السودان نموذجا.. لماذا يرتبط العالم العربي بروسيا رغم تحالفه مع أميركا؟

قسم الترجمة | 3 years ago

أكد موقع "صالون" الأميركي أن التوجه السياسي للسودان العضو في جامعة الدول العربية، يقدم مثالا واضحا على حالة الاستياء العربية من واشنطن وسياساتها، والذي ظهر بقوة بعد غزو موسكو لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

ويستمر النقاش حاليا حول ما إذا كان الدفع المستمر لعقود من توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" باتجاه الشرق، بتشجيع من الولايات المتحدة، هو المسؤول عن الغزو الروسي لأوكرانيا، كما جادل جون ميرشايمر "الواقعي" الشهير من جامعة شيكاغو. 

 ويشمل هذا النقاش أيضا ما إذا كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن رفض أو على الأقل تردد بعض الدول العربية في إدانة الغزو الروسي، الأمر الذي يعكس استياء عربيا واسع النطاق من السياسة الأميركية على مدى العقود العديدة الماضية.

قوة عالمية

وكما ذكرت مجلة تايم الأميركية خلال مارس/آذار، أصدرت جامعة الدول العربية التي تمثل 22 دولة بيانا أخيرا "فشل في إدانة الغزو الروسي ولم يقدم سوى القليل من الدعم للأوكرانيين".

ويرجع ذلك إلى حد كبير وفقا للمجلة، إلى أن العرب "يرون عموما في روسيا قوة عالمية كبيرة لا تزال ذات صلة بمنطقتهم وهي أيضا رأس مال مفيد" للمغازلة "علنًا عندما تتوتر العلاقات" مع الولايات المتحدة والغرب.

وجنبا إلى جنب مع الدول العربية الشقيقة الجزائر والعراق، امتنع السودان عن التصويت عندما أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة الغزو الروسي (كان المغرب غائبا، أو ربما كان سينضم إليهم).

​بالإضافة إلى ذلك، بعد زيارة استمرت أسبوعا لروسيا أثناء الغزو، قال ثاني أقوى زعيم في السودان الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف أيضا باسم "حميدتي"، إن بلاده لم تكن لديها مشكلة مع افتتاح روسيا قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر.

وقال دقلو في مؤتمر صحفي فور عودته إلى الخرطوم إن "الاستثمارات الروسية جرت مناقشتها في الرحلة"، بحسب وكالة رويترز البريطانية.

ورغم أنه دعا إلى حل دبلوماسي لمشكلة أوكرانيا، فإنه قال قبل الغزو إن "روسيا لديها الحق في الدفاع عن شعبها ". 

وكان دقلو قائد مليشيا الجنجويد العربية الشهيرة التي قاتلت منذ عام 2003 إلى جانب الحكومة العسكرية الإسلامية السودانية بقيادة الرئيس السابق عمر البشير في إقليم دارفور الغربي.

وأدى ذلك إلى ما وُصف بأنه أسوأ إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين. واعتمدت قوات دقلو بشكل كبير على الأسلحة الروسية والصينية خلال ذلك الصراع.

وعلى الرغم من تحسن علاقات دقلو مع الولايات المتحدة بعد ثورة شعبية في السودان أطاحت بالبشير في عام 2019، فقد عاد أخيرا إلى أصدقائه الروس القدامى- في خطوة أعمل من كونها مجرد "المغازلة" التي ذكرتها مجلة تايم.

وفي الوقت نفسه، لدى الشعب السوداني ضغائنه الخاصة ضد الولايات المتحدة لعدم وفائها بوعودها لتعزيز الديمقراطية في بلدهم بعد الإطاحة بالبشير.

ولعقود من الزمان، كانت علاقات السودان مع روسيا ردا مباشرا على علاقاته مع الولايات المتحدة، وهي سياسة ساخرة علنية سعت إلى لعب القوتين العالميتين ضد بعضهما البعض. 

واصطدم البشير الذي بدأ حكمه في عام 1989، مع الولايات المتحدة منذ البداية بإعلان "المشروع الحضري الإسلامي"، بهدف نشر الإسلام في البلدان المسيحية المجاورة؛ من خلال محاربة المواطنين المسيحيين والوثنيين في الجزء الجنوبي من البلاد، وفق تعبير الموقع.

وبين الموقع أن البشير "رحب بجماعة إسلامية متطرفة (تنظيم القاعدة) ضمت إرهابيين معروفين بمن فيهم أسامة بن لادن ودعوتهم لزيارة السودان أو الإقامة فيه"، بحسب وصفه.

وردا على ذلك، صنفت الولايات المتحدة السودان في عام 1993 راعيا للإرهاب، وفرضت عقوبات تجارية ومالية كاملة عام 1997 وشنت هجوما بصواريخ كروز على البلد سنة 1998، في إطار الرد على "التفجير الإرهابي" لسفارات الولايات المتحدة في شرق إفريقيا في العام نفسه.

وبعيدا عن "المغازلة"، تحالف السودان مع روسيا ليس فقط من خلال شراء الأسلحة لحروبه في دارفور وفي الجزء الجنوبي من البلاد، ولكن أيضا من خلال التمتع بالدعم الروسي في الأمم المتحدة ضد محاولات معاقبة الخرطوم أو قادتها على جرائمهم. 

وفي عام 2017، زار البشير روسيا والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين ووقع اتفاقيات لمزيد من المساعدة العسكرية والتعاون الاقتصادي، واعترف بضمها شبه جزيرة القرم، ووافق على منح البحرية الروسية إمكانية الوصول إلى الموانئ السودانية.

تغير العلاقات

لكن بعد ثورة 2019 التي أطاحت بالبشير، تغيرت العلاقات بين السودان والولايات المتحدة بين عشية وضحاها.

وجرى اتخاذ خطوات لإزالة السودان من قائمة الإرهاب الأميركية وتبادل السفراء والاعتراف بإسرائيل وتسوية متأخرات البلد الإفريقي مع البنك الدولي مما سمح بضخ كميات هائلة من المساعدات.

والأهم من ذلك، وعدت تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين، وبعضهم زار السودان، بمساعدة البلد في إجراء انتخابات حرة ونزيهة كان من المفترض أن تؤدي إلى حكومة مدنية مستقرة.

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين في الذكرى الثانية للثورة: "السودانيون من جميع مناحي الحياة- وخاصة النساء والشباب- أظهروا شجاعة كبيرة في النزول إلى الشوارع والبعض دفع حياتهم ثمنا".

وأردف: "ستظل شجاعتهم وتضحياتهم إلى الأبد مصدر إلهام لكل أولئك الذين يسعون إلى الديمقراطية، ستستمر الولايات المتحدة في الوقوف إلى جانب الشعب السوداني وهو يناضل من أجل الحرية والسلام والعدالة ".

وغرد السيناتور الديمقراطي كريس كونز: "مع انتقال السودان نحو حكومة مدنية وديمقراطية بعد الإطاحة بالديكتاتور القديم عمر البشير، من الأهمية بمكان إرسال إشارة دعم من الولايات المتحدة للحكومة الجديدة وللشعب السوداني الذي يناضل من أجل حقوقه وحرياته الأساسية".

وفي وقت لاحق، سافر هو والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين إلى السودان ونقلوا رسائل مماثلة إلى كل من العسكريين والمدنيين.

وقدم كونز قانون الديمقراطية في السودان لمعاقبة أولئك الذين يقوضون الديمقراطية، وأعلن أنه رشح عدة منظمات مدنية سودانية لجائزة نوبل للسلام. 

لكن بلينكن واثنين من أعضاء مجلس الشيوخ ومسؤولين كبارا آخرين كانوا يعرفون، أو على الأقل كان ينبغي أن يعلموا، أن القادة العسكريين السودانيين الذين دعموا الانتفاضة الشعبية ضد البشير ثم انضموا إلى الحكومة الانتقالية التي كان من المفترض أن تجري انتخابات حرة العام المقبل لن يقبلوا بالتخلي عن السلطة بسهولة.

أولا وقبل كل شيء، استحوذ الجيش السوداني على مر السنين على شركات خاصة وأنشأ العديد من الشركات الخاصة به- حوالي 300 شركة بالكامل، والتي تسيطر على حوالي 70 بالمائة من الميزانية السنوية للحكومة.

وثانيا، يقال إن كلا من رئيس مجلس السيادة الانتقالي اللواء عبد الفتاح برهان، ونائبه الجنرال دقلو، مدرج في قائمة أولئك الذين يخضعون للتحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب محتملة في دارفور (وجهت بالفعل لائحة اتهام ضد سبعة ضباط سودانيين حاليين أو سابقين). 

ثالثا والأهم، دعمت الحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة بقوة الجيش السوداني، بما في ذلك مصر وإسرائيل ودول الخليج.

وقيل إن بلينكين وكونز وفان هولين ومسؤولين أميركيين كبارا آخرين فوجئوا- لكن ما كان ينبغي أن يكونوا كذلك- عندما قاد الفصيل العسكري للحكومة الانتقالية المشتركة، بقيادة برهان ودقلو، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، انقلابا على السلطة.

وقُتل مئات المدنيين وأصيب آلاف آخرون خلال السنوات الثلاث الماضية من المظاهرات المناهضة للجيش، فيما يبدو أنه لا نهاية في الأفق لهذه الأزمة.

وعندما أدانت واشنطن والأمم المتحدة والبنك الدولي الانقلاب وعلقت جميع المساعدات الاقتصادية والمالية الموعودة للسودان (وسط دعوات متكررة لإنهاء العنف ضد المدنيين)، كان دقلو والنظام العسكري على استعداد للعب ورقة التحالف مع روسيا  مرة أخرى.

وبين الموقع أن "محاولة معاقبة النظام العسكري من خلال تجميد المساعدات المالية والاقتصادية التي تمس الحاجة إليها ستؤذي في الغالب الناس العاديين في السودان، كما حدث خلال حكم نظام البشير الذي دام 30 عاما".

ولذلك يجب على البنك الدولي الذي يتابع دائما تقلبات السياسة الأميركية أن يعيد مساعداته المجمدة، وفق تقديره.

وأخيرا، يجب على الولايات المتحدة محاسبة القادة العسكريين الحاليين على وعودهم المتكررة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة العام 2023، ثم تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، وفق الموقع.

كما لا يوجد أي معنى في الولايات المتحدة لمعاقبة الشعب السوداني لرفضه الوفاء بوعده بالمساعدة في إرساء الديمقراطية في بلدهم.

وليس سرا أن سجل الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية في الدول العربية لا شيء- وهو أمر مخزٍ للغاية، وفق التقرير.

وفي عام 2013، دعمت الولايات المتحدة انقلابا عسكريا في مصر جارة السودان، أطاح بأول رئيس منتخب لمصر على الإطلاق مما يلغي سنوات من التصريحات السابقة لكبار المسؤولين الأميركيين حول دعم الديمقراطية في مصر.

واليوم، ترسل الولايات المتحدة في المتوسط ​​حوالي ملياري دولار كمساعدات عسكرية ومدنية للنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي العسكري.

لم يُخفِ الجنرالات السودانيون الساخرون برهان ودقلو، اعتقادهم بأن الولايات المتحدة يجب أن تعاملهم كما تعاملت مع جارهم وهذا ثمن صداقتهم.

وأخيرا، ليس لدى الولايات المتحدة إلا أن تلوم نفسها على إحجام السودان إلى جانب دول عربية أخرى عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتشمل العوامل الرئيسة الدعم الأميركي المستمر منذ عقود لسياسات إسرائيل التوسعية، بالإضافة إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والذي أدى إلى اضطراب المنطقة بأكملها؛ والسجل السيئ المذكور أعلاه للولايات المتحدة في دعم الديمقراطية العربية. 

نتيجة لذلك، فإننا نواجه الحقيقة الساخرة المتمثلة في عدم وجود دولة عربية ديمقراطية متاحة اليوم للإشارة إلى تناقض واضح: الولايات المتحدة حريصة على دعم الديمقراطية في أوكرانيا، ولكن بدرجة أقل في العالم العربي، يخلص الموقع.