ابن عديو نموذجا.. هكذا تعاقب الإمارات من يقف في طريق مؤامراتها باليمن

12

طباعة

مشاركة

تحول كبير في صراع التحالف السعودي الإماراتي في اليمن مع محافظ شبوة السابق، محمد صالح بن عديو، الذي ما زال يدفع ثمن رفضه لمخططات ومشاريع التحالف في المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي والاقتصادي المهم على البحر العربي بمساحة تزيد عن 48 ألف كيلومتر مربع ووجود 15 قطاعا نفطيا.

ولم تكتف الإمارات والسعودية بالضغط على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لإقالة المحافظ وإبعاده قسريا خارج اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2021، بل وصل الأمر إلى اغتيال شقيقه سعيد بن عديو بالرصاص، عبر أدوات أبو ظبي التي سيطرت على المحافظة وفبركت أخبار الثارات القبلية لصرف الأنظار عن ملابسات الجريمة.

وفي سياق تقاسم النفوذ، يرمي التحالف السعودي الإماراتي للسيطرة على حقول النفط والغاز، بما في ذلك تعطيل العمل بميناء بلحاف (في شبوة) الذي يُعد ثاني أضخم مشروع غازي في الشرق الأوسط يصدر الغاز المسال عبر الأنبوب الرئيس الممتد من محافظة مأرب حتى ساحل بحر العرب، وهو أكبر مشروع صناعي واستثماري في تاريخ اليمن.

وتسبب تعطيل العمل في ميناء بلحاف الذي كان يوفر إيرادات تفوق أربع مليارات دولار سنويا، خسائر كبيرة للاقتصاد اليمني، بما في ذلك تراجع قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية تجاوزت الألف ريال للدولار الواحد.

ويتعمد التحالف السعودي الإماراتي الإبقاء على المنشأة الغازية معطلة، حتى لا يتحرر اليمن من التبعية الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى رغبته في التحكم بالقرار العسكري والسياسي في المحافظة، ونشر المليشيات الانفصالية التابعة لها.

إبعاد قسري

وفي 20 فبراير/شباط 2022، قال ابن عديو إن مقتل شقيقه الأكبر "كان حادثة اغتيال مدبرة، نُفذت مقابل المال انتقاما لمواقفه حين كان محافظا".

وأوضح ابن عديو في تدوينة على "فيسبوك"، أن شقيقه "قتل بسبب رفضي لمشاريع تضر بالمصلحة الوطنية لليمن حين كنت محافظا لشبوة واعتراضي على المخططات التدميرية للعابثين والمتآمرين والطامعين وأصحاب المشاريع الصغيرة".

ويشير ابن عديو إلى الإمارات والمليشيات التابعة لها التي خاص معها صراعا وصل حد المواجهات، قبل أن تنجح أبو ظبي في الإطاحة به بموجب قرار جمهوري صادر عن هادي المقيم في الرياض منذ نحو سبع سنوات.

واعتبر المحافظ السابق أن اغتيال شقيقه "كان بمثابة ثمن لمواقفه السابقة"، وأنه حاليا "مبعد بشكل قسري" عن اليمن نتيجة ذلك.

وكشف ابن عديو لأول مرة عن إبعاده القسري من اليمن بعد أن كانت المعلومات تقول إنه غادر للعلاج خارج البلاد، حيث يقيم حاليا في الأردن، فيما استبعد عودته حاليا في ظل التحريض الذي يمارس ضده، ناهيك عن خلافاته مع التحالف.

ومنذ إقالته في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021، تتحكم القوات المدعومة إماراتيا بالوضع العام في شبوة وتفرض سيطرتها على المواقع الإستراتيجية والعسكرية كافة.

وبعد قدوم القوات إلى المحافظة عقب قرار جمهوري بتعيين محافظ جديد موال للإمارات وقيامها بعمليات عسكرية بداية يناير/كانون الثاني 2022 بدعم من التحالف لتحرير ثلاث مديريات تابعة لشبوة سيطرت عليها مليشيات الحوثي أخيرا على حدود محافظتي مأرب والبيضاء. 

واستفادت تلك القوات المدعومة إماراتيا من تماهي المحافظ الجديد، عوض العولقي، الذي ينحدر من قبلية "العولقي"، أكبر قبائل شبوة، وهو عضو برلماني عن حزب المؤتمر الشعبي العام تم الدفع به من أبو ظبي أواخر العام 2021.

وسبق أن قاد العولقي احتجاجات ضد المحافظ ابن عديو في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وعقد اجتماعات قبلية لحشد القبائل ودعوة أنصاره إلى الاعتصام في عاصمة المحافظة عتق.

نهضة استثنائية

ورغم المعوقات وحالة الحرب التي تشهدها اليمن، ومنذ تعيينه بقرار جمهوري أواخر العام 2018، حقق ابن عديو نهضة تنموية كبيرة واستثنائية في المحافظة.

وتصدرت أخبار المشاريع التنموية قائمة أخبار التنمية خلال فترة وجيزة، ونالت النقلة النوعية التي أحدثها المحافظ استحسانا شعبيا مع الإشادة السياسية من هادي الذي أبدى دعمه له من خلال سلسة لقاءات واتصالات كانت تجمعهما.

وحرص ابن عديو على محاربة الفساد المالي والإداري في المحافظة، وأصدر قرارات بتعيينات وتغييرات عديدة في المرافق الخدمية والسلطات المحلية، بعد منحه صلاحيات واسعة من رئيس الجمهورية، وقام بنزول ميداني وزيارات تفقدية للكثير من المنشآت الحيوية في المحافظة.

وعمل المحافظ على تكثيف لقاءاته بالشركات النفطية والغازية والقطاع الخاص ورجال الأعمال وإبرام اتفاقيات لمشاريع تنموية وخدمية وترفيهية بالمحافظة.

كما عمل على تثبيت الأمن وتكثيف اللقاءات بالشركات النفطية، ثم استئناف تصدير النفط ببعض القطاعات في المحافظة، والحصول على حصة المحافظة من مبيعات النفط والذي كان له دور كبير في إحداث التنمية وتدشين ميناء "قنا" النفطي الذي كان أبرز إنجازات المحافظ ابن عديو في 13 يناير/كانون الثاني 2021.

هذه الإنجازات أكسبته شعبية كبيرة لدى أبناء شبوة واليمن بشكل عام، وتسببت في نفس الوقت بامتعاض الإماراتيين والمليشيات الانفصالية التي تدعمها أبو ظبي ضد المحافظ الرافض لتواجدها.

خطوط حمراء

واعتبرت الإمارات، المحافظ مقلقا لها وحاجزا أمام استكمال مخططها في جنوب اليمن، خاصة دعم مليشيات ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي" المطالب بالانفصال، وتحديدا بعد مطالبة ابن عديو بخروج القوات الإماراتية من منشأة بلحاف الغازية وتسليمها للسلطة المحلية؛ من أجل استئناف تصدير الغاز المتوقف منذ عام 2015.

وقال ضابط في الجيش اليمني من منتسبي اللواء الثاني مشاه بحري المكلف بحماية منشأة بلحاف، لـ"الاستقلال" إن دور الجيش يقتصر على حماية الأنابيب الواصلة إلى المنشأة، بينما تسيطر القوات الإماراتية وعناصر تابعة لها على مرافق المنشأة وقد حولوها إلى ثكنة عسكرية واستقدموا معدات عسكرية مختلفة عبر البحر.

وأوضح أن "الإمارات انزعجت من تصريحات ابن عديو ضدها ومطالبته لقواتها بمغادرة بلحاف وعملت على اختلاق المشاكل والأزمات في المحافظة حتى تمت إقالته بالضغط على هادي الذي لا يملك قرارا ولا شجاعة".

ولفت الضابط الذي يعمل في المنشأة منذ ما يزيد عن 10 سنوات، إلى أن "بلحاف كانت شعلة من الطاقة والحياة قبل أن تتسبب حرب مليشيا الحوثي عام 2015 في إيقافها ثم سيطرة القوات الإماراتية عليها وعدم السماح بتشغيلها".

وتعمل الإمارات على توسيع نفوذها في المناطق الحيوية والحساسة في اليمن، مع إنشاء تشكيلات عسكرية موالية لها رغم إعلانها الانسحاب في 25 سبتمبر/أيلول 2019.

وكان لمواقف ابن عديو الداعمة للوحدة والرافضة لمخططات تقسيم اليمن عبر أذرع أبو ظبي في الجنوب دور كبير في العداء الإماراتي، خصوصا أن شبوة كانت نقطة انطلاق للجيش اليمني الذي زحف باتجاه مدينة عدن عام 2019 بعد تمرد مسلح لمليشيا تابعة للمجلس الانتقالي الانفصالي.

وشن على إثرها الطيران الإماراتي غارات على قوات الجيش اليمني وهو على تخوم مدينة عدن متسببا بمقتل وإصابة أكثر من 300 جندي وضابط، وهو ما تسبب بتراجعه وسيطرة مليشيات الانتقالي على المدينة والمحافظات المجاورة.

وتوسع الصراع بين محافظ شبوة السابق والتحالف، بعد مطالبة ابن عديو بتغيير مندوب التحالف بمطار عتق عاصمة المحافظة، في خطوة أراد منها ابن عديو إدارة شبوة باستقلالية، بعيدا عن تدخلات التحالف الذي تحكم بمجريات العمليات وبعد حجب التواصل مع قيادات الجيش والأمن في المحافظة.

وتوالت الخلافات بشأن مرور القوات الإماراتية وتنقلاتها داخل المحافظة من بلحاف إلى معسكر "العلم" شرق مدينة عتق، واعتراض طريقها من قبل النقاط الأمنية وتوقيفها حتى جاءت مشكلة منشأة بلحاف الغازية.

وتسببت تصريحات ابن عديو المتكررة لوسائل الإعلام وأثناء اجتماعاته والمطالبة بتسليم المنشأة الغازية بدخوله في صراع مع القوات الإماراتية، لتدق الناقوس الأخير بشأن الخطر الذي تشكله السلطة متمثلة في المحافظ.

ثمن باهظ

وبدأت الإمارات بحربها ضد المحافظ، وتم استدعاؤه من قبل التحالف السعودي الإماراتي إلى الرياض عدة مرات، اعتذر في معظمها بسبب "انشغاله بأعمال التنمية والبناء في المحافظة"، وفق مقربين منه.

وتوالت ضغوط التحالف على ابن عديو من خلال اختلاق المشاكل الداخلية عن طريق ما يسمى بـ"قوات النخبة الشبوانية" المدعومة إماراتيا.

وفي خضم هجمات مليشيا الحوثي على مأرب وبعد استكمال سيطرتهم على محافظة البيضاء المجاورتين لشبوة، تعمد التحالف تخفيف ضرباته الجوية على تحركات "الحوثيين" مما أدى إلى سقوط ثلاث مديريات من محافظة شبوة، بيحان وعسيلان والعين.

واتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي هذه الفرصة لاتهام المحافظ بتسليم المديريات للحوثيين وشنوا عليه حملة إعلامية كبيرة بدعم الإمارات التي تتهمه بالانتماء لحزب "التجمع اليمني للإصلاح" الإسلامي الذي تعاديه أبو ظبي.

وضغط التحالف على الرئيس هادي من أجل إقالة المحافظ، رغم النهضة التي حققها طيلة السنوات الثلاث الماضية خلال توليه منصبه، ليغادر ابن عديو شبوة منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى الأردن بعد تداول أخبار عن قرب إقالته.

وبعدها بأيام أصدر الرئيس هادي قررا بتعيين الموالي لأبو ظبي والمقيم في الإمارات، العولقي، خلفا له، وتعيين ابن عديو مستشارا للرئاسة وهو القرار الذي اعتذر عن عدم قبوله.