من يجمع القطع؟.. مركز تركي: هذه بداية تفكك وانهيار مؤتمر ميونخ للأمن
قال مركز تركي إن "مؤتمر ميونخ للأمن" لعام 2022 عقد دون مشاركة روسيا للمرة الأولى منذ 1999، ليكون ذلك "نقطة تحول" كبيرة يمكن اعتبارها خامس نقطة تحول في تاريخ المؤتمر الذي يقام بانتظام منذ عام 1963.
وأوضح معهد "التفكير الاستراتيجي" في مقال للكاتب غوراي ألبار أن "المؤتمر أطلق باسم (اللقاء الدولي للعلوم العسكرية) أو (اجتماع العائلة عبر الأطلسي) في السنوات الأولى، وتم تغيير اسمه إلى (مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية) عام 1994، ليعقد باسمه الحالي (مؤتمر ميونخ للأمن) بعد عام 2008".
وأشار إلى أن "المؤتمر الذي يوُصف بأنه دافوس السياسة العالمية، عقد حضوريا في 18 فبراير/شباط 2022 بعد أن جرى تنظيمه افتراضيا عام 2021، وحضره أكثر من 35 رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى العديد من المسؤولين رفيعي المستوى مثل وزراء الخارجية ووزراء الدفاع".
وكما هو متوقع، كانت الأزمة الروسية الأوكرانية هي القضية الرئيسة المطروحة على جدول أعمال المؤتمر.
وقال ألبار: "رغم أن تطبيق المقترحات التي يتم تقديمها في المؤتمر ليس إلزاميا، إلا أن المؤتمر يعد أحد أكثر المنصات ثقلا في السياسة الخارجية وقضايا الأمن".
واستدرك قائلا: "والحق أن المؤتمر كان يبتعد شيئا فشيئا عن واقع الحياة والأحداث، فمثلا كان موضوع المؤتمر الذي أقيم عام 1963 حول التدابير التي يمكن اتخاذها ضد التهديد السوفييتي، وكان العنوان متوافقا جدا مع وقائع ذلك الوقت وحقائقه، إذ تم اتخاذ قرارات مهمة ضد الاتحاد السوفيتي آنذاك".
ولفت الكاتب التركي إلى أنه في "عام 1990 شاركت الجمهوريات السوفيتية السابقة بالمؤتمر، لتنضم الصين والهند واليابان إلى الركب عام 1995، غير أن التناقضات داخل المؤتمر بدأت تتضح أكثر فأكثر بعد 2007 وأصبح المؤتمر يفقد تأثيره وثقله على المسرح العالمي، وبالطبع، لم يحدث ذلك بين ليلة وضحاها".
نقاط التحول
وبحسب ألبار، كان عام 2007 نقطة التحول الأولى في مؤتمرات ميونخ الأمنية، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه "لم يعد من الممكن قبول عالم أحادي القطب، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تكون القوة الوحيدة في العالم".
وكانت هذ أولى بوادر التغيير الذي ستكون له تداعيات متعددة، أما نقطة التحول الثانية فقد كانت عام 2015، عندما عقد المؤتمر عقب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم.
ولأول مرة، نُشر تقرير عالمي بعنوان "نظام منهار وحراس مقاومين"، جاء فيه أن روسيا عادت وسيطرت على القرم بعد الحرب الباردة (1947-1989) على عكس التوقعات، وأن هناك إشارات على انهيار النظام العالمي، وأن الولايات المتحدة منشغلة ببناء نفسها، وفق ألبار.
وأعقب قائلا: "في نفس العام، بدأت تظهر التناقضات داخل المؤتمر، فرغم النتيجة التي تم التوصل إليها في المؤتمر، كانت استطلاعات الرأي في أوروبا حول أكبر المخاطر الجيوسياسية التي تهدد أوروبا تضع تركيا بين الخيارات وتحذف روسيا كليا كخيار تهديد".
وتابع ألبار: "لقد أعطى هذا انطباعا بأنه حكم مسبق وتحيز أكثر منه بصيرة، إذ إن الغرب الذي يظن أنه مختلف ومتميز عن العالم، يستمر في تبني موقف صارم ومنغلق وبعيد، سواء في العلم أو السياسة، ويمكن القول إن هذا هو ما أدى إلى انهيار الغرب من الداخل".
واستطرد: "أما نقطة التحول الثالثة فقد كانت عام 2019. إذ بدا واضحا انزعاج حلف شمال الأطلسي (الناتو) من السياسات الأميركية خاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب لاختزاله "مسألة الأمن الجماعي في الأرقام".
لذلك، كان مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد في 2019، يرسم صورة "تفكك" واضح، وكان البحث جاريا عمن يجمع القطع.
وكانت نقطة التحول الرابعة عام 2020، حيث طُرح في المؤتمر مسألة انتهاء تفوق الولايات المتحدة وأوروبا في الاقتصاد العالمي وتخليهما عن دورهما كحارستين عالميتين نتيجة صعود اقتصاد الصين والدول الآسيوية، وكان عنوان تقرير المؤتمر "انعدام التوجه الغربي"، بمثابة إعلان رسمي عن "انهيار الغرب".
والواقع أن بروز الرئيس الأميركي جو بايدن في ثياب "المنقذ" في مؤتمر عام 2021، كان مبنيا على هذا الأساس، إذ كان بايدن يدرك حجم التأثير السلبي الذي خلفه ترامب على حلفائه الأوروبيين، وقد بدا متماسكا وقويا حين قال: "دعوني أبدد الشكوك، لقد عادت أميركا" رغم أنه ليس لها أي تأثير في أرض الواقع، بحسب ما اعتبره الكاتب.
كذلك قال بايدن: "لقد أرادت روسيا إرسال رسالة إلى العالم مفادها أن النظام الأميركي أصبح فاسدا، إن بوتين يرغب في إضعاف شوكة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من خلال قمع الدول واحدا واحدا، لذلك، تشكل روسيا تهديدا على حلف الناتو أكثر من الصين".
ونوه ألبار قائلا: "لقد كان من اللافت ما جاء في التقرير الذي نُشر بعد هذا المؤتمر، من أن الدول الغربية أصبحت في موقف المتفرج على الصراعات العالمية وتتناقض مع قيمها الخاصة، ليستمر الغرب في فقدان الثقة بقيمه الأنانية التي أكد عليها باستمرار دون أن يتمكن من تطبيقها يوما".
وعن النقطة الأخيرة، قال الكاتب التركي: "عام 2022 كان نقطة التحول الأكبر في مؤتمرات ميونخ للأمن، إذ كل ما أكدت عليه نائبة بايدن، كمالا هاريس، التي شاركت في المؤتمر أن (أسس الأمن الأوروبي في خطر) والذي يعرفه الجميع بالفعل، ولم تكن إشارتها إلى المادة الخامسة من بنود حلف الناتو أكثر من إعادة وتكرار لعبارات مألوفة".
واعتبر أن "تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنهم شاركوا في المؤتمر بوفد مكون من 40 شخصا وأنهم حذروا روسيا من مهاجمة أوكرانيا، لم يحمل أي معاني إلا أن يظهر أن الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بالكم والعدد أكثر من اهتمامها بالجودة".
عجز جماعي
وقال ألبار: "نتحدث هنا عن شعور بالعجز، وبالفعل يدرس تقرير ميونيخ للأمن لعام 2022 كيفية التغلب على الشعور بالعجز الجماعي، لأنها مسألة تشبه العجز المكتسب، غير أن مجرد التفكير في أن الانتشار السريع للعجز المكتسب والذي يأتي مع الأزمات الاقتصادية، سيكون أكبر عقبة أمام حل الأزمات الكبرى لهو العجز واليأس والكآبة ذاتها".
وأضاف "أما خطاب المستشار الألماني أولاف شولتز في المؤتمر، فقد بدا وكأنه اعتراف بنتيجة المؤتمر السابق أن (أفعال الدول الغربية تتعارض مع قيمها)".
وقال شولتز إن "الدول التي تحترم كرامة الإنسان أقوى، وفيها حرية أكثر من التي تهين كرامة الإنسان، والرغبة في عيش حياة عادلة وكريمة ليست مقصورة على الغربيين، إنها رغبة إنسانية وعالمية".
وتابع: "باختصار، اتضح أنه لم يعد من الممكن التوصل إلى نتيجة ملموسة في مؤتمر هذا العام".
فيما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال خطابه في المؤتمر "يجب أن تكون دول الناتو صادقة بشأن قبول أوكرانيا من عدم قبولها"، في ظل اكتفاء الدول التي أعطت الأمل لكييف حول انضمامها للناتو بفرض العقوبات "التي لم تجد نفعا حتى اليوم" مع روسيا.
واتهم وزير الخارجية الصين وانغ يي إدارة واشنطن بـ"التحريض على الاستقطاب" في المؤتمر الذي حضره عن بعد، في إشارة إلى تصريح بايدن في وقت مبكر من ديسمبر/كانون الأول 2021، أنه "لن يستخدم القوة العسكرية ضد هجوم روسيا على أوكرانيا"، بحسب الكاتب.
ولفت إلى أن "دول الاتحاد الأوروبي لم يكن لها أي نية لقطع علاقاتها الاقتصادية مع روسيا، كذلك لا الولايات المتحدة الأميركية ولا المملكة المتحدة ولا حتى دول الاتحاد الأوروبي مستعدة للتضحية بجنودها من أجل أوكرانيا".
وختم ألبار مقاله بالقول إن "خطط الغرب مبنية على إضعاف روسيا على المدى الطويل بفرض عقوبات لا تنطوي على مخاطر، لكن الأهم، من غير المعروف ما سيكون تأثير ذلك على وحدة أراضي أوكرانيا أو إن كان يضمن أمن أوروبا في المستقبل، والأهم من كل ذلك، مدى الثقل الذي سيملكه مؤتمر ميونيخ بعد اليوم وإن استمر انعقاده في السنوات القادمة".
وفجر 24 فبراير/شباط 2022، أطلقت روسيا، عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل منددة من عدة دول ومطالبات بتشديد العقوبات على موسكو.