تحالف موحد.. ما دور تركيا في ترتيب البيت السني المنقسم في العراق؟
تلعب تركيا دورا محوريا في جمع الغريمين السنيين في العراق، تحالفي "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، و"عزم" بقيادة السياسي ورجل الأعمال خميس الخنجر، لإنشاء تحالف سني موحد يحاور كجبهة واحدة من أجل حفظ حقوق المكون السني.
يمتلك "تقدم" حاليا 43 مقعدا، وحل ثانيا في الانتخابات بعد التيار الصدري، بينما تصل مقاعد "عزم" إلى 21 مقعدا حاليا، وبالتالي لدى الطرفين مجتمعين 65 مقعدا، باستثناء حلفائهما من القوى الصغيرة والشخصيات السنية المستقلة الفائزة بالانتخابات.
المساعي التركية الجديدة أثارت تساؤلات ملحة بخصوص مدى نجاحها في توحيد البيت السني السياسي، الذي طالما شهد تشتتا وتفرد شخصيات وكيانات بعينها على حساب الغالبية، وهل تكون الضامن لالتزام الأطراف هذه في تنفيذ أي اتفاق يتوصل إليه الجانبان؟
إنهاء التفرد
اتفاق سياسي بين "عزم" و"تقدم" رعته تركيا، توصل إلى إيجاد تفاهمات تنهي حالة التفرد في قيادة المكون السني سياسيا، وتوزيع الأدوار بين الطرفين وفقا للحجم الذي يمثله كل تحالف منهما، حسبما أفادت به مصادر سياسية في حديث لـ"الاستقلال".
وقالت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها: إن "التفاهمات بين (تقدم) و(عزم)، والتي جرت في العاصمة الأردنية عمان نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021 توصلت إلى توزيع الوزارات المخصصة للسنة؛ حيث ينص الاتفاق الأولي على منح (عزم) وزارة الصناعة والوقف السني ونائب رئيس الجمهورية".
واستدركت أن "هذه التفاهمات لم تصل إلى نهاياتها بسبب عدم الانتهاء من إعلان النتائج النهائية للانتخابات والتصديق عليها من المحكمة الاتحادية، لذلك قد تتغير هذه التفاهمات حسب الاتفاقات مع كتل أخرى".
وبينت المصادر أن "الاجتماع في عمان تمخض عن اتفاق أولي على تشكيل تحالف سني يجمع بين تحالف عزم وتقدم لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر بمشاركة التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني".
وأشارت إلى أن "الاتفاق بين الطرفين يفيد بتسمية محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي لدورة أخرى، وتسمية خميس الخنجر نائبا لرئيس الجمهورية مبدئيا، وكذلك تسمية ثابت العباسي لوزارة الدفاع، وهيبت الحلبوسي لوزارة المالية".
وكشفت المصادر ذاتها أن "الطرفين اتفقا على توزيع حصة المكون السني ما بين تحالفي عزم وتقدم فقط، ويبقى لكل طرف منهم حرية التوزيع الداخلي للتيارات والأحزاب والتكتلات المشاركة معه في الانتخابات حسب اختيار رئيس التحالف".
دور ضامن
وعلى الصعيد ذاته كشف عضو تحالف "عزم" المرشح الفائز في الانتخابات البرلمانية، مشعان الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عن تفاصيل اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس تحالفه خميس الخنجر في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقال الجبوري إن "الرئيس أردوغان طلب من الخنجر أن يتحالف مع الحلبوسي ويكون الأخير رئيسا للبرلمان مرة ثانية"، معتبرا أن تجربته في رئاسة البرلمان كانت ناجحة بالنسبة للمنطقة والعراق، وانتقد تجارب آخرين في رئاسة المجلس النيابي.
ولفت إلى أن "أردوغان لم يمل على الخنجر، وإنما قال إنه يشجع على أن يتفق تحالفا تقدم وعزم، وأن تركيا مستعدة أن تكون طرفا ضامنا لتنفيذ الاتفاق"، مشيرا إلى أن "تركيا تقدم نفسها على أنها دولة راعية لأهل السنة في العراق".
الجبوري أكد خلال تصريحاته أن "الأتراك يشجعون على أن نتفق مع تحالف تقدم؛ لأننا (عزم) لدينا قلق من أن لا يحترم الحلبوسي الالتزامات".
وكشف الجبوري عن زيارة سيجريها الجبوري مع شخصيات أخرى من "عزم" إلى تركيا للقاء مسؤولين أتراك لإكمال المباحثات بخصوص التقارب بين الطرفين العراقيين.
من جهته، قال القيادي في "تقدم" سلام عجمي خلال تصريحات صحفية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إنه فيما يخص التحالفات لتشكيل الحكومة ننتظر انبثاق "الكتلة الأكبر" من المكون الشيعي وصفاء الأجواء لتكون الصورة واضحة لدينا، حتى نعرف مع من نتحالف ومن صاحب الرقم الأكبر.
ولفت عجمي إلى أن هناك وثيقة موقعة بين الحلبوسي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني كتبت قبل شهرين تقريبا، ولكن لا نعلم هل ستستمر أم سنشهد تغييرات تطرأ عليها.
وتابع القيادي في "تقدم" أن "المحادثات مع تحالف (عزم) جارية على قدم وساق، وستظهر بالكامل بعد انتهاء الخلاف الشيعي".
والتقى أردوغان، رئيس "تحالف عزم" العراقي خميس الخنجر في المجمع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة.
وقبل ذلك وفي اليوم نفسه أعلنت الرئاسة التركية استقبال أردوغان، رئيس البرلمان العراقي السابق، زعيم تحالف "تقدم" محمد الحلبوسي في أنقرة، وعقد اجتماع مغلق بينهما، دون ذكر تفاصيل.
تجربة ناجحة
واعتبر المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن الدور التركي في ترتيب البيت السني بالعراق يمهد للمفاوضات التي تجري بالإجماع بين المكونات، وهذا سيجعل البيتين الشيعي والكردي أيضا يرتبان وضعهما.
وقال البيدر خلال تصريحات صحفية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن "العرف السياسي في العراق خلال المراحل السابقة عودنا على أن المفاوضات تجري بالإجماع داخل المكونات، والأمر هذا لا يقتصر على البيت السني، وإنما يشمل البيتين الشيعي والكردي، وحتى بقية المكونات من الأقليات".
وأضاف البيدر في حديث لـ"عربي21" أنه "لا يمكن لأي طرف أن يذهب منقوصا ويفاوض الآخر، لأن حقوقه ستكون على مستوى المكون أقل، وبالتالي يستطيع الخصم السياسي من داخل المكون إسقاطه اجتماعيا وإيكال التهم بحقه، لذلك لا مناص عن توحيد مواقف المكونات".
وأشار المحلل السياسي العراقي إلى أن "جميع الأطراف داخل المكونات تتفق خلال هذه المرحلة على وجهة نظر واحدة لا يمكن الخروج عن إطارها، لذلك فإن الجميع سيتحد ويدافع عن مكونه مهما اختلفت وجهات النظر والرؤى الداخلية".
وبخصوص الالتزام في إعادة تشريح الحلبوسي لرئاسة البرلمان، قال البيدر إن "الموضوع مركب لأن الأمر يتعلق بقدرة الرجل أولا على توحيد موقف تحالف تقدم بخصوص ترشيحه لرئاسة البرلمان، والأمر الآخر إقناع حليفه الجديد (عزم) إضافة إلى أصوات أخرى داخل المكون السني".
وتابع: "لذلك، فإن الشخصية التي تشغل أيا من الرئاسات الثلاث لا يمكن لها أن تتبوأ المنصب ما لم تحصل على تأييد مكونها ثم موافقة المكونات الأخرى. إذن الموضوع لا يقترن برغبة الحلبوسي الشخصية وحتى الحزبية، فربما يدخل في مساحات أخرى تحددها ظروف وعوامل ورغبات الأطراف الأخرى".
ولفت البيدر إلى أن "الحلبوسي قد يرشح من المكون السني، لكن ربما نشهد الإطاحة به داخل قبة البرلمان عن طريق التصويت، فقضية اختيار أي شخصية للرئاسات تكون خاضعة إلى توافقات؛ سواء داخل مكونهم أو حتى بشكل عام على مستوى باقي المكونات الرئيسة في البلاد".
وفي المقابل، رأى الكاتب العراقي سالم مشكور خلال مقال نشرته وكالة "المعلومة" العراقية في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 "أردوغان وحد الساحة السنية تحت عباءته عبر تشكيل كتلة (العراقية) في انتخابات 2010 والتي قامت على أساس دخول العملية السياسية بكتلة قوية".
وأضاف مشكور أن "آنذاك كانت السعودية وقطر على رأي واحد يمدان مشروع أردوغان لسنة العراق بما يحتاج من مقومات مادية، لكن افتراق موقفيهما إثر الخلاف السعودي الإماراتي مع قطر شق الساحة السياسية السنية العراقية إلى فريقين".
ورأى الكاتب المقرب من حلفاء إيران بالعراق أن "أردوغان يعود اليوم إلى دوره السابق في توحيد الساحة السنية العراقية بزعامته محددا لها من سيتولى حصتها في العملية عبر رئاسة البرلمان، مستفيدا من تراجع الخلاف مع السعودية التي تراجع دورها في الساحة السنية العراقية واتجهت إلى الانفتاح على أطراف شيعية".