"تحرير وعودة".. لهذا دعت فصائل فلسطينية إلى تشكيل مجلس وطني انتقالي
تسببت التعيينات الجديدة الصادرة عن المجلس المركزي الفلسطيني في مطالبة عدد من الفصائل الفلسطينية بتشكيل "مجلس وطني انتقالي جديد"، يضم الجميع ويمهد لإجراء انتخابات شاملة.
وبعد غياب لأربع سنوات، عقد المجلس المركزي اجتماعا في الفترة بين 7-8 فبراير/ شباط 2022، لاختيار أسماء تملأ مقاعد شاغرة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رغم مقاطعة عديد من الفصائل والرموز الفلسطينية وتنديدها بسياسة السلطة القائمة في رسم المشهد الفلسطيني دون مشاورة الأطراف كافة والتوافق معها.
وانتهى الاجتماع باستكمال المقاعد الشاغرة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وانتخاب رئيس ونائبين وأمين سر للمجلس الوطني الفلسطيني (بمثابة البرلمان)، وهو ما اعتبره محللون ليس من صلاحيات المجلس المركزي.
ومنظمة التحرير كيان سياسي معترف به دوليا كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، وتضم الفصائل كافة، باستثناءات قليلة أبرزها، حركتا حماس الجهاد الإسلامي، وتوجه للمنظمة انتقادات بشأن ماهية دورها، لا سيما بعد فشلها في إجراء انتخابات منتظمة.
أما المجلس المركزي، فهو برلمان مصغر منبثق عن المجلس الوطني، ومسؤول أمامه ويتشكل من رئيسه وعدد من أعضائه، إلى جانب أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وممثلين من الفصائل والاتحادات الشعبية والكفاءات المستقلة.
ويعمل المجلس (124 مقعدا) على تنفيذ قرارات المجلس الوطني وإصدار التوجيهات المتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية.
تعيينات مفصلة
ووفقا للبيان الختامي الصادر عن الاجتماع، تم اختيار عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ في عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا للراحل صائب عريقات.
كما جرى اختيار رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني (سيادي) محمد مصطفى بديلا لحنان عشراوي التي قدمت استقالتها في ديسمبر / كانون الأول 2021 للضغط من أجل تغيير القيادة الفلسطينية.
إضافة إلى اختيار عضو اللجنة المركزية لفتح روحي فتوح رئيسا للمجلس الوطني.
وردا على ذلك، دعت حركتا المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان مشترك إلى تشكيل ما وصفته بمجلس وطني انتقالي جديد، يمهد لإجراء انتخابات فلسطينية شاملة.
وفي إطار اختيارات المجلس المركزي، رئاسة المجلس الوطني، تساءلت المحللة السياسية الفلسطينية نور عودة: "كيف للفرع أن ينتخب رئيسا للأساس؟"
وفي تصريحات لوكالة الأناضول التركية في 9 فبراير 2022 اعتبرت عودة أن "هذه القرارات رُسمت وفُصّلت وفق رؤية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والدائرة الصغيرة المقربة منه وتهدف إلى رسم سياسة السلطة الفلسطينية القادمة".
كما اعتبرت أن إجراء الاجتماع بطريقة غير شفافة وغير قانونية يشير إلى أن سلطة عباس باتت مطلقة، بينما المطلوب هو انعقاد المجلس الوطني وانتخاب رئيس له ولجنة تنفيذية للمنظمة ترسم السياسات الفلسطينية بطريقة ديمقراطية وشفافة لأن ما جرى لا صلة له بهذا الشيء، بحسب تعبيرها.
من جانبه، اعتبر الخبير السياسي الفلسطيني محمد مشينش لـ"الاستقلال" أن انعقاد المجلس المركزي بهذا الشكل يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التفردية والتهميش لبقية القوى الوطنية الفلسطينية.
وأضاف مشينش: كما أنه محاولة لإيجاد حالة شرعية لأي جسم من أجسام السلطة ومنظمة التحرير لأنها فاقدة للشرعية الانتخابية والقبول أو الإجماع الوطني.
وأكد أن التعيينات التي قام بها المجلس المركزي غير شرعية "لأنه عين رئيسا للمجلس الوطني وأضاف للجنة التنفيذية أعضاء بالتعيين، وهذا الأمر يخل بشرعية وجودهم، وبالتالي الفصائل دعت إلى عدم التعامل مع هذه العناوين لأنها غير شرعية".
وشدد مشينيش على أن أي تشكيل أو إطار فلسطيني يجب أن يذهب إلى حالة شرعية انتخابية حتى ينال حق التمثيل للشعب الفلسطيني، وإلا بعكسه سيكون هناك عوار في الحالة التمثيلية والشرعية.
ومضى بالقول: "لذلك جاء البيان المشترك للفصائل الثلاث الكبرى التي رفضت هذا الانعقاد وطالبت بتمثيل حقيقي لأبناء الشعب الفلسطيني وعدم الاقتصار على فئة محددة".
مجلس انتقالي
وتؤكد تعيينات المجلس المركزي تفرد السلطة الفلسطينية وحركة فتح بالقرارات والعمل بسياسة الإقصاء واستبعاد القوى الوطنية الكبرى في ظل إلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني التي كانت مقررة على 3 مراحل خلال عام 2021.
لذلك لم يتأخر رفض الثلاث فصائل الرئيسة بفلسطين لمخرجات الاجتماع ودعت إلى البدء الفوري بحوار وطني جاد على مستوى الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية كافة للاتفاق على تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد يضم الجميع ويمهد لإجراء انتخابات شاملة.
وقالت الفصائل الفلسطينية الثلاثة في بيانها المشترك الصادر بتاريخ 10 فبراير إن هذا التوجه يمهد لإجراء انتخابات شاملة، ما يساهم سريعا في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها.
ورفضت الفصائل الاعتراف بكل التعيينات التي أعلن عنها المجلس المركزي في اجتماعه ودعت الجميع إلى عدم التعامل مع هذه التعيينات لأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني وتشكل تجاوزا لقرارات الإجماع الوطني وقمعا للإرادة الشعبية.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران أكد أن كل مؤسسات منظمة التحرير معطلة منذ سنوات وغائبة عن الفعل والتأثير وأولها المجلس الوطني والمجلس المركزي.
وأضاف لـ"الاستقلال" أن عدد أعضاء هذه المجالس غير محدد ولا معروف لأي شخص وهي لا تنعقد إلا في حالات قليلة لأهداف حزبية وبحثا عن شرعية فقدتها قيادة المنظمة منذ زمن بعيد، حسب وصفه.
وتابع: "لذلك بعد جلسة المجلس المركزي الأخيرة والتي تفتقد تماما لأي شرعية سياسية أو قانونية، ظهر للجميع حجم الرفض الشعبي والفصائلي لهذه الجلسة ومخرجاتها السياسية والقيادية".
وأكد بدران أن الدعوة لعقد مجلس وطني فلسطيني جديد وتوحيدي هو مطلب عام لغالبية مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
وأوضح أن الفصائل الثلاث الموقعة على البيان تنسجم مع هذا الموقف وسوف تسعى بالتعاون مع الجميع للوصول إلى شيء عملي على طريق إصلاح المنظمة.
استحقاق وطني
من جانبه اعتبر المحلل الفلسطيني مشينش أن الدعوة إلى تشكيل مجلس وطني انتقالي استحقاق لكل القوى الفلسطينية، والفصائل تطالب به، وكان أحد مخرجات الاجتماع الأخير للأمناء العامين للفصائل الذي كان يطالب بإعادة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني حتى يكون جسما شرعيا.
وشدد مشينش لـ"الاستقلال" على أن هذه الدعوة خطوة جديدة تضيفها الفصائل من خلال التعجيل بتشكيل مجلس وطني انتقالي يهيئ لقيادة فلسطينية تقود مشروع "تحرير وعودة" ثم الذهاب إلى انتخابات تفصيلية في الأجسام التي تعنى بمنظمة التحرير وحتى السلطة الفلسطينية.
وعن عدم بحث الفصائل عن بديل لمنظمة التحرير في ظل سيطرة حركة فتح عليها، أكد أنه لم تحاول الفصائل إيجاد بديل للمنظمة وأن الفصائل مجمعة على أن منظمة التحرير هي الإطار الوطني الجامع للكل الفلسطيني.
وأضاف مشينش: "المنظمة نالت شرعية عربية وإقليمية ودولية، لذلك ليس من الصواب نحن كفلسطينيين أن نتخلى عنها، بل الأصل أن نعيد تفعيلها وتشكيلها بطرق ديمقراطية شفافة تمثل كل الفلسطينيين بلا استثناء سواء في الداخل أو الخارج".
ومن هذا المنطلق اعتبر أن المجلس الوطني الانتقالي لا يحتاج إلى شرعية دولية جديدة لأنه معترف به ضمن إطار منظمة التحرير، وهو حالة تمثيل حقيقي للفلسطينيين لأن المجلس الوطني هو أعلى سلطة في فلسطين.
واستدرك مشينش قائلا إن هذا المجلس لم يجتمع منذ مدة طويلة بالإضافة إلى وفاة ما يقرب من ثلث أعضائه، لذلك فهناك حاجة إلى إعادة تشكيل منظمة التحرير بطرق ديمقراطية وشفافة حتى تنتخب قيادة وطنية فلسطينية.
وتتهم العديد من الفصائل الفلسطينية حركة "فتح" بـ"التفرد" في قيادة الشعب الفلسطيني وعدم اتخاذ خطوات حقيقية لإنهاء الانقسام الداخلي، وهو ما تنفيه الحركة.
وإلى جوار رئاسته للسلطة الفلسطينية يشغل محمود عباس مناصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس حركة فتح منذ عام 2004، خلفا للزعيم الراحل ياسر عرفات، الذي كان يشغل المناصب الثلاثة.
واعتبر مشينش أن ما تفعله السلطة الفلسطينية يقع ضمن تلبيس منظمة التحرير كلها ضمن إطار السلطة الفلسطينية، وهو أمر فيه مشكلة كبيرة لأن الأصل أن السلطة تدار من قبل منظمة التحرير وليس العكس.
وقال إن منظمة التحرير هي الإطار الأوسع للفلسطينيين، والسلطة تحاول أن تحتوي منظمة التحرير تحت جناحها وأن توجهها بالطريقة التي تريدها.
وشدد على أن وظيفة منظمة التحرير هو تحرير فلسطين، وليس التنسيق الأمني مع العدو كما تفعل السلطة.
المصادر
- فصائل فلسطينية تدعو إلى تشكيل "مجلس وطني انتقالي جديد"
- البيان الختامي للمجلس المركزي الفلسطيني في دورته العادية الحادية والثلاثين
- قرارات "المركزي" الفلسطيني.. لتعزيز نفوذ عباس أم لضخ دماء جديدة؟ (تحليل)
- "المركزي" الفلسطيني ينتخب روحي فتّوح رئيسا للمجلس الوطني
- فلسطين: “المركزي” يجتمع اليوم و 4 فصائل تقاطع