"إيفرغراند" العقارية تثير مخاوف العالم.. هل تكرر الصين أزمة 2008 المالية؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تفاجأ العالم بالحديث عن مخاوف حول انهيار "إيفرغراند" أكبر الشركات العملاقة في مجال العقارات بالصين بعد تجاوز مديونيتها 300 مليار دولار.

جاء هذا التهاوي رغم أن أسهم الشركة صنفت في الآونة الأخيرة بأنها الأفضل في آسيا، ما تسبب في إرسال موجات من القلق في جميع أنحاء الأسواق المالية العالمية.

الشركة التي تأسست عام 1996، نمت بسرعة وطورت أعمالا منذ نشأتها في قطاعات أخرى مثل تشغيل المنتزهات الترفيهية وتصنيع السيارات الكهربائية، لكن المصدر الرئيس لإيراداتها يظل في تطوير العقارات.

أسس "إيفرغراند" شو جيايين في إقليم غوانزو، قبل أن يصبح خامس أغنى أغنياء الصين، وفق قائمة "هورون" المتخصصة في رصد أصحاب الثروات في البلاد، الذي قدرت وكالة بلومبيرغ الأميركية ثروته بنحو 40 مليار دولار.

وتمتلك الشركة في مجال العقارات أكثر من 1300 مشروع في أكثر من 280 مدينة في الصين، وتوظف نحو 200 ألف شخص إجمالا، وتخلق مشاريعها أكثر من 3.8 مليون وظيفة في السنة، وتملك أصولا تقدر بحوالي 350 مليار دولار، وفق بيانات الشركة.

أسباب ومخاوف

على الرغم من أن هذه المعطيات توحي للبعض بأن الشركة الصينية تتمتع بوضع أكبر من أن تفشل، فإن النمو السريع لـ"إيفرغراند" مدفوعا في جزء كبير منه بالاقتراض، في وقت يتضاءل ​​الطلب في سوق الإسكان بالصين.

وتميل شركات التطوير العقاري بالصين إلى تمويل العديد من نشاطاتها عبر استخدام الكثير من القروض، ولكن مع ارتفاع أسعار المساكن نتيجة الطلب العقاري المتزايد، عملت الحكومة على خفض الطلب وبالتالي كبح الزيادة في الأسعار، عبر ما يسمى بـ"الخطوط الحمراء الثلاثة".

ومع السياسات الحكومية الصينية تراجع الطلب على الشقق السكنية إلى حد ما، الأمر الذي دفع شركة إيفرغراند إلى هذه الأزمة حيث تواجه مشكلة بيع الشقق بالسرعة الكافية للوفاء بالتزاماتها من الديون.

ولكن ما أشعل فتيل الأزمة الآن هو التقرير المتشائم الذي أصدرته شركة إيفرغراند الصينية حول صحتها المالية.

وقالت الشركة إنها تواجه ضغوطا هائلة في السيولة وقد عينت مستشارين للنظر في إعادة الهيكلة التي قد تكون من أكبر عمليات إعادة هيكلة للديون في البلاد، ما أثار مخاوف حول إفلاس إمبراطورية إيفرغراند.

وكان يتعين على "إيفرغراند" في 23 سبتمبر/أيلول 2021، سداد فوائد قيمتها 83.5 مليون دولار عن سندات خارجية بقيمة ملياري دولار، إلا أنه وفق وكالة بلومبيرغ فإن الشركة ستسدد 232 مليون يوان (35.88 مليون دولار) فقط منها.

كما يتعين عليها دفع فوائد قيمتها 47.5 مليون دولار مع بداية أكتوبر/تشرين الأول، وستعتبر الشركة الصينية متخلفة عن السداد إن لم تدفع المبلغين في غضون 30 يوما من موعد الاستحقاق.

تأتي تلك المعطيات لتزيد من مخاوف المراقبين من تكرار سيناريو مصرف "ليمان" الأميركي الذي تسبب إفلاسه في الأزمة التي شهدتها الولايات المتحدة في عام 2008، ما أثار بلبلة كبيرة في الأسواق المالية في الأيام الماضية.

فالقلق بالنسبة للكثيرين في الصين وخارجها هو ما إذا كان يمكن أن يكون إفلاس شركة إيفرغراند له تأثير غير مباشر على الشركات الأخرى التي تتعامل معها وكذلك الأسواق المالية الدولية، خاصة وأن الصين هي ثاني أكبر مستورد في العالم.

وبالتالي فإن إفلاس الشركة الصينية سيقلل من طلب الشركات المحلية على منتجات الدول الأخرى.

بالإضافة إلى أن الاقتصاد الصيني متشابك مع العديد من الدول الأخرى، ما يعني أن الأزمة المالية أو المصرفية داخل الصين يمكن أن يكون لها بسهولة آثار سلبية خارج حدودها.

وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في 23 سبتمبر/أيلول 2021، توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني للعام الحالي إلى 8.1 بالمئة، مقابل 8.4 بالمئة بالتوقعات السابقة، بسبب تباطؤ قطاع العقارات في ظل المخاوف من إفلاس شركة إيفرغراند.

انعكاسات تلك المخاوف العالمية متجسدة فعليا في بعض الأرقام، حيث خسر أغنى 500 شخص في العالم ما مجموعه 135 مليار دولار في 20 سبتمبر/أيلول 2021، مع تضرر أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم خاصة أسهم شركات الصلب والمعادن بسبب مخاوف أزمة إيفرغراند.

كما تراجعت الأسهم الأوروبية 1 بالمئة إلى أدنى مستوياتها في قرابة شهرين في 20 سبتمبر/أيلول 2021، مقتفية أثر انخفاض الأسهم الآسيوية، وتزايد المخاوف بشأن تعثر المطور العقاري الصيني "إيفرغراند".

عواقب وأدوار

ولكن في حال إفلاس الشركة الصينية العملاقة المدينة أيضا بأموال لحوالي 171 بنكا محليا و121 شركة مالية أخرى، فستكون هناك عواقب على النظام المصرفي. 

يخشى المحللون أن تتبع ذلك أزمة ائتمانية، ستكون سيئة في التأثير على الصين والاقتصاد العالمي.

ويرون أن حاملي سندات إيفرغراند المقومة بالدولار من الأجانب، والتي يبلغ مجموعها حوالي 20 مليار دولار، لن يكون لهم رأي كبير فيما حدث، وبالتالي سيواجهون التراجع، ما يعني أنه من المحتمل أن يلاحقوا أموالهم في المحاكم الدولية.

بالإضافة إلى أن حوالي 78 بالمئة من ثروة الصينيين في المناطق الحضرية في العقارات السكنية.

 وبالتالي إذا انخفضت أسعار المنازل في الصين بشكل كبير في حال إفلاس إيفرغراند، فسيؤدي ذلك إلى تقليص الأصول الأساسية لأكبر طبقة وسطى في العالم، ما يؤدي إلى ارتعاش الاقتصادات الدولية.

ولكن يرى بعض المحللين أنه قد يكون التخلف عن السداد المحتمل في إيفرغراند عبئا كبيرا على قطاع العقارات.

وأشاروا  إلى أن الأزمة بعيدة كل البعد عن الكارثة التي حدثت عقب انهيار شركة ليمان الأميركية التي تسببت في الأزمة المالية العالمية خلال عام 2008.

حتى هذه اللحظة ما زال المحللون يراقبون الدور الذي ستلعبه الصين في هذه الأزمة التي تشهدها أحد أكبر شركاتها العقارية، حيث يراهن أغلب الخبراء على أن الدولة لن ترغب في خسارة أصحاب المساكن الصينيين مدخراتهم، من خلال مساندة شركة إيفرغراند.

ولكن تتعدد السيناريوهات المحتملة حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين خلال الفترة القادمة.

 فهناك احتمال إعادة الهيكلة مع سيطرة السلطات المحلية على أجزاء من الشركة، في حين يسمح للأقسام الاستثمارية في الشركة بالتوقف عن العمل. لكن مثل هذا سيكون مهمة ضخمة.

ويرى لاري أونغ من مكتب ساينوإنسايدر للأبحاث أن "أفضل سيناريو" هو أن تجد السلطات "طريقة لمنع إيفرغراند من إعلان إفلاسها، ومنح دائني الشركة بصيص أمل بأنهم سوف يتفادون حدوث كارثة بالحصول على شيء ما على الأقل، وتجنب ما يمكن أن يتسبب في مزيد من الاضطرابات الاجتماعية".

من جهتها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 23 سبتمبر/أيلول 2021، نقلا عن مسؤولين مطلعين على المناقشات أن السلطات الصينية تطلب من الحكومات المحلية الاستعداد لانهيار محتمل في "إيفرغراند".

وأضافت الصحيفة نقلا عن المسؤولين، أن الحكومات المحلية تلقت أوامر بتشكيل مجموعات من المحاسبين والخبراء القانونيين لفحص الماليات المرتبطة بعمليات "إيفرغراند" في مناطقهم.

كما أشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن الحكومات المحلية تلقوا أيضا أوامر بالتحدث مع مطورين عقاريين محليين تابعين للدولة وفي القطاع الخاص، للاستعداد لتسلم المشروعات وتشكيل فرق لإنفاذ القانون لمراقبة الغضب العام وما تسمى بالأحداث التي تشارك فيها حشود والتهوين من الدعوة لأي احتجاجات.