صحيفة تركية: الموساد "دولة" داخل إسرائيل لكن أنقرة تمكنت من صفعها

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

اشتعل الرأي العام التركي أخيرا عقب الإعلان عن العملية التي نفذها جهاز الاستخبارات الوطنية التركية ضد خلايا تعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد".

وقالت صحيفة ستار التركية في مقال للكاتب "أوموت بيرهان شين" إنه "لا شك أن هذه العملية ستحتل مكانها المميز في تاريخ المخابرات التركية وستسجل كنجاح كبير". 

عملية واسعة

وضمت الشبكة التي ضبطتها المخابرات التركية، 15 شخصا كانوا يتجسسون في أربع مدن تركية مختلفة لصالح إسرائيل، وفق ما نشرت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وعلى وجه التحديد، كان الجواسيس يجمعون المعلومات المتعلقة بالتسهيلات التي تقدمها تركيا للفلسطينيين وكذلك معلومات الطلاب الفلسطينيين والسوريين في تركيا، خاصة من يتوقع منهم أن يعملوا لاحقا في الصناعات الدفاعية، ثم ينقلونها إلى الموساد.

وبينما كان أحدهم ينقل معلومات العرب الذين يتقدمون بطلب الحصول على الجنسية التركية، سرب آخر معلومات عن الذين يعيشون في مجمع سكني في منطقة باشاكشهير بإسطنبول، بحسب الصحيفة.

وحاول الجواسيس تشتيت الاستخبارات التركية بتقديم بلاغات عن مفقودين، غير أن جهاز الاستخبارات الوطنية التركية كان يتابعهم قبل ذلك بفترة طويلة.

واكتشفت الاستخبارات أن أعضاء الشبكة كانوا يسافرون إلى الخارج بمساعدة من الموساد، لتلقي التوجيهات وتسليم المعلومات. 

وبينما تواصل الموساد معهم في الأسواق أو من خلال الهواتف العمومية، كان يدفع لهم عن طريق العملة الرقمية "بيتكوين" أو عبر مكاتب تحويل الأموال أو من خلال بائعي المجوهرات. 

وعقب اكتشاف أحدهم، تابعتهم الاستخبارات التركية بفريق مكون من 200 عنصر استخباراتي لمدة عام كامل حتى توصلت إلى أنهم شبكة تتكون من 15 شخصا جميعهم من أصول عربية، ويعملون في فرق ثلاثية. 

وقالت صحيفة صباح إنه "بعد الكشف عن أهدافهم ووسائل عملهم، نفذت الاستخبارات عملية شاملة ضد الجواسيس".

وأضاف الكاتب التركي شين: شغل الموساد مكانا كبيرا في الكثير من التحليلات والتقييمات على مدار سنوات طويلة. 

غير أن ما كتبه الصحفي التركي الراحل "أوغور مومجو" احتل مكانه "في تاريخنا الصحفي بصفتها سجلات مهمة".

ونقل عن مومجو قوله قبل سنوات: "يتضح لنا شيئا فشيئا أن الشرق الأوسط ثقب أسود. لقد كانت علاقة الزعيم الكردي مصطفى بارزاني بالموساد آخر العلاقات التي تم إثبات وجودها".

وتابع أن "الموساد هو جهاز مخابرات إسرائيلي سري، لكن من كان سيصدق بأن له علاقات مع بارزاني؟"

وأردف أن "هذه الحادثة تقدم لنا أدلة واضحة حول أسلوب عمل الموساد وتحركه، وذلك في ظل انعدام الدراسات حول هذا الجهاز المخابراتي في تركيا.

إذ يتطلب الأمر معرفة باللغة العبرية والتاريخ اليهودي لوضع المراجعات والتقييمات حول هذا الموضوع، وفقا للكاتب التركي. 

تنظيم محكم

واستدرك شين: تأسس الموساد رسميا في 13 ديسمبر/كانون الأول 1949 بأمر سري من رئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن غوريون تحت اسم "معهد الاستخبارات والعمليات الخاصة الإسرائيلي"، ثم أعيدت هيكلته في مارس/آذار 1951.

ولا يمكن ربط الموساد بأي قانون أو دور أو واجب أو سلطة أو ميزانية، بل هو أشبه بالدولة العميقة بما أنه مستثنى تماما من القوانين الدستورية لدولة إسرائيل، وفق الكاتب.

وأضاف: يقدم رئيس الموساد تقاريره إلى رئيس الوزراء مباشرة. ويعمل في الجهاز ما مجموعه 35 ألف عضو، 20 ألف منهم نشطون و15 ألف على شكل خلايا نائمة، ومئات الآلاف من العملاء المنتسبين إلى هؤلاء الأعضاء. 

وبهذا، يعد الموساد واحدة من أفضل أربعة أجهزة استخبارات في العالم، وفقا لما نشرته مجلة تايم البريطانية في فبراير/شباط 1978.

وشرح يقول: ويعود ذلك إلى أنه بالغ التنظيم وصعب الوصول والتسلل إليه. وبالفعل، درب الموساد جهاز الأمن الداخلي التشيلي، وجهاز سافاك الإيراني، وقوات الشرطة الكولومبية، والأرجنتين، وألمانيا الغربية إلى جانب دول أخرى، وفق قوله.

وتابع: "دعونا لا ننسى هنا أن الموساد يدار من قبل منظمة جامعة أخرى هي الشين بيت".

فعندما ينفذ الموساد عملية في أي مكان في العالم، يعمل فريق خاص تابع للشين بيت على مراقبة هذه العملية والإشراف عليها ودعمها عند الضرورة. 

ويملك الشين بيت سلطة استجواب أحد أعضاء الموساد عند استدعاء الأمر. 

وفي هذا، يعتبر مكتب العمليات أهم الأقسام في الشين بيت والأكثر نشاطا، وهو يعمل في 3 أقسام فرعية لكل منها وظيفتها الخاصة.

الأول هو قيادة الحماية والأمن: يعمل على الحفاظ على أمن السفارات الإسرائيلية والعاملين فيها إضافة إلى حماية الرئيس الإسرائيلي وصناعة الجيش كجدار ناري لا يمكن اختراقه.

الثاني هو القسم الذي يعنى بالدول العربية: ويقصد بها تلك الواقعة على الحدود.

الثالث هو القسم المعني بإقامة علاقات مع الدول غير العربية في الشرق الأوسط: وبالطبع تحتل تركيا وإيران جزءا كبيرا في مجال نشاط واهتمامات هذا القسم الذي يعد من أهم الإدارات. 

ويعنى هذا القسم بمكافحة التجسس وتعقب الدبلوماسيين الأجانب. وبطبيعة الحال فإن هذا القسم هو المسؤول عن مراقبة عملاء الموساد الذين تم القبض عليهم في تركيا، يقول الكاتب.

رسم الأنظمة

ويرى شين أن المخابرات الإسرائيلية ذات عقلية تحبذ تشتيت أجهزة المخابرات الأخرى، أو تضع لها الطعم وتنتظر ابتلاعه. 

إذ تتبنى الاستخبارات السرية نهجا لا يهمل تطوير "نظريات الألعاب" أثناء صنعها. 

وبحسب نظرية الألعاب التي وضعها العبقري الرياضي الشهير جون ناش، فإن الألعاب كائنات رياضية محددة جيدا.

ويوضح النظرية قائلا: يتمثل ذلك في تحليل رياضي لحالات تضارب المصالح، بغرض الوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة، لاتخاذ قرارات تضمن الحصول على النتيجة المرغوبة في ظل الظروف المعطاة.

 أي إذا اتجه جميع اللاعبين نحو نفس الهدف، فسيؤدي ذلك إلى تقليل احتمالية حصول اللاعبين عليه، أما إذا توجهوا نحو أهداف مختلفة فسترتفع الاحتمالية.

والحق أن هذا صحيح، خاصة في مجالات الاقتصاد والذكاء، يقول الكاتب التركي.

وأردف: إذ بناء على ذلك، يحاول الشين بيت الذي يسيطر على الموساد وينسق تحركاته، أن يوجه العناصر الاستخباراتية في البلد المستهدف إلى أهداف مختلفة كما تتوخى نظرية الألعاب. 

والهدف من هذا كله تشتيت وتقسيم قوى مكافحة التجسس للدولة المستهدفة من خلال توجيهها إلى أهداف مختلفة وخاطئة.

غير أن جهاز الاستخبارات الوطنية التركية يتمتع بهوية مؤسسية منفتحة وجيدة التكوين بحيث يمكنه تطوير نفسه وفقا لمتطلبات العصر، يقول الكاتب.

 وهنا، فإن كل لحظة ودقيقة وكل ساعة ويوم ذات أهمية حيوية بالنسبة للجمهورية التركية. 

ويختم: "الاستخبارات فرع من فروع علم الأمن، لكن الصبر والذكاء يأتيان قبل القدرة العملياتية لمثل هذا الجهاز".