متذرعة بمبررات "واهية".. كيف توظف الرباط فيروس كورونا لخنق أنفاس المغاربة؟

12

طباعة

مشاركة

بشكل ملموس ينذر بمخاوف من مستقبل غامض، لاحظ حقوقيون في المغرب ازدياد ملاحقة واعتقال ناشطين وصحفيين وفرض "قوانين" بعيدا عن مصادقة السلطة التشريعية، مع قمع الاحتجاجات الاجتماعية المشروعة، خلال زمن جائحة "كورونا".

وأبدى الحقوقيون تخوفهم من تضييق الفضاء العام أكثر مع أزمة كورونا التي "شكلت مسوغا في الحد من الحريات، والانتقام من أصحاب المواقف السياسية المخالفة لتوجه صناع القرار"، وفق منظمات حقوقية.

وصمة سوداء

وأرجع "المركز المغربي لحقوق الإنسان" (غير حكومي) تراجع الاحتجاجات عام 2021، إلى قرارات المنع من التجمع ومن التظاهر، وقمع المسيرات القليلة التي نظمت، بدعوى فرض "حالة الطوارئ" بسبب كورونا.

وأشار المركز في تقرير صادر عنه في 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى حرمان العديد من الجمعيات المدنية، بما في ذلك الحقوقية وفروعها من وصولات التأسيس أو التجديد، بل هناك مؤسسات "جرى حلها بمبررات واهية".

كما هو الشأن بالنسبة للجمعية المغربية للطيارين المدنيين، التي حكم عليها قضائيا بالبطلان، وبحل وإغلاق مقرها وتصفية ممتلكاتها، بدعوى أنها تمارس العمل النقابي.

فضلا عن حرمان فروع لجمعيات حقوقية وطنية من حقها في التجمع وفي تسلم وصولات الإيداع، بالإضافة إلى منع ناشطين حقوقيين من السفر للمشاركة في ندوات دولية.

وسجل المركز استمرار الدولة المغربية في نهجها المتمثل بـ"استهداف الناشطين الإعلاميين والحقوقيين، المعروفين بآرائهم وبكتاباتهم التي تفضح مظاهر الفساد والاستبداد، ومتابعتهم قضائيا بقضايا أخلاقية وأمنية لم يتسن لأحد التأكد من صدقيتها، كما هو الشأن بالنسبة للصحفيين توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي، وعماد استيتو".

وعبر عن تخوفه من متابعة قضائية بتهم ثقيلة تجهز في حق المحامي والوزير السابق لحقوق الإنسان محمد زيان، المعروف بمواقفه الجريئة، ليضاف إلى قافلة من النخبة الوطنية، التي تتعرض للتضييق والعقاب، أمثال الأكاديمي المعطي منجب، والمهندس أحمد بن الصديق والإعلاميين علي المرابط وعلي أنوزلا وحميد المهداوي، وغيرهم.

وشدد المركز على أن ملف معتقلي حراك الريف يبقى "وصمة سوداء" في تاريخ حقوق الإنسان ببلادنا خلال العقدين الأخيرين.

فما يزال قياديو الحراك يقبعون وراء السجون بأحكام ثقيلة وقاسية. ولذلك دعا المركز إلى فتح حوار جدي مع هؤلاء المعتقلين السياسيين، يفضي إلى إطلاق سراحهم.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، شهدت مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف (شمال) احتجاجات شعبية للمطالبة بـ"تنمية المنطقة وإنهاء تهميشها"، ورغم انتهاء الحراك بعد 10 أشهر على انطلاقه، إلا أن تداعياته لا تزال قائمة‎، خاصة وأن قادته، وأبرزهم ناصر الزفزافي، ما زالوا في السجن.

ولفت التقرير السنوي للهيئة الحقوقية ذاتها إلى "التضييق على الرافضين لجواز التلقيح، وحرمانهم من الولوج إلى الإدارات وإلى أماكن عملهم، وقمعهم أثناء احتجاجهم".

واعتبر ذلك "انتهاكا صارخا وغير مبرر في حق مواطنين، لهم رأي خاص إزاء لقاحات لا تزال الأبحاث لم تؤكد خلوها من المخاطر على صحة المواطنين، الجسدية والعقلية".

وقال رئيس مكتب فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة أغادير، عيسى شهاب إن "وضع حقوق الإنسان كارثي، ويشهد تراجعات خطيرة قبل كورونا، ومع الجائحة تأزمت الأمور أكثر، واستغلتها الدولة لمزيد من التضييق على الحريات والأوضاع العامة".

وأضاف شهاب لـ"الاستقلال": "كورونا عرت الواقع المعيشي لـ22 مليون مغربي يعيشون تحت خط الفقر جراء العمل الهش في القطاع غير المهيكل".

وأردف أنه "كورونا رسمت الصورة الحقيقية لمفهوم حقوق الإنسان بشكلها الشامل، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وساهمت الجائحة في تراجعات كبيرة، وانضافت الأزمة الاقتصادية وإجبارية التلقيح، لينطلق الشارع السياسي في انتفاضات ووقفات واحتجاجات عبر ربوع الوطن، مما يظهر أن السيل بلغ الزبى".

ديمقراطية مغشوشة

مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، أكدت خلال أبريل/نيسان 2020، أن بعض الحكومات تستخدم قوانين الطوارئ التي فرضت بسبب أزمة كورونا "لسحق المعارضة والسيطرة على الناس وحتى إطالة فترة بقائها في السلطة".

ومن هذه الدول الـ15، المغرب، بحسب ما ذكرت مديرة العمليات الميدانية لمكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، جورجيت جانيون، خلال مؤتمر صحفي بجنيف في 26 أبريل 2020.

فما عدا اعتقال مئات الأشخاص، بتهمة "نشر أخبار زائفة" عن كورونا، تلاحق السلطات المغربية ناشطين وصحفيين آخرين، لكن بتهم أخرى.

ولعل قضية الصحفي الراضي تثير جدلا واسعا، فبعد إدانته بتهمة "المس بالقضاء" في مارس/آذار 2021 بسبب نشر تغريدة يتنقد فيها الأحكام الصادرة بحق ناشطي "حراك الريف"، يخضع أيضا إلى التحقيق بتهمة "الحصول على تمويلات من الخارج لها علاقات بجهات استخبارية"، كما أعلنت النيابة العامة في 25 يونيو/حزيران 2020.

لكن المغرب أكد على لسان بعثته الدبلوماسية في جنيف، عبر بيان صادر عنها في 29 أبريل 2020، أن الإجراءات التي طبقها لاحتواء فيروس كورونا تتماشى مع "سيادة القانون في احترام كامل لحقوق الإنسان"

فيما كشف تقرير "المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية" (سويدي) عن "تراجع خطير" للديمقراطية في العالم خلال العاميين الماضيين، خاصة في دول الشرق الأوسط.

وقال التقرير إن "كورونا فاقمت الوضع، بعد الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول لقمع الحريات، تحت ذريعة حماية الصحة العامة، وأن العديد من الحكومات الديمقراطية تتراجع وتتخذ تكتيكات استبدادية من خلال تقييد حرية التعبير وإضعاف سيادة القانون، وهو اتجاه تفاقم بسبب الجائحة".

واستعرض تقرير "الحالة العالمية للديمقراطية 2021، بناء الصمود في زمن الجائحة"، الصادر في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حالة الديمقراطية في أنحاء العالم على مدار عامي 2020 و2021.

وأشار إلى ثلاثة أنواع رئيسة من الأنظمة، الديمقراطية، الاستبدادية، والهجينة، لافتا إلى أن الأخيرة مثل المغرب. 

ويرى شهاب، أن "الوضع الحقوقي كارثي، وهناك تضييق شامل وتراجع فيه خاصة بعد حراك 20 فبراير/شباط 2011، والذي أنتج الدستور الجديد".

وواصل: "كان الاختيار في دستور 2011 ديمقراطي، ضمن مكاسب ظفر بها الحراك والفعاليات الحقوقية التي تناضل على الساحة".

وأكد أن "هناك تراجعات خطيرة منذ 2011، والمخزن (الدولة العميقة) عاد بثقله للتضييق على الحريات، خاصة فيما يتعلق باعتقال الصحفيين والمدونين والناشطين الحقوقيين".

وتابع: "هناك ردة حقوقية، وتفاقم ذلك مع الجائحة التي عرت خطاب أن هناك ديمقراطية ولكن تبين أنها مغشوشة".

وأشار شهاب إلى أن "هذه الانتكاسات تدفعنا إلى مضاعفة الجهود للمزيد من منسوب الدفاع عن المكتسبات والتي ناضل من أجلها الشعب المغربي لعقود من الزمن، ليس الدفاع عن الحقوق ولكن الحفاظ على المكتسبات، رغم القمع الذي تتعرض له الجمعيات الحقوقية".

ولفت رئيس مكتب فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة أغادير، إلى أن "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تفاقمت بشكل سيئ، وظهر ذلك جليا في الدعم الذي كانت تقدمه الدولة للمواطن، بشكل لا يلبي كل الشرائح ولا يسد رمقا".

وتبين أن الدولة المغربية بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة الاجتماعية التي لها مقومات أساسية، وأن الجائحة عرّت هذا الوضع وهذه الادعاءات والخطابات، كما قال شهاب.

وشدد على أن "هناك هجوما شرسا، وانتكاسة حقوقية قبل الجائحة وبعدها، وهذا ناقوس خطر، لنواصل أكثر نضالنا بشكل يومي سواء بالوقفات الاحتجاجية أو البيانات أو المراسلات للهيئات المعنية".

وختم شهاب بالقول: "آمالنا كبيرة في توحيد الصف الحقوقي من أجل تجاوز الصعوبات خاصة على مستوى الأمن الصحي والغذائي والديمقراطي والكوني".

وتابع: "نريد أن نكون مواطنين بكامل المواطنة، لنا حقوق وعلينا واجبات، ونحن في خندق واحد من أجل التصدي لهذا الهجوم الشرس على الحقوق".