فساد عابر للدول.. كيف ضاعف ابن سلمان خسائر السنة في لبنان؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

كثيرا ما شهدت الضيعة اللبنانية صراعات بالنيابة، واختصام الوكلاء فيما بينهم، لكن تبقى السعودية أحد أهم اللاعبين الكبار على المسرح البيروتي المشتعل دائما بالخلافات والنزاعات. 

جاء ظهور بهاء الحريري، نجل رئيس الوزراء الراحل "رفيق"، وشقيق رئيس الحكومة الأسبق المستقيل "سعد"، على الساحة السياسية، في 28 يناير/كانون الثاني 2022، ليجدد أبعاد التدخل السعودي في السياسة اللبنانية.

وبهاء مدعوم بقوة من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يحاول منذ سنوات رسم سياسته الخاصة في لبنان، بالشدة والحزم والخصومة وشبه الحصار، كأدوات للعقوبة والسيطرة. 

فكيف كانت تلك السياسة جزءا أساسيا من وصول لبنان إلى هذه الحالة المأزومة؟ وكيف تأثر تيار السنة اللبناني بالأجندة السعودية ما أدى إلى دفع زعماء هذا التيار الثمن باهظا؟

اليوم المجنون 

كل الحوادث المأساوية تبدأ من ذلك اليوم (المجنون) بحسب ما وصفته جريدة "الأخبار" اللبنانية، في تقريرها التفصيلي عن اختطاف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، واحتجازه في فندق "الريتز كارلتون"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. 

ونشرت وكالة "رويترز" البريطانية في 11 نوفمبر 2017، تقريرا تفصيليا عن وقائع الاختطاف، قائلة إنه "منذ لحظة وصول طائرة سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية كان في انتظاره مفاجأة".

وأضافت: "لم يكن هناك صف من أمراء سعوديين أو مسؤولين حكوميين كما هو المعتاد لاستقبال الرجل كرئيس لوزراء لبنان (وقتها) في زيارة رسمية للاجتماع مع الملك سلمان بن عبد العزيز حسبما قالت مصادر رفيعة المستوى قريبة من الحريري بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى".

وذكرت: "جرى مصادرة هاتفه الجوال وفي اليوم الثاني أجبر الحريري على تلاوة بيان استقالته كرئيس للوزراء في بيان بثته قناة تلفزيونية يملكها سعوديون".

وهي سابقة غريبة وغير مسبوقة أن يظهر رئيس وزراء على تلفزيون مملوك لدولة أجنبية، ومن أرض أجنبية (السعودية) ليعلن استقالته. 

دفعت هذه الأزمة لبنان بقوة إلى منحدر من الصراع، وأدخلته في نفق مظلم أكثر، فأصبح بلدا بلا حكومة ولا قيادة. 

وقد أعلنت صحيفة "العرب" الإماراتية آنذاك، أن السعودية خلصت إلى أن سعد الحريري، وهو حليف للرياض منذ فترة طويلة وابن الراحل رفيق الذي اغتيل عام 2005، كان عليه الرحيل عن المشهد السياسي لأنه لم يكن مستعدا لمواجهة جماعة حزب الله.

وعلى النقيض كانت تحاول الدفع بأخيه بهاء إلى المشهد حينئذ، وهو الوضع الذي تأجل حتى مطلع 2022، بعد سنوات من النزاعات والإخفاق المستمر. 

سياسة العقاب

حملت السنوات التي تلت اختطاف سعد الحريري، تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وبيروت، على خلفية أعمق وهي الصراع الجيوسياسي السعودي إيراني، ودفع لبنان ثمنه بإغراقه في أسوأ أزماته الاقتصادية.

وتدعم القوتان الإقليميتان منذ عقود قوى سياسية محلية متخاصمة، لكن دعم السعودية الحليفة التقليدية للبنان، للسنة وللأحزاب القريبة منها، تراجع تدريجيا على خلفية تعاظم دور حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز المدعومة من طهران. 

وحملت الرياض وولي العهد محمد بن سلمان، المسؤولين اللبنانيين، خصوصا حلفاءها، وعلى رأسهم سعد الحريري، المسؤولية بسبب عدم تصديهم لهذا الدور. 

وتمثلت أبرز سمات غضب ابن سلمان بالعقوبات الاقتصادية، ومحاولة فرض مقاطعة عربية على لبنان وحكومته.

ظهر ذلك بوضوح خلال أزمة وزير الإعلام اللبناني السابق الذي استقال بعد أزمة دبلوماسية نهاية عام 2021 بسبب تصريحات الأخير عن حرب اليمن وانتقاده للدور السعودي.

وكان لبنان لتوه في طور الطريق الصحيح بتشكيل حكومة ائتلافية في سبتمبر/أيلول 2021، يقودها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، مهمتها الرئيسة وضع حد للانهيار الاقتصادي.

لكن التدخل السعودي أفسد خطط الإصلاح، وحول لبنان إلى بلد يواجه أزمة دبلوماسية خانقة مع دول الخليج، كان لها تبعاتها الاقتصادية والسياسية. 

ففي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نشر برنامج "برلمان الشباب" التابع لقناة الجزيرة مقطع فيديو لمشاركة جورج قرداحي، ضيفا عليه أثار خلاله أزمة كبيرة. 

وبينما يجيب على أسئلة في الحلقة التي سجلت قبل أن يصبح وزيرا في سبتمبر 2021، قال قرداحي في مستهل إجاباته إن "الحوثيين يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي".

وعندما سئل عما إذا كان يرى أن ما تفعله السعودية والإمارات، يمثل اعتداء على اليمن قال "إن هناك اعتداء بالتأكيد وإن الحرب في اليمن عبثية يجب أن تتوقف".

وقتها فرضت السعودية عقوبات على لبنان، أهمها وقف الواردات اللبنانية كافة إلى المملكة، ما يترتب عليه خسائر مالية ثقيلة، وتعميق أزمة البلد الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي بأنها من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في العالم.

إضافة إلى ذلك وضعت الرياض دبلوماسية متشددة بعمل حصار عربي خليجي للبنان، عن طريق قطع العلاقات معه واستدعاء السفراء للتشاور. 

حينها كتب الباحث مايكل يونغ مدير تحرير "مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط" في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، معلقا على الضغط السعودي، وعلى مطالبات استقالة حكومة ميقاتي، "يحتاج لبنان إلى حكومة، ولا يكسب شيئا بإطلاق النار على قدمه، بينما يجد نفسه في خضم صدام إقليمي". 

وأضاف "بما أن السعوديين يعتبرون لبنان ورقة إيرانية، فإنهم يشعرون أنه من المنطقي التصرف تجاه البلد بهذه الطريقة، لكن المشكلة أنه من خلال عزله، سيضمنون فقط تشديد إيران ووكلائها المحليين سيطرتهم على بيروت".

دور عكسي 

عضو التيار الوطني الحر الناشط السياسي مجاهد شيتا قال في حديثه لـ"الاستقلال"، إن "المملكة العربية السعودية أحد المساهمين الرئيسِين في تدهور الوضع اللبناني ولا يقع ضررها على طائفة السنة فقط بل على الشعب وسائر الأحزاب والطوائف".

فهي وإن لم تعادل الخطر الإيراني وجموحه، لكنها أثرت سلبا بشكل لا يمكن تجاوزه، وليس الأمر وليد السنوات الأخيرة، بل منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وبدء تدخل القوى الخارجية في الداخل، عن طريق المال السياسي وكذلك السلاح والعصب والمليشيات". 

وأضاف شيتا: "لا شك أن السعودية، وتحديدا ولي العهد محمد بن سلمان، أراد معاقبة الشعب اللبناني بالكامل جراء الانتخابات البرلمانية اللبنانية عام 2018، وإظهار (العصا لمن عصى) حيث مثل نجاح حزب الله وقائمته صدمة لصانع القرار في الرياض، وأراد إعطاء اللبنانيين درسا".

واستطرد: "لكن هل يمكن إغفال ما فعله ولي العهد السعودي برئيس الوزراء السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، عندما احتجزه قرابة شهر في سابقة فاضحة".

ولولا أن جرى تداركها لكانت فضيحة دولية غير مسبوقة، وهو ما ترك أثرا سلبيا عند اللبنانيين الذين ارتأوا إهانة لهم ولبلادهم. 

وشدد الناشط اللبناني أن "الوعي السياسي في لبنان تشكل من جديد واختلف عن ذي قبل، وولت حقبة إسقاط الحكومات وقتل الوزراء على غرار الطريقة السورية قديما، والتي قتلت رئيس الوزراء رفيق الحريري". 

وبين: "حتى وإن حدث لي أذرع وأقيل وزراء مثل جورج قرداحي استرضاء للرياض، فهذا لا يعني أن الشارع والإرادة الجماهيرية كسرت، على العكس، إذ خلّف الأمر فعلا عكسيا سيظهر في الحراك وفي صناديق الاقتراع مستقبلا".

ثم أورد: "أصبحت الأحزاب والتيارات تدرك تماما أن الاستقواء بالقوى الخارجية لن ينفع كثيرا، وأن الأيديولوجيات تذوب مع الوقت أمام أزمات الوطن المعضلة، خاصة الأزمة الاقتصادية والأمنية".

وشدد أن "كل سياسي عليه إرادة الإنجاز يجب أن يستقوي بالشعب، هذه رسالة إلى بهاء الحريري الوافد الجديد المقرب من السعودية، وإلى القادة كافة من السيد حسن نصر الله (الأمين العام لحزب الله) إلى أصغر قائد حزب وجماعة في أضيق ضاحية من ضواحينا".