ترندات مصر 2021.. كيف ساهم السيسي بتغييب قضايا المجتمع المفصلية؟
يودع المصريون 2021، وسط سيطرة النظام العسكري الحاكم على جميع قطاعات الدولة واستئثار تام بالحكم مع غياب كامل للمعارضة، ووسط أزمات اقتصادية خانقة وغلاء فاحش وهموم اجتماعية مقلقة.
إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تروي واقعا آخر غير الذي يعيشه عامة الشعب، وسط تغييب من أذرع رئيس النظام عبدالفتاح السيسي وتصدير لقضايا أخرى هامشية.
ترندات مصر 2021
إذ تعج تلك المواقع، بأنباء المنتخب المصري الذي فشل في تحقيق حلم المصريين بالحصول على كأس العرب في قطر ضمن مباريات أقيمت في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وتنشغل بأزمة قائمة المنتخب الوطني لبطولة كأس الأمم الإفريقية 2022، وتتحدث عن المخاوف من عدم التأهل لكأس العالم 2022 بالدوحة.
كذلك تسيطر على مواقع التواصل في مصر أنباء حصول فريق الكرة بالنادي الأهلي على كأس السوبر الإفريقي بالفوز على فريق الرجاء المغربي 22 ديسمبر.
وأيضا، ينشغل قطاع عريض من المصريين بعودة الدوري المحلي، وأزمات التحكيم، والقضايا التي يفجرها مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك العائد لإدارة النادي بعد أزمات وصراعات.
ولا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر من هاشتاغات وترندات عن الفن والفنانين، والتي كان أحدثها عن المغنية شيرين، والتي حلقت شعرها بالكامل 10 ديسمبر، بعد طلاقها من زوجها الملحن حسام حبيب، الذي رد عليها بحلاقة شعره هو أيضا.
لينشغل المصريون عن أزمات اقتصادية وداخلية وخارجية، بينها رفع السلطات سعر غاز الاستخدام المنزلي والصناعي 4 ديسمبر.
وهو القرار الذي تبعه آخر من رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بإلغاء البطاقات التموينية الجديدة لأي متزوج حديث وقصرها على فردين فقط لكل أسرة، وفق تصريحه في 22 ديسمبر.
وعلى هذا المنوال، نالت أزمة مرض الممثلة ياسمين عبدالعزيز الكثير من اهتمام المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى شفائها وظهورها إعلاميا بعدها لأول مرة في 9 ديسمبر.
كذلك كانت وفاة الممثل سمير غانم 20 مايو/أيار 2021، ثم زوجته الممثلة دلال عبدالعزيز 7 أغسطس/آب من نفس العام، مثارا لحديث المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى هذا المنوال، انشغل الرأي العام المصري طوال العام 2021، بما يقدمه لهم النظام وكتائبه ولجانه الإلكترونية وذبابه مدفوع الأجر من أنباء وترندات تشغله عن قضاياه الرئيسية والتي تمس حياته ومستقبل البلاد.
ووفق مراقبين، نجح النظام في صناعة ترندات كثيرة يصعب حصرها، من أكثرها إثارة للجدل حديث لاعب ليفربول الإنجليزي محمد صلاح عن الخمر، في حوار أذاعته فضائية "إم بي سي مصر"، 5 ديسمبر.
ولأن صلاح لم يقطع بأنه لا يشرب الخمر لأنها محرمة بل لأن نفسه لا تتوق لها، ثار جدل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفع دار الإفتاء المصرية للدخول على خط الأزمة ما أثار جدلا آخر.
كما شهد شهر أكتوبر/تشرين الأول ترندات هي الأكثر إثارة طوال 2021، عن مهرجان الجونة السينمائي الذي بدأ بحريق قبل يوم من الافتتاح، ثم فساتين الفنانات العارية وأحاديثهن المثيرة للجدل.
وكذلك كانت معركة مطربي المهرجانات مع نقابة الموسيقيين، من أكثر ترندات 2021 التي امتدت لشهور طويلة ووصلت ذروتها 20 نوفمبر/تشرين الأول 2021، بعد قرار النقيب هاني شاكر بمنع نحو 20 مطربا منهم من الغناء.
وكانت قضايا الشرف والزنا والشذوذ والقتل بدافع الانتقام أو تخلص العشيق والزوجة من الزوج، ترندات لا تنتهي تغلق واحدة فيظهر خلفها عشرات، إلى جانب قضايا اختفاء الفتيات، وخطف الأطفال.
ولم يخرج الإسلاميون من تلك الترندات، إذ كانت فتاوى دار الإفتاء وأحاديث وزارة الأوقاف تثير الجدل لما شابها من انحياز سياسي لتوجهات النظام.
إلا أن استدعاء محكمة جنايات القاهرة للشيخين محمد حسين يعقوب ومحمد حسان في يونيو/حزيران 2021، للشهادة أمامها في القضية المعروفة إعلاميا بـ"خلية تنظيم الدولة"، كان الأكثر إثارة وحديثا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أثارت استضافة المذيع شريف عامر بفضائية "إم بي سي مصر" بعض الأشخاص مجهولي الهوية اعتبرها مراقبون محاولة من النظام لصناعة الإلهاء خاصة وأن ذلك المذيع استضاف في ديسمبر مغني مهرجانات مجهول قدم أغنية عن بطة تائهة منه اسمها شيماء.
وفي أكتوبر استضاف عامر، شخصا عرف بالمحلل الشرعي المزيف إذ زعم أنه تزوج 33 سيدة، ثم اعترف لاحقا أن هذا لم يحدث وأنه جرى وعده من قبل القناة بـ150 ألف جنيه لشغل الرأي العام في مصر.
صوت الشعب
ولكن وعلى الجانب الآخر، ومع قدرة النظام على التوجيه والحشد وتغيير توجهات الرأي العام واهتمامات المصريين إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في كشف أخطاء وخطايا ومساوئ وجرائم السلطات وخاصة في الملف الحقوقي.
وظلت مواقع التواصل الاجتماعي هي المنبر الأهم للإعلان عن أسماء المعتقلين يوميا طوال 2021، وكذلك أسماء من يتعرضون لأزمات صحية وحالات الوفاة في المعتقلات، وظلت لسان حال المعتقلين بنشر رسائلهم المسربة.
كما كانت وسائل الإعلام سيفا مسلطا على رقاب الفساد في مصر، إذ استخدمها الأكاديمي في كلية الإعلام أيمن منصور ندا لكشف ما أسماه فساد رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت، عبر سلسلة مقالات بموقع "فيسبوك".
ولكن كان مصير ندا الاعتقال في 29 سبتمبر/أيلول 2021.
كما كانت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة المهمة لكتاب ومعارضين وناشطين وسياسيين منعهم النظام من الكتابة والنشر والظهور الإعلامي.
الفنان إيمان البحر درويش، كان أحد الذين استخدموا مواقع التواصل خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2021، لانتقاد النظام الحاكم بأزمة سد النهضة الإثيوبي والأزمات الاقتصادية، ليختفي بعدها بشكل تام عن الظهور وسط أنباء عن اعتقاله.
وكشف اليوتيوبر عبدالله الشريف عبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي عن فضيحة فساد مالي كبير، قال إنها لمستشارين من داخل رئاسة الجمهورية، وهو ما رد عليه النظام بدعوى أنها وقائع مفبركة.
ودأب النظام على ترهيب المصريين من عقوبات النشر عبر مواقع التواصل مذكرا بما أعده من قوانين للنشر عبر تلك المواقع، وفق قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018.
وحذر رأس النظام مما أطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس مرارا، وقال 10 مارس/آذار 2019، إن الجيل الخامس من الحروب يعتمد على وسائل الاتصال الحديثة في هدم الدول.
ولم تفوت الصحف المصرية وبرامج "التوك شو" الفرصة طوال 2021، وخرجت دائما بعناوين وموضوعات ترعب المصريين من الكتابة عبر مواقع التواصل.
ومن تلك العناوين كتبت صحيفة "اليوم السابع" التابعة للنظام 26 أغسطس: "الوعي قضية مجتمعية، تضافر الجهود بداية مواجهة الأفكار الهدامة والتصدي للشائعات، مواقع التواصل بيئة خصبة للسيطرة على العقول، والانتصار في حروب الجيل الخامس يقتضي نشر الفكر المستنير وخلق جيل وطني".
وقالت الصحيفة: "القيادة السياسية حريصة طوال الوقت على صناعة الوعي".
ولفت إلى أنه في "الفترة الأخيرة يتم الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر بعض الأفكار، حيث أصبحت وسيلة من وسائل حروب الجيل الرابع والخامس، وأصبحت تمثل خطرا لا يمكن التغافل عنه".
اشتغالات وتجميل
وفي تعليقه على أهم القضايا التي أثارتها مواقع التواصل الاجتماعي في مصر طوال 2021، قال الخبير في الإدارة والناشط هاني سليمان: "تلك الوسائل بأنواعها أدوات يمكن استغلالها لخداع الشعب والسيطرة على عقله وتوجيه لما يريد النظام الحاكم أن يصدقه".
وأضاف لـ"الاستقلال": "وفي نفس الوقت يمكن استعمالها لتنوير الشعب وكشف الحقائق وتفنيد أكاذيب النظام الحاكم، وفي مصر جرى استخدامها بالطريقتين".
وأوضح أن "النظام استخدمها كثيرا وبكثافة لإقناع الشعب بالإنجازات الكبرى، من طرق وكباري وعاصمة جديدة ومدن ساحلية سياحية، وقطار كهربائي سريع ومبادرات لتحسين أوضاع المصريين وصحتهم وظروفهم المعيشية".
وأكد أن ذلك الاستخدام يطغى عليه "التضخيم والتعظيم في قيمة تلك الإنجازات والمشروعات والتي سيخلق بها النظام ما يسميه الجمهورية الجديدة".
ولفت أيضا إلى استخدام النظام مواقع التواصل الاجتماعي لتجميل صورة السيسي، بنشر أنباء "مؤتمرات يحضرها، ولقاءات يعقدها، ومقابلاته لمواطنين يدبرها الأمن بالشوارع لإقناع الشعب بصورة الرئيس الطيب الرحيم والأب العطوف".
وأشار إلى "استخدام النظام كثيرا أسلوب الاشتغالات لصرف الشعب عن مشاكله الملحة ومتاعبه المستمرة والتي تتعلق بلقمة عيشه وتعليم أولاده وصحتهم، وذلك بنشر الأخبار الفنية التافهة والتي تتعلق بمهرجانات السينما وزواج وطلاق الفنانين المتكرر والذي تصاحبه ضجة إعلامية مصطنعة ومزيفة".
"وأيضا بنشر أخبار كرة القدم والمعارك التي تنشأ بين الأندية ومشجعيها، وما يصاحب هذا من شحن وغضب بين عشاق كرة القدم الكثيرين من أفراد الشعب المصري"، وفق سليمان.
واستدرك: "لكن على الجانب الآخر، استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي التصدي لكثير مما ينشره النظام، وكشف زيف كثير من الإنجازات الوهمية والمشروعات المزعومة التي تتفاخر بها السلطات".
وتابع: "حاول الكثيرون من قادة الرأي الواعون تنبيه الشعب لزيف هذه الادعاءات وتوعية الشعب بخصوص الاشتغالات التي يمارسها النظام عليه؛ بل استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي نشر الكثير من قضايا فساده".
وأردف: "بعض هذه المواقع أظهر بالوثائق والأدلة والقرائن بعضا من هذه القضايا، ما اضطر النظام في أحيان كثيرة إلى الاعتراف بها، ومحاولة تجميل صورته بالإعلان عن إجراءات لمواجهة هذا الفساد".
وأكد أن "أهم ما استطاعت مواقع التواصل إنجازه هو الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة التي يمارسها النظام، وذلك بنشر أخبار الاعتقالات والمحاكمات والأحكام المعيبة وحالات التعذيب والاختفاء القسري والموت داخل المعتقلات بسبب التعذيب وسوء المعاملة وإهمال الرعاية الصحية".
وأضاف: "أيضا استطاعت مواقع التواصل في مصر نشر ما يكتب وينشر ويقال في الخارج عنها بحياد وبلا تجميل أو مجاملة، من ازدياد القروض الخارجية وتراكم الديون على الحكومة وفشل المشروعات الاقتصادية، وسيطرة الجيش على الاقتصاد المصري".
"وموقف العالم من انتهاكات حقوق الإنسان، والاعتقالات والمحاكمات الصورية التي يمارسها النظام ضد المعارضين وأصحاب الرأي الحر من المثقفين والمفكرين والصحفيين والمدونين، حتى أصبحت مصر شبه معزولة عن المجتمع الدولي".
وختم بالقول: "يجب أن نتذكر دور مواقع التواصل الاجتماعي في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وفي كل ثورات الربيع العربي، حيث ساهمت بقدر كبير في توعية الشعوب العربية وبث روح الثورة فيها وإيقاظ عقولها وإشعال حماسها لإسقاط طواغيتها، فلعل هذا يتكرر من جديد".
غول الإلهاء
وأكد الباحث والكاتب الصحفي محمد فخري، أن النظام المصري يستخدم منصات التواصل الاجتماعي "كعصفورة لإلهاء المصريين هي وغيرها من وسائل الإعلام، بل حاول أن يطوعها لصالحه كما فعلت بعض أنظمة وأجهزة استخدمت أساليب قديمة والآن تستخدم الحديثة".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "رأس النظام نفسه اشتكى من وسائل التواصل وما تسببه من غضب الشعب منه ونشر ما لا يريد عن أخطائه وخطاياه، وقال إنه يمكنه جعلها دوائر مغلقة ينشر ما يريد بتلك المواقع نهارا ثم يردده الإعلام ليلا، وبالفعل نجح".
وفي اعتقاده فإن "النظام نجح في إعادة استخدام وسائل التواصل كسلاح لشغل الرأي العام بشكل دوري ويومي عبر صنع بعض قضايا هامشية وغير حقيقية والنفخ بأخرى فرعية لصناعة بالونة لشغل الرأي العام، والمهم ألا تكون قضايا ذات أبعاد سياسية واجتماعية تخص السلطات ذاتها".
مساعد رئيس التحرير بـ"دار الجمهورية"، أوضح أنه "على الجانب الآخر لوسائل التواصل دور بكشف أخطاء النظام وخطاياه، ولولاها ما كُشفت للرأي العام".
وفي ظل امتلاك السلطات لجميع وسائل الإعلام تلعب منصات التواصل دورا كبيرا حتى وإن كانت تواجه بجيوش النظام لإجهاضها، وفق قوله.
ويعتقد أنه "لا يمكن حصر القضايا التي كشفتها منصات التواصل على مستوى القضايا السياسية والاجتماعية لأن الأمر يأتي بشكل يومي ولأنها صارت وسائل تعبير أغلب المصريين، والنظام أدرك أهميتها وخطورتها ونزل بكتائبه ولجانه وذبابه الإلكتروني لمواجهة الأمر وتوجيه ونجح بالفعل".
وتابع: "لوسائل التواصل دور كبير في كشف أخطاء النظام وخطاياه ونشر ما يجب نشره وللأسف في نشر ما لا يجب نشره".
وفي ظل قيود النظام على النشر والتعبير تأتي وسائل التواصل لتعبر عن بعض ما يحدث للمواطن، بحسب تقديره.
وأكد أن "السيسي نجح في استخدام وتطويع وسائل التواصل وتعلم من درس 25 يناير عندما ساهمت تلك المنصات في نشر فضائح النظام السابق المستبد، وآمن بمقولة أن الرأي العام هو الغول الذي لم تطعمه حتى بالباطل أكلك بالحق".
ولفت إلى أنه "للأسف شمر الشارع المصري عن ساعده ونزل مستنقعات وبرك النظام التي يثيرها لإلهائه عن قضاياه الرئيسة، ما أثر في تمرير قضايا أخرى مصيرية تضيع وسط الترندات التافهة اليومية".
"طبقا لما نراه يوميا عبر مواقع التواصل وما ورد من أنباء متواترة ومختلفة من مصادر عديدة، نجح النظام في صناعة كتائب إلكترونية بشكل منظم وموظف أسفرت ونجحت في شغل الرأي العام عن قضاياه"، وفق فخري.
وأوضح أن "اللجنة المشكلة من قبل النظام لإدارة تلك المواقع تعمل طبقا لسياسات وتشارك بشكل يومي بترندات وقضايا، وللأسف يقع الرأي العام في ذلك الفخ".
وخلص للقول: "مهما بلغت قوة الرأي العام عبر وسائل التواصل إلا أنها تفشل أمام القوة المنظمة التي يديرها النظام".
وأرجع ذلك إلى أن "الرأي العام يعمل طبقا لترندات وقطاعات كثيرة منصرفة بلقمة العيش عن القضايا المصيرية ويتم توجيهها بما هو متاح لها، وبالتالي فالمحصلة النهائية لصالح النظام".