصينية، من خلال جمع البيانات المتعلقة بالشبكات الاجتماعية والبيانات المصرفية والأنشطة السياسية لما اعتبرت أهدافا حساسة رئيسة من أجل اختراق التقنيات أو المؤسسات.
وقدر مسح أجراه بعض الخبراء الدوليين أن ما لا يقل عن 20 بالمئة من المعلومات قد تم جمعها بشكل غير قانوني.
الرد الهندي
واعتبر المركز الإيطالي أن المشكلة الأبرز التي تعترض الهند في هذا الصراع تتعلق بكون قوانين الخصوصية الهندية المطبقة غير كافية لمواجهة هذا النوع من الأنشطة الإلكترونية، كما لا تبدو فعالة في إستراتيجية حجب التطبيقات الصينية المختلفة المشبوهة لدواع أمنية.
وبدأت الهند في اتخاذ هذه الإجراءات في عام 2020 بسبب تصاعد التوترات مجددا وقامت في البداية بحظر قائمة سوداء تضم 59 تطبيقا من بينها تطبيق تيك توك، لتتسع إلى حوالي 321 تطبيقا في منتصف فبراير/شباط 2022.
ولاحظ الموقع أن الأدوات التكنولوجية المتاحة لنيودلهي أقل تأثيرا من مثيلاتها الصينية وذلك بسبب اعتمادها على التقنيات العسكرية الروسية.
ولفت إلى أن الصين تحاول كذلك تقويض علاقات الهند مع الولايات المتحدة قدر الإمكان.
ولهذا السبب كثفت الهند، التي تعد عضوا في الحوار الأمني الرباعي إلى جانب أستراليا والولايات المتحدة واليابان، من أنشطتها منذ عام 2020.
والهدف الأساسي المشترك للدول المعنية هو: "إظهار الوحدة والحزم والقوة الجماعية للرد على التحدي الاستبدادي المتزايد للنظام العالمي"، في إشارة إلى التهديد الصيني.
وألمح المركز إلى أنه على الرغم من المصالح المتقاربة، تختلف مقاربة الدول المختلفة للمسألة اختلافا جوهريا، لا سيما نظيرتها في الولايات المتحدة، التي تعد الوضع صراعا بين الديمقراطية والاستبداد، والأنظمة الليبرالية ضد غير الليبرالية.
وأشار إلى أن هذا الصراع الأيديولوجي لا يتشارك فيه الأعضاء الآخرون خاصة الهند، التي لها علاقات وثيقة أيضا مع روسيا ولا تريد إفساد العلاقات التي تربطها بها، وهو ما يتسبب في إزعاج الولايات المتحدة.
وأكد أنه في مثل هذا السياق المجزأ، حيث لا تزال الهند ضحية للتفوق الصيني على الرغم من الجهود المستمرة لمواجهته، من الصعب تنفيذ إستراتيجية فعالة قادرة على التغلب أو على الأقل الحد من الإستراتيجية الصينية الرامية إلى إلحاق هزيمة بالعدو من خلال الدعاية والتلاعب بالمعلومات.