استثناه من قمة الديمقراطية ولم يقابله في غلاسكو.. لماذا يتجاهل بايدن السيسي؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت كان يعول فيه رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي كثيرا على حضور "قمة الديمقراطية" التي يستضيفها الرئيس الأميركي جو بايدن، في 9 و10 ديسمبر/كانون الأول 2021؛ كشفت صحيفة "بولتيكو" الأميركية، أن القمة تجاهلت دعوة قادة الدول العربية والشرق الأوسط، باستثناء العراق وإسرائيل.

بايدن، خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأميركية 2020، تعهد باستضافة قمة دولية للدول الديمقراطية في عام حكمه الأول؛ لـ"مواجهة جاذبية الدول الاستبدادية" مثل الصين وروسيا، وبناء تحالف دولي ديمقراطي لمواجهة نجاحات بكين وموسكو الاقتصادية والتنموية والعسكرية والتكنولوجية.

الخارجية الأميركية، في 11 أغسطس/آب 2021، أعلنت موعد "قمة القادة من أجل الديمقراطية"، مؤكدة أنها تجمع قادة الدول المنتخبين بـ"حرية"، لبحث سبل التصدي للفساد والممارسات الاستبدادية، وتوسيع نطاق حقوق الإنسان، بمشاركة منظمات للمجتمع المدني، وشركات التكنولوجيا.

وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عاد السيسي خالي الوفاض بعد سفره إلى المملكة المتحدة لحضور قمة "غلاسكو" العالمية للمناخ، أملا في لقاء بايدن، بعدما رفض الأخير محاولاته لعقد لقاء أو مصافحة.

بحسب دبلوماسي مصري سابق، طلب عدم الكشف عن اسمه، لم تستجب الولايات المتحدة لطلب السيسي لقاء بايدن، ما مثل إحراجا له.

وهو السبب نفسه لتغيب السيسي عن حضور اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر/ أيلول 2021، بحسب المصدر الدبلوماسي الذي تحدث لـ"الاستقلال" في وقت سابق.

وخلال نحو 11 شهرا من قيادة بايدن للبيت الأبيض، لم يتمكن الرئيس الأميركي من تحقيق وعوده بـ"صون" الديمقراطية في العالم وتحقيق الحريات الأساسية للشعوب، رغم انتقاده وإدارته للأنظمة الديكتاتورية وقادتها، بينها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

فاضحة للعرب

ووفق قائمة "بوليتكو"، التي تضم 108 دول، جرت دعوة 17 دولة إفريقية، و21 آسيوية، و37 أوروبية، و27 دولة من الأميركيتين، فيما تجاهلت القائمة التي ضمت دولا وجزرا صغيرة؛ دولا مهمة مثل الصين، وروسيا، وإيران، وتركيا، وكذلك أذربيجان، وأفغانستان.

وتأتي قائمة "بولتيكو" بعد تأكيد مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن دعوات حضور القمة ستوجه خلال أيام لرؤساء الدول.

ورغم تجاهل قمة بايدن للحليف التركي والمجر، مع أنهما الدولتان الوحيدتان غير المدعوتين إلى القمة من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أنه جرى دعوة دولة أرمينيا وتجاهل جارتها أذربيجان.

لكن المثير هنا هو تجاهل بايدن دعوة حلفائه في الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات مع ما بينهما من مصالح سياسية واقتصادية وإستراتيجية، ورغم تطبيع أبوظبي مع تل أبيب.

وكذلك الأردن التي خص بايدن ملكها عبد الله الثاني بزيارة إلى واشنطن في يوليو/تموز 2021، دون غيره من الرؤساء والقادة العرب، إلى جانب رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي.

وأيضا مصر الحليف المهم لأميركا وإسرائيل، والتي أشاد بدورها بايدن وبدور السيسي في مايو/أيار 2021، حين ساهم الأخير في إعلان الهدنة بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، إثر معركة "سيف القدس".

وبدا كذلك لافتا استبعاد بايدن، للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي قاد انقلابا ناعما ضد أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية في 25 يوليو/تموز 2021، وذلك بعدما كانت تتصدر بلد "ثورة الياسمين" قائمة منظمة "فريدم هاوس" للدول العربية الديمقراطية.

ويرى مراقبون أن استثناء بايدن للعراق من بين العرب في قمته، يأتي بعد إتمام الانتخابات البرلمانية ببلاد الرافدين في أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي اعتبرتها إدارة بايدن خطوة جيدة نحو الديمقراطية بالبلد العربي الآسيوي.

لا تناسب العرب

القمة ستركز على ثلاثة محاور رئيسة، هي الدفاع ضد الاستبداد، ومكافحة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، كما ستركز على مسألة "التحالف من أجل مستقبل الإنترنت"، والتي تهدف إلى تعزيز حرية التعبير عبر الإنترنت، وهي نقاط تفتقدها أغلب البلدان العربية.

الناشط الحقوقي السوري، مصطفى أوسو، أشاد بعدم توجيه بايدن الدعوة إلى معظم ديكتاتوريات الشرق الأوسط، معربا عن أمنيته "ألا تكون كغيرها من القمم المعتادة، وأن تؤسس لعمل مشترك في مواجهة ديكتاتوريات العالم".

كذلك أكدت منظمة "فريدوم هاوس" الأميركية على أهمية أن تفرز قمة بايدن الدول والقادة السياسيين الداعمين للقيم والسلوكيات الديمقراطية، لمواجهة "الديكتاتوريات" التي تزرع القلاقل في العالم.

وصنف تقرير لتلك المنظمة البحثية من مقرها بواشنطن، في 22 سبتمبر/أيلول 2021، خمس دول عربية على أنها "غير حرة في مجال حرية الإنترنت".

واعتبر التقرير أن السعودية المملكة الخليجية مصنفة من الدول غير الحرة، لأن حرية الإنترنت مقيدة، والسلطات تدير أنظمة مراقبة واسعة، وتدعم شبكات حسابات وهمية وأخرى تنشر رسائل مؤيدة لها، وتهاجم المعارضين الذين يتعرضون للاعتقال. 

وأكد أن "حرية الإنترنت وحقوق المستخدمين استمرت بالتدهور في مصر التي أطلقت سلطاتها حملة ضد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وتسببت الرقابة على الإنترنت في التأثير سلبا على حرية التعبير، وحجبت السلطات مئات المواقع الإلكترونية".

ووصف التقرير حرية الإنترنت في الإمارات بأنها "مقيدة بشكل كبير"، حيث تنتشر الرقابة على وسائل الإعلام، بجانب تورط الحكومة في هجمات "الاختراق والتسريب" ضد الصحفيين والنشطاء، مع استخدام برامج للتجسس على المعارضين.

تنازلات السيسي

أنباء تجاهل بايدن لحكام العرب ومصر خاصة من دعواته لـ"قمة الديمقراطية" تأتي في وقت يستقبل فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وزير خارجية النظام المصري سامح شكري وفريقه في واشنطن يومي 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لحضور الحوار الإستراتيجي بين واشنطن والقاهرة.

وقال بيان الخارجية الأميركية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن "مصر شريك حيوي، ونحن ملتزمون بتقوية الشراكة التي استمرت معها 40 عاما عبر تعزيز التعاون الأمني، والنهوض بحقوق الإنسان، وتنمية علاقاتنا الاقتصادية"، ما يشير إلى تناقض في المواقف الأميركية.

وخلال الأشهر الماضية، سعى النظام في مصر لتبييض صورته الحقوقية السلبية أمام العالم بتقديم ما أسماه بـ"الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" 12 سبتمبر/أيلول 2021، وادعى "احترام جميع التزاماتها التعهدية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية".

كما أقدم على تشكيل "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ليتكون من 27 حقوقيا وسياسيا، وذلك بعد نحو 4 سنوات من تجميد عمله عام 2017.

وحاول النظام الوصول إلى صانع القرار الأميركي بإرسال وفد مصري حقوقي وسياسي وإعلامي للحديث عن ملف حقوق الإنسان في مصر مع بعض النواب والمسؤولين الأميركيين.

وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، زار وفد مصري برلماني وسياسي برئاسة البرلماني السابق محمد أنور السادات، واشنطن، لتوضيح موقف مصر بملف حقوق الإنسان، وإقناع إدارة بايدن بـ"حدوث تغييرات حقيقية".

كما أعلن النظام المصري في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقف تطبيق حالة الطوارئ في البلاد كافة ووقف العمل بقانون "الطوارئ" سيئ السمعة.

ودشن أكبر مجمع سجون في البلاد على الطريقة الحديثة وبإمكانيات السجون الغربية، معلنا عن تشغيله في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مؤكدا غلق نحو 16 سجنا قديما.

 ورغم محاولات وجهود السيسي للقاء بايدن، وما أثير عن وساطة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لدى بايدن للقاء السيسي في واشنطن، إلا أن هدف السيسي "لم يتحقق"، ولم يقم بايدن إلا ببادرة واحدة وهي اتصال هاتفي معه في 20 مايو/أيار 2021، إثر نجاح وساطته بين الفلسطينيين والكيان المحتل.

بايدن وجه رسالة شديدة اللهجة إلى السيسي حينما كان مرشحا للرئاسة الأميركية معلنا فيها رفضه لاعتقال وتعذيب الناشطين أو التعرض لعائلاتهم، قائلا حينها: "لن نقدم مزيدا من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل".

ويقبع في سجون مصر أكثر من 60 ألف معتقل سياسي، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، في ظل ظروف غير إنسانية، ترصدها منظمات حقوقية بشكل يومي.

ملف مدسوس

وعن تجاهل إدارة بايدن للسيسي من قمته للديمقراطية، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق عبد الله الأشعل، إن "القاهرة مهمة جدا لواشنطن وإداراتها جمهورية أو ديمقراطية، ولكن في المقابل فإن أميركا مهمة جدا بالنسبة للنظام الحاكم بمصر وليس لمصر وشعبها".

وأكد لـ"الاستقلال"، أن "تجاهل بايدن دعوة السيسي للقمة المرتقبة أمر طبيعي؛ لأن الرئيس الأميركي يعتبره وكل حكام العرب مجرد أتباع ديكتاتوريين ينفذون الأوامر القادمة من واشنطن وتل أبيب ولا قيمة فعلية لهم عنده".

وأوضح الأشعل، أن "دعوة واشنطن لسامح شكري واجتماعه مع بلينكن عبر الحوار الإستراتيجي هو في الأساس لصالح أميركا".

ولمح إلى أن "مصر دائما ما تؤكد في هذا الحوار التزامها الكامل بالحفاظ على المصالح الأميركية والإسرائيلية؛ ولذا فإن قمة الديمقراطية قصة والحوار الإستراتيجي قصة أخرى".

وجزم السياسي المصري بأن "أميركا تعلم جيدا أن كل المبادرات التي تقدم بها السيسي هي مسائل شكلية لا تغني ولا تسمن في ملف حقوق الإنسان الذي في الحقيقة لا يهم أميركا التي لا يعنيها أية حقوق للإنسان في مصر".

وأضاف: "ثم إن المعونة التي قطعت الخارجية الأميركية جزءا منها (130 مليون دولار) مرت بشكل غير قانوني، لأنها تقررت إثر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1978، حتى تخلص مصر في خدمة واشنطن وتل أبيب، ولهذا حكام مصر لم يقصروا مطلقا في خدمتهما".

ولفت الأشعل إلى أن "حديث بايدن عن ملف حقوق الإنسان في مصر هو ملف مدسوس وسط ملفات أخرى عديدة، وهو للاستهلاك المحلي في أميركا فقط".

وأوضح أن "المعارضة المصرية، إذا جاز إطلاق هذا اللفظ عليها، هللت لانتقاد بايدن لملف السيسي في حقوق الإنسان وقالت إن الرئيس الأميركي جاء ليعاقب السيسي، لكن بايدن لا يعنيه شيء من هذا الأمر؛ لأن المصالح الأميركية والإسرائيلية هي شغله الشاغل، والإنسان المصري لا يفرق مع الإدارة الأميركية أو بايدن".

وعن دلالات تجاهل بايدن دعوة حكام العرب وبينهم السيسي لقمة الديمقراطية، يقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، السيد أبوالخير: "لا شك يؤكد ذلك التجاهل سوء سمعة وسوء سلوك الحكام العرب، في الوقت الذي يعتبرون فيه عبيدا طائعين يقدمون تنازلات بالأمر المباشر للكفيل الأميركي".

ويؤكد أبوالخير لـ"الاستقلال"، أن "ما حاول تقديمه نظام السيسي من خطوات بدعوى تحسين ملف حقوق الإنسان لم يكن كافيا لإقناع الإدارة الأميركية بصدق نواياه بشأن حقوق الإنسان".

ويضيف: "لا أعتقد أنه كاف؛ لأنهم في واشنطن يدركون جيدا أنها إجراءات شكلية بعيدة عن أرض الواقع الأليم؛ حيث إن الاعتقالات مازالت مستمرة والمعتقلون يعانون كما هم من أحوالهم السيئة، ويمارس النظام ضدهم التعذيب والقمع".

وعن موقف الإدارة الأميركية التي ترحب بشكري في الحوار الإستراتيجي وترفض في الوقت ذاته دعوة السيسي لقمة بايدن، لا يعتقد أبوالخير، أن هناك تناقضا في الموقف الأميركي.

ويوضح أبوالخير أن "من مرر انقلاب عام 2013، هو الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يحكم الآن، وأمر انتقاده ملف السيسي بحقوق الإنسان لا يعدو أن يكون ضغطا في محاولة لجعل نظام الانقلاب أكثر قبولا خاصة غربيا".