بقدرات محلية.. هكذا أصبح الفضاء وجهة جديدة للاستثمارات التركية
سلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على خطط أنقرة لتعزيز قدراتها واستثماراتها في قطاع دراسات الفضاء والأقمار الصناعية، في طريقها لتكون ضمن أبرز اللاعبين الدوليين في هذا المجال.
وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2018 أعلنت أنقرة رسميا تأسيس وكالة الفضاء التركية، لتقوية الصناعات في مجال الطيران والفضاء، وتطوير البنى التحتية العلمية والموارد البشرية العاملة في هذه التقنيات.
قدرات واحتياجات
وذكرت الوكالة في مقال لرئيس قسم العلوم الفضائية في وكالة الفضاء التركية إبراهيم كوتشوك أن البلاد تمتلك البنى التحتية والقدرات اللازمة سواء في الفضاء أو على الأرض، لكنها تحتاج للتقدم أكثر.
وتتمثل نقاط قوة تركيا في الخبرة التي تملكها في أقمار الاتصالات، وقدراتها في أقمار رصد الأرض، وامتلاكها لقمر صناعي للتصوير الكهروضوئي، فضلا عن الجامعات والمؤسسات الحكومية والمنظمات الصناعية المعنية، رغم أنها لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، وفق الوكالة.
ويؤكد مسؤولون رفيعو المستوى أن هدف تركيا في هذا المجال هو أن تصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال بحوث ودراسات وصناعة الفضاء.
واقتربت تركيا إلى هذا الهدف مع افتتاح وكالة الفضاء التركية. وحاليا تملك عديدا من المشاريع المكتملة أو التي لا تزال في مرحلة التنفيذ، في هذا المجال.
فقبل وقت قريب (ديسمبر/ كانون الأول 2021)، تم إطلاق قمر الاتصالات "تركسات 5 بي"، من قاعدة كيب كانافيرال في ولاية فلوريدا الأميركية.
ومن المتوقع أن يعمل القمر لمدة 35 عاما على الأقل ويغطي منطقة واسعة تشمل تركيا، والشرق الأوسط، والخليج، والبحرين الأحمر والمتوسط، وشمال وشرق إفريقيا، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، والدول المجاورة.
ومع تركسات 5 بي، ارتفع عدد أقمار الاتصالات النشطة التي تملكها تركيا إلى 5 أقمار، وأصبح إجمالي عدد الأقمار الصناعية التركية 8.
ونظرا لكون تركسات 5 بي، أقوى الأقمار الصناعية في أسطول تركسات، فهو مهم من حيث تغطية احتياجات الاتصالات التركية محليا. وهكذا أصبحت تركيا واحدة من 30 دولة تملك أقمارا صناعية للاتصالات في الفضاء.
وعادة تصنف بحوث وصناعة الفضاء وفقا لفئات محددة، هي إجراء رحلة مأهولة إلى القمر، وامتلاك محطة فضاء، وإجراء رحلة مأهولة إلى الفضاء، والقدرة على إطلاق القمر، والإدارات خارج الكرة الأرضية، والأقمار الصناعية.
وتمتلك تركيا أقمارا صناعية للرصد، وأقمارا للاستطلاع، وأقمارا للاتصالات من تلك التي تندرج تحت الفئة الأخيرة.
وحاليا تستمر القفزات التركية في مجال الفضاء من خلال "تركسات 5 إيه" الذي أُطلق في بداية 2021، ويبث وينقل البيانات بسعة 1728 ميغا هرتز في 3 قارات، و"تركسات 5 بي" محلي الصنع، الذي سيزيد من سعة نقل البيانات 15 مرة، فضلا عن "تركسات 6 إيه" المقرر إطلاقه في 2022.
خطوات تالية
وأشارت وكالة الأناضول إلى أن الاستثمارات في مجالات أعمال الفضاء المختلفة تتواصل حاليا بسرعة كبيرة.
وأوضحت أن "مركز روكيتسان لأبحاث إطلاق الأقمار الصناعية وأنظمة الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة" يركز في عمله على تقنيات الإطلاق. ووصل أول مسبار محلي إلى ارتفاع 130 كيلومترا متجاوزا الـ100 كيلومتر التي تعتبر حدود الفضاء.
والخطوة التالية ستكون إرسال حمولة تبلغ 100 كيلوغرام إلى مدار يقع على بعد 400 كيلومتر.
ولتقليل الاعتماد الأجنبي في هذا المجال، استكملت تركيا أعمال البنية التحتية لاختبار إشعاع الجسيمات الذي نفذته رئاسة الصناعات الدفاعية، لأجل اختبار مقاومة مكونات الأقمار الصناعية التي ستُرسل إلى الفضاء، للإشعاع على الأرض.
وفي نطاق هذا المشروع، ستُختبر متانة الخلايا الشمسية وبطاريات الليثيوم ومواد العزل في الأقمار الصناعية وفقا لمعايير وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، للحيلولة دون تأثر الأقمار الصناعية بالإشعاع الفضائي وبالتالي تعطلها. كذلك يهدف المشروع إلى تطوير مراقبات الإشعاع محلية الصنع لاستخدامها في الأقمار الصناعية.
ومع أن تركيا تبذل جهودا كبيرة وحقيقية في مجال تقنيات الأقمار الصناعية، إلا أن الدراسات والقدرات الحالية بحاجة إلى تنسيق جيد، وفق الأناضول، خاصة وأن الفضاء مجال متعدد التخصصات. الأمر الذي يبرز أهمية وكالة الفضاء التركية وبرنامج الفضاء الوطني.
فموضوع الفضاء لا يزال حديثا في مجالات عديدة مثل الاتصالات ورصد الكوارث الطبيعية ومراقبة الظروف المناخية والبحث العلمي. لذلك من الضروري أن يجرى تشجيع رواد الأعمال المهتمين بمجال الفضاء وضمان تنفيذ القطاعين الخاص والعام استثمارات في المجال.
كذلك ينبغي تعزيز البنية التحتية اللازمة للتعليم والتدريب في مجال الفضاء. وبالنظر إلى الموارد البشرية التي يتطلبها هذا المجال، يجب وضع برامج لتدريب العلماء والمهندسين والخبراء التقنيين.
كما ينبغي إثارة فضول الشباب بشكل خاص والشعب بشكل عام، حول الفضاء لزيادة الوعي بعلوم وتكنولوجيا الفضاء في المجتمع.
تطوير مستمر
ولفتت وكالة الأناضول من ناحية أخرى إلى أن أنشطة تركيا الفضائية تحظى باهتمام كبير على الساحة الدولية. وفي هذا السياق، عُقدت اجتماعات عديدة لبحث التعاون بين وكالة الفضاء التركية ووكالة الفضاء الروسية الفيدرالية.
كما وقعت وكالة الفضاء التركية مذكرة تفاهم للتعاون مع لجنة الفضاء والطيران الكازاخستانية. كما يجرى حاليا تنفيذ عديد من المشاريع المشتركة في مقر منظمة التعاون الفضائي لآسيا والمحيط الهادئ في العاصمة الصينية بكين.
علاوة على ذلك، تم توقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة الباكستانية لأبحاث الفضاء والغلاف الجوي. واستُكملت المباحثات حول توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي مع الوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء الجوي. وتستمر محادثات تركيا مع حوالي 25 دولة في هذا الإطار منذ 2021.
وبعد اتخاذ القرار بالتعاون الفضائي تماشيا مع القرارات المتخذة في القمة الثامنة لمنظمة الدول التركية التي نظمت في إسطنبول في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، عقدت الدول الأعضاء اجتماعها الأول لـ"وكالات الفضاء والجهات المسؤولة في منظمة الدول التركية" في مقر وكالة الفضاء الأذربيجانية، بحضور وفود من تركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان والمجر.
وقدم الأطراف عروضا تقديمية عن الأنشطة والمشاريع المستقبلية لدولهم في مجال الفضاء، وتحدثوا عن إمكانيات التعاون في هذا المجال تحت مظلة منظمة الدول التركية.
وتقرر في الاجتماع، تنفيذ مشاريع وبرامج لتطوير المركبات الفضائية والبنية التحتية اللازمة، وإطلاق برامج تعليمية وتوعوية حول الفضاء، من خلال تشكيل مجموعات عمل تتكون من خبراء في الدول الأعضاء والدول المراقبة داخل منظمة الدول التركية.
كما تقرر أن تكون بيانات الأقمار الصناعية المحصلة من الأقمار الصناعية التابعة للدول الأعضاء، متاحة للاستخدام المشترك، وإجراء دراسات حول تصميم وإنتاج وإمكانية إطلاق قمر صناعي مشترك.
ولا شك أن الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية، سيخلقان بنية تحتية مهمة للاستثمارات المستقبلية في مجال الفضاء.