وثائق داخلية فضحته.. لماذا تستهدف فيسبوك الفلسطينيين ومسلمي الهند؟

12

طباعة

مشاركة

حين سعى مسلمون لنشر صور وفيديوهات على فيسبوك تبين جريمة قتل جنود هنود فلاحا مسلما في ولاية آسام بالضرب والقفز فوق رقبته بأحذيتهم، حجبتها الشركة بدعوى أنها تنشر "محتوى حساسا وصادما".

الأمر نفسه تكرر عند نشر صور جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وضحايا قصف غزة، كما جرى حجب حسابات أفراد ومنظمات فلسطينية لأنها نشرت صور الفظائع الإسرائيلية لتعريف العالم بما يجري.

تبين بعد فضيحة "أوراق فيسبوك" (Facebook Papers) أن الأمر ليس مجرد منع أو "انتقاء" أخبار تحريضية ضد المسلمين.

كما ظهر أن "فيسبوك" نفسه أصبح يستخدم لنشر الكراهية ضد المسلمين، وأن الشركة لم تتدخل لمنع ذلك، حسبما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال".

الصحيفة الأميركية التي حصلت على وثائق وتقارير داخلية خاصة بشركة فيسبوك، أكدت في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن المحتوى التحريضي ضد المسلمين على الشبكة بالهند، ارتفع، على سبيل المثال، بنسبة 300 بالمئة.

القضية أعمق من ذلك، فالموقع الأشهر بين مواقع التواصل تحول إلى "وحش يستهدف المسلمين ويتربح من الكراهية ضدهم"، حسبما قالت صحيفتا الغارديان وانترسبت في تقارير سابقة 5 ديسمبر/ كانون الأول 2019.

وبينما يشكو مسلمو الهند والفلسطينيون وغيرهم من تزايد اضطهاد فيسبوك لهم وحذف بعض صورهم وحساباتهم بدعوى الحد من الكراهية، يسمح بالمقابل بنشر مجموعات صهيونية وهندوسية تهديدات لقتل وذبح المسلمين. 

فضائح ممنهجة

بعد شكاوى قدمت ضد فيسبوك، أجرت إدارة الموقع تحقيقات، تسرب بعضها، أظهرت اعتراف مسؤولي الشركة بمشاركتهم في تأجيج العنف والكراهية ضد مسلمي الهند والفلسطينيين، وغيرهم.

أوضحت التقارير أن رسائل الكراهية على منصات فيسبوك وواتساب استهدفت المسلمين وخاصة في الهند ومناطق أخرى.

كشفت الوثائق المسربة أن فيسبوك "فشل في منع استخدام منصته للتحريض على العنف" في مناطق الأقليات المسلمة مثل ميانمار والصين وغيرها.

إضافة إلى خلق "بيئة مواتية" لانتشار انتهاكات حقوق الإنسان ضد المسلمين، كما تقول صحيفة "اندبندنت" البريطانية 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

القصة تدور حول بدء 17 مؤسسة إعلامية أميركية نشر سلسلة من التقارير تحت اسم "أوراق فيسبوك" (Facebook Papers)، تضم مئات الوثائق المسربة حول تحريض الموقع لجرائم الكراهية ودعمه المجموعات المتطرفة.

الوثائق التي بدأ نشرها منذ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تؤكد علم إدارة فيسبوك من موظفيها أن هناك مئات الحسابات التي تروج للكراهية ونظريات المؤامرة، لكن إدارة الشركة لم تمنع ذلك، حسبما توضح صحيفة "نيويورك تايمز".

ويرى مراقبون أنه لولا أن الفضائح التي كشفت تتعلق بنشر معلومات مضللة عن انتخابات الولايات المتحدة 2020، وفضائح كراهية وتضليل أخرى في دول أوروبية لما انتبه أحد لما تحتويه آلاف المستندات عن دعم فيسبوك الكراهية والعداء للمسلمين.

تتهم هذه الأوراق، فيسبوك، بإثارة الفتنة وتشجيع العنف مثل اقتحام الكونغرس 6 يناير/كانون الثاني 2021 وأنه جرى استخدام المنصة لاستغلال الناس، بحسب ما نشرت شبكة سي إن إن في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

خلال جلسات في الكونغرس وجهات أخرى، وجهت تساؤلات لمسؤولي الشركة حول "ترويجهم خطاب الكراهية، والتضليل السياسي، ومشاكل أخرى" بعد ظهور عشرات آلاف المستندات التي قد تؤدي لمحاكمة الشركة.

أصبح فيسبوك يواجه "أسوأ أزماته على الإطلاق"، ويكافح سيلا من "الأخبار السيئة"، حول تسريبات داخلية من موظفين سابقين تكشف فضائحه وقد تعرضه للمحاكمة، وفقا لما نشرت مجلة "بوليتيكو" الأميركية 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

الوثائق المسربة أظهرت أن خدمة فيسبوك الإخبارية، لا تطبق لوائح منع نشر الأخبار المضللة أو التي تحض على الكراهية والعنصرية على حساب "بريتبارت" اليميني المتطرف، بحسب ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وبينت أن عدم تطبيق تلك القواعد في كثير من الأحيان على تلك الحسابات المتطرفة اليمينية يعود إلى الخوف من ردود الفعل السلبية العامة، ولحرص إدارة فيسبوك على عدم الظهور بمظهر "المتحيز" لأطراف معينة.

بحسب الوثائق المسربة، انتقد موظفو "فيسبوك" سماح الإدارة بعرض محتويات موقع "بريتبارت" في "النافذة الإخبارية" للموقع، ما ساعد هذه الشبكة الإخبارية المتطرفة على تحصيل إعلانات وعوائد مالية أكبر وساهم في اقتحام الكونغرس.

تحريض في الهند

أكد باحثو فيسبوك في الوثائق المسربة أن موقعهم في الهند ممتلئ بالمحتوى التحريضي الذي يرتبط بأعمال الشغب الدينية ضد المسلمين خصوصا، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

أظهرت الوثائق أن الشائعات والدعوات للعنف انتشرت على منصتي واتساب وفيسبوك بالهند أواخر فبراير/شباط 2020، وأدى العنف الطائفي في دلهي إلى مقتل 53 غالبيتهم من المسلمين.

وصل الأمر إلى سماح الشركة بنشر محتوى كاذب على فيسبوك وواتساب، يتهم المسلمين بالتسبب في انتشار جائحة كورونا في الهند ما أدى لاستهداف جماعات هندوسية متطرفة للمسلمين، بحسب الوثائق المسربة.

كانت الشركة قلقة للغاية بشأن كيفية ارتباط خدماتها بالصراع هناك لدرجة أنها أرسلت باحثين لمقابلة عشرات المستخدمين لمواقعها لكنها لم تفعل شيئا.

رجل هندوسي في دلهي أخبرهم أنه تلقى رسائل كاذبة متكررة على فيسبوك وواتساب خطيرة للغاية تدعي أن "الهندوس في خطر، والمسلمين على وشك قتلنا"، ما أجج العنف ضد المسلمين.

رجل مسلم في مومباي قال لباحثي فيسبوك إنه يخشى على حياته بسبب الكم المخيف من الكراهية على موقع فيسبوك ضد المسلمين، والتي لا تسعى الشركة لتقليلها، وفق "وول ستريت جورنال".

أكد باحثو فيسبوك أن مجموعتين هندوسيتين تربطهما علاقات بالحزب الحاكم تنشران محتوى تحريضيا معاديا للمسلمين على المنصة، ويروجون منشورات تجرد المسلمين من الإنسانية وتقارنهم بـ "الخنازير والكلاب".

قالوا إن المجموعات الهندوسية المتطرفة على فيسبوك، تنشر "معلومات مضللة تزعم أن القرآن يدعو الرجال لاغتصاب أفراد أسرهم من الإناث"، ولم يصنفها الموقع "خطيرة" أو يحذفها بسبب "الحساسيات السياسية"!.

مسؤول بالشركة اعترف لـ "وول ستريت جورنال" أن: "خطاب الكراهية ضد المسلمين، آخذ في الارتفاع على مستوى العالم"، وزعم أن الشركة تعمل على تحسين وتحديث سياساتها.

وحش يستهدف المسلمين 

وفي 5 ديسمبر/كانون الأول 2019، كشف تحقيق استقصائي لصحيفة "الغارديان" البريطانية "مؤامرة سرية" تمكنت خلالها مجموعة من أكبر تنظيمات وصفحات اليمين المتطرف من السيطرة على موقع "فيسبوك"، وبث الكراهية ضد الإسلام.

كشف التحقيق أن فيسبوك متورطة لأنها تفعل ذلك مقابل تحقيق أرباح من خلال "صناعة الكراهية" ضد الإسلام.

رصدت الصحيفة انتشار أكثر من 6795 منشورا مزيفا عن الإسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فقط على فيسبوك، وتلقت تلك المنشورات أكثر من 846 ألفا و244 إعجابا أو مشاركة أو تعليقا.

قالت الصحيفة البريطانية: "علمت فيسبوك بوجود تلك المؤامرة وانتشار تلك الشبكات السرية، ولكن لم تتحرك لأن تلك المنظمات تدفع مقابل حملات إعلانية ودعائية ضخمة جدا، وبالتالي لم تعاقبها".

توصلت "الغارديان" إلى أن الغرض الأساسي من تلك الحملة، ليس سياسيا فقط، بل هو "سياسي – تجاري".

أوضحت أن صفحات فيسبوك تسعى لاستغلال "اليمين المتطرف" وتنامي مشاعر الكراهية ضد الإسلام، من أجل زيادة المتابعين ما يجعلهم يربحون من خلالها الأموال عن طريق الإعلانات المكثفة وزيادة "الترافيك".

بالتزامن، نشر موقع "انترسبت" الأميركي في 7 ديسمبر/كانون الأول 2019 تقريرا آخر، يؤكد أن فيسبوك تحول إلى "وحش يستهدف المسلمين بشهادة الأمم المتحدة".

تحت عنوان: "عزيزي (مؤسس فيسبوك) مارك زوكربيرغ ما سر هذا التغير الهائل في مواقفك واستخدام المنصة في التحريض على كراهية المسلمين"، نشر "انترسبت" تقريرا يؤكد تحول الشركة للتحريض ضد المسلمين في كافة أنحاء العالم.

تساءل "انترسبت" عن سر التغير الهائل في مواقف مارك زوكربيرغ، والذي جعل الأمم المتحدة تصف فيسبوك بأنه تحول إلى وحش.

وأكدت الأمم المتحدة أن فيسبوك يشارك في الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار.

صرح رئيس بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ميانمار، مرزوقي داروسمان، في مارس/آذار 2018، أن فيسبوك، كان لها «دور حاسم في أعمال العنف»، و"أسهمت على نحو خطير في رفع مستوى الحدة والانقسامات والصراع".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أقر مدير سياسات المحتوى بموقع فيسبوك، أليكس واروفكا، بأنه وزملاءه في الموقع لم يبذلوا ما يكفي "للمساعدة في الحيلولة دون استخدام المنصة في التحريض على العنف المباشر ضد المسلمين".

تكرر الأمر مع مسلمي سريلانكا عندما ذهب أعضاء من مجموعة «مركز السياسات البديلة» الحقوقية لشركة فيسبوك بعدة مقاطع فيديو نشرتها الشركة تدعو إلى معاداة وكراهية وقتل المسلمين، لكن تم تجاهل ذلك، بحسب "نيويورك تايمز".

تحريض ضد الفلسطينيين

الأمر نفسه حدث مع الفلسطينيين بحذف فيسبوك حسابات وتعليقات تخص القضية الفلسطينية، بينما تركت الشركة أنشطة إسرائيلية عنيفة ودعوات تحريضية ضدهم.

دفع غلق عشرات الحسابات الفلسطينية وحذف المحتوى الداعم للقضية بحجة أنه "صادم ضار بالجمهور"، الفلسطينيين للتقدم بشكوى رسمية ضد شركة فيسبوك.

قالوا في شكواهم إن "إدارة فيسبوك تشارك في سياسة التعتيم على معاناة الشعب الفلسطيني تحت حجة، مواد مؤذية، وتخفي ما يجري في المسجد الأقصى ضد المسلمين ومن جرائم حرب في غزة وغيرها".

كما تحدثوا عن "عدد هائل من المنشورات عن فلسطين تحذفها إدارة فيسبوك يوميا"، بخلاف إغلاق حسابات ناشطين فلسطينيين ومناصرين لقضيتهم.

وفي الوقت ذاته يتركون موقعهم في إسرائيل يعج بخطابات التحريض والكراهية والعنصرية والقتل ضد الفلسطينيين ومن أعلى الهرم السياسي دون أي رقابة.

في مايو/أيار 2021 تقدم المركز المختص للدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية بشكوى رسمية إلى إدارة فيسبوك، ولمقر الأمم المتحدة الخاص بحرية الرأي والتعبير بشأن انتهاك المحتوى والتعتيم على معاناة الشعب الفلسطيني.

بحسب ما نشرت مجلة "تايم" الأميركية 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أزال تطبيق انستغرام المملوك لفيسبوك المنشورات التي تشير إلى المسجد الأقصى والوسم التي ذكرته خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021.

زعم مسؤولو فريق "فيسبوك" أنه حدث تصنيف غير دقيق لبعض الكلمات التي يشيع استخدامها من قبل الفلسطينيين، بما في ذلك "الشهيد" و"المقاومة"، على أنها تحريض على العنف.

مجلة "تايم" اتهمت فيسبوك أنه يتعامل بالفعل بشكل وثيق مع وحدة الإنترنت التابعة للحكومة الإسرائيلية، التي تأسست عام 2015 للإبلاغ عن محتوى منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبرها أجهزة الأمن الإسرائيلية معادية لها.

قالت إنه عام 2020، وافق فيسبوك على 81 بالمئة من طلبات الإزالة والحذف التي طلبتها إسرائيل.

اعتذرت إدارة فيسبوك للفلسطينيين، بحسب مجلة تايم لكن التحريض لا يزال قائما.

وجاء الاعتذار عقب شكوى قدمتها السفارة الفلسطينية في بريطانيا إلى فيسبوك طالبت فيها بوقف هذا التحيز الفاضح فورا.

رسالة فيسبوك الرسمية تضمنت اعتذارها عما جاء في الشكوى من تقاعس الشركة عن مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في احترام القانون الإنساني الدولي وحق الشعب الفلسطيني في التعبير عن الاضطهاد الذي يتعرض له، والنضال من أجل إنهائه.

قالت الشركة إنها ستنظر في حملات التحريض على العنف ضد الفلسطينيين والتي بسببها قُتل مدنيون في القدس وغزة والضفة وداخل أراضي 1948 المحتلة.

وأقرت "بأخطاء في التعامل مع مستخدمي منصاتها من الفلسطينيين"، وحذف منشوراتهم وإغلاق حساباتهم بسبب استخدام كلمات مثل "الأقصى"، وأكدت نيتها تصحيح هذه الأخطاء.