رغم دعمها حماس في مواجهة الاحتلال.. لماذا يصر خالد مشعل على انتقاد إيران؟
.jpg)
بهدف حلحلة أزمة اللاجئين الفلسطينيين بمخيم برج الشمالي عقب انفجار وقع فيه، أجرى رئيس المكتب السياسي بالخارج لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل زيارة إلى لبنان في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021.
الانفجار الذي وقع في الـ10 من الشهر نفسه، بالمخيم الواقع جنوبي لبنان قرب الحدود الفلسطينية، قتل فيه أحد عناصر حماس، وأثناء تشييعه أطلق عناصر من حركة التحرير الوطني "فتح" النار على الجنازة ما خلف ثلاثة قتلى آخرين.
وفي خضم تلك الأزمة، واجه مشعل مشكلة أخرى، إذ رفض لقاءه حزب الله اللبناني وزعيمه حسن نصر الله، المدعوم إيرانيا.
وهو ما فتح الباب للتساؤلات عن موقف طهران وأذرعها بالمنطقة من قائد حماس بالخارج، ولماذا لم يكن موضع ترحيب؟
توازنات المنطقة
خالد مشعل وشهرته "أبو الوليد" أحد مؤسسي حركة حماس، شغل منصب رئيس المكتب السياسي فيها بين عامي 1996 و2017.
وفي 2017 بعدما أجرت حماس هيكلة في قيادتها العليا، كان مشعل هو رئيس المكتب السياسي للحركة خارجيا، والمؤثر بقوة في مسار علاقاتها الدولية مع القوى الإقليمية.
حقل أشواك متعثر فرض على مشعل أن يخوض غماره بالحركة السنية، وسط منطقة تموج بالصراعات والأيديولوجيات المتباينة وسط نفوذ للحليفة القوية طهران.
وبعد اشتعال الثورة السورية وتورط طهران في سفك دماء الشعب السوري، اختلف الأمر، وحدث شرخ في العلاقات بين حماس وإيران.
هنا ارتأى مشعل أن يفتح مسارات أخرى للحركة، ويحدث توازنات قادرة على استيعاب دور وأنشطة حماس الخارجية.
وهو ما حدث عندما انتقل مكتب الحركة إلى العاصمة القطرية الدوحة بدلا من دمشق، ثم بدأت في التعاون مع تركيا الصاعدة كقوة إقليمية فاعلة في الشرق الأوسط.
وكلاهما سواء الدوحة أو أنقرة من رواد المعسكر السني، على خلاف إيران ذات التوجه الشيعي.
سياسة مشعل
البراغماتية والأيديولوجية صراع مركب في الدوائر السياسية والعلاقات الدولية، ربما ينتصر الأول حال الحاجة وانسداد المسارات، ولكن يبقى للأخير تأثيره الجامح في تحديد طبيعة العلاقة ومستقبلها.
ينطبق الوضع على حركة حماس (سنية)، وإيران المحكومة بنظام الملالي صاحب الأيديولوجية (الشيعية)، فكلاهما وإن تحركا في إطارات محور ممانعة إسرائيل، لكن في ضوء قضايا إقليمية أكثر تعقيدا مثل الثورة السورية، وحرب اليمن، والأزمة اللبنانية.
ولم تملك حماس إلا أن تكون أكثر انفرادية واستقلالية عن إيران، والتوجه نحو القوى السنية الأخرى الأقرب عقائديا، وفكريا، ومن حيث الرؤى السياسية أيضا.
وهو ما حدث عندما طبق رئيس مكتب حركة حماس في الخارج، خالد مشعل، فلسفته السياسية الرامية إلى بناء علاقات أعمق مع أنظمة أخرى، والابتعاد عن طهران قدر المستطاع.
وقد كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2021، تقريرها عن العلاقات بين حماس والنظام الإيراني في ضوء واقعة الانفجار الهائل، الذي وقع في مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين بمدينة صور جنوبي لبنان.
وهو الانفجار الذي كان من تداعياته زيارة خالد مشعل إلى لبنان، التي خلفت كثيرا من الجدليات بسبب رفض حسن نصر الله، المقرب من إيران، استقباله ما أظهر تساؤلات عن نظرة طهران ومحاورها الإقليمية للرجل بذاته، وفق ما نقلت وسائل إعلام لبنانية.
وهو ما أعلنت عنه "التايمز" حين قالت: "إن خالد مشعل، البالغ من العمر 65 عاما، والرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، يرأس الآن عمليات الحركة خارج الأراضي الفلسطينية".
وأضافت أنه "منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، قاد مشعل، الذي نجا من محاولة اغتيال قام بها عملاء إسرائيليون في الأردن، سياسة الانفصال عن النفوذ الإيراني".
وذكرت أن "مصادر استخباراتية غربية، كشفت أن مشعل كان يحاول خلال المراحل الماضية ومنذ سنوات إعادة بناء علاقات حماس مع الأنظمة العربية السنية".
وفسرت المجلة البريطانية أن السياسي الفلسطيني البارز أقدم على القيام بذلك، إذ يريد أن يوضح أن حماس ليست جزءا من المحور الإقليمي الموالي لإيران الذي يضم حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، وبعض المليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن.
وتتبلور رؤية مشعل الشاملة في هذا الإطار أن حماس بحاجة إلى التركيز على الدبلوماسية بدلا من العنف، والابتعاد عن إيران، إذا كانت تريد في النهاية السيطرة على الحركة الوطنية الفلسطينية بعمومها، وأن يكون لها قبول أوسع في المستقبل، وهو ما لا يمكن تحقيقه إذا ما تقاربت الحركة مع إيران بشكل أكبر.

باب الخروج
بالعودة إلى السياق التاريخي للتعاون بين حماس وإيران، لطالما كان عابرا للطائفية وعائدا بالفائدة على الطرفين في مرحلة ما قبل الثورات العربية عام 2011، وجمع بين الطرفين تعاون سياسي وعسكري وثيق.
وبحسب دراسة لمركز "مالكوم- كير كارنيغي للشرق الأوسط" في 23 يوليو/تموز 2018، "كان حزب الله يشكل رابطا مهما بين حماس وطهران، وكان يؤمن التدريب العسكري لمقاتلي الحركة، ويقدم توصيات سياسية لها، ويشجع المنابر الإعلامية التابعة له على دعم القضية الفلسطينية".
وقالت الدراسة إن "صعود الإخوان المسلمين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي في مصر، والذي لم يعمر طويلا، دفع حماس (تحت قيادة خالد مشعل) إلى توطيد روابطها مع القاهرة".
وأيضا موقفها الحاسم من الثورة السورية، ورفضها لأفعال حزب الله ومن ورائه إيران، تسبب بتباعد متنام أوقع شرخا بين حماس وإيران.
ولا يمكن إغفال أن حماس وقيادتها لم يكونوا على قلب رجل واحد تجاه إيران، وهو ما ذكره تقرير المركز أيضا.
وأكد أن توجهات مشعل وبعض القيادات أثارت خلافات في الرأي داخل الحركة، وتحديدا الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، الذي أبدى استياءه في شكل خاص لأن الخطوة تسببت بانخفاض شديد في الدعم المالي والعسكري الإيراني.
خاصة وأن مشعل في لقاء شهير 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011، مع قناة "CbC" المصرية، صرح قائلا: "أقسم بالله لا نقبل تدخلا سوريا أو إيرانيا"، وهو ما اعتبر حينها رسالة سياسية موجهة إلى طرفين؛ أولا الأنظمة السنية في الشرق الأوسط على رأسها مصر والسعودية، وثانيا إيران والنظام السوري، مفادها أن حماس لن تقبل فرض شروط أو إملاءات عليها.
ما يعنى أن العلاقة مع طهران سارت إلى طريق مسدود حتميا وإلى شبه قطيعة كاملة، وصلت إلى اتهام حماس من قبل الأذرع الإعلامية الإيرانية بالخيانة.
أكل الميتة
حديث الخلافات المتصاعد داخل حركة حماس بشأن الموقف من إيران، تحدثت عنه وكالات ووسائل إعلام، مثل وكالة الأناضول التركية الرسمية، التي أوردت في تحليل لها 4 أغسطس/ آب 2021، أن تباين الرؤى الداخلي في حماس يتمثل بين جناحين؛ يرى أحدهما بقيادة إسماعيل هنية أن مستقبل حماس هو أنها لا بد أن تتعاون مع النظام الشيعي في إيران بشكل أعمق، بينما يسعى الآخر بقيادة خالد مشعل لاستعادة رعاية الأنظمة العربية السنية الأكثر اعتدالا مثل السعودية والإمارات ومصر، وقبلهم تركيا وقطر.
وذكرت أن حماس حريصة على متانة العلاقة مع إيران، نظرا للدعم الذي تقدمه إلى لمقاومة، وفي ظل علاقتها غير الجيدة مع السعودية.
وهو ما دفع قطاعا من حماس إلى الدعوة للمحافظة على العلاقة مع إيران.
لكن في جميع الأحوال يظل خالد مشعل هو الصخرة التي تتكسر عليها أفكار تعضيد التقارب مع طهران.
وتحدث عن الأمر عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محمد الصغير، الذي كتب مقالة لموقع "الجزيرة" في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2021، تحت عنوان: "حماس تأكل الميتة".
وقال فيها: "الشارع الحكيم الذي أجاز للمضطر أن يأكل الميتة عند الفقد والمسغبة، حدد له ألا يشبع من اللحم النتن، ولا يحمل منه أو يستكثر، ويدرك أنها مرحلة مؤقتة تقدر بقدرها، وإيران تعرف أن حماس تتعامل معها من هذا المنطلق".
لذا "لما واتتها الفرصة، حرشت أذيالها في لبنان (حزب الله) لتسجيل موقف لصالح جزار الشام (بشار الأسد)، أملا في الانتقاص من قدر قائد خالد مشعل، محاولة زرع الفتنة بين صفوفها، ولا أظن أنهم يستطيعون أو سيفلحون"، وفق وصفه.
وأضاف معلقا على ما حدث لخالد مشعل في لبنان، ورفض حسن نصرالله استقباله، "خرج أبو الوليد سابقا من دمشق مجاهدا كريما لم يداهن أو يمالي، وخرج اليوم من لبنان عزيزا أبيا وإن سخط عليه صبيان الملالي".
واستطرد: "أظهرت جماهير المسلمين إكبارا لمواقفه وإعجابا بزعامته، من جنس ما حظيت به جماعته، حيث لم تحظ طائفة أو جماعة بتأييد الأمة والوقوف خلفها، مثل ما وقع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)".

للسياسة أحكامها
الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الشرق أوسطية محمد صلاح الدين، تحدث عن موقف خالد مشعل من إيران وقواعدها في الشرق الأوسط بشكل عام.
وقال في حديثه لـ"الاستقلال"، إنه "يجب أن نفرق بين الجانبين قبل 2010 وبعد ذلك العام، حيث اندلعت ثورات الربيع العربي، ووجدنا أن إيران متداخلة بشكل مباشر في خمسة بلدان عربية في سوريا واليمن والبحرين ولبنان والعراق".
وهو ما أدى إلى تشكيل محور ممانعة عربي وخليجي ضد إيران لجرائمها أولا، ولتطلعاتها السياسية وتوسعاتها ثانيا، وبالتالي كان على حماس إعادة ترتيب أولوياتها ونظرتها نحو عمقها الإقليمي الأهم.
وأضاف: "إذا نظرنا إلى المسألة بشكل براغماتي بحت فنجد أن حماس لا يمكن أن تخسر دولة مثل مصر مهما حدث، لأبعاد لوجستية وأمنية خالصة، وكان لا بد لها أن تمتص غضب النظام المصري في مرحلة ما بعد 2013".
وكذلك لا يمكنها خسارة السعودية، والكويت، وسائر دول مجلس التعاون الخليجي، لارتباطات أيديولوجية، ووجود قطاع كبير من الأفراد ورؤوس الأموال التابعة لحماس في هذه الدول، بحسب قوله.
وأردف: "بالتالي كانت نظرة داهية سياسي متمرس كخالد مشعل واضحة وحاسمة، في الابتعاد عن إيران، وبناء خارطة علاقات جديدة مع قوى أكبر مثل تركيا، وكذلك توطيد العلاقة مع الدوحة كراعية أساسية لتواصلهم على الصعيد الإقليمي والدولي".
واستطرد: "على جانب آخر فلا يمكن إغفال أن حركة حماس هي جزء من جماعة المسلمين، بشقها الدولي، والموقف الأخلاقي والمبادئي لها فوق اعتبارات كثيرة، فمن جهة تدخل إيران الدموي في سوريا، ساهم في تأزم العلاقة، وكذلك تدخلها في اليمن ومحاولة سحق الثورة هناك وجزء منها إخوان اليمن، أدى إلى زيادة الطين بلة".
وهو ما تطور مع تدخل التحالف وإعلان السعودية الحرب على الحوثي المدعوم إيرانيا.
وختم بالقول: "حماس جزء من الصراع الإقليمي ولم يكن لها أن تقف موقف المتفرج ولا تتأثر، وبالتالي لعب الفاعلون أمثال خالد مشعل الدور الأهم في الابتعاد عن إيران، وتحديد التعاون معها، وهو وإن دفع الثمن، لكن لا يمكن أن يقارن بخسائر توطيد العلاقة كاملة مع طهران والحرس الثوري النشط في المنطقة".