مع تقارب أبوظبي وأنقرة.. لماذا أعلنت "سكاي نيوز عربية" إغلاق مكتبها بتركيا؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن خيارا مألوفا الحديث عن خروج قناة "سكاي نيوز" بنسختها العربية المملوكة للإمارات، إلى خارج تركيا، التي تعج بعدد هائل من وسائل الإعلام والمكاتب الخاصة بالوكالات والقنوات الأجنبية. 

وقبل سنوات لا ينسى الدور المشبوه الذي لعبته "سكاي نيوز" ليلة الانقلاب الدامي في 15 يوليو/ تموز 2016، إذ احتفت وسائل الإعلام الإماراتية بالفعل بما اعتبرته نجاح سيطرة الانقلابيين على الدولة.

حينها ارتكبت القناة الإماراتية واحدة من أكثر الأفعال إثارة عندما نشرت العديد من الأخبار الكاذبة، على رأسها "لجوء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا".

وهو ما اعتبر سقطة مهنية لا تغتفر لـ "سكاي نيوز" خاصة في ظل حدث مربك ومفاجئ مثل الانقلاب العسكري، الذي يستلزم نقله التوثيق.

انتهى الحدث ولم تعتبر القناة التي استمرت على نفس النهج، وصعدت من الأجندة المعادية لتركيا، وحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكمة تحت مظلة الرئيس أردوغان.

وفي ظل أزمات إقليمية متعددة، نشرت القناة شائعات وأخبارا كاذبة، كانت هي مصدرها الأساسي، ما جعلها بين يوم وليلة خارج تركيا جملة وتفصيلا. 

فما أبرز سقطات "سكاي نيوز" في مسيرتها داخل تركيا؟ ولماذا برز الحديث عن خروجها في هذا التوقيت تحديدا رغم أحاديث التقارب بين أنقرة وأبوظبي؟

دوافع الإبعاد

في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أعلن مراسل قناة "سكاي نيوز العربية" في تركيا، مهران عيسى، إغلاق مكتب القناة في البلاد، لأسباب تتعلق بالجانب الإداري.

ونشر عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلا: "يحزنني أن أبلغكم بقرار إدارة قناة (سكاي نيوز عربية) القاضي بإغلاق مكتبها في تركيا ابتداء من الأول من نوفمبر الجاري، لأسباب إدارية تتعلق بإعادة هيكلة كل المكاتب الخارجية وفق ما أبلغتني به الإدارة في أبوظبي".

سرعان ما تطرق آخرون إلى ما أطلقوا عليه "السبب الحقيقي" وراء ما جرى، حين كذبت الرئاسة التركية، على لسان متحدثها الرسمي، إبراهيم كالن، شائعات بثتها القناة، تتعلق بنقل أنقرة بطاريات من منظومة "إس400" الدفاعية الروسية إلى قاعدة "إنجرليك"، التي يستخدمها حلف شمال الأطلسي "ناتو"، جنوب البلاد.

وقد تسبب الأمر في انزعاج الإدارة العليا في أنقرة، حيث دفعت كالن للخروج ونفي هذه المزاعم بشكل قاطع، بعدها مباشرة أعلن عن غلق مكتب القناة الإماراتية. 

وتوالت ردود الفعل تباعا على الحدث، وقال الكاتب السعودي تركي الشلهوب، معلقا "قناة سكاي نيوز عربية (الإماراتية) تغلق مكاتبها وتغادر تركيا. بعد نشرها أخبارا كاذبة عن نقل منظومة إس 400 الروسية إلى قاعدة (إنجرليك). يبدو أن تركيا طردتهم.. كاذبون كالإمارات".

فيما دونت الكاتبة القطرية، ابتسام آل سعد، قائلة: "قناة سكاي نيوز عربية الممولة بالكامل من قبل أبوظبي. والتي كانت تتخذ من تركيا مقرا لها. تستسلم لقرار طردها من الأراضي التركية بعد أن تأكد لسلطات تركيا دورها غير المهني في إثارة الفتن وبث الشائعات المغرضة في أخبار تركيا الداخلية! قرار تأخر لكنه أتى أخيرا.. برررا!". 

ومع تلك التطورات لا يمكن إغفال أنه في 6 نوفمبر/ تشرين الأول 2021، بثت سكاي نيوز حلقة عن التعزيزات التركية في ريف حلب، وأظهرت على شاشتها لأول مرة "من مكتبنا في إسطنبول"، وكذلك خرج الصحفي جياب أبوصفية بصفة "مراسل القناة في إسطنبول"، الأمر الذي حمل بعض التناقضات وأفرز عددا من التحليلات.

وكان الاحتمال الأول أن إبعاد مهران عيسى جاء بضغط تركي، استجابت له السلطات الإماراتية سريعا، وعملت على إعادة هيكلته، خاصة في ظل تقدم العلاقات بعد زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد لأنقرة، في أغسطس/ آب 2021، واستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان له.

وجاء الاحتمال الثاني أنه ربما تكون نقطة نظام وإعادة هيكلة في ظل السياسة التحريرية المعادية لتركيا التي تنتهجها القناة، وتستمر عليها رغم تحسن العلاقات أخيرا، ما يهدد الدبلوماسية الجديدة بين البلدين بعد سنوات من القطيعة. 

سقطات لا تنسى  

على مستويات شتى تخص أساليب سرد وإذاعة الأخبار الملفقة والتحريضية، من قبل قناة "سكاي نيوز" عربية ضد تركيا، كان ما وقع منها ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة، هو الأخطر.

نشرت وقتها تغريدة قالت فيها: "مصدر أميركي: أردوغان يطلب اللجوء لألمانيا"، لكنها اضطرت لحذفها عقب اتضاح فشل محاولة الانقلاب، وقد نال هذا الخبر انتقادات حادة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مختلف وسائل الإعلام. 

بعدها أصبحت "سكاي نيوز" في مرمى الاتهامات بالانحياز لمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا، ليلة 15 يوليو/ تموز 2016. 

أبرز الاتهامات جاءت من وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، التي قالت إن القناة "تواصل ترويج الأخبار الكاذبة عن تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذتها عناصر محدودة من الجيش".

وذكرت الأناضول أنها تتبعت هذه الأكاذيب من جانب القناة حين زعمت، في 20 يوليو/ تموز 2016، بعد أيام قليلة من الانقلاب الفاشل، أن "انفجارا ضخما هز أنقرة، في حين تبين أنه حريق بسيط في أحد منازل العاصمة".

وقالت آنذاك: "إنها تواصل بث أخبار كاذبة، وتستخف بالشعب التركي".

ويذكر أنه في أبريل/نيسان 2020، حجبت أنقرة مواقع جميع وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التي تتخذ من السعودية والإمارات مقرا لها، بعد أيام من حجب الرياض مواقع وكالة "الأناضول" وقناة "تي آر تي" التركيتين الرسميتين.

ومع ذلك بقي مكتب قناة "سكاي نيوز" عربية يعمل في تركيا رغم تأزم العلاقات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، الذي شمل اشتباكات إعلامية حادة، واتهامات من أنقرة لوسائل إعلام محسوبة على أبوظبي بنشر أكاذيب، والتحريض على تنفيذ انقلاب ضد حكومة العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أردوغان. 

قناة "الثورة المضادة" 

وصف الباحث الإعلامي طارق محمد، قناة "سكاي نيوز العربية" في حديثه "للاستقلال"، بأنها "لسان الثورات المضادة بلا منازع".

 وشدد على دورها المشبوه منذ انطلاقتها عام 2012 في أوج ثورات الربيع العربي، حينها احتاجت الإمارات إلى تدعيم إمبراطوريتها الإعلامية بشبكة قنوات عالمية، تنطلق من المنطقة الإعلامية بأبوظبي، ومن أبرزها شبكة سكاي نيوز العالمية. 

وأردف أن "القناة لم تعرف المهنية يوما حتى تنقلب عليها في تناولها للأحداث، وفيما يخص الشأن التركي، فإنها كانت المصدر الرئيسي للشائعات والأخبار الكاذبة، المتعلقة بتركيا والرئيس رجب طيب أردوغان، على مدار سنوات طويلة". 

وأضاف: "ظهر ذلك بوضوح خلال محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، عندما انحازت بوضوح للعملية الانقلابية، وزادت الطين بلة، حينما أذاعت خبر لجوء أردوغان إلى ألمانيا، لتحذفه بعد دقائق قليلة، في فضيحة إعلامية واضحة". 

واستطرد: "المتابع الجيد للقناة في الشأن التركي تحديدا، سيجد أنها دأبت على تناول الأمور السلبية، خاصة التي تتعلق بالاقتصاد، والصراعات الداخلية مع أحزاب المعارضة".

فمثلا "خلال انتخابات البلديات عام 2019، أظهرت رئيس بلدية إسطنبول (المعارض) أكرم إمام أوغلو، أنه الرئيس القادم لتركيا الذي سيسقط أردوغان، وتعاطت مع هزيمة حزب العدالة والتنمية، وكأنه انتصار حاسم للمعارضة، وسقوط للحزب الحاكم، وهو ما يعبر عن سياسة الإمارات عموما، وحكامها الذين اتخذوا من التجربة التركية عدوا لهم"، وفق قوله.

وقال: "ربما ما يفسر الموقف التركي الحاسم من القناة بعد هذه السنوات من العبث، أنها ارتكبت في السابق أفعالا أخرى أشد وأنكى، وأن العلاقات التركية الإماراتية كانت اسوأ كثيرا ومع ذلك استمرت، بينما أغلقت حاليا والخطأ أقل والعلاقات أفضل، هو ما يتعلق بظروف تركيا نفسها داخليا، والوضع الإقليمي الذي لا يتحمل أزمات كبرى".

وأردف: "ظهر هذا الأمر في أزمة سفراء العشر دول، وقرار كونهم غير مرغوب فيهم داخل تركيا، ما يوضح سياسة البلد الحاسمة خلال المرحلة المقبلة وأنها لن تتقبل ما تقبلته بالأمس، وصولا إلى عام الحسم 2023 حيث الانتخابات الشاملة رئاسية وتشريعية إضافة إلى البلديات". 

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021 نشر سفراء 10 دول بيانا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، زعموا فيه أن القضية المستمرة بحق عثمان كافالا، المحبوس بتهمة الضلوع في محاولة الانقلاب عام 2016، تلقي بظلالها على الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا، ودعوا إلى الإفراج عنه.

وبعدها صرح أردوغان بأنه سيعتبر سفراء تلك الدول الغربية "غير مرغوب فيهم" ما دعا الدول المذكورة إلى التهدئة وتراجعت أنقرة عن الخطوة.

واختتم طارق محمد: "بأن غلق قناة سكاي نيوز عربية، هو رسالة إلى باقي وسائل الإعلام، خاصة الأجنبية، ففي حال نشر الشائعات وبث الفوضى سيكون المصير واحدا". 

في سطور 

بدأ ميلاد القناة رسميا في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، عندما تم الإعلان عن المشروع المشترك المملوك مناصفة بين شركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي، وبين سكاي بي، بهدف إطلاق قناة إخبارية باللغة العربية تبث مجانا إلى الجمهور في منطقة الوطن العربي، يكون مركزها الرئيسي العاصمة الإماراتية. 

وبالعودة إلى مجموعة "بي سكاي بي" البريطانية، التي عقدت معها الإمارات الشراكة، فإنها مملوكة لقطب الإعلام اليميني روبرت مردوخ (يهودي الديانة)، رجل الأعمال الشهير استرالي الأصل، وهو من أكبر داعمي إسرائيل في العالم. 

وسكاي نيوز هي النسخة البريطانية المماثلة، لقناة "فوكس نيوز" الأميركية، الداعمة للاتجاهات اليمينية المتطرفة المعادية للمسلمين والمهاجرين، وكانت من أشد داعمي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وفي 6 مايو/آيار 2012، انطلق بث القناة من العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث يقع مكتبها في المنطقة الإعلامية (two four 54)، ولديها شبكة من المكاتب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإسطنبول التركية، إضافة إلى مكاتب في لندن وواشنطن.

وتستفيد القناة من شبكة مكاتب ومراسلي قناة سكاي نيوز البريطانية في مختلف أرجاء العالم.

ويعد منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، هو الشريك الأساسي من جانب الإمارات في هذا المشروع. 

وكانت تعد القناة لسان حال الإمارات في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، والترويج له، ووصل الحال في 17 أغسطس/ آب 2020، أن سكاي نيوز عربية، استضافت رئيس الوزراء الإسرائيلي (آنذاك) بنيامين نتنياهو في مقابلة خاصة بعد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.

وأطلق من خلالها نتنياهو رسائله إلى العالم العربي، مؤكدا وجود تحول كبير في مواقف الكثير من الدول العربية تجاه إسرائيل، مشيدا بموقف الإمارات وسياستها المتعاونة مع تل أبيب.