تنفذها نساء تنظيم الدولة.. ماذا وراء الاغتيالات في "مخيم الهول" شرقي سوريا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يعد مخيم "الهول" الواقع شرق مدينة الحسكة السورية، الذي تحتجز فيه أسر ونساء عناصر وقادة تنظيم الدولة من جنسيات عربية وأجنبية، من أخطر المناطق في سوريا.

إذ إن المحتجزين في المخيم لا يزالون يحملون أفكار التنظيم ويأملون عودتهم إلى المشهد رغم إعلان القضاء عليه في مارس/آذار 2019.

وبات ذاك المخيم تفوح منه رائحة جرائم القتل المنظمة بشكل متزايد، إذ بلغت ذروتها منذ مطلع عام 2021، وسط اتهامات لـ"نساء الحسبة" اللواتي يتبعن لتنظيم الدولة بتدبير حالات القتل والتصفية الجسدية داخل "الهول".

اللافت أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تدير مخيم "الهول" بدعم لوجستي وعسكري واستخباراتي أميركي كامل، لم تعد تلقي بالا لجرائم القتل التي ترتكبها نساء التنظيم بحق القاطنين في المخيم.

قتل مدبر

ووفقا لتقرير صحفي نشره موقع "صوت أميركا" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإنه جرى توثيق 80 حالة قتل داخل مخيم "الهول" منذ مطلع ذات العام نفذتها "نساء الحسبة" ضد القاطنين هناك.

وبحسب تقارير محلية، تحولت نساء تنظيم الدولة إلى نسخة "أكثر دموية" عبر تنفيذهن عمليات قتل خارج إطار القانون وبطرق وحشية في اصطياد الضحايا، إما طعنا بالأسلحة البيضاء أو خنقا أو استخدام القضبان المعدنية التي باتت وسيلة قتل شائعة في المخيم، وفي بعض الحالات عبر استخدام أسلحة نارية مزودة بكواتم صوت.

لكن ما يثير الريبة أكثر هو سكوت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على حالات الانفلات الأمني داخل "الهول"، وسماحها بتكوين "نساء الحسبة" لقوة سرية تنفذ أجنداتها دون اتخاذ أي إجراءات لضبط الوضع الأمني.

و"نساء الحسبة"، هي شرطة نسائية دينية، أسسها تنظيم الدولة منذ سيطرته على مناطق واسعة من سوريا والعراق (2014 - 2017)، مهمتها التحقيق ومعاقبة المخالفات منهن لقوانين التنظيم وتطبيق الأحكام الشرعية التي يفرضها على نساء تلك المناطق.

وبعد معارك بين تنظيم الدولة وقوات قسد بدعم كامل من التحالف الدولي والولايات المتحدة، أجبر التنظيم في 23 مارس/آذار 2019 على الاستسلام إلى قوات سوريا الديمقراطية، وتسليم المئات من عناصره لأنفسهم وزوجاتهم وأطفالهم، في آخر معقل لها بالبلاد في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور.

وإثر ذلك احتجزت نساء عناصر تنظيم الدولة والأطفال دون سن العاشرة بمخيم "الهول"، أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة فأودعوا في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق الحسكة.

كما خصصت القوات الأميركية ما يسمى مخيم "روج" والواقع قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء تنظيم الدولة.

كما جرى نقل عناصر تنظيم الدولة الذين استسلموا أو أسروا بالمعارك إلى سجون في الحسكة، فيما عزلت القوات الأميركية أمراء التنظيم عن هؤلاء العناصر في سجون خاصة.

وتتشبث تلك النساء بعقيدة تنظيم الدولة داخل "الهول"، ويأخذن منهجا صارما في التعامل مع بقية النازحين السوريين واللاجئين العراقيين، الذين يقطنون المخيم أيضا، من ناحية معاداة أي شخص يخالف عقيدتهم أو لا ينصاع لإرشاداتهم الدينية.

تنظيم سري

وبتن حاليا داخل مخيم الهول يفرضن قوانين التنظيم، وكل من يخالف شريعته من أقرانهن من النساء اللائي يقطن في المخيم يقتلن بدم بارد.

وشكلت تلك المسألة أولى نقاط التوتر التي تجعل من مخيم الهول قنبلة موقوتة ومسرحا لبقاء أفكار تنظيم الدولة رائجة، طالما أن من يديره يقف متفرجا فقط.

ويؤوي المخيم قرابة 62 ألف شخص، نحو 30 ألفا منهم من اللاجئين العراقيين و20 ألفا من النازحين السوريين، فيما يشكل البقية أسر عناصر تنظيم الدولة.

ولجأت قوات قسد إلى فرز قسم خاص من المنطقة تعرف باسم "الملحق" ومفصولة عن المخيم الرئيس بنقطة تفتيش لجميع النساء والأطفال من دول أخرى.

وآخر جريمة قتل شهدها المخيم، وثقت مقتل ثلاثة عراقيين بينهم امرأة رميا بالرصاص وذلك في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وفي هذا الإطار يرى الصحفي السوري حسن الشريف وجود جملة أسباب تقف خلف زيادة الجرائم داخل مخيم الهول: "أولها شعور تلك النسوة بالإهمال المتعمد وتركهن يواجهن مصيرا مشبعا بالذل دون أي حل من قبل دولهم الأصلية لمعالجة ملفهم".

وأضاف الشريف لـ "الاستقلال: "أن نسوة تنظيم الدولة يواجهن حاليا ضغطا داخليا وخارجيا، بمعنى أن الجرائم ناتجة عن حالة السخط من سوء الخدمات والتضييق الأمني عليهن من قبل قوات قسد".

وزاد بالقول: "وكذلك عدم تلقي أطفالهن الرعاية الكاملة ولا سيما مع وجود حالات فصل عنهن بغية إعادة تأهيلهم في مراكز خارج المخيم من أجل منع تشبعهم بأفكار تنظيم الدولة المتطرفة".

وألمح الشريف إلى وجود "بعض المتطرفات بالتكوين ولا يقبلن بالآخر ممن يخالفهن في اللباس أو السلوكيات الدينية التي يقمن بها، عدا عن حالات الصدام الفكري بين نساء التنظيم وباقي النساء والرجال من النازحين واللاجئين".

ومضى يقول: "إذ إن كثيرا من حالات القتل كانت ذات دلالة، ومنها قتل رئيس مجلس اللاجئين العراقيين داخل المخيم ولا سيما أن أغلب حالات القتل تعود لعراقيين والذين بلغوا نحو 60 لاجئا منذ بداية عام 2021".

ولفت الشريف إلى نقطة غاية في الأهمية وهي: "استعمال تنظيم الدولة للمال في عمليات إطلاق سراح عناصره من سجون قسد مقابل مبالغ مالية ضخمة، يدفعها لعناصر قسد ووكلاء محليين، عدا عن دعم نساء التنظيم في مخيم الهول بالمال والأفكار".

لعبة قسد

وتبقى المعضلة الكبرى التي تواجه قوات قسد هو ضعفها في منع تهريب الأطفال والمراهقين خارج المخيم مقابل مبالغ مالية تدفعها خلايا تنظيم الدولة المنتشرة شرق سوريا وذلك ضمن أهدافه لإعادة بناء قوته.

ولهذا تؤكد التقارير الصحفية أن خلايا تنظيم الدولة تفرض نفسها كلاعب أساسي في قطاع النفط بمناطق سيطرة قوات قسد شرق سوريا، وتحديدا في محافظة دير الزور عبر توظيف أموال الإتاوات التي تفرضها على وكلاء آبار النفط في دعم نساء مخيم الهول.

ويخشى خبراء من أن يشكل المخيم "حاضنة" لجيل جديد من مقاتلي التنظيم، وسط استمرار أعمال الفوضى والعنف وانسداد الأفق الدبلوماسي بإمكانية إعادة القاطنين فيه إلى بلدانهم.

ويبدو واضحا أن خلايا تنظيم الدولة تدير "نساء الحسبة" من الخارج عبر المحافظة على الحالة الولائية للانتماء له ومساعدته في إثبات حضوره وإن كان عبر بوابة مخيم الهول.

ويشير القيادي السابق في الجيش السوري الحر المعارض شرق سوريا، صالح الحميدي، في هذا السياق إلى أن "مليشيا قسد تحاول أن تعطي صورة للإعلام الغربي الذي تسمح له بدخول مخيم الهول لإجراء تقارير صحفية وحتى مقابلات مع الأجنبيات اللائي يجدن تكلم اللغة الإنكليزية، بأن مهمته تقتصر على حماية المخيم".

وهذا برأي الحميدي أحد أهم "الأوراق التي تمسك بها قسد وتحصل من خلالها على قبول دولي دون اعتراف بها وتطمع بتقديم مزيد من الدعم لها عبر تصدير حالة الإجرام لدى نساء تنظيم الدولة".

واستدرك قائلا: "قسد ترغب في جعل ملف نساء التنظيم وأطفالهن معلقا إلى أجل غير مسمى، لأنه مرتبط بوجودها هي كسلطة أمر واقع هناك، خاصة أن تلك الدول لا تفكر حاليا باستعادة النساء من جنسياتها الأصلية إلى بلدانهم ودمجهم من جديد في المجتمع".

نشر التطرف

وكانت منظمة العفو الدولية طالبت بتقرير لها في 30 من نوفمبر/تشرين الثاني 2021 الدول بضرورة إعادة الأطفال المحتجزين في مخيم "الهول".

وتحدث التقرير عن الظروف القاسية التي يتعرض لها 27 ألف طفل في المخيم، والتي تهدد حياتهم وسط مستقبل مجهول مع استمرار حكوماتهم بتجاهل الظروف "المخزية" التي يعيشونها.

وسبق للجنة مجلس الأمن الدولي العاملة بشأن تنظيم الدولة، أن حذرت في تقرير لها صدر في فبراير/شباط 2021، من "حالات نشر التطرف والتدريب وجمع الأموال والتحريض على تنفيذ عمليات خارجية" في المخيم.

ومع تجاهل ضبط الأمن من قبل إدارة المخيم وإهمال الدول الأوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة للحلول التي تتيح تفكيكه، يبقى إنهاء هذا الملف يشكل خطرا مستقبليا على سوريا بشكل عام.

وفي هذا الإطار فإن منظمة الأمم المتحدة للطفولة في سوريا، أكدت مرارا على ضرورة استعادة جميع الدول رعاياها إلى بلدانهم بالسرعة القصوى، وخصوصا الأطفال والمقدر عددهم بنحو 40 ألف طفل يتوزعون على مخيمي (الهول – والروج).

ويبقى تعامل الدول مع رعاياها من أسر تنظيم الدولة المحتجزين في سوريا ذو حساسية عالية، ويجري التعامل مع هذا الملف بشكل منفرد وسري وبعيدا عن الإعلام.

إذ لا تزال بعض الدول مثل النرويج وجنوب إفريقيا وروسيا وأوكرانيا تعمل على استعادة رعاياها، فيما تتجاهل كثير من دول أوروبا هذا الملف ولا تطرحه حتى على مستوى المناقشة في برلماناتها الداخلية لأسباب تتعلق بصعود اليمين المقلق بالإضافة للإسلاموفوبيا.

وكانت منظمة "أنقذوا الطفولة" أكدت وفاة 62 طفلا داخل مخيم "الهول" خلال عام 2021، ممن تخلت عنهم دولهم، بسبب الأمراض التي يمكن تجنبها وضعف نظام الرعاية الصحية وسوء المياه والصرف الصحي فضلا عن سوء التغذية.