الغزو الروسي لأوكرانيا.. هكذا تصل "شظايا" المواجهات إلى المغرب

12

طباعة

مشاركة

بعدما استفاقت أوكرانيا على أصوات مقاتلات الجيش الروسي ودباباته فجر 24 فبراير/شباط 2022، وضع المغاربة أيديهم على قلوبهم مخافة أن يطول غزو موسكو على بلاد الرئيس فولوديمير زيلينكسي.

ورغم البعد الجغرافي للرباط عن رحى اجتياح "الدب الروسي" لأوكرانيا، فإن "شظايا" تداعيات الحرب تصل إليه نظرا للعلاقات الاقتصادية والعسكرية التي تجمع بين البلدين.

ولا تزال الأنظار تتجه نحو أوكرانيا وروسيا بسبب استمرار الحرب وعدم نجاح المساعي الدبلوماسية في نزع فتيلها التي ستكون لها تأثيرات تشمل معظم اقتصادات العالم، والمغرب غير بعيد عن ذلك، خاصة مع أزمة الجفاف التي تشهدها المملكة.

التسوية السلمية

وفي أول موقف حيال الأزمة، أعرب المغرب، في 26 فبراير 2022، عن قلقه إزاء تطورات الوضع بين روسيا وأوكرانيا، معلنا تشبثه بمبدأ "عدم اللجوء إلى القوة" في تسوية النزاعات بين الدول.

وقالت وزارة الخارجية، في البيان إن "المملكة المغربية تشجع جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات".

وأكد المغرب، بحسب البيان، "دعمه للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة".

ويرى متابعون أن المغرب ببيانه الرسمي "يكون أول دولة في العالم العربي تدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، لأنه خرج عن صمته وعبر بكل قوة عن موقفه".

فيما اعتبر المحلل السياسي، محمد العمراني بوخبزة، أن "الموقف الذي أصدره المغرب ينبثق من الثوابت التي تنبني عليها السياسة الخارجية للمملكة".

وأوضح لموقع "العمق المغربي" في 26 فبراير 2022 أن البلاد "مرتبطة بالشرعية الدولية، وتقف على مسافة واحدة من أطراف النزاع."

وبعيدا عن المواقف السياسية، تأتي تداعيات غزو أوكرانيا على واردات الحبوب المغربية، في سياق يتسم بأزمة تمس هذا القطاع الفلاحي بسبب الجفاف.

وتعد أوكرانيا إلى جانب روسيا وفرنسا في صدارة الدول التي يستورد منها  المغرب حاجياته من الحبوب والقمح بشكل خاص.

وسيكون المغرب مطالبا بإيجاد مصادر بديلة لتأمين حاجياته من القمح والذرة والشعير، وسط حرب ألقت بظلالها على اقتصاد لم يتعاف بعد من تبعات جائحة كورونا.

وقللت الحكومة المغربية من حجم تأثير النزاع بين روسيا وأكرانيا على المخزون من الحبوب، مؤكدة أنه "لا خوف على المخزون الوطني".

تأثير مباشر 

لكن أقر الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس في 24 فبراير 2022 بتأثيره على مستوى الأسعار والدليل هو الارتفاع الذي شهدته أثمنة البترول اليوم بشكل ملحوظ، قبل أن يستدرك "لكن بخصوص الوضعية وتموين السوق الوطني، ليس هناك أي تأثير، ربما سنؤدي الفاتورة مرتفعة نوعا ما بسبب ارتفاع الأسعار".

ويعتبر المغرب ثالث مستهلك للقمح في إفريقيا، بعد مصر والجزائر، حيث يتجاوز الاستهلاك 100 مليون قنطار في العام، علما أنه يعد من أكبر 10 مستوردين للقمح الأوكراني.

وترتفع واردات المغرب من القمح حسب مستوى المحصول الذي يتغير من عام لآخر، فقد قفز إلى 103.2 ملايين قنطار في موسم 2020-2021، فيما كان 52.3 مليون قنطار في موسم 2018-2019.‎

وتأتي أوكرانيا وروسيا في المركز الثاني والثالث، بعد فرنسا ضمن مصدري القمح اللين للمغرب.

ويصل متوسط الاستهلاك الفردي إلى 200 كلغ من القمح في العام، أي ما يمثل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، حيث يعتبر الخبز أهم مكون في النظام الغذائي المحلي.

من جانبه، توقع الخبير المغربي في السياسات الزراعية، العربي الزكدوني، أن يكون لهذه الأزمة بشرق أوروبا "تأثير مباشر على تزويد السوق الوطنية حيث ستطرح إشكالات في تأمين حصة البلاد من الحبوب مع ارتفاع الأسعار المرجعية لهذه المادة".

وتابع الخبير، لموقع "مدار 21" المحلي أنه "من جانب تكلفة القمح سترتفع بالنسبة للمغرب، ومن جانب آخر قد تكون هناك إشكالات ذات طابع لوجيستي ترتبط بسرعة تموين السوق الوطنية بظل أزمة شحن البضائع العالمية التي اندلعت في سياق الجائحة".

وأضاف الزكدوني "بالنظر إلى الوضعية الراهنة للموسم الفلاحي بالمغرب سيكون هناك ضعف مهول جدا في الإنتاج الوطني للحبوب، وآثار الحرب الحالية على أسعار هذه المواد سيعقد المسألة".

ودعا الخبير في السياسات الزراعية إلى إيلاء العناية الكافية، انطلاقا من الموسم القادم، لقطاع الحبوب باعتباره أحد المكونات الأساسية للوجبة الغذائية للمغاربة ودعم الوحدات الإنتاجية الأسرية.

ولاعتماده على مجموعة من المنتجات الأوكرانية، سيبقى المغرب من بين أكبر المتضررين.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت وزارة الزراعة الأميركية أن أوكرانيا في طريقها لتصبح المورد الرئيس للقمح في المغرب، الذي يسجل في العادة ضعف الإنتاج المحلي.

وما سيزيد تعقيد الوضع في المغرب بسبب الأزمة في أوكرانيا، أن المملكة هذه السنة تعيش موسما استثنائيا، بسبب موجة الجفاف التي ضربت البلاد، وبالتالي فإن الإنتاج المحلي للقمح سيتراجع بشكل كبير.

وقالت الوزارة في بيانها إن واردات المغرب من القمح الأوكراني وصلت إلى 6.5 ملايين طن خلال الموسم الزراعي 2020-2021، أي ما يزيد على 35 بالمئة من واردات الموسم الذي سبقه.‎

وكانت أوكرانيا قد ضاعفت من صادراتها من القمح اللين إلى المغرب في 2021، وأصبحت موردا رائدا للقمح بالنسبة للمملكة، وذلك بعدما سمح لها بدخولها معفاة من الرسوم الجمركية على شحناته.

ضربة قاسية

كما تتصاعد مخاوف المراقبين والموردين المغاربة من تأثير الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا على عملية تصدير الحمضيات من المغرب إلى موسكو.

وهو ما من شأنه أن يتسبب في ضربة قاسية للاقتصاد الوطني الذي ما يزال في مرحلة التعافي من تداعيات جائحة كورونا.

ومع قرار فصل مجموعة من البنوك الروسية عن شبكة "سويفت" للمدفوعات الدولية في 26 فبراير 2022، فإن ذلك يثير قلق المصدرين المغاربة لما له من عواقب على الاقتصاد المغربي، ذلك أنه مرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد الروسي.

إذ إنه في الحمضيات لوحدها بلغت الصادرات 122.2 مليون يورو (نحو 133.5 مليون دولار) بين عامي 2018 و2020.

وفي عام 2021، تجاوزت قيمة صادرات الحوامض المغربية إلى السوق الروسي 443 مليون درهم (نحو 45 مليون دولار) لمنتجات الحوامض، لكنها كانت أقل من العام السابق عندما وصلت إلى 1251 مليون درهم.

وبحسب ما أوردته صحيفة  ،“Les Inspirations Eco”المغربية فإن ما يثير القلق ليس فقط أن تفقد المملكة سوق الحوامض جراء الحرب المعلنة ضد أوكرانيا، ولكن استرداد المبالغ المستحقة القبض المتعلقة بالسلع المشحونة بالفعل سلفا، بالنظر إلى أن روسيا الآن معزولة عمليا عن النظام الدولي.

وتشير التقديرات إلى أن 30 بالمئة من إجمالي 540 ألف طن من الحمضيات التي ينتجها المغرب، وخاصة الكلمنتينا، اشترتها روسيا، وبالتالي فمن البديهي أن الخطوط الجوية الروسية ستواجه صعوبات في دفع مورديها الأجانب.

أسلحة وكيماويات

وبعيدا عن القمح كان المغرب في الفترة الأخيرة يضع أوكرانيا في مقدمة الدول التي يحاول أن يستورد منها أسلحة جديدة، بحسب ما أعلنه موقع "تاكتيكال ريبورت"، في 7 فبراير 2022.

وكشف تقرير "تاكتيكال ريبورت"، المتخصص في الشؤون العسكرية، أن القوات المسلحة الملكية المغربية (الجيش) تدارست المسألة، وبدأت فعلا في اقتناء مركبات محمية من الكمائن المقاومة للألغام (MRAP) من أوكرانيا.

وأضاف الموقع أن مسؤولين عسكريين مغاربة زاروا مقر شركة "نوفاتور" الأوكرانية؛ حيث قدمت هذه الأخيرة عرضا حيا لإظهار القدرات القتالية للمركبات المدرعة "إم راب فارتا"، و"سيف نوفاتور"، بقذائف هاون وذخيرة عيار 60 ملم و82 ملم و120 ملم.

الصفقة التي دخلها المغرب لتوسيع ذخيرته من السلاح من أوكرانيا، أصبح من المؤكد أنها ستتوقف بسبب الحرب القائمة، التي انطلقت صباح 24 فبراير 2022.

وتأتي سلع أخرى كالكيماويات غير العضوية ومركبات المعادن في المرتبة الثالثة كأكثر السلع التي يستوردها المغرب من أوكرانيا، بقيمة تتجاوز 22 مليون دولار، وفق نسبة الواردات في سنة 2020.

وتدخل السلع المصنعة المتنوعة والدهون والزيوت الحيوانية والنباتية نطاق السلع المستوردة من أوكرانيا بقيمة تتجاوز 20 مليون دولار.

وبالإضافة إلى ذلك تفوق قيمة واردات الحديد والصلب والتبغ 16 مليون دولار، في حين تتوزع السلع الأخرى بقيم مالية مختلفة تصل إلى أقل من 5 ملايين دولار.

وقال مدير مركز "الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية" المغربي، عبد الفتاح الفاتحي إن "الحرب جعلت الأرقام تتطور بسرعة في مجال الطاقة والبترول والغاز، وهناك علاقة وثيقة بين عملية النقل والشحن والمواد البترولية، وطبعا ستكون هناك انعكاسات على المملكة".

وأشار في حديث مع "قناة "M24TV" (مغربية رسمية) إلى أن "هذه الانعكاسات ستفرض ضغطا على قانون المالية الحالي المعتمد، وستكون الحكومة مضطرة إلى قانون مالي تعديلي".

واستدرك الفاتحي موضحا "مع ذلك على المستوى الإستراتيجي المغرب ليس له علاقات واتفاقيات قوية مع موسكو وكييف، بالشكل الذي سيجعله يعاني على المستوى الداخلي".

واعتبر أن "الرباط قادرة على إعادة تأمين احتياجاتها من السوق الفرنسية كمورد أساسي، وأيضا السوق الكندية والأميركية، لكن عموما هناك تأثير سيفرض نفسه مع الوقت". 

ويؤكد خبراء أنه إذا استمرت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا لفترة أطول ستبحث الرباط عن مصادر أخرى لاستيراد القمح، وأن هذا الأمر سيكلف الخزينة العامة الفارق بين السعر الذي كان المغرب يشتري به من أوكرانيا والثمن في دول أخرى.