اخترقت القبة والحصن.. 2021 عام حطمت فيه المقاومة الفلسطينية أساطير إسرائيل
لا تزال صورة تل أبيب وألسنة اللهب تلتهم مبانيها عالقة في أذهان مستوطنيها، بعد أن تلقت أكبر ضربة صاروخية في تاريخها من قطاع غزة خلال العدوان الأخير في مايو/أيار 2021.
وقتها، ارتبط خروج المستوطنين من أماكنهم بأوامر محمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وهو ما شكل هزيمة معنوية لجمهور الاحتلال.
وظهرت الهزيمة المعنوية فيما تناقلته مواقع التواصل بإسرائيل، والتي أثبتت أن المستوطنين يصدقون ما يصدر عن القسام ويعملون به أكثر مما يصدر عن وزارة جيش الاحتلال، حسب ما قال مراسل قناة الجزيرة إلياس كرام خلال تغطية تلك الأحداث في 11 مايو.
وفي سلسلة من المواجهات قدم الفلسطينيون 353 شهيدا منذ مطلع عام 2021 في الضفة والقدس وغزة والداخل المحتل عام 1948.
هبة القدس
اندلعت شرارة المواجهة الفلسطينية مع الاحتلال في القدس 13 أبريل/نيسان (1 رمضان) حين منعت الشرطة الإسرائيلية المصلين الفلسطينيين من الجلوس على عتبات باب العامود.
وأقامت حواجز حديدية على المدرجات، حيث تصدى المقدسيون للشرطة وبدأت مواجهات كبيرة في محيط المسجد الأقصى وامتدت للبلدة القديمة وحي سلوان.
وجرت اشتباكات أخرى بين الفلسطينيين والمستوطنين بعد أن نظمت جماعات الهيكلة الصهيونية المتطرفة مسيرات لقيادة الاشتباكات ضد المقدسيين وأطلقت الدعوات لصدهم بالقوة في حراسة مشددة من شرطة الاحتلال.
في 25 أبريل، نجح المقدسيون بإسقاط القرار وإزالة الحواجز، ولكن المواجهات لم تتوقف وانتقلت الأحداث إلى حي الشيخ جراح في أعقاب قرار المحكمة الإسرائيلية إخلاء عائلات مقدسية منازلها لصالح جمعيات استيطانية.
وهو ما شهد احتجاجات وقمعا إسرائيليا شديدا لأهالي الحي والمتضامنين معهم، ما ركز أنظار العالم عليه.
ومع تواصل القمع الإسرائيلي في القدس وبالتحديد في حي الشيخ جراح أصدر "قائد هيئة الأركان" في كتائب القسام محمد الضيف، في 4 مايو تحذيرا لإسرائيل بأن "قيادة المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء مساعيها للسيطرة على حي الشيخ جراح"، متوعدا إياها "بدفع الثمن غاليا".
وبدوره، قال مدير مركز معلومات الأقصى، رضوان عمرو، إن أحداث القدس بدأت عندما حاول الاحتلال إحداث تغييرات على وضع المسجد الأقصى والأحياء المحيطة به.
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "هذه الأحداث ولدت انفجارا جماهيريا في القدس، وأحدثت حالة من المقاومة الشعبية والمواجهات امتدت حتى يوم 28 رمضان".
وهو اليوم الذي خططت إسرائيل فيه لإطلاق ما يسمى بـ"مسيرة الأعلام" واقتحام المسجد الأقصى بقرابة 30 ألف مستوطن للاحتفال بما يسمى بتوحيد القدس.
"وهذا شكل ذروة الاستفزاز وتدفق الآلاف من المقدسيين للأقصى للرباط فيه ومنع الاقتحام"، وفق قوله.
وأوضح أنه عندما حاول الاحتلال إدخال المستوطنين بدأت مواجهات غير مسبوقة في الأقصى خلفت 300 جريح وبعدها فشل الاقتحام وعصر ذات اليوم تدخلت المقاومة وبدأت معركة سيف القدس.
وتابع "بدأت المقاومة ضرباتها الصاروخية على القدس واختفى المستوطنون وكان منظر هروبهم وهم يحملون علم إسرائيل بمثابة انتصار ورفع الروح المعنية للمرابطين".
وشدد على أن المقاومة في القدس تأخذ نمطا تصاعديا من خلال سلسلة مواجهات، فكلما زاد الضغط في الأقصى والشيخ جراح يكون هناك عمليات ومواجهات.
وبين أن "المخطط الصهيوني للتهويد الشامل للمدينة المقدسة فشل وأي مساع للإضرار بالقدس ستكرر ما حدث".
العدوان على غزة
وبعد الاقتحام الذي حدث في المسجد الأقصى 10 مايو أمهلت غرفة العمليات المشتركة للفصائل إسرائيل حتى السادسة مساء، للانسحاب ووقف اعتداءاتها على المقدسيين وإخلاء حي الشيخ جراح من المستوطنين.
وتمام الساعة السادسة، بدأت الفصائل الفلسطينية بقصف إسرائيل بالصواريخ، حيث وجهت كتائب القسام صواريخها من طراز A120 تجاه القدس.
نتج عن هذا الهجوم إفشال أكبر تجمع سنوي للمستوطنين في باب العامود بعد دوي صافرات الإنذار، وإحباط اقتحام الأقصى.
لتعلن إسرائيل بعد هذه الضربة مباشرة بدء "عملية عسكرية" واسعة على قطاع غزة امتدت 11 يوما.
وأسفرت الهجمات الإسرائيلية على القطاع، برا وجوا وبحرا، عن استشهاد 232 فلسطينيا، بينهم 65 طفلا، و39 سيدة، و17 مسنا وإصابة 1900 آخرين ونزوح 75 ألفا آخرين.
وفي المقابل بدأت المقاومة الفلسطينية معركتها التي أسمتها "سيف القدس"، أدخلت خلالها أنواعا جديدة من الصواريخ للخدمة واستهدفت فيها مركبات عسكرية إسرائيلية بصواريخ موجهة.
وأيضا استهدفت مستوطنات غلاف غزة بطائرات مسيرة انتحارية وحاولت تنفيذ عمليات خطف جنود.
واخترقت صواريخ المقاومة منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية المضادة للصواريخ، وهي منظومة دفاعية أميركية طورتها إسرائيل.
ونتج عن ضربات المقاومة مقتل 12 إسرائيليا، وإصابة نحو 330، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة في حكومة الاحتلال.
وكذلك قدر اتحاد الصناعات الإسرائيلي خسائر الشركات في تل أبيب خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، بنحو 1.2 مليار شيكل (368 مليون دولار)
وبدوره قال الباحث الفلسطيني زكريا السلاسلة، لـ"الاستقلال" إن الحرب الأخيرة على غزة كانت فارقة في الصراع بين المقاومة والاحتلال.
إذ كشفت عن القدرات العسكرية للمقاومة التي شكلت صدمة لتل أبيب، وأحدثت للمرة الأولى معادلة ردع فلسطينية.
وهي الحرب الأولى التي تبدأ المقاومة بها، وهو تحول جذري على الصراع؛ باعتبار أن الحروب الثلاثة التي سبقتها كانت بقرار من الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف: "سلاح الصواريخ كان الأقوى والأكثر تأثيرا في الجولة الأخيرة، وخصوصا أنه غطى كامل فلسطين بمدى قصف طويل، وتغيرت المعادلة العسكرية بإدخال صاروخ عياش 250 للخدمة".
وهو صاروخ صنعه القسام يضرب على بعد 250 كيلو برأس متفجر هو الأقوى بين الصواريخ الفلسطينية كافة.
وكان من الواضح أن باقي الأنواع من الصواريخ أجري عليها تطوير كبير، حيث تمكنت من قتل مستوطنين وهم في الملاجئ المحصنة.
وأكد أن الصواريخ الفلسطينية استخدمت بطريقة أحدثت حالة من الردع، وخصوصا في الضربات الموجهة إلى تل أبيب التي كانت تتعرض للقصف في حال لم ينفذ الاحتلال مطالب المقاومة.
وتابع السلاسلة "في البداية أمهلت الاحتلال ساعتين للانسحاب من المسجد الأقصى وإلا سيتم القصف فحدث ذلك، ثم هددته في حال لم يتوقف عن قصف الأبراج بتكرار الاستهداف ونفذت وعيدها، وهو الأمر الذي ساهم في كبح جماح إسرائيل".
وشدد الباحث على أن من يراقب قدرات المقاومة يلاحظ أنها تتخذ نمطا تصاعديا بالمقارنة ما بين حرب 2008 و2021.
إذ تحولت إلى جيش حقيقي يمتلك أسلحة موجهة وطائرات مسيرة مصنعة محليا ووحدات كوماندوز ونخبة مشاة ويتمكن من خوض حروب كلاسيكية.
وأكد على أن المقاومة تغلبت على طبيعة غزة الساحلية المكشوفة جغرافيا بسلاح الأنفاق، لذلك أدركت إسرائيل أن كل حرب مقبلة ستكون أكثر إيلاما من التي سبقتها.
توتر وعمليات وحرية
مع بدء العدوان على غزة، اندلعت هبة شعبية في العاشر من شهر مايو في الداخل المحتل، كانت شرارتها من مدينة اللد التي بدأت من خلال مسيرات غاضبة.
وامتدت الهبة في 12 مايو، من اللد إلى جميع المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 التي استوطن فيها اليهود إلى جانب المواطنين.
وتطورت المواجهات إلى صدامات مسلحة مع المستوطنين، في 12 مايو داخل اللد وأيضا في مدينة بئر السبع المحتلة.
وخلال الهبة، قتل مستوطنان أحدهما في اللد وهو "إيغال يهوشوع"، والآخر في عكا وهو عالم الصواريخ الإسرائيلي "آفي هار إيفن" الذي توفي متأثرا بجراحه عندما أحرق شبان فلسطينيون فندق "الأفندي".
وكشف رئيس بلدية اللد التابعة للاحتلال الإسرائيلي "يائير رفيفو" في يوليو/تموز 2021 عن هروب 400 عائلة يهودية من المدينة خلال الأحداث التي شهدتها بالتزامن مع التصعيد في القدس والعدوان الأخير على قطاع غزة في مايو من نفس العام.
ومن العمليات التي احتفى بها كثيرا هذا العام، إطلاق شاب فلسطيني النار من مسدسه على جندي، عبر ثغرة في الجدار الإسمنتي المحيط بقطاع غزة، أثناء قنص الأخير متظاهرين فلسطينيين، في 21 أغسطس.
وكان الفلسطينيون وقتها يتظاهرون في الذكرى السنوية الـ 52 لإحراق المسجد الأقصى.
وأعلن عن مقتل الجندي المصاب في العملية بارئيل شموئيلي بعد 9 أيام من إصابته.
كما نفذ الفلسطيني منتصر شلبي عملية إطلاق نار على حاجز زعترة في الثاني من مايو حيث قتل فيها مستوطنا وأصاب آخرين بجراح.
واعتقلته قوات الاحتلال بعد أن أصابته في ظهره، ويقبع الآن في السجون الإسرائيلية بعد تنفيذه أول عملية إطلاق نار ناجحة هذا العام.
ومع تزايد الاقتحامات للمسجد الأقصى نفذ القيادي في حماس فادي أبو شخيدم في 21 نوفمبر/تشرين الثاني عملية إطلاق نار عند باب السلسلة في القدس المحتلة، نتج عنها مقتل أحد الإسرائيليين وإصابة آخرين بينهم واحدة خطرة، وارتقى شهيدا على الفور.
وأعلن موقع "القناة السابعة" أن القتيل جراء العملية هو إلياهو دافيد كاي، ويعمل في صندوق تراث حائط البراق وفي قوات حرس الحدود الإسرائيلية.
ونفذ الشقيقان غيث وعمر جرادات عملية قرب مستوطنة حومش شمال الضفة المحتلة، في 17 ديسمبر أدت إلى مقتل مستوطن وإصابة آخرين.
وأعلن الاحتلال عن اعتقال المنفذين بعد مداهمة منزلهما في جنين.
ومن أبرز الأحداث هذا العام، نجاح ستة أسرى فلسطينيين في انتزاع حريتهم فجر 6 سبتمبر/أيلول 2021 من سجن "جلبوع" الإسرائيلي، المعروف باسم "الحصن"، من خلال نفق حفروه من أرضية الزنزانة إلى الخارج.
والأسرى الستة، هم: زكريا الزبيدي، ومناضل يعقوب انفيعات، محمد قاسم عارضة، يعقوب محمد قدري، أيهم كمامجي، محمود عبد الله عارضة.
وتمكن الاحتلال من إعادة اعتقال الأسرى الستة بحلول نهاية سبتمبر، ولكن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة تعهد بإطلاق سراحهم جميعا في صفقة التبادل المقبلة وهو ما احتفى به الفلسطينيون.
تصاعد قوي
منذ اندلاع أحداث القدس في أبريل/نيسان 2021، وحتى الآن بدأت موجة من العمليات الفدائية في الضفة الغربية هي الأقوى منذ نهاية الانتفاضة الثانية، حسب مراقبين.
أظهرت إحصائية نشرتها شبكة قدس المحلية 14 ديسمبر/كانون الأول، تنامي عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية خلال عام 2021.
وبحسب الإحصائية فقد شهد العام 174 عملية إطلاق نار و38 عملية طعن أو محاولة طعن و19 عملية ومحاولة دهس و53 زرع أو إلقاء عبوات ناسفة.
وتشير الأرقام إلى 109 عمليات حرق منشآت وآليات ومناطق عسكرية و17 عملية تحطيم وتهشيم مركبات عسكرية تابعة للاحتلال و3 عمليات أسقط خلالها طائرات درون.
ووفقا للإحصائية فقد وقعت 3535 عملية إلقاء حجارة و509 إلقاء زجاجات حارقة و3644 مواجهة بأشكال متعددة و1109 مواجهات لاعتداءات مستوطنين و1299 مظاهرة ومسيرة و51 إطلاق مفرقعات نارية و131 فعالية إرباك ليلي.
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الاسرائيلية صالح النعامي، في حديث لـ "الاستقلال" إن 2021 كان من الأعوام الفاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال حيث تفجرت سلسلة مواجهات لم تتوقف حتى الآن.
وأوضح أن حجم الصدمة الإسرائيلية مما حصل في الأشهر الأخيرة ويصل الآن إلى الضفة الغربية، يجرى الاستدلال عليه من عدد ونوعية المناورات غير المسبوقة التي نفذها جيش الاحتلال أخيرا.
والتي شملت محاكاة حرب مع غزة وعمليات في الضفة الغربية وأيضا الاستعداد للتعامل مع أي انتفاضة في الداخل المحتل.
وتابع : "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دعا إلى شن هجمات قاتلة لحركة حماس باعتبار أنها تعزز موقفها بعد الحرب الأخيرة وباتت قدرتها على مهاجمة إسرائيل في الضفة وغزة أكبر".
ونوه إلى أن ما يحدث في الضفة الغربية يرعب الاحتلال حيث تتحول إلى ساحة مواجهة.
كما عادت العمليات المحكمة ذات الطابع العسكري، في وقت يتهم الاحتلال حماس بتأجيج الأوضاع هناك.
ورأى أن "الضفة الغربية أخطر من غزة فهي تحتوي على مئات المستوطنات والتجمعات الاستيطانية وفي كل مكان هناك احتكاك وفيها حدود مفتوحة مع الاحتلال".
وأضاف "في أحلك الأوقات في القضية الفلسطينية مع تصاعد التطبيع وعندما راهن الاحتلال أن القضية انتهت بدأت هذه المواجهة الشاملة التي أعادت فلسطين للواجهة من جديد".
كما أعادت الملامح العربية لمدينة القدس وأحيت الهوية الفلسطينية لفلسطينيي الداخل المحتل وكذلك أشعلت المواجهة العسكرية في غزة والعمليات في الضفة بجانب المقاومة الشعبية، وفق النعامي.
وشدد على أن الردع الإسرائيلي جرى نسفه تماما في الحرب الأخيرة، رغم فائض القوة الهائل الذي يمتلكه جيش الاحتلال.
ومن جانبه قال الناشط الفلسطيني محمد دحروج إن عام 2021 كان مليئا بالمناسبات الوطنية التي أحيت روح المقاومة في نفوس الفلسطينيين وأعادت إحياء أمل التحرير من جديد.
فالمقاومة باتت أقوى واستطاعت أن تحمي القدس وخرجت من دائرة الدفاع عن غزة فقط.
وأوضح في حديث لـ"الاستقلال": "لم يسبق أن عاش جيلنا عاما فيه هذا الكم من الأحداث والانتصارات، ثارت القدس ثم غزة ولأجلها انتفضت اللد ويافا وعكا وبئر السبع".
وأردف: "لأول مرة شهدنا تحرك كل الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل والضفة والقدس وأيضا الشتات احتشد على الحدود من لبنان والأردن".