"أشباح الماضي".. مفتاح الكاظمي للحد من نفوذ مليشيات الشيعة في العراق
سلط معهد دراسات إيطالي الضوء على تصريحات رئيس هيئة "الحشد الشعبي" في العراق فالح الفياض، بشأن إعادة ضم الآلاف من عناصره السابقة إلى صفوفه، ورد فعل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بهذا الخصوص.
ويرى "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن التصريحات الأخيرة لقادة "الحشد الشعبي" تشكل تحديا واضحا لرئيس الوزراء الكاظمي، الذي حاول في الأشهر الأخيرة مواجهة القوة المفرطة للفصائل الموالية لإيران المنضوية في تحالف الفصائل شبه العسكرية للمليشيا الشيعية.
وأوضح أن "الفياض أعلن منذ أسابيع قليلة عن إعادة ضم ما لا يقل عن 30 ألف عنصر سابق في التنظيم إلى صفوفه، من بين هؤلاء، عناصر فسخت عقودهم بين عامي 2014 و 2018 بسبب التغيب وآخرون وقع طردهم على إثر حملات مكافحة فساد أشرف عليها الكاظمي".
من ناحية أخرى، صرح زعيم كتلة الفتح التي تمثل "الحشد الشعبي" في البرلمان، أحمد أسدي، أن "وزارة المالية أعطت بالفعل الضوء الأخضر لإعادة ضمهم".
مأزق سياسي
وأشار المعهد إلى أن "الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أدى إلى ولادة نظام سياسي سمح لطهران بزرع "عملائها" في المؤسسات السياسية والعسكرية للبلاد".
وذكر أنه عام 2014، في ظل عجز الجيش الحكومي في صد هجوم "تنظيم الدولة"، ضغطت طهران على بغداد من أجل أن تمنح مزيدا من السلطة للمليشيات الشيعية النشطة في المنطقة منذ سنوات.
وأدى ذلك إلى ولادة قوات الحشد الشعبي، وهو تحالف من مليشيات شبه عسكرية أصبح في السنوات التالية لاعبا رئيسا لا في الجيش العراقي فحسب، بل أيضا في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبلاد الرافدين.
وجدير بالذكر أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تظاهر الشعب العراقي في الشوارع؛ تنديدا بالفساد المستشري وتدخل طهران في الشؤون الداخلية.
وأعقب ذلك استقالة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، و في مايو/أيار 2020 منح البرلمان الثقة لحكومة مصطفى الكاظمي بعد مأزق سياسي غير مسبوق.
وفور تعيينه، تعرض رئيس الوزراء الحالي إلى ضغوط من قبل تحالف فتح، القوة السياسية التي تمثل الحشد الشعبي، لتعيين شخصيات مقربة من المليشيا لشغل مناصب وحقائب وزراية ذات أهمية إستراتيجية (وزير المالية والنفط والشؤون الخارجية).
في المقابل، أوضح المعهد الإيطالي أن الكاظمي أكد مرارا خلال فترة ولايته على ضرورة مواجهة القوة السياسية والاقتصادية التي تتمتع بها المليشيات الشيعية.
ولفت إلى أنه رغم أن قوات الحشد الشعبي قد أسهمت بشكل كبير في مواجهة تنظيم الدولة، إلا أن بعض فصائلها تسببت في مزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد، من خلال أعمال العنف التي تمارسها ضد المدنيين وهجماتها على المواقع الأميركية في البلاد.
توترات مستقبلية
ولهذه الأسباب، أمر الكاظمي في يونيو/حزيران 2020، جهاز مكافحة الإرهاب بالتحقيق في نشاط جماعة "كتائب حزب الله" القريبة جدا من طهران.
وأعقب ذلك اعتقال عشرات من أعضائها المتهمين بالتخطيط لهجمات صاروخية على السفارة الأميركية في بغداد.
وفي الآونة الأخيرة، خلال مايو/أيار 2021، اعتقلت قوات خاصة القيادي بالحشد الشعبي قاسم مصلح، بتهم الإرهاب وارتكاب اعتداءات ضد المتظاهرين خلال الاحتجاجات الأخيرة قبل أن تطلق سراحه في يونيو/حزيران 2021، إثر ضغوط مارستها فصائل من المليشيا الشيعية ضد الحكومة وخاصة ضد الكاظمي.
ويرى المعهد أن بغداد مطالبة بالتعامل مع "أشباح الماضي لتحقيق الاستقرار ومن أبرزها معضلة المليشيات"، مشيرا إلى أن أمن العراق المعاصر اتسم على الدوام بحالة من الانقسام والتنافس الداخلي.
وفي نفس السياق، أشار إلى تسلل أكبر للمليشيات الشيعية منذ عام 2003 إلى الدولة، وفي السنوات التالية استغلت عدم الاستقرار الإقليمي واندلاع ثورات الربيع العربي وصعود تنظيم الدولة لتنشيء دولة عميقة في العراق، مماثلة لما فعله حزب الله في لبنان.
وأوضح المعهد الإيطالي أن المليشيات الشيعية باتت تحكم سيطرتها على نقاط التفتيش وتقدم أيضا الخدمات للسكان، بالإضافة إلى ممارستها أنشطة التهريب، كما أنها تؤثر على القرارات السياسية في الحكومة والبرلمان.
من جانبه، يدرك الكاظمي أنه لا يستطيع تفكيك دولة المليشيات في وقت قصير، لا سيما وأن المشكلة لها جذور عميقة ولأن أكثر الجماعات نفوذا مدعومة من طهران، يشرح المعهد.
ويرجح المعهد أن من بين السيناريوهات المستقبلية التي تنتظر العراق، هي أن تواصل مليشيات "الحشد الشعبي" هيمنتها، وهو ما من شأنه أن يحرم البلد في المقام الأول من التمتع بالدعم الذي ستحتاجه من المجتمع الدولي لإعادة الإعمار، بالنظر إلى تصنيف بعض الفصائل كمجموعات إرهابية.
ثانيا، يحذر المعهد من أن الوضع ينذر بتوترات مستقبلية مع واشنطن.
وخلص إلى القول إن هذا الواقع "قد يدفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب الكامل من العراق كما فعلت هذا الصيف في أفغانستان، مما سيسمح للخلايا النائمة لتنظيم الدولة بالتقدم أكثر على الميدان مستغلا ضعف الحكومة المركزية وانعدام ثقة السكان في مؤسسات الدولة".