مع السماح بالتحريض الإسرائيلي.. هذه حيل "فيسبوك" لطمس الرواية الفلسطينية

12

طباعة

مشاركة

كشفت وثائق داخلية في "فيسبوك"، أن الشركة قيدت حساب الناشط الفلسطيني الشهير محمد الكرد من القدس، رغم أنه لم يرتكب أي مخالفة للمعايير المتبعة على منصاتها.

ونشر موقع "أي بي سي نيوز" الأميركي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أنه جرى تقييد حسابات الكرد على "فيسبوك" وانستغرام".

وأظهرت رسالة داخلية موجهة من موظفي "فيسبوك" إلى الهيئة الأميركية الرسمية المشرفة على ضمان الممارسات العادلة لصالح مساهمي الشركات، وهي هيئة الأوراق المالية والبورصات، أن هناك قيودا ظاهرة فرضت على حساب الكرد دون مبرر.

وضمن الوثائق المسربة، أعرب الموظفون عن قلقهم بشأن قرارات تعديل المحتوى أثناء العدوان الإسرائيلي على القدس وقطاع غزة في شهر مايو/أيار 2021.

وجرى التأكيد أن حساب الكرد ليس الوحيد الذي يواجه قيودا واضحة بدون سبب بعد منشورات تتعلق بالقضية الفلسطينية.

ويأتي الكشف عن الوثائق المتعلقة بتقييد حساب الناشط المقدسي محمد الكرد ضمن مسلسل طويل من الانتهاكات والتضييقات بحق الناشطين الفلسطينيين، والتي اشتدت منذ عام 2016.

وطالت تلك الحملة ناشطين وصحفيين وصفحات إخبارية ومدونين وكتابا وغيرهم ممن يبثون الرواية الفلسطينية .

وقال  محمد الكرد في حديث لـ "الاستقلال" إن المستندات الواردة عن تقييد حساباته غير مفاجئة.

وبين أن سياسة تكميم الأفواه والتواطؤ بين فيسبوك والاحتلال شيء غير جديد، ويطال جميع المحتوى الفلسطيني، وليس فقط حسابه الشخصي.

تنسيق وتحريض

وأفاد موقع موندويس الأميركي المستقل مايو/أيار عبر حسابه بموقع تويتر أن منصات “إنستغرام وفيسبوك تفرضان رقابة على المنشورات المتعلقة بأحداث الشيخ جراح في القدس".

واعتبر أن هذا السلوك انحياز صارخ للموقف الإسرائيلي وابتعاد كلي عن الموضوعية، وأن تلك المنصات انحرفت عن مساراتها الحقيقية، وأصبحت طرفا معاديا طالما أنها صادرت حق الإنسان الفلسطيني في العيش الكريم. 

وبين أن هذه المنصات صادرت حق مستخدميها في العالم بمعرفة حقيقة ما يقع في القدس.

وتتعاون إسرائيل وشركة فيسبوك بشكل علني لمحاربة المحتوى والرواية الفلسطينية.

وسبق أن كشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق جلعاد أردان  في أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن فيسبوك أنشأ طاقما متخصصا لمتابعة الشكاوى الإسرائيلية بهدف إظهار كيفية إزالة "المحتوى التحريضي الفلسطيني" على الإنترنت، حسب زعمه.

ومطلع 2018 أعلنت وزارة القضاء الإسرائيلية أن إدارة موقع فيسبوك استجابت عام 2017 لما يقرب من 85 بالمئة من طلبات إسرائيل، لإزالة وحظر وتقديم بيانات خاصة بالمحتوى الفلسطيني على موقع التواصل.

وكانت مؤسسة "إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان" قد اتهمت إسرائيل عام 2020  بـ"توظيف علاقاتها مع شركة فيسبوك لمحاربة المحتوى الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني الأزرق".

ومن جانبه  قال الخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي: إن الأمر لا يحتاج لتحليل حتى يستنتج وجود تنسيق بين إسرائيل وفيسبوك في محاربة المحتوى الفلسطيني، بل هو واقع متواصل.

وجرى تواصل مباشر بين رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو ومؤسس شركة فيسبوك مارك زوكربيرغ خلال الدورة الحكومية السابقة.

وكذلك جرى لقاء بين وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق  جلعاد أردان  ومسؤولين في فيسبوك، يقول النعامي لـ"الاستقلال". 

وأضاف: "يحارب فيسبوك المحتوى الفلسطيني بشدة تحت ذرائع متعددة، ولكن في المقابل التحريض الصهيوني عبر فيسبوك مستمر".

وأثبتت دراسة إسرائيلية نشرت منذ عام حول واقع التحريض في مواقع التواصل أنه في كل ثانية هناك 66 منشورا عنصريا ضد الفلسطينيين والعرب ينشر من حسابات عبرية على هذا الموقع.

وأوضح النعامي أن التعاون والتنسيق بين حكومات الاحتلال وشركة فيسبوك متواصل وآخذ بالتصاعد، في حين يتجاهل الموقع آلاف المنشورات اليومية المحرضة على الفلسطينيين، والتي تؤدي بشكل متواصل لاعتداءات المستوطنين على سكان الضفة الغربية.

وخلال عام 2016 عينت فيسبوك جوردنا كوتلر مسؤولة عن الاتصالات والتنسيق بين الشركة والحكومة الإسرائيلية.

 وعلى الرغم من تنافس عدد كبير على هذا المنصب، فقد اختارت الشركة كوتلر، ذات التوجهات اليمينية المتطرفة وهو ما طرح تساؤلات عن ماهية المرحلة الجديدة من التعاون والتنسيق في الحرب على صفحات وحسابات الفلسطينيين، حسب مراقبين.

وناشدت لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين المؤسسات الدولية في مايو/أيار 2021 "للضغط على إدارة فيسبوك التي تمارس ازدواجية في التعامل والمعايير".

وقالت اللجنة إن "فيسبوك تطلق العنان للصفحات الإسرائيلية التي تدعو للعنصرية والكراهية، وتضيق في ذات الوقت على الصفحات الفلسطينية".

"حرب كبرى"

ويعتبر الصحفيون المؤثرون والمؤسسات الصحفية هدفا للاحتلال وشركة فيسبوك حيث حذفت مئات الحسابات التي تعود لأولئك على مدار السنوات الأخيرة.

ووثق مركز صدى سوشال المتخصص بمواقع التواصل الاجتماعي خلال عام 2020 نحو 1200 انتهاك بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني على تلك الشبكات.

وطالت سياسة الحذف مؤسسات إعلامية فلسطينية كبيرة حيث حذف فيسبوك في 13 يوليو/تموز 2021، صفحة وكالة شهاب أكبر الصفحات الإخبارية الفلسطينية على مواقع التواصل بعد أن بلغ عدد متابعيها  7.5 مليون متابع، ضمن سياسة محاربة المحتوى حسب ما أعلنته الوكالة. 

وكذلك، أعلنت "قدس الإخبارية" التي تعد إحدى أكبر الشبكات على مواقع التواصل الاجتماعي في 27 يوليو/تموز وقف النشر على صفحتها الرئيسة في فيسبوك، بسبب التضييقات التي تتعرض لها.

ومن جانبه، قال الصحفي عبد الكريم عودة: إن إدارة فيسبوك منذ عام 2016 بدأت تطبق سياسة عدوانية ضد الناشطين والإعلاميين الفلسطينيين، وإن هذه السياسة بدأت بحذف عدد كبير من الحسابات المحسوبة على حركة المقاومة الإسلامية حماس وفصائل المقاومة.

ثم تصاعدت تدريجيا لتشمل خطوات تضييقية لكل من يناصر القضية الفلسطينية ويحاول الكشف عن جرائم الاحتلال.

وأضاف عودة لـ"الاستقلال": "يحذف فيسبوك منشورات الفلسطينيين بمجرد ورود بعض الكلمات داخل المنشور، أو أن تنشر صورة لجريح أو شهيد أو شاب ملثم، وسجلت حالات حذف لصور فقط لأنها تحتوي على الكوفية". 

وشدد على أنه منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة مايو/أيار أصبح فيسبوك أكثر شدة على الفلسطينيين وبالغ الحساسية تجاه أي منشور يتوقع أنه يحتوي على كلمات تمس دولة الاحتلال.

وأكد أن الهدف الأساسي من هذه الحملة هو قطع صورة الحقيقة عن العالم في الوقت الذي باتت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة الإعلام الأبرز والأكثر شعبية.

 لذلك جرى إقرار سلسلة إجراءات تنتهي بحذف حسابات الناشطين المؤثرين وصفحات مؤسسات إعلامية كبيرة على فيسبوك ومواقع تواصل أخرى.

وكشف بحث علمي صدر عن جامعة نيويورك نشر في سبتمبر/أيلول 2021 النقاب عن بعض تفاصيل حملة تشنها إسرائيل ضد المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي عبر "خوارزميات" إلكترونية.

واعتبر البحث الذي حمل عنوان "تأجيج النار" أن هذه "الخوارزميات" تسببت في تعرض الفلسطينيين لـ "درجة غير مبررة من الرقابة" على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

وبدوره قال الناشط عبد الرحمن علوان: إن إدارة فيسبوك حذفت له 3 حسابات، احتج في واحد منها على قصف قناة الأقصى الفضائية عام 2018.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "كنا ننشر منشورات عن مخطط الاحتلال لتهجير سكان حي الشيخ جراح مع استنكار لخطواته القمعية، وخلال الحملة تم إخطاري ووقف حسابي عدة مرات، وفي النهاية تم حذفه نهائيا في بداية الحرب بعد نشري صورة لغارة إسرائيلية".

ويرى الناشط أن الفيسبوك أصبح أداة بيد إسرائيل لإسكات أي صوت ضدها، باستخدام خوارزميات جديدة يتم تحديثها خصيصا لقمع الصوت الفلسطيني.