الليرة التركية الخاسر الأكبر في حرب الفائدة.. كيف يمكن تقليص الضرر؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعمل تركيا من خلال سياستها النقدية المتشددة أخيرا على التخلص من تأثيرات التبعية الخارجية على الاقتصاد المحلي، عبر خفض سعر الفائدة بالتدريج.

وخفضت تركيا خلال الفترة بين 23 سبتمبر/أيلول 2021، إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، سعر الفائدة بنحو 4 بالمئة.

وحاليا وصل سعر الفائدة إلى 15 بالمئة نزولا من 19، وسط توقعات بخفضها مرة أخرى في 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 بنحو 2 بالمئة.

إلا أن سياسة سعر الفائدة المتبعة من قبل البنك المركزي التركي تؤثر بشكل مباشر على العملة المحلية، إذ تراجعت بشكل كبير بعد هذه الإجراءات لتتجاوز التسع ليرات مقابل الدولار الواحد في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ولكن وصل الدولار إلى نحو 14 ليرة في ديسمبر/كانون الأول 2021.

يأتي تراجع الليرة نتاج عدة عوامل في مقدمتها انسحاب عدد من المستثمرين في "الأموال الساخنة"؛ وهم أصحاب رؤوس الأموال الذين يتنقلون من دولة إلى أخرى بحثا عن أسعار الفائدة المرتفعة، ما يؤدي إلى عدم استقرار السوق.

يضاف إلى ذلك توقعات الأسواق برفع سعر الفائدة في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة التضخم، الأمر الذي دفع بعض المستثمرين إلى سحب أموالهم للهروب من الأسواق الناشئة مثل تركيا إلى الأسواق الأقل مخاطرة.

كذلك يأتي ضمن هذه العوامل تلاعب المضاربين وبعض الجهات الخارجية بالعملة في محاولة لإضعاف شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وهو الأمر الذي دفع أردوغان مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى فتح تحقيق في تلاعب محتمل بالعملة.

ويعد أحد أبرز الدلالات على وجود ضغط غير واقعي ومتعمد على الليرة التركية، هبوطها إلى 13.1 مقابل الدولار بعد ساعات من ارتفاعها عند 13.8 عندما ضخ البنك المركزي التركي في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2021 دولارات في السوق المحلي قدرها بعض المطلعون على الأمر بنحو مليار دولار.

وهو ما أكد عليه الرئيس التركي، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، بأن التقلبات الأخيرة في أسعار الصرف الأجنبي لا تستند إلى العوامل الأساسية لاقتصاد تركيا.

إيجابيات خفض الفائدة

وتعكس تلك المعطيات مدى محاولات المستفيدين من أسعار الفائدة للضغط على صانعي السياسة النقدية في البلاد للعودة عن قرار خفض الفائدة، للحفاظ على آلياتهم في جني الأرباح بعيدا عن صخب الصناعة والإنتاج.

ويسعى أردوغان إلى دفع بلاده لتكون في مصاف الدول العشر الأولى اقتصاديا في العالم، عبر آليات عديدة من ضمنها خفض أسعار الفائدة لخلق مناخ اقتصادي يستقطب الاستثمار الأجنبي المباشر ويحفز الاستثمار المحلي بمختلف أنواعه.

وذلك نظرا إلى أن تراجع أسعار الفائدة يؤدي إلى اتساع نشاط الشركات، حيث يمكنها أن تقترض من البنوك بأعباء أقل وبالتالي تتمكن من الإنتاج بتكلفة تسمح لها بالمنافسة مع الشركات الأخرى.

وتحفز الفائدة المنخفضة أصحاب رؤوس الأموال المحليين على سحب أموالهم من البنوك والعمل على خلق مشاريع بدلا من الاعتماد على أرباح البنوك النابعة من نشاطات غير مجدية اقتصاديا.

هذا بدوره يحفز النمو الاقتصادي ويساهم في تراجع معدلات البطالة التي بلغت حدود الـ12 بالمئة.

فضلا عن أن زيادة أسعار الفائدة تصب في مصلحة الاستثمار غير المباشر وتحديدا في الأموال الساخنة التي تأتي بهدف خلق أرباح فقط دون المساهمة في تحقيق أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي بل تبتلع جزءا من مكاسبه.

وعلى الرغم من أن أسعار الفائدة تؤثر في الوقت الحالي على الليرة سلبا بشكلٍ كبير مقابل الدولار، فإنها تسهم في ارتفاع الصادرات وتحفيز المنتجين على تصنيع المواد الخام المستوردة من الخارج في الداخل المحلي لتقليص تكلفة الإنتاج.

وأظهرت بيانات التجارة الخارجية في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، ارتفاع الصادرات في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، بواقع 33.44 بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من العام 2020، والتي تعد أعلى عائدات شهرية من الصادرات في تاريخ تركيا.

وبلغت الصادرات خلال الأشهر 11 الأولى من العام 2021 نحو 203 مليارات و141 مليون دولار.

وتصدرت ألمانيا قائمة البلدان الأكثر استيرادا من تركيا بنحو مليار و751 مليون دولار، تبعتها بريطانيا بمليار و478 مليون دولار، ثم الولايات المتحدة بمليار و365 مليون دولار.

وانعكست تلك المعطيات على معدلات النمو حيث رفعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، خلال بيان لها في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، توقعاتها بشأن نمو اقتصاد تركيا هذا العام من 9.2 إلى 10.5 بالمئة.

إجراءات لازمة

كما ارتفع حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي التركي إلى 127.7 مليار دولار خلال منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

إلا أن تراجع الليرة التركية يلعب دورا في ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار السلع على المواطنين، حيث زاد التضخم في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى 21.31 بالمئة على أساس سنوي.

وهو الأمر الذي يتوجب فيه على تركيا تقديم الدعم على السلع والخدمات الأساسية للمواطنين حتى تجني الإجراءات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة ثمارها، بالإضافة إلى العمل على تقديم الدعم للمستثمرين وتحفيز الصناعات العاملة على توفير المواد الخام المستوردة محليا.

كذلك العمل على محاربة التجار الجشعين الذين خزنوا بضائعهم وحجبوها عن المستهلك بهدف رفع أسعار منتجاتهم بأكثر من معدلات التضخم الحاصلة لتعظيم مكاسبهم.

بالإضافة إلى زيادة الرقابة على أسعار المنتجات والمنتجات المحلية التي يرفع بعض التجار أسعارها بحجة ارتفاع سعر الدولار.

يتطلب الوصول إلى ثمار خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي التركي توحيد خطوات المؤسسات الاقتصادية حتى لا تتضارب السياسات وتكون متناسقة مع باقي مكونات السياسة الاقتصادية.

وبحسب الباحث الاقتصادي، إبراهيم الطاهر، فإن آلية التعامل مع أسعار الفائدة تتطلب حالة من التناغم بين السياسة النقدية والمالية، مشيرا إلى ضرورة التدرج في الانخفاض الذي تسير عليه البلاد حتى لا تحدث حالة من الصدمة داخل السوق المحلي.

وأضاف الطاهر لـ"الاستقلال"، إلى ضرورة توعية المستثمرين للاتجاه نحو آليات التمويل في البنوك الإسلامية التي تتبنى المشاركة والعمل دون معايير ربوية، مع ضرورة الانتقال إلى أدوات الاستثمار التي تخدم الاقتصاد الحقيقي.

وشدد على ضرورة العمل على زيادة الصادرات والسياحة لتعويض الدولارات التي يضخها أصحاب الأموال الساخنة على المدى المتوسط لتفويت الفرصة على كل من يريد خلق حالة غير واقعية أو مبررة للاقتصاد التركي. 

ولفت الباحث الاقتصادي إلى ضرورة مراقبة السوق المحلي من التعاملات غير القانونية التي تعمل في إطار المضاربة على سعر الصرف، وكذلك الأموال الأجنبية التي تدخل البلاد بصورة غير قانونية، وتؤدي إلى اضطرابات في سوق الصرف، وإرباك الأوضاع الاقتصادية والسياسية بالبلاد.

وبين أن سعري الصرف والفائدة غير طبيعيين وغير مبررين، عند ربطهما باقتصاد حقيقي قوي، تتمتع به تركيا.

وأوضح أن ثمار خفض الفائدة تتطلب بعض الوقت حتى يتمكن السوق المحلي من إدراك طبيعة الاقتصاد الجديد، واستقرار سعر صرف الليرة عند أسعار محددة.

وأشار إلى أن ما تتبعه تركيا الآن وفق سياستها الخارجية المتمثلة في "صفر مشاكل" يسهم في الإسراع للوصول إلى الثمار الاقتصادية المأمولة.

ويبقى الأمر متوقفا أيضا على المعطيات التي سيشهدها الاقتصاد التركي، وكيف سيتعامل البنك المركزي في تدرجه لخفض أسعار الفائدة، وما هي مآلات متحور كورونا الجديد "أوميكرون" على الاقتصاد الدولي.