عالم ميتافيرس الافتراضي يتحقق بعد 30 عاما.. هل يترك البشر لأجله حياتهم الحقيقية؟

محمد أيمن | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

كشف الرئيس التنفيذي لشركة ميتا المالكة لموقع فيسبوك مارك زوكربيرج في 24 فبراير/شباط 2022 أن شركته تعمل على برنامج أبحاث للذكاء الاصطناعي يستهدف خلق عوالم افتراضية عبر أوامر صوتية.

وأضاف زوكربيرغ أن هذه البرامج ستسمح للبشر بإجراء محادثات أكثر واقعية بالاستعانة بوسائل المساعدة الصوتية والترجمة بين اللغات، في خطوة صوب بناء عالم الميتافيرس الافتراضي.

وقال في فعالية لشركة ميتا تركز على الذكاء الاصطناعي جرى بثها مباشرة على الإنترنت مساء 24 فبراير 2022 إن مشروع الشركة والذي يدعى كايروكي هو "نموذج شبكي شامل لبناء وسائل مساعدة صوتية على الأجهزة".

وضخت شركة وسائل التواصل الاجتماعي، التي فقدت مؤخرا ثلث قيمتها السوقية بعد صدور تقرير سيئ للأرباح، استثمارات ضخمة في حملتها الجديدة لبناء الميتافيرس وغيرت اسمها لتعكس هذا الطموح.

كما أعلنت ميتا مؤخرا أن فريقها البحثي بنى حاسوبا عملاقا جديدا للذكاء الاصطناعي يعتقد أنه سيكون الأسرع في العالم عند اكتماله منتصف عام 2022.

عوالم افتراضية

وقال زوكربيرج إن ميتا كانت تعمل على نوع جديد من نماذج الذكاء الاصطناعي سيسمح للأشخاص بخلق عوالم افتراضية عبر وصفها فقط لوسائل المساعدة الصوتية. 

واستعرض مؤسس فيسبوك الأداة الجديدة عبر الظهور على هيئة شخصية افتراضية (أفاتار) بلا أرجل على جزيرة نائية آمرا الذكاء الاصطناعي من خلال الحديث لتشكيل شاطئ ثم إضافة السحب والأشجار وحتى البساط المستخدم للنزهة.

وأردف زوكربيرج "مع تقدمنا ​​في هذه التكنولوجيا بشكل أكبر، ستتمكن من إنشاء عوالم أكثر تفصيلا لاستكشاف وتبادل الخبرات مع الآخرين باستخدام صوتك فقط".

ومع إعلانه عن العالم الجديد؛ تقترب البشرية أكثر من أي وقت مضى للانتقال إلى مرحلة الحياة الافتراضية الكاملة؛ التي أطلق عليها المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك "الميتافيرس" أو "العالم الماورائي".

ويعد أول من استخدم مصطلح "الميتافيرس"، الكاتب الأميركي "نيل ستيفنسون" في رواية الخيال العلمي "Snow Crash" عام 1992.

وتتكون الكلمة من مقطعين؛ الأول Meta وهو الاسم الجديد الذي تغيرت إليه فيس بوك، ويعني "ما وراء"، والمقطع الثاني Verse الذي يأتي اختصارا لكلمة Universe بمعنى العالم، والكلمتان معا تأتيان بمعنى "العالم الما ورائي". 

وقصد به "نيل ستيفنسون" في روايته تلك، العالم الافتراضي المملوك من قبل الشركات، حيث يجري التعامل مع المستخدمين النهائيين كمواطنين يعيشون فى "ديكتاتورية الشركات".

ويصف ساي كريشنا المؤسس المشارك لشركة سكابك الهندية للواقع المعزز، في تصريحات لموقع "إنديان إكسبرس" الميتافيرس بأنه "تطور ثوري للإنترنت.

إذ ستكون لدينا مساحات ثلاثية الأبعاد، وبيئات افتراضية غامرة واتصالات متطورة، بحسب كريشنا؛ فضلا عن نقلة نوعية في التجارة والترفيه.

ويتابع كريشنا أن الميتافيرس في نظره ولدى كثيرين غيره؛ هو الخطوة المنطقية التالية لما بعد مرحلة الهواتف الذكية، وشبكة الإنترنت التقليدية التي نعرفها الآن.

ويرى خبير التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي عمر الشال أن مشروع مارك زوكربيرغ لإيجاد الميتافيرس سيوفر للأفراد فرصة إنشاء حياة افتراضية مثالية لهم عبر مساحات مختلفة من الإنترنت.

ويتابع الشال لـ"الاستقلال": "تسمح لهم هذه الحياة بالتلاقي والعمل والتعليم والترفيه بداخله، مع توفير تجربة تسمح لهم ليس فقط بالمشاهدة عن بعد عبر الأجهزة الذكية كما يحدث حاليا، ولكن بالدخول إلى هذا العالم في شكل ثلاثي الأبعاد".

ويضيف أن هذه العملية ستجري من خلال نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز وارتداء السترات والقفازات المزودة بأجهزة استشعار. 

ومن خلالهما يستطيع المستخدم أن يحيا تجربة شبه حقيقية؛ حيث تعمل هذه التقنيات الذكية كوسيط بين المستخدمين فى عالم "الميتافيرس" لإيصال الشعور بالإحساس المادي.

وبحسب الشال سيرى المستخدم الأشياء من حوله بصورة ثلاثية الأبعاد عبر النظارة، كما يمكن أن يشعر فيها بالمؤثرات الجسدية الحسية، كإحساس السقوط فى المياه أو اللكمة فى الوجه أو غيرها، من خلال المستشعرات الموجودة فى السترات والقفازات التي يرتديها.

استخدامات لا متناهية

ويعتبر "الميتافيرس" عالما اختياريا، سيبنى وفق رغبات مستخدميه، فيستطيع الأفراد إنشاء عالمهم الخاص بهم، وقد قسمها زوكربيرغ حتى الآن إلى 3 عوالم أو آفاق "Horizons" كما أطلق عليها، وهي آفاق المنزل والعمل والعالم.

فيستطيع المستخدم داخل "آفاق المنزل" إنشاء نسخة افتراضية تطابق منزله الأصلي، والتجول فيها بمجرد ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، ودعوة زملائه عبر "الميتافيرس" إلى قضاء وقت معا داخل المنزل.

أو حتى مشاهدة مباراة كرم قدم، ومذاكرة الدروس والمراجعة ؛بحسب دراسة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة نشرت في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

وتضيف الدراسة أنه بإمكان الزملاء في العمل إنشاء فضائهم الخاص بهم داخل "الميتافيرس".

 فيمكنهم الذهاب إلى العمل فقط من خلال ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، وإنجاز المهام المطلوبة والمشاركة في الاجتماعات بل وأخذ راحة منتصف اليوم مع أصدقاء العمل، كل ذلك من دون مغادرة المنزل.

وتتابع الدراسة أن المستخدمين يستطيعون إنشاء عوالم أخرى خاصة بهم، كحضور الحفلات الموسيقية، أو مشاهدة أحد الأفلام السينمائية، أو ممارسة الرياضة المفضلة، فتوفر لهم تجربة فريدة يشاركون فيها بعضهم لحظات جماعية دون اعتراف بحدود مكانية أو جغرافية.

كما يمكن التسوق أيضا داخل "الميتافيرس"، واختيار السلع الغذائية من داخل السوبر ماركت ودفع ثمنها عبر بطاقة الائتمان فى تجربة ثلاثية الأبعاد، وكأن المستخدم داخل أحد المتاجر بالفعل، وقياس الملابس والتأكد من ملاءمتها للمستخدم، عبر تصميم "أفاتار" بنفس مقاييس المستخدم ومحاكاة تجربة ارتداء الملابس عليه.

وتتعدى تجربة عالم "الميتافيرس" في التعليم بحسب دراسة مركز المستقبل لتكون أكثر ثراء، فتوفر مثلا للطلاب المعنيين بدراسة الفضاء أو المحيطات أو الجيولوجيا أو التاريخ، فرصة لمحاكاة هذه العوالم فى صورة ثلاثية الأبعاد.

وبالتالي يمكنهم الذهاب إلى القمر أو أحد الكواكب الشمسية أو حتى الشمس نفسها.

وكذلك يمكنهم الذهاب إلى أعماق المحيطات أو باطن الأرض، أو حتى العودة إلى أحد الأزمنة التاريخية ومحاكاة طرق العيش فيها. 

ومع دخول نظم الذكاء الصناعي في برمجة شخصيات هذه العوامل، يمكن للمستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية بالفعل.

منافسة عالمية

ولذلك دخلت شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم في سباق محموم من أجل إنشاء عوالم افتراضية (ميتافيرس) خاصة بها للاستئثار بشريحة كبيرة من هذه الكعكة.

فأعاد إعلان فيسبوك عن "الميتافيرس" تسليط الضوء على مشروع الملياردير الأميركي إيلون ماسك الذي أفصح عنه منتصف 2021، ويهدف إلى زرع شريحة في الدماغ البشري تمكنه من إنجاز عمليات تنفذها الكمبيوترات عادة.

وتستطيع الشريحة التحكم في مشاعر الإنسان وتعطيه قدرات وصفت بـ "الخارقة" في حاسة الرؤية والسمع وتساعد على تخزين الأحلام.

كما تسعى مايكروسوفت لجعل منصتها "ميش" رابطا أساسيا يربط العديد من البيئات الافتراضية معا، وقد أعلنت ذلك بمؤتمر "إيجنتي" في نوفمبر 2021.

وقالت الشركة العملاقة إنها تخطط لإحضار "ميش" إلى منصة تعاون مشتركة تسمى "تيمز" تضم 250 مليون مستخدما في جميع أنحاء العالم.

وتصف الشركة "ميش فور تيمز" بأنها ميزة ستجمع بين إمكانات الواقع المختلط لـ"مايكروسوفت ميش".

وتتيح منصة مايكروسوفت للأشخاص في أماكن واقعية مختلفة الانضمام إلى بيئات افتراضية تستخدم الهيلوغرام (التصوير المجسم) مع الأدوات الإنتاجية الخاصة بـ"تيمز".

إذ يمكن للأشخاص الموجودين في أماكن مختلفة الانضمام إلى الاجتماعات الافتراضية وإرسال الدردشات والعمل وتبادل الملفات وغيرها الكثير.

ويتوقع أن يصل حجم الإيرادات العالمية من العالم الافتراضي الغامر "الميتافيرس"  نحو 800 مليار دولار في عام 2024 بحسب موقع بلومبيرغ الأميركي.

كما من المنتظر أن تبلغ حصة صانعي الألعاب نحو 400 مليار دولار منها ؛ في حين يتوزع الباقي على الترفيه الحي والمباشر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، بحسب إحصاءات بلومبيرغ.

كما ظهرت تطبيقات لبيع الأراضي افتراضيا بمساحات وأسعار مختلفة تتغير صعودا أو هبوطا وفقا لمعايير كثيرة قد تتشابه بشروط تسعيرها في العالم الواقعي.

واشتهرت عدة مواقع على مستوى العالم بتقديم خدمة شراء الأراضي، منها موقع "ساند بوكس".

 وتتطلب عمليات الشراء والبيع استخدام العملات المشفرة، ما يعني حاجة الراغبين في الشراء إلى تأمين محفظة إلكترونية.

ويعتبر مستخدمو الإنترنت الأتراك، من أكثر المهتمين بالتطبيقات التي تعرض فيها أراض للبيع على خريطة العالم الافتراضي، بحسب تصريحات المحامي المختص بقانون الاتصالات  مراد كتشجيلر لوكالة الأناضول التركية.

تداعيات الميتافيرس

لكن الاندفاع المتزايد نحو الميتافيرس؛ دفع علماء الاجتماع وعلم النفس والتكنولوجيا للتفكير في التأثيرات التي ستنتجها هذه العوالم على الحالة الذهنية والعقلية للبشر في المستقبل القريب.

واستطلعت مجلة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 9 يناير/ كانون الثاني 2022 آراء عدد من العلماء والخبراء المتخصصين في التكنولوجيا وعلمي النفس والاجتماع، لاستقصاء الآثار المتوقعة للميتافيرس على صحتنا العقلية في المستقبل.

ويقول جيريمي بيلنسون المدير المؤسس لمختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة ستانفورد، إن "ما لم يدرسه أحد حتى الآن هو أنواع التأثير طويلة المدى على الأشخاص الذين يقضون وقتا طويلا في عالم مثالي تماما".

ويتابع "أنه على الأقل في المنصات التقليدية، يجب أن تتطابق مع من أنت في العالم".

فصورتك في العالم الواقعي هي الصورة نفسها في وسائل التواصل الاجتماعي، في الميتافيرس سيختلف الأمر، حيث سيمكن للمستخدم اختيار الأفاتار الخاص به، وفق المجلة.

ومن المتوقع أن يختار البشر بشكل تلقائي الأفاتار الأكثر جمالا ومثالية، وسيكون التحدي عندما يقضي الناس الكثير من الوقت في الميتافيرس، ويعيشون في عالم يكون فيه الجميع مثاليين.

فكيف سيؤثر هذا على الأشخاص وعلى احترام كل منهم لذاته؟ لا أحد يعرف الجواب على هذا السؤال حتى الآن، بحسب بيلنسون.

ورغم تلك الأسئلة؛ يرى خبير التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي عمر الشال أنه يبقى القول إن شركة فيسبوك حاولت سابقا طرح مفاهيم وتقنيات جديدة، مثل عملة "ليبرا"، ومشروعات الذكاء الاصطناعي التي لم تر النور، والتي فشل بعضها وجرى إغلاقه بالفعل.

ويضيف الشال لــ"الاستقلال" أن "الميتافيرس" هو أحد المشروعات الواعدة أيضا؛ لكنه ما زال قيد الاختبار كغيره من المشروعات التي لم تتحقق. 

وحتى وإن اكتمل مشروع "الميتافيرس" خلال 5 سنوات من الآن بحسب الشال وكما تسعى فيسبوك، فإن هذا التطور ربما تقابله مقاومة من التيار الإنساني التقليدي الذي يرفض هذه السرعة المبالغ فيها بالتطور، ويثمن الحياة التقليدية في كثير من جوانبها.