شركات "شيك على بياض".. وسيلة جديدة لنظام السيسي تضاعف الفساد في مصر

محمد أيمن | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم الانهيار الدراماتيكي والشبهات المثارة حولها في الدول الغربية، إلا أن نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعلن رسميا عن إنشاء أول شركة "شيك على بياض" والمعروفة أيضا بـ"شركات ذات غرض الاستحواذ" أو "سباك" (Spac) مطلع فبراير/شباط 2022.

وصدر قرار هيئة الرقابة المالية المصرية بتأسيس "شركات ذات غرض الاستحواذ" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والذي ينظم قواعد وضوابط تأسيسها.

والغرض الوحيد لهذا النوع، هو الاستحواذ على شركة أو أكثر، وتوفر هذه الشركة التمويل اللازم لذلك، ويجرى ذلك من خلال طرح زيادة رأس مالها في اكتتاب عام أو طرح خاص.

ويجب ألا يقل رأس المال عند التأسيس عن 10 ملايين جنيه مصري (نحو 635 ألف دولار)، وعن 100 مليون جنيه (نحو 6 ملايين و300 ألف دولار) بعد زيادة رأس مالها.

والفرق بين الطريقة التقليدية للاكتتاب في البورصة وشركات "سباك" أن أحدهما يعطي أموالا لشركة مقابل مصلحة في نجاحها، والآخر يمنح شخصا "أموالا عمياء" بناء على وعد سيحصل- في المستقبل- على صفقة جيدة في الشركة.

وتيرة التأسيس

وبحسب الباحث الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي؛ ارتفعت وتيرة تأسيس شركات "الاستحواذ لأغراض خاصة"، أو ما تُعرف بـ"الشيك على بياض" خلال الفترة الأخيرة بسبب القيود التي فرضتها جائحة كورونا.

ويضيف الصاوي لـ"الاستقلال" أن هذه النوعية من الشركات "تُؤسس عبر جمع أموال من المستثمرين لغرض خاص، وهو الاستحواذ على شركة أخرى غير محددة مسبقا، وبالتالي يضع المستثمرون أموالهم من دون تحديد الشركة المراد الاستحواذ عليها، ولذلك أطلق عليها (شركات الشيك على بياض)".

وتدرج الشركة في البورصة، ثم تبدأ رحلة البحث لشراء واحدة أخرى والاستحواذ عليها، وعادة لا تتخطى تلك المدة عامين.

وبعد تنفيذ الصفقة، تدرج الشركة المستحوذ عليها مباشرة في البورصة عبر شركة "الشيك على بياض" من دون المرور بمتطلبات الطرح والاكتتاب.

ولذلك توصف شركة "الشيك على بياض" بأنها باب خلفي للطرح في الأسواق.

وبحسب موقع "SPAC Research" المتخصص في بيانات شركات "الشيك على بياض"، ذاع صيت هذا النوع في الولايات المتحدة ثم انتشرت في مختلف أنحاء العالم. 

وخلال السنوات الماضية، بدأ رجال أعمال مصريون في اتباع هذا النهج عبر شركاتهم بالخارج، فاستثمرت شركة "مان كابيتال" المملوكة للملياردير محمد منصور وتتخذ من لندن مقرا لها في "غراب هولدينغز".

وهذه الأخيرة، وهي الشركة الناشئة الأكثر قيمة في جنوب شرق آسيا، أعلنت عن شراكة بقيمة 40 مليار دولار في أبريل/نيسان 2021.

كما تعاون مكتب "أن.أن.أس غروب" المملوك للملياردير المصري ناصف ساويرس مع شركة استثمارية تابعة لعائلتي "ألبرت فرير" البلجيكية و"بول ديسماريس" الكندية لإطلاق "أفانتي أكويزيشن"؛ بهدف الاستحواذ على شركات أوروبية خلال عام 2020.

ونجحت الشركة في جمع 600 مليون دولار عبر طرحها في الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وأوضح الباحث الاقتصادي الصاوي، أن "هناك العديد من العوامل التي أسهمت في انتشار شركات الشيك على بياض، أبرزها انخفاض أسعار الفائدة وأيضا تكلفة حملات التسويق للاكتتاب بهذه الشركات مقارنة بتكلفة الاكتتاب بالشركات التقليدية".

ويرى أن "هذه الشركات وإن كان في ظاهرها الربح القانوني، فإنها ربما تفتح الأبواب الخلفية لعمليات غسيل الأموال، إضافة لإمكانية التلاعب بأموال المستثمرين الأفراد أو توظيفها في غير محلها". 

وهو الأمر الذي ثبت فعليا في العديد من الدول الأوروبية التي وجدتْ عمليات غسيل أموال كثيرة من خلال تلك الشركات، خاصة في ظل العلاقة المنقطعة بين الرعاة وأصحاب الشركات الناشئة والمستثمرين، وفق قول الصاوي.

ويضيف لـ"الاستقلال" أن أبرز عيوب هذه الشركات أنه "كثيرا ما يجرى تصفيتها لعدم تمكنها من التوصل لشركة يجرى الاستحواذ عليها خلال الفترة المقررة".

خاصة أنه عند طرح شركات "الشيك على بياض" للاكتتاب، لا تُحدد مسبقا هوية الشركة التي يمكن الاستحواذ عليها، وتعتمد فقط على الثقة في اسم رجل الأعمال الذي طرحها وليس في أنشطتها.

مخاطر "SPAC"

لكن النقطة الأكثر جدلا حول شركات "شيك على بياض" تجنبها التدقيق التنظيمي، الذي من شأنه أن يجعل أي شخص معني بـ"الاحتيال الاستثماري" أن يشعر بالخوف من كشف بيانات شركته، بحسب تحليل لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

ورأى تحليل الصحيفة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "الشركات التي تفتقر إلى الضوابط المحاسبية المناسبة أو عمليات الامتثال يمكن أن تصبح من الناحية النظرية شركات عامة بعد إقناع عدد صغير من مستثمري القطاع الخاص بالاستثمار فيها".

ويظهر التحليل أن عامة المستثمرين الذين يفتقرون إلى نظرة ثاقبة للعملية التي تجرى خلف كواليس شركات "شيك على بياض" يمكن أن يقعوا في فخ الشركة الناشئة، وهذه الأخيرة لا يجرى فحصها بدقة عبر الطرح العام، بسبب تجنبها اللوائح الشاقة المتعلقة بالعروض العامة الأولية (IPOs)، وهي الطريقة التقليدية التي تصبح بها شركة خاصة عامة.

وفي ظل لوائح الطريقة التقليدية، تضطر الشركات إلى الكشف عن بياناتها المالية وبرامج الامتثال الخاصة بها، وإستراتيجياتها المحاسبية وجميع التفاصيل الأخرى حول دفاترها؛ بحيث يمكن للمستثمرين والسوق بشكل عام اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الاستثمار.

لكن شركات "SPAC" تتخطى هذه الخطوة وتطلب من المستثمرين بدلا من ذلك أن يثقوا ببساطة في فطنة الشخص الذي يترأسها، وقد ينجح ذلك في بعض الأحيان، بحسب "فاينانشيال تايمز".

ويرى محلل السياسة الاقتصادية في الصحيفة البريطانية، تايلر جيلا، أن "الفرق بين الطريقة التقليدية للاكتتاب في البورصة IPOs وشركات SPACs أن أحدهما يعطي أموالا لشركة مقابل مصلحة في نجاحها، والآخر يمنح شخصا أموالا عمياء بناء على وعد سيحصل- في المستقبل- على صفقة جيدة في الشركة".

ووجدت دراسة حوكمة الشركات من جامعة "هارفارد" التي صدرت في نوفمبر 2020 أن شركات "SPAC" في المتوسط، تساوي ثلثي سعرها الأولي فقط عندما تكمل (إذا فعلت) عملية شراء. 

وبعبارة أخرى، لا يتلقى المستثمرون بحسب دراسة "هارفارد" سوى 67 سنتا على الدولار المستثمر، ومع ذلك، فإن هذا الواقع لا يمنع "SPACs" الجديدة من الظهور كل يوم، والمستثمرين من احتضانها بشغف.

الدعاوي القضائية

وخلال النصف الأول من عام 2021، ارتفعت دعاوى المساهمين ضد شركات "الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة" بعد الاندماج، إلى 15 قضية.

إذ تضاعفت ثلاث مرات من أصل خمس فقط عام 2020 بالكامل، وفقا لبيانات شركة "وودروف سوير"، وتسمى هذه الملفات بقضايا انخفاض الأسهم.

ويحدث هذا عندما تؤدي الإعلانات السلبية إلى انخفاض كبير في أسعار الأسهم، وقد يجادل المدعون بأن سعر السهم قد جرى تضخيمه لأن الشركة ارتكبت أخطاء جوهرية أو وقع حذف في بياناتها العامة السابقة.

وتظهر بيانات قدمتها شركة "ريفينتيف" التابعة لبورصة لندن أن 65 بالمئة من الصفقات المنجزة للاستحواذ عبر شركات "شيك على بياض" عام 2021 ممن كان تقييمها أعلى من مليار دولار؛ جرى تداولها بأقل من 10 دولارات، أي سعر الطرح.

وخلصت دراسة أكاديمية حديثة إلى أن "الشركات التي تقدم توقعات إيرادات عالية في العروض إلى المستثمرين تجتذب عددا أكبر من مستثمري التجزئة، وأن أداء هذه الشركات نفسها يكون ضعيفا على المدى الطويل". 

وقال مؤلف الدراسة والأستاذ المشارك في كلية الإدارة بجامعة "بفالو" الأميركية، مايكل دامبرا، إن "الرعاة يحصلون على حصة الأسد الكبرى من أي نوع من سعر السوق على حساب المستثمرين".

وبسبب ذلك، استرعت المكافآت المربحة التي يتمتع بها رعاة شركات "الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة" انتباه المشرعين الأميركيين، ولا سيما السيناتور الديمقراطية، إليزابيث وارين.

وفي سبتمبر/أيلول 2021 أرسلت وارين وثلاثة أعضاء آخرين من الحزب الديمقراطي رسائل إلى مجموعة من المديرين التنفيذيين لشركات الاستحواذ الذين يقفون وراء بعض المعاملات الأكثر رواجا بين الناس. 

وتثير الرسالة مخاوف بشأن "الحوافز غير المتسقة بين مؤسسي شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة والمستثمرين الأوائل من ناحية، ومستثمري التجزئة من ناحية أخرى".

غسيل الأموال

كما أثارت نشاطات تلك الشركات، حفيظة المشرعين بشأن احتمالية استخدام تلك الشركات في عمليات غسيل الأموال لملايين الدولارات التي جرى تحصيلها بطرقٍ غير مشروعة، ويهدف إلى جعلها تبدو كأنها جزء من عائدات "شركة رسمية" دون إثارة أي شبهات بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية في مارس/آذار 2019 .

ورغم أن معظم الدول، وجميع مصارف العالم الكبرى تتخذ إجراءات لرصد الأموال المشبوهة، التي تمر عبر نظامها المالي، غير أنَ فضيحة "ترويكا لوندرومات" (Troika Laundromat)، والتحقيقات التي أرهقت البنوك الأوروبية، تُظهِر أن بعضاً من أصحاب النوايا السيئة قد وجدوا حلولا مبتكرة للتستر على أفعالهم من القانون.

و"ترويكا لونرومات" ليست شركة واحدة، لكنه مصطلح أطلق على نحو 70 شركة وهمية تأسست لغسل مبالغ ضخمة، وبسبب ذلك انتقلت مليارات الدولارات من روسيا إلى دول غربية، ودُفعت رشاوى لخلط الأموال النظيفة بالأموال القذرة، حتى لم يعد من الممكن التفريق بينهما.

ومن الواضح بحسب "الغارديان"، فإن التخفي خلف واجهة الشركات الوهمية غير المعروفة التي توجد على الورق، وليست لها أي عمليات تجارية نشطة، هي طريقة سهلة ورخيصة وفعالة في إخفاء الملكية، بل وأساسية فيما يسميه الخبراء "مرحلة التمويه" ضمن عملية غسل الأموال، إذ يجرى تحويل الأموال إلى أكثر من بنك عدة مرات كي يصعب تتبعها.

وتوجد الشركات المزيفة فيما يسمى بـ"الملاذات" أو "الملاجئ الضريبية"، مثل سويسرا وجزر كايمان، كما أن ولايتي "ديلاوير ونيفادا" الأميركيتين تسمحان بإنشاء الشركات تحت ملكيات مجهولة.

ووفقا لمجموعة من الصحفيين الدوليين الذين كشفوا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عن خطة "ترويكا لوندرومات"، فقد شملت العملية 75 شركة وهمية، مرّت من خلالها معاملات بقيمة 8.8 مليارات دولار عبر صفقات غير حقيقية.