مواقف متصلبة.. مركز إيطالي يرصد آثار معركة مأرب على علاقات طهران والرياض

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تقترب معركة مدينة مأرب في اليمن من بلوغ عامها الأول، وسط تراجع حكومي لصالح مليشيا الحوثيين في السيطرة على المدينة.

ويرى "مركز الدراسات الجيوسياسية" الإيطالي، أن الحوثيين يقتربون أكثر فأكثر من معقل الحكومة في مدينة مأرب.

وبين المركز، في مقال نشره موقعه الإلكتروني، أن الصراع اليمني، الذي غالبا ما تتجاهله الصحافة الدولية، يعتبر مفتاحا لفهم الديناميكيات الإقليمية الأوسع والتوترات بين إيران وخصومها.

و"مأرب" عاصمة لمحافظة تحمل الاسم نفسه، تقع وسط شمال اليمن، كانت في البداية مدينة صغيرة يقطنها عشرات الآلاف من السكان، إلا أنها استضافت خلال الصراع حوالي 3 ملايين شخص.

السباق إلى مأرب

وأشار المركز الإيطالي إلى أنه منذ فبراير/شباط 2021، أصبحت المدينة الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، الهدف العسكري الرئيس للحوثيين. 

وتكتسب المدينة أهمية سياسية واقتصادية نظرا لكونها غنية بحقول نفط وغاز فضلا عن سد على نهر ضانا. 

لذلك شن الحوثيون منذ عام 2020 سلسلة من العمليات العسكرية بهدف تطويق المدينة، وتقدموا بشكل كبير في محافظات صنعاء والجوف والبيضاء، يشرح موقع المركز. 

وأردف: "بالتوازي مع الأداة العسكرية، تقربت الحركة الشيعية من مختلف القبائل المحلية بهدف كسر تحالفها مع الرئيس عبد ربه منصور هادي".

على الطرف المقابل، ذكر الموقع أن القوات الموالية للحكومة اليمنية ردت على هجمات الحوثيين بتكثيف الغارات الجوية في البلاد، لينجح سلاح الجو السعودي في قتل الآلاف من عناصر مليشيا الحوثي واستهداف قواعدها بمحافظة صنعاء. 

إلا أن ذلك لم يمنع الحوثيين من وقف تقدمهم نحو عاصمة المحافظة واقتربوا منها كثيرا في الأسابيع القليلة الماضية، يلاحظ المركز الإيطالي.

حذر الموقع من أن استيلاء مليشيا الحوثي على مأرب في نهاية المطاف قد يؤدي إلى اندلاع أزمة إنسانية خطيرة أخرى في اليمن.

وأضاف أن المدينة المعزولة، معرضة للحصار في حال سقوط الطريق السريع N5، الذي يربط المحافظة بالمناطق الجنوبية والشرقية التي لا تزال تحت سيطرة القوات الحكومية. 

وتابع أن الأمن الغذائي غير المستقر للسكان قد يزداد سوءا. ومن شأن عمليات النزوح الجماعي المحتمل للسكان المدنيين، إذا سمح به الحوثيون، أن يضع المحافظات الأخرى تحت ضغط إضافي.

وأشار إلى أن ما يقلق المراقبين الدوليين يتعلق بمصير معارضي الحوثيين في السنوات الأخيرة، عسكريا أو مدنيا، خصوصا أن المليشيا نفذت عمليات لاعتقال المدونين والصحفيين والناشطين، وكذلك المعارضون، بشكل تعسفي.

في 18 سبتمبر/أيلول، أعدمت المليشيا تسعة أشخاص بينهم قاصر، بتهمة المشاركة في مقتل أحد قياديها وهو صالح الصماد، إلى جانب ارتكابها انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان.

لذلك، "يضغط المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة منذ عدة أشهر على الحوثيين وكذلك على الحكومة اليمنية لوقف معركة مأرب".

ولكن كما يحدث في الكثير من الحروب بالوكالة، لا يتخذ الفاعلون على الميدان قراراتهم بكل استقلالية، يشرح الموقع.

دور إيران

أردف الموقع بالقول إنه "غالبًا ما تتعرض إيران لانتقادات من قبل الولايات المتحدة وحلفاء الغرب في الشرق الأوسط لدعمها تمرد الحوثيين". 

وبحسب الموقع، لا يعد الدعم العسكري الإيراني العامل الوحيد للانتصارات العسكرية التي حققتها المليشيا الشيعية، وإنما أسهم في ذلك الانقسامات صلب الحكومة اليمنية وتراجع تأييد الشعب اليمني لها.

علاوة على ذلك، جزء كبير من القوة العسكرية الحوثية ذات طبيعة محلية لاسيما وأنه على مر السنين، ضمت المليشيا عدة وحدات من الجيش الحكومي واستولت على ترساناتها، كما أنها تستفيد من دعم بعض القبائل المحلية.

وفي نفس السياق، أكد مركز الدراسات الإيطالي أن إيران تظل حليفا رئيسا للحوثي، وهو ما يتجلى في إمدادات الحرس الثوري الإيراني المتواصلة بالأسلحة الخفيفة والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات بدون طيار المتطورة. 

علاوة على ذلك، بفضل الدعم العسكري الايراني طور الحوثيون ترسانة كبيرة من الصواريخ أرهقوا بها الدفاعات الجوية السعودية لسنوات. 

من جانبها، تنفي إيران رسميا تورطها مع الحوثيين، إلا أنه في أغسطس/آب 2018، تحدث الجنرال الإيراني آنذاك ناصر شعباني عن دور الحرس الثوري الإيراني في هجوم شنته المليشيا على بعض ناقلات النفط السعودية. 

لذلك تلعب إيران دورا مهما في اليمن وهو ما يظهر أن الأمل السعودي في القدرة على التوصل إلى حل للصراع يمر عبر طهران، يستنتج الموقع الإيطالي.

بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن اليمن، التقت وفود من المسؤولين السعوديين والإيرانيين عدة مرات في الأشهر الأخيرة. 

وبحسب مصادر صحفية، ناقش الطرفان "آلية لحل طويل الأمد للصراع اليمني"، وبشكل عام كيفية إحياء العلاقات بين البلدين.

وبينما نوهت المصادر الدبلوماسية الإيرانية بإيجابية الحوار مع نظرائها السعوديين، لا يشاطر المندوب الدائم السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، هذا الرأي.

ويتهم المعلمي إيران بعدم الجدية في حوارها مع السعودية، معبرا عن استيائه في تصريحات صحفية من عدم وجود مقترحات ملموسة من الجانب الإيراني.

مواقف متصلبة

ولهذا، أكد الموقع أن هجوم الحوثيين على مأرب لا يعرف أي بوادر للتوقف وكذلك تتواصل الهجمات الصاروخية على السعودية. 

وفي ربيع 2021، رفضت مليشيا الحوثي اقتراح وقف إطلاق النار الذي عرضته الرياض، مطالبين بإنهاء الحصار الذي تفرضه المملكة على البنى التحتية الجوية والبحرية اليمنية أولا للتباحث في إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار. 

يستنتج الموقع الإيطالي بأن موقف الحوثيين المتصلب لا يعد فقط نتيجة للنجاحات العسكرية للمليشيا أو الديناميكيات المحلية الحصرية.

 وإنما تكتسي العلاقات مع طهران أهمية في ذلك خصوصا وأنها تعتبر الحركة الزيدية عنصرا مهما في سياستها الخارجية.

في سياق متصل، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسين، تواصل إيران دعمها الفعال لنظام بشار الأسد في سوريا.

هذا إلى جانب مجموعة كبيرة من الجماعات المسلحة غير الحكومية المنتشرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط مثل مليشيا حزب الله في لبنان وأخرى مختلفة في العراق. 

إضافة إلى دعمها حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وفق الموقع.

في غضون ذلك، يبدو أن الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة غير قادرين على حل أزماتهم مع طهران بشكل مستقل أو بدون دعم واشنطن القوي.

وبحسب المركز، أثبت التحالف السعودي الإماراتي في اليمن فشله الكامل، وهو غير قادر على وقف تقدم الحوثيين. 

وتعرضت الرياض منذ سنوات لانتقادات شديدة من مختلف دول المجتمع الدولي والعديد من المنظمات غير الحكومية، نتيجة الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان.

كما أن الصواريخ والطائرات المسيرة التي قدمها الحرس الثوري للحوثيين شكلت شوكة حقيقية في خاصرة السعودية على الرغم من جودة الدفاعات الجوية التي تمتلكها، وفق قول الموقع.

في الختام، يرى الموقع أن معركة مأرب والسيناريو اليمني يبرز كيف أن إيران تكتسب المزيد من الثقة في عملياتها الخارجية، وليست مهتمة حقا بالتوصل إلى حل سلمي للصراع. 

بل على العكس من ذلك، من الواقعي الاعتقاد بأنها ستستمر في تمويل ودعم وكلائها في الخارج، وفي الوقت نفسه تشارك في المنتديات العامة أو الخاصة للحوارات الاقليمية ولكن دون إحداث ثورة في موقعها ضمن الصراعات المتعددة.