وسط حملة السيسي على رجال الأعمال.. كيف ينجو نجيب ساويرس رغم انتقاداته؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انتقاد توغل الجيش المصري اقتصاديا وسيطرته على السوق، يعد من المحرمات الكبرى التي لا يستطيع أحد كائنا من كان داخل مصر الاقتراب منها، ولطالما دفع سياسيون وصحفيون ثمن خطيئة الحديث عن مشاريع وميزانية ومعاشات العسكريين.

رجل واحد في الآونة الأخيرة من تجرأ ودخل إلى "عش الدبابير" كما يقول المصريون، هو الملياردير نجيب ساويرس (64 عاما)، الذي هاجم سياسات الجيش الاقتصادية، التي قتلت أفشلت القطاع الخاص وظلمته وأضعفت الوضع الاقتصادي للبلاد.

في مثل هذه حالة، كان من الطبيعي في ظل الأوضاع السياسية والحقوقية المتردية، أن يذهب ساويرس إلى السجن وأن ينكل به، كما فعل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي بغيره من رجال الأعمال، رغم عدم اقترابهم من مصالح الجيش، لكن ساويرس ظل على وضعه، ولم يتلق إلا بعض الانتقادات من الأذرع الإعلامية التابعة للنظام. 

هذه الوضعية الخاصة لنجيب ساويرس وعائلته النافذة، أثارت العديد من التساؤلات، فلماذا لا يستطيع النظام المصري الاقتراب منه؟ وما هي التحصينات التي يعتمدها ساويرس لتأمين نفسه من انقلاب المنظومة الحاكمة عليه؟

تصريح صادم

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تصريحات لساويرس صدمت كثيرين، انتقد فيها تعامل السلطات المصرية مع الاقتصاد قائلا: "يجب أن تكون الدولة جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي".

وأضاف ساويرس أن "الشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك، وبالتالي تصبح المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة منذ البداية". 

ولفت إلى أن "المستثمرين الأجانب خائفون بعض الشيء. أنا نفسي لا أخوض عروضا لمشاريع عندما أرى شركات حكومية؛ إذ إن ساحة اللعب لا تكون متكافئة".

وفي 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية عن دعاوى قضائية رفعتها مؤخرا شركات إسمنت أجنبية عاملة في مصر ضد الحكومة أمام التحكيم الدولي، بسبب سياسات الجيش التعسفية الذي يحتكر الصناعة، ويخلق منافسة غير عادلة في السوق، واصفة الخطوة بـ"الإهانة السياسية".

لكن هذه لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ساويرس تدخل الجيش في الاقتصاد، إذ قال في أبريل/ نيسان 2019 إن "على الدولة أن ترفع يدها عن الاستثمارات التي بوسع القطاع الخاص تنفيذها"، معتبرا أن التدخل وزيادة الاستثمار الحكومي طارد للاستثمار الخاص.

لكن تصريحاته الأخيرة كانت صدمة للكثيرين، إذ لم يتحدث أي رجل أعمال بهذا الوضوح عن انخراط الجيش في الاقتصاد المصري، وهو ما جعل إعلام نظام السيسي يشن هجوما على ساويرس.

هجمة شرسة 

وقال الإعلامي المؤيد للنظام، أحمد موسى عبر برنامجه بفضائية صدى البلد المحلية أن "ساويرس أكثر شخص كسب أموالا في مصر منذ عام 2014 حتى 2021، ويجب عليه أن يحترم كل المؤسسات المصرية". 

من جانبه، طالب الصحفي المقرب من الجيش، مصطفى بكري، ساويرس بالتوقف عن التشكيك والتحريض ضد الدولة وتعمد الإساءة إلى دور القوات المسلحة.

وأكد أن "الجيش ينتج ويصنع لصالح الشعب المصري، أما الآخرون، ومنهم ساويرس، فلا هم لهم إلا التكويش على كل شيء لحسابهم".

وصعد من حدة الهجوم محمد الباز، رئيس مجلس إدارة صحيفة "الدستور"، الذي وصف ساويرس بـ"الفاسد" الذي كون ثروة مطعونا في نزاهتها، ومشهود على سقوطه في مستنقع الجرائم التي تصل إلى درجة خيانة الوطن.

 وأضاف الإعلامي المؤيد للنظام أن ساويرس "يستقوي بالخارج في مواجهة الدولة المصرية".

أما نشأت الديهي فتقدم ببلاغ ضد ساويرس عبر برنامجه بفضائية "TeN" المحلية، يتهمه فيه بتقديم حفلات صاخبة في حديقة مدينة "زد" التي أقامها بمنطقة الشيخ زايد، تتسبب في إزعاج المواطنين، قائلا "اللي (الذي) مصر خيرها عليه مينفعش (لا يصح) يتنطط (يتكبر) عليها ويدير ظهره لها".

وجرت العادة أن مثل هذه الهجمات الممنهجة من قبل إعلاميي النظام  المصري، ضد شخص ما، يتبعها حملة اعتقال وتنكيل من الأجهزة الأمنية.

لكن لم يحدث هذا مع ساويرس، الأمر الذي دفع بمجموعة تفسيرات وتساؤلات عن نفوذ الملياردير المصري عالميا وإقليميا، ما يجعل الاقتراب منه والتنكيل به شبه مستحيل. 

نجيب والإمارات 

وكانت واحدة من أهم خطوات ساويرس الأخيرة لتحصين نفسه ارتباطه اقتصاديا بالإمارات، حيث وضع أهم استثماراته في مصر تحت الحماية الإماراتية. 

ففي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2021، استحوذ صندوق شيميرا كابيتال المملوك للإمارات على 25 بالمئة من رأسمال شركة "جيميناي" القابضة المملوكة لساويرس، في صفقة بلغت قيمتها 100 مليون دولار.

وأثارت هذه الصفقة التكهنات حول وضع الملياردير المصري أكبر استثماراته في مصر تحت الحماية الإماراتية، وسط مخاوف من الضغط عليه لبيعها للنظام، مثلما فعل برجل الأعمال صفوان ثابت، وشركته جهينة. 

وقالت وسائل إعلام إماراتية رسمية أن صفقة الاستحواذ ستكون عن طريق زيادة رأس المال، حيث ستضخ شركة "شيميرا" الإماراتية 100 مليون دولار في رأسمال شركة "جيميناي" القابضة ليصل رأسمالها إلى 400 مليون دولار.

وتمت هذه الصفقة بعد نحو أسبوعين من حديث ساويرس مع الوكالة الفرنسية، الذي أثار غضب النظام المصري  بعدما انتقد اقتصاد الجيش وتغوله على القطاع الخاص.

نفوذ عالمي

وليست الإمارات وحدها من يتترس بها ساويرس، بل له علاقات صميمة بالولايات المتحدة، ففضلا عن كونه يحمل جنسيتها، ارتبط معها بروابط اقتصادية وثيقة.

أبرزها مع وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، عبر شركة أوراسكوم، التي أسسها أنسي ساويرس (والد نجيب)، في منتصف السبعينات من القرن الماضي.

وحصلت شركة "كونتراك" التي أسسها نجيب ساويرس في أميركا عام 2005، وهي إحدى أذرع أوراسكوم، على صلاحية تنفيذ مشروعات لصالح وزارة الدفاع الأميركية، منها مهابط للطائرات، ومراكز للجنود، ونقاط لتوزيع الوقود، ومراكز لخدمات الطائرات وصيانته، في دول مثل أفغانستان والبحرين وبلجيكا.

وهو ما أكده النائب السابق بمجلس الشعب المصري محمد العمدة، خلال إحدى تحقيقاته داخل البرلمان عام 2012، عن الدور الذي يلعبه ساويرس على الصعيد الدولي.

وذكر العمدة أن الأعمال التي حصل عليها ساويرس، من قبل وزارة الدفاع الأميركية لا تسند في العادة لشركات يملكها أشخاص مجنسون مثل نجيب، الذي حصل على الجنسية الأميركية بعد تأسيسه شركة كونتراك بفترة بسيطة، ما يعبر عن مدى وقوة نفوذ هذا الرجل. 

وغير أميركا، فعلاقة ساويرس بفرنسا مميزة ومتقدمة وغير واضحة المعالم في نفس الوقت، ففي 3 أبريل/ نيسان 2012، كرمت الحكومة الفرنسية نجيب ساويرس، في حفل أقيم بمدينة "بيرسى" الفرنسية، وتسليمه وسام "جوقة الشرف" من الأرفع بالبلاد.

ومنح ساويرس الوسام من طرف الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزي، "تقديرا لجهوده ومساهمته فى مجالات الصناعة والاستثمار الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط". 

متعدد التحصينات 

على صعيد آخر، يمتلك ساويرس آلة إعلامية غير هينة، تتخطى شهرتها القنوات المصرية المحلية والخاصة، منها قناة "يورو نيوز" التابعة للاتحاد الأوروبي.

ففي فبراير/ شباط 2015، أعلن ساويرس "زيادة حصته في قناة يورو نيوز التلفزيونية الأوروبية إلى حصة أغلبية، موضحا أن ضخ رأس مال في القناة سيستخدم في توسيع الأنشطة الرقمية فيها". 

وفي تعديل غير مسبوق بهيكل ملكية القناة التي تبلغ من العمر 22 عاما، قال ساويرس إنه وافق على شراء حصة 53 بالمئة في يورو نيوز، وسينضم بذلك إلى المساهمين الحاليين وهم 23 هيئة بث عامة، بحسب وكالة "رويترز". 

كما يمتلك ساويرس ثروة ضخمة من احتياطيات الذهب، ما يجعل توجيه أي ضربة غير محسوبة له مدمرة للبورصات المحلية والإقليمية.

وهو ما أفصحت عنه شركة "إنديفور" الكندية للتعدين، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2020، التي يمتلك ساويرس فيها حصة تصل إلى 30 بالمئة، عندما أكدت في تقريرها السنوي توجه "ساويرس" إلى التوسع في قطاع الذهب، وأنه حقق ثاني أكبر مكسب بالعالم من مناجم الذهب وفقا لمؤشر "بلومبيرغ" للعام 2019/2020.

كما احتل المركز الثاني في قائمة أغنى 4 مليارديرات بالعالم امتلاكا لمناجم ذهب أو حصص كبيرة فيها، وحقق أرباحا تقدر بـ300 مليون دولار.

وإلى جانب الذهب، يتوفر لنجيب استثمارات في أوراسكوم للاتصالات والتكنولوجيا التي تملك أنشطة واسعة ومؤثرة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وصنف مؤشر بلومبيرغ ساويرس في المرتبة 340 عالميا بثروة تناهز 5 مليارات و80 مليون دولار.

وعلى الجانب الأيديولوجي، فيعتمد الرجل الملياردير المسيحي، على دعم شريحة واسعة من الأقباط، الذين يرون فيه مدافعا عن قضاياهم. 

ففي يونيو/ حزيران 2016، وجه ساويرس اتهامات للنظام المصري بتعمد إخفاء النسبة الحقيقية للأقباط، والتعامل مع أعدادهم على أنها من الأسرار العليا للدولة، وذلك خشية مطالبتهم بحصة في المناصب العليا.

واستشهد ساويرس بوجود وزيرة قبطية واحدة في الحكومة الحالية رغم أن أعدادهم تتجاوز حسب ادعائه 15 مليونا، معربا عن أمله أن يرى المصريون رئيس وزراء مسيحي.

لذلك فإن توجيه ضربة أمنية أو اقتصادية له قد تحمل لعدد غير قليل من المسيحيين المصريين أبعادا تتعلق بالمشكلات الطائفية، تحت لافتة "مزيد من اضطهاد الأقباط في مصر". 

الاستقلال الوطني

وتعليقا على علاقة ساويرس بالنظام، قال الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف إن "ساويرس في حد ذاته ليس مجرد رجل أعمال قوي، أو مستثمر عالمي على الأراضي المصرية، لكنه أشبه بشركة متعددة الجنسيات متشعبة داخل السوق، وفي مراكز اقتصادية حساسة لا يمكن المساس بها".

 وأضاف في حديثه لـ"لاستقلال" أن ساويرس وعائلته وكلاء محليين لقوى عالمية، وممثلون لها، فليس من السهل ضربهم أو إزالتهم بالسهولة التي تمت مع أقرانهم من رجال الأعمال الآخرين، الأمر شبه مستحيل، لأنه لا يضرب عصب الاقتصاد فقط، لكنه يصطدم بقوى دولية وإقليمية نافذة مثل الإمارات والاتحاد الأوروبي". 

وأشار إلى أن "مصر يوجد بها الآن ما بات يعرف بطبقة رجال الأعمال العسكريين، سواء من قادة الجيش المتوغلين في الاقتصاد، أو العسكريين المتقاعدين، الذين سهل النظام لشركاتهم الصعود السريع داخل السوق، وعلى النقيض سحقت الشركات المتوسطة والصغيرة تماما".

"وبات الحل لدى المستثمرين إما التحالف مع طبقة العسكريين الصاعدة والرضا بفتات ما يقدم لهم، أو الهروب من مصر والذهاب إلى الأسواق المفتوحة الأقل خطورة والأكثر ضمانة للاستقرار"، يوضح يوسف.

واستطرد: "ساويرس لما له من خبرة طويلة بالسوق المصري، عمل على تحصين نفسه بمجموعة من العوامل أهمها إدخال حلفاء دوليين، وأيضا فتح طريق للاستثمار في الخارج في عديد من بلدان العالم، وربطه بوضعيته في مصر، بحيث لو تعرض لإشكالية من أي نوع، تتأثر الشبكة الضخمة التي خلقها".

واعتبر أن على إثر ذلك "يجد النظام نفسه بدلا من مواجهة ساويرس، في مواجهة مع أقطاب متعددة قوية لا يمكنه التغلب عليها، وسوف تضر به هو نفسه". 

ورغم أن ذلك يحسب لساويرس وذكائه، لكن الباحث الاقتصادي المصري رأى أن هذه الإستراتيجية مقلقة وتؤثر على الاقتصاد الوطني، لأنها ستكون المنهجية الوحيدة لكل مستثمر محلي يريد الصعود في مصر، فسيلجأ غالبا لتحالفات خارجية.

وأضاف: "بالتالي بعد مرور سنوات، سنجد أن السوق يسيطر عليه فئتان، هما رجال الأعمال العسكريون، ورؤوس أموال معظمها أجنبية، ولن توجد فرصة حقيقية لخلق اقتصاد قوي قادر على الحركة والإنتاج والمنافسة".

وتابع: "وهذا إخفاق كبير ليس على مستوى التحرر الاقتصادي فقط، بل على مستوى السياسة، حيث ستغيب فكرة الاستقلال الوطني واستقلال القرار السياسي للمنظومة الحاكمة".