مع تراجع أسعار النفط.. ماذا وراء استمرار "أوبك بلس" في زيادة إنتاجها؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم تقلبات أسعار النفط خلال الأشهر الماضية، فإن دول منظمة "أوبك بلس" وافقت مطلع سبتمبر/أيلول 2021، على الاستمرار في زيادة الإمدادات بنحو 400 ألف برميل يوميا كل شهر.

وظلت أسعار النفط تسير صعودا وهبوطا بين 65 و77 دولارا للبرميل، وهو السعر الذي يعد مقبولا نسبيا للدول المنتجة، رغم أنه لم يلامس بعد الأسعار التي تتناسب مع موازناتها.

كما اتفقت الدول، على رفع خط الأساس لإنتاج "أوبك بلس" من 43.8 إلى 45.5 مليون برميل يوميا اعتبارا من مايو/أيار 2022، الأمر الذي سيسمح للسعودية وروسيا برفع إنتاجها بمقدار 500 ألف يوميا، والكويت والعراق بزيادة 150 ألف برميل يوميا.

وجاء الاتفاق في الوقت الذي ترتفع فيه الإصابات بفيروس كورونا في أنحاء العالم، وتظل فيه الكثير من شركات التكرير الأميركية -وهي مصدر رئيس للطلب على الخام- متوقفة عن العمل.

وتهدف تلك المساعي إلى التراجع عن تخفيضات الإنتاج القياسية التي تم تنفيذها خلال ذروة أزمة كورونا عام 2020.

وكانت تقارير قد أشارت إلى أن خبراء اللجنة الفنية المشتركة لمجموعة أوبك بلس عدلوا توقعاتهم لنمو الطلب على الخام في 2022 بالرفع إلى 4.2 ملايين برميل يوميا، ارتفاعا من توقع سابق عند 3.28 ملايين برميل يوميا.

ضغوط أميركية

ولكن مع كل ما واجهته الدول المنتجة للنفط -التي تعتمد أغلبها على إيرادات الذهب الأسود- من خسائر  خلال عام كورونا، فمن الطبيعي أن يسعى هؤلاء إلى استدراك تلك الخسائر وتعظيم أرباحهم عبر الحفاظ على مستويات الإنتاجية الحالية.

ويرجع ذلك إلى أن أسعار النفط بدأت في الانخفاض مرة أخرى لتهبط من 77 دولارا للبرميل وتحوم حول سعر 70 دولارا بزيادة طفيفة أو نقصان طفيف عن هذا السعر، ما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب قرار أوبك بلس الأخير.

وبحسب خبير النفط، نهاد إسماعيل، فإنه طالما أن أسعار النفط تزيد عن 70 دولارا فما فوق فهذا يعد أمرا مقبولا ولا يوجد حاجة لتقليص الإنتاج من النفط بالنسبة لمنظمة أوبك بلس ولا أيضا الولايات المتحدة الأميركية.

واعتبر إسماعيل في حديث مع "الاستقلال"، أن خطوات المنظمة النفطية تتواكب مع الرغبة الأميركية، لأنه في حال ارتفع سعر برميل خام برنت إلى ما يزيد عن 75 دولارا ما يعني أن خام تكساس الأميركي سيرتفع إلى ما يزيد عن 74 دولارا للبرميل، فإن أوبك بلس ستتعرض لضغوط أميركية.

وأشار إلى أن أي ارتفاع في أسعار خام برنت والذي تنتجه دول أوبك تنعكس على أسعار البنزين في محطات الوقود الأميركية، وبالتالي يتأثر المواطن الأميركي الذي يلعب دورا أساسيا في الانتخابات، في وقت لا يريد فيه الحزب الديمقراطي برئاسة الرئيس جو بايدن خلق أجواء من الاحتقان والتوتر في صفوف مجتمعه.

وأوضح خبير النفط، أن معدل سعر لتر البنزين في أميركا الآن 3.20 دولارات، فإذا ارتفع إلى 3.50 دولارات واقترب من  4، ستكون هناك احتجاجات في الولايات المتحدة مما سيؤثر على شعبية بايدن، لذلك إدارته حريصة أن تبقى الأسعار منخفضة في محطات الوقود.

وما يرغم أوبك على القيام بلعبة توازن حساسة جدا، فهي تراقب أسعار النفط لتبقيها عند مستويات مقبولة بالنسبة لأميركا وهي ما بين 70 دولارا و75 دولارا للبرميل، خاصة وأنه من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي مع تهافت شركات لقاحات كورونا على احتواء متحور الفيروس المسمى "دلتا".

وبالتالي فمن المتوقع ارتفاع أسعار النفط مستقبلا، ولكن ستظل الضغوطات الأميركية تلاحق أوبك بلس لتزيد من إنتاجها النفطي بشكل أكبر من 400 ألف برميل يوميا.

يأتي ذلك وسط الحديث عن توقعات المنظمة النفطية عن أن الطلب سيرتفع العام المقبل 3.4 بالمئة إلى 99.86 مليون برميل يوميا، بمتوسط يزيد على 100 مليون برميل يوميا في النصف الثاني من 2022.

وأشار إسماعيل، إلى أن الاقتصاد العالمي أيضا لا يتحمل أسعار عالية من النفط، كونه تعرض لكساد اقتصادي بسبب أزمة كورونا، نتيجة أن الطلب المرتفع قد يتحول إلى تقلص إذا شعر المستورد أن الأسعار مرتفعة جدا كالذي حدث في الهند خلال فترة قريبة عندما قامت بتقليص الاستيراد من السعودية ودول أوبك والاتجاه إلى مصادر أخرى.

وتابع: "أما في حال وصول أسعار النفط إلى 80 و90 دولارا للبرميل سيتراجع الطلب عالميا، كما ستتقلص معدلات النمو الاقتصادي عالميا".

وفي 9 مارس/آذار 2021، قال مصدران لوكالة رويترز: إن "الهند طلبت من مصافي التكرير الحكومية الإسراع في تنويع واردات النفط لتقليص اعتمادها تدريجيا على الشرق الأوسط بعد أن قررت أوبك بلس مواصلة أغلب تخفيضات الإنتاج حينها".

اقتصادات الخليج

ولكن في ظل تلك المعطيات، فإن ذلك يعني أن إيرادات النفط لن تتواكب مع السياسات الاقتصادية التي تهدف إليها دول الخليج العربي للانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع ذي موارد مختلفة والذي يتطلب مزيدا من الإنفاق لإحداث هذا التحول، وبالتالي ستلجأ تلك الدول إلى صناديقها السيادية.

هذه الخطوة تأتي وسط حديث عن أن دول العالم تحتاج إلى فترة زمنية تتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات؛ للانتعاش والعودة إلى مستويات ما قبل كورونا، ما يعني أن الطلب العالمي للنفط لن يعود بقوة قريبا، وبالتالي لن يصبح النفط المورد الوحيد للخطط الإستراتيجية التي تهدف إليها دول الخليج.

فرغم أن ارتفاع أسعار النفط له أثر إيجابي على جميع الدول المنتجة، وخاصة الخليج، لارتباط موازنتها بأسعار النفط، إلا أن الأسعار الحالية للنفط ما زالت بعيدة عن أسعار التعادل في دول الخليج والتي تتراوح ما بين 80 إلى 90 دولارا للبرميل.

بدوره، يرى إسماعيل أنه على الدول العربية المنتجة للنفط أن يضبطوا إنفاقهم بحسب الأسواق، وأن تكون ميزانيتهم القادمة قائمة عند سعر 75 دولارا للنفط.

وأشار إلى أنه في حال تم رفع السعر إلى 80 دولارا فإنه على المدى الطويل ستتضرر الاقتصادات التي تعتمد على استيراد النفط من الخارج، مثل الصين والهند حتى الولايات المتحدة التي تستورد ما بين 3 إلى 6 ملايبن برميل على حسب الطلب الداخلي.

وتعتبر الصين أكبر مستورد للنفط في العالم بنحو 10.85 ملايين برميل يوميا، بينما تحل الهند في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة بمتوسط واردات يومية تتراوح بين 4.6 - 4.9 ملايين برميل يوميا، وتأتي اليابان كرابع أكبر مستورد للنفط الخام بمتوسط واردات يومية 2.6 مليون برميل يوميا.

ولفت الخبير النفطي، إلى أن دول الخليج ستتأثر بالطبع من استمرار أسعار النفط الحالية، ولكن أيضا لا بد من الحفاظ على استمرارية الطلب عبر الإبقاء على هذه الأسعار حتى تتقبلها الدول المستوردة وتتمكن من إنعاش اقتصاداتها لتحفيز النشاط الإنتاجي الذي يزيد من الطلب النفطي اليومي.

وطالب دول الخليج بضرورة العمل الحثيث من أجل استغلال كل دولار من عائدات النفط الآن؛ لخدمة إستراتيجيات التحول الاقتصادي نحو التنوع، خاصة أنه على المدى البعيد الطلب على النفط سيقل والطلب على الطاقة المتجددة سيزداد.

المستقبل القريب

وتبقى أسعار النفط مرتبطة بمجموعة من العوامل، وهي الطلب العالمي وحجم المعروض وتداعيات أزمة كورونا وسلاسلها التي تتطور يوما بعد يوم، بالإضافة إلى مدى قدرة الاقتصاد العالمي بما يصحبه من نشاط وإنتاج على التعافي.

وتوقع بنك الاستثمار "غولدمان ساكس"، في 11 أغسطس/آب 2021، سعر 80 دولارا لبرميل نفط برنت بحلول الربع الأخير من العام الجاري، مقابل متوسط 71 دولارا في الوقت الحالي، نتيجة توقعه استمرار تراجع المعروض النفطي العالمي، واستمرار حالة التعافي الاقتصادي من تبعات جائحة كورونا.

وذكر البنك أن متوسط الطلب اليومي على الخام يبلغ 97.8 مليون برميل خلال الربع الثالث من العام الجاري، على أن يصعد إلى 98.4 مليون برميل يوميا في الربع الأخير.

بينما يرى بنك "يو بي إس غروب" (UBS Group) السويسري العملاق أن الأسعار ستعاود الارتفاع خلال الفترة المقبلة مع تحسن الطلب في الصين، ليصل إلى 75 دولارا للبرميل.

وتتراوح الأسعار خلال الفترة الحالية بالنسبة لعقود خام برنت القياسي، تسليم نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لتتداول عند 73.44 دولارا للبرميل، بينما لعقود خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، تسليم أكتوبر/تشرين الأول 2021، عند 70.16 دولارا للبرميل.