إغلاق أكبر مسجد تاريخي في كشمير.. كيف يجر "مودي" الهند لحرب دينية؟

12

طباعة

مشاركة

ضمن حملة قمع متواصلة ضد المسلمين، تواصل الحكومة الهندية منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، إغلاق مسجد "سريناغار الكبير" بشكل تام، في منطقة جامو وكشمير الخاضعة لإدارتها.

وتفاجأ المصلون بإغلاق المسجد بالسلاسل الحديدية، وأبلغتهم الشرطة أنه مغلق "عقابا لهم على شغبهم ضد سلطة الاحتلال".

وخلال العامين الماضيين، ظلت حكومة رئيس الوزراء الهندوسي المتطرف، ناريندرا مودي، تضيق على الصلاة في المسجد، بسبب احتجاجات المسلمين التي انطلقت منه عقب إلغاء الهند الحكم الذاتي لكشمير في 5 أغسطس/آب 2019، ثم قررت في الأخير غلقه.

وزعمت أن المسجد شكل "مركز الاضطرابات والاحتجاجات والاشتباكات التي تتحدى الإدارة الهندية لإقليم كشمير" المتنازع عليه، لذا "وجب إغلاقه".

ولم تكتف السلطات الهندوسية بغلق المسجد، بل ومنعت المسلمين من الصلاة في الشوارع، وقامت العصابات الهندوسية بغلق الطرقات المؤدية لساحات الصلاة ووضع السيارات والشاحنات فيها وقالوا لهم "لا نريد مسلمين يصلون قرب منازلنا".

وبسبب غلق عدة مساجد والتضييق على المسلمين، وقتل محتجين على الحكم الهندوسي في جامو وكشمير، وسجن آخرين في الهند لزواجهم من هندوسيات بدعوى أن هناك قانونا جديدا يمنع تحول الهندوس للإسلام، تزايد غضب المسلمين.

ووصل عنف المجموعات الهندوسية المتطرفة التابعة لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم إلى معتنقي أديان أخرى، وتعرض مسيحيون وقساوسة للضرب علي يد هؤلاء المتطرفين لأنهم اتهموا الكنائس بتنصير هندوس وتحويلهم للمسيحية.

وبعد امتداد العنف للمسيحيين، بدأ الإعلام الدولي يرصد هذه الظاهرة ويحذر من تداعيات غياب الحرية الدينية، فيما حذر رئيس وزراء كشمير السابق، فاروق عبد الله، من "انفجار متوقع وحرب دينية أهلية" بسبب الجرائم الهندوسية.

ذكريات مؤلمة

جاء الإغلاق التام للمسجد التاريخي الذي يسع قرابة 33 ألف مصل، بعدما ظل عمليا مغلقا "بشكل دوري" منذ عامين، عقب تصاعد العنف الهندوسي ضد المسلمين، ليطرح تساؤلات حول الحرية الدينية والديمقراطية في الهند.

وكالة الأنباء الأميركية "أسوشيتد برس" وصفت إغلاق المسجد بداية من 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 بأنه "يكذب وجود حرية دينية بالبلاد".

واعتبر مسلمون هذا التطور مؤشرا على انتقال القمع من المنع وهدم مساجد وتحويلها لمعابد هندوسية، إلى منع المسلمين من الصلاة نهائيا سواء في مساجدهم أو في الشوارع على الأرض، بكشمير وبعض الولايات الهندية.

والمسجد التاريخي مبني منذ أكثر من 600 عام، وظل المسلمون يصلون فيه لعدة قرون بوصفه "إحدى منارات العلم والدين" في المنطقة، لأنه مركز إسلامي شامل، لكن السلطات الهندية أغلقته وفرضت الإقامة الجبرية على إمام المسجد في منزله.

وخلال العامين الماضيين، كانت السلطات تسمح للمسجد بالبقاء مفتوحا في بعض أيام الأسبوع، ولا تسمح بدخول سوى بضع مئات بدل الآلاف، ثم تغلقه يوم الجمعة خشية تجمع عشرات الآلاف من المسلمين والتظاهر ضدها.

وقال مسلمون في أحاديث صحفية متفرقة، إن إغلاق المسجد يجلب ذكريات مؤلمة من الماضي، ففي عام 1819، أغلقه أيضا الحكام السيخ لمدة 21 عاما، وعلى مدار الـ15 عاما الماضية، خضع لحظر وإغلاق دوري من قبل الحكومات الهندية المتعاقبة.

وأكدوا أن القيود الحالية هي الأشد صرامة، وزادت عقب فرض حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" المتطرفة عام 2019 أحكاما عرفية في كشمير وضمها للهند رسميا وإلغاء الحكم الذاتي.

ويعتبر المسلمون إغلاق المسجد، الذي ارتبطت به حياتهم للصلاة وحضور الندوات واللقاءات الدينية، ضمن المحاولات الهندوسية لفرض هوية هندوسية في كشمير بدل الإسلامية.

وتبرر السلطات الهندية غلق المسجد بأن إدارته لم تمنع خروج الاحتجاجات السياسية المناهضة للهند انطلاقا منه، ورد المسلمون بأن المناقشات حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي وظيفة دينية أساسية لأي مسجد كبير.

ويقول المسلمون إن السلطات الهندوسية استغلت أيضا جائحة كورونا لغلق بعض المساجد والزوايا الأخرى في المنطقة لعدة أشهر، ولم تسمح بالصلاة فيها وتقديم خدمات للمسلمين إلا بعد عامين.

ويخرج عشرات الآلاف من المسلمين بشكل متكرر إلى الشوارع للاحتجاج على الحكم الهندي من المساجد الكبرى، ومنها مسجد "سريناغار الكبير"، وتقمعهم القوات الهندية بالرصاص وتقتل وتصيب منهم العشرات في كل مرة.

بركان ينفجر

وقال رئيس الوزراء السابق لولاية جامو وكشمير ، فاروق عبد الله، إنه "بات أمرا فظيعا أن تكون مسلما في الهند تحت حكم مودي"، بسبب القيود المفروضة على المسلمين.

وأكد في حوار مع موقع "WIRE" الهندي في 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن "مسلمي شعب كشمير أصبحوا يشعرون أنهم منبوذون ويجري التخلص منهم من قبل السلطات الهندوسية".

وتوقع أن يؤدي هذا الشعور بالاضطهاد من جانب المسلمين إلى "انفجار كشمير"، قائلا: "الوضع أشبه بـ"بركان يمكن أن ينفجر". 

وردا على سؤال عما ستكون النتيجة إذا انفجر البركان، قال: "سيأخذ الأمة معه، أي كل الهند، ولن ينجو شيء"، في إشارة لاحتمال اندلاع حرب دينية طاحنة لو استمرت سياسات رئيس الوزراء المتطرفة ضد المسلمين.

وخلال الحوار، صرخ فاروق عبد الله غاضبا، ودخل في حالة بكاء، وهو يتحدث عن الوضع في كشمير، وهدم "مودي" التعايش، وقمعه للمسلمين.

وأشار إلى سعي الحزب الهندوسي لتقسيم أحزاب المعارضة "حتى لا تتمكن من طرد حزب بهاراتيا جاناتا من الحكم"، عبر عملية مشبوهة لترسيم الحدود لمنح مقاعد لجامو (بها أكثرية هندوسية) أكثر من كشمير (أغلبية مسلمة) ما ينتهك الدستور.

ضرب المسيحيين

لم يقتصر القمع على المسلمين لكنه امتد للضغط على مسيحيي الهند، حيث تعرضت عدة كنائس إلى اعتداءات واستهدافات من مجاميع هندوسية متطرفة.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلت في 23 ديسمبر/كانون الأول 2021 عن قس مسيحي هندي، أنه فوجئ وهو يتلو صلواته في كنيسة، بمتطرفين غاضبين يهتفون بشعارات هندوسية ويعتلون منصة الكنيسة ويوجهون اللكمات إلى القساوسة.

وحين حضرت الشرطة لم تفعل شيئا للمعتدين، بل قبضت على القساوسة بدعوى أنهم يقومون بتنصير هندوس وتحويلهم للمسيحية في مخالفة لقانون سنته بعض الولايات يمنع التحول الديني إلا بإذن الولاية.

القس مانيش ديفيد، تحدث لـ"نيويورك تايمز" موضحا: "استمروا في ضربنا، وسحبنا من شعرنا صارخين بأسئلة عما نفعله، وما هي الأغاني التي نغنيها، وماذا نحاول عمله؟".

استغرب ديفيد أنه حين جاءت الشرطة "لم تلمس" المعتدين، وبدلا من ذلك اقتادت القساوسة والمصلين إلى السجن، تحت طائلة قانون يمنع التحولات الدينية، بينما "كنا نصلي فقط"، يقول القس. 

وقالت الصحيفة الأميركية إن المناهضين للمسيحية يفتشون القرى ويقتحمون الكنائس ويحرقون الكتب المسيحية ويهاجمون المدارس ويعتدون على المصلين.

وفي كثير من الحالات، تساعدهم الشرطة وأعضاء الحزب الحاكم في الهند، حسبما كشفت وثائق حكومية وعشرات المقابلات لـ"نيويورك تايمز".

وقالت الصحيفة "في الكنيسة تلو الكنيسة، أصبحت العبادة بحد ذاتها أمرا خطيرا، رغم الحماية الدستورية لحرية الدين".

ولفتت إلى أن "العديد من المسيحيين أصبحوا خائفين، لدرجة أنهم يحاولون التنكر كهندوس لحماية أنفسهم".

وفي سبتمبر/أيلول 2021 اقتحم حشد من الشباب مركز شرطة مدينة تشاتيسغار وألقوا أحذية على قسين وضربوهما أمام ضباط الشرطة مباشرة دون تدخلهم، كما منع الهندوس المسيحيين من استخدام آبار الماء، والتجمع في عيد الميلاد.

ويبرر العديد من الهندوس هذه الهجمات، بأنها وسيلة لمنع التحول الديني بدعوى أن احتمال تحول بعض الهنود، حتى ولو كان عددهم صغيرا نسبيا، للمسيحية أو الإسلام، يشكل تهديدا لحلمهم بتحويل الهند إلى "أمة هندوسية خالصة".

تضييق مشدد

وينص دستور الهند على الحرية الدينية، والسماح للهنود بحرية اتباع الدين الذي يريدونه، كما ينص على أن الدولة "لن تميز أو ترعى أو تتدخل في أي دين"، لكن الوضع تغير كثيرا منذ فوز حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف بالحكم عام 2014.

وبدأ التضييق بشدة على المسلمين الذين يشكلون قرابة 15 بالمئة من السكان، والهجوم على مساجدهم وحرق متاجرهم وبضائعهم، بدعوى فرض الهوية الهندوسية التي يتبناها الحزب الحاكم وفكرة "أمة هندوسية".

وهدم حشد من مثيري الشغب القوميين الهندوس التابعين للحزب الهندوسي جاناتا المسجد البابري الشهير عام 1992، وتم تحويله رسميا إلى معبد هندوسي وافتتاحه في أغسطس/آب 2020.

كما هدموا مسجدا تاريخيا آخر هو مسجد "غريب نواز" بولاية أوتار براديش، المبني منذ الحكم البريطاني في 19 مايو/أيار 2021، متحدين أمرا أصدرته المحكمة العليا بالولاية بمنع هدمه. 

وامتد الهجوم على المساجد وغلقها لكشمير ذات الأغلبية المسلمة، الأمر الذي يؤكد المسلمون أنها قرارات للحزب الهندوسي المتطرف "تقوض حقهم الدستوري في الحرية الدينية".

وضمن أعمال القمع وتغيير الهوية، أصدرت الحكومة بعدة ولايات هندية قانونا يعاقب "التحول من الهندوسية لدين آخر" بالسجن 10 سنوات بدعوى "عمليات تحويل ديني غير قانونية".

وأدى قانون منع التحول الديني، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 12 إجراء آخر في جميع أنحاء البلاد، إلى تصاعد العنف الغوغائي ضد المسلمين والمسيحيين الهنود، والأقليات الدينية الأخرى، بحسب صحف هندية وعالمية.

وبدأت قصة هذا القانون أوائل عام 2021، حين سنت 8 ولايات هندية يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، قوانين تجرم التحول من الهندوسية إلى ديانات أخرى، وقال مسلمون ومسيحيون إن القانون يستهدفهم بشكل خاص.

وبموجب هذا القانون، زاد التضييق على المسلمين ومطاردتهم وسجنهم لو قاموا بالدعوة الإسلامية بين الهندوس، أو تزوجوا من هندوسيات بحجة أنهم يستهدفون تحويلهن إلى الإسلام.

وفي 24 فبراير/شباط 2021، شددت ولاية أوتار براديش، الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، قانونها الذي يحظر التحول الديني، والذي يشمل تغيير الدين بعد الزواج، وحاكمت 8 مسلمين بموجبه.

وزعمت الولاية أنه في حالة حدوث مثل هذا التحول، يجب إبلاغ الإدارة المحلية بذلك، وإلا فإن الزواج يعتبر "باطلا"، ويواجه المخالفون عقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات، ولا يحق للمتهمين بموجبه الخروج من السجن بكفالة.

لكن القانون الجديد، الذي ينص على أن أي شخص يرغب في تغيير ديانته يجب أن يسعى للحصول على موافقة سلطات المقاطعة، منح الولاية سلطة التدخل في حق المواطنين في الحب واختيار الزوج.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت المجموعات الهندوسية المتطرفة تعترض على زواج المسلمين من هندوسيات وتطلق عليه اسم "جهاد الحب".

و"جهاد الحب"، مصطلح معاد للإسلام تستخدمه الجماعات الهندوسية المتشددة لمنع زواج المسلمين من النساء الهندوسيات بحجة أن هذا الزواج يهدف إلى إرغام المرأة الهندوسية على تغيير ديانتها إلى الإسلام.

وبسببه طلب المتطرفون الهندوس مقاطعة أفلام لسينما "بوليود" لأنها تروج لقصص حب أبطالها ممثلون مسلمون (يسمونهم "خانات بوليود" نسبة إلى اسم خان). 

ولأن قانون التحول الديني الذي فرضه الحزب القومي الحاكم المتطرف يخالف الدستور، فقد سعى "بهاراتيا جاناتا" لجعله "قانونا فيدراليا معمما" يطبق في كل ولايات الهند، لكن أعلى محكمة في البلاد قضت بعدم دستورية ذلك.

وصدر حكم المحكمة القاضي برفض تعميم تقييد تحول الهندوس إلى ديانات أخرى، ليشمل كل الولايات في 9 أبريل/نيسان 2021.