حملات افتراضية.. هل تغير "استثناءات كورونا" واقع المشهد السياسي بالمغرب؟
بترقب شديد لنتائجها، انطلقت قبل أيام حملة الانتخابات البرلمانية والمحلية بالمغرب المقررة في 8 سبتمبر/أيلول 2021، التي من شأنها أن تفرز حكومة جديدة بعد نهاية ولاية الائتلاف الحالي بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
وتعتبر المرة الأولى التي يدعى فيها قرابة 18 مليون مغربي، 46 بالمئة منهم نساء، للتصويت في اليوم نفسه لاختيار نواب الغرفة الأولى للبرلمان (395 عضوا)، ثم أكثر من 31 ألف عضو منتخب في مجالس المحافظات والجهات.
كذلك، هي الأولى التي تغيب فيها التجمعات الانتخابية أثناء الحملة؛ بسبب حالة الطوارئ الصحية التي تمنع تجمع أكثر من 25 شخصا.
وتشهد الحملة "احتداما ساخنا" بين العدالة والتنمية، وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده عزيز أخنوش، الطامح إلى كسر هيمنة الحزب الأول على المشهد السياسي لولايتين متتاليتين، بعد أن فشل "الأصالة والمعاصرة" في ذلك.
انتخابات خاصة
في 26 أغسطس/آب 2021، أعلنت الأحزاب المتنافسة في انتخابات 2021، عن افتتاح حملاتها الانتخابية بحضور محدود في مهرجانات بثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويراهن حزب العدالة والتنمية على تصدر الانتخابات البرلمانية للمرة الثالثة منذ وصوله لرئاسة الحكومة، دون تولي الوزارات الأساسية، وذلك في أعقاب انتخابات مبكرة أجريت في سياق الربيع العربي عام 2011.
وكان المغرب قد أقر حينها دستورا جديدا يعطي صلاحيات واسعة للبرلمان والحكومة، لكن القرارات والتوجهات الكبرى في القطاعات الأساسية ظلت تصدر عن مبادرات من الملك محمد السادس.
كذلك، ينافس على صدارة الانتخابات حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه عام 2008، فؤاد عالي الهمة مستشار الملك حاليا، لمواجهة الإسلاميين، قبل أن يستقيل منه في 2011.
ويخوض المنافسة حزب التجمع الوطني للأحرار برئاسة رجل الأعمال الثري ووزير الزراعة لعدة سنوات، أخنوش، الذي يوصف بأنه "مقرب من القصر"، فضلا عن حزب الاستقلال (يمين وسط).
وستحتسب النتائج وتوزع المقاعد على الفائزين للمرة الأولى في تاريخ المملكة استنادا على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، بينما كان يقتصر هذا الحساب على عدد المصوتين.
وندد حزب العدالة والتنمية بهذا القانون الجديد (يعرف باسم القاسم الانتخابي)، الذي أقرته كل الأحزاب الأخرى، على اعتبار أنه "يستهدف حظوظه" ويعقد مهمته في تشكيل غالبية حكومية لو فاز بالانتخابات.
كذلك أدان أمينه العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، فضلا عن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (يسار وسط)، نبيل بنعبد الله، في تصريحات متفرقة مؤخرا "استعمالا مكثفا للمال لشراء مرشحين ومصوتين"، دون تسمية أي طرف.
وهناك أمل لدى السلطات المغربية، وفق وكالة "فرانس بريس"، أن يساهم إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية والمحافظات في يوم واحد، في تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة تفوق معدل 43 بالمئة الذي سجل قبل خمسة أعوام.
حملة استثنائية
وفي ظل حالة الطوارئ الصحية التي يشهدها المغرب، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، وما تفرضه من قيود، بدأت الأحزاب السياسية عرض برامجها أمام الناخبين، مع إقبال متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان الملك محمد السادس قد أكد في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، في 20 أغسطس/آب 2021، أن تنظيم الاستحقاقات المقبلة في نفس اليوم "يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء السياسي المغربي".
وأشار الملك المغربي إلى أن "الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن".
وأضاف: "نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات"، وفق الخطاب.
وفي 25 أغسطس/آب 2021، عممت وزارة الداخلية رسالة على الولاة والعمال، لدعوة المرشحين للانتخابات بعدم توزيع المنشورات الدعائية في الشوارع أو تسليمها للمواطنين بالأيدي خلال الحملة الانتخابية، وسمحت فقط بتثبيتها وإلصاقها في أماكن عامة، وعدم تنظيم تجمعات انتخابية بالفضاءات المفتوحة التي تعرف الاكتظاظ، وغيرها من الإجراءات.
من جانبه، نقل موقع "الجزيرة نت"، عن مصدر لم يحدده في 27 أغسطس/آب 2021، قوله: إن السلطات العمومية عقدت لقاءات مع مسؤولي الحملات الانتخابية أبلغتهم فيها شفويا بالإجراءات الاحترازية المتعلقة بالتجمعات العمومية في الحملات الانتخابية، لافتا إلى أن مسؤولي الحملات لم يتوصلوا رسميا بأي منع لتداول المنشورات الورقية وتوزيعها على المواطنين.
واعتبرت قيادات حزبية أن هذا القرار "سيخلق إشكالا في التواصل بين الأحزاب السياسية والمواطنين"، حيث قال الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، في ندوة صحفية: إن "الانتخابات تقوم على أساس العلاقة المباشرة بين الأحزاب والمواطن، وعدم تمكينهم من توزيع أوراق الانتخابات سيقيدهم كثيرا خلال الحملة".
ويلزم القانون المنظم لمجلس النواب المرشحين بتبيان مصادر تمويل حملتهم الانتخابية وتبرير المصاريف الانتخابية بالوثائق المثبتة، ويجرد القانون من عضوية مجلس النواب كل نائب تجاوز السقف المحدد للمصاريف الانتخابية المحددة بقانون تنظيمي.
مراقبة مشددة
المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)، أعلن في 25 أغسطس/آب 2021، اعتماد أكثر من 4500 ملاحظ يمثلون 44 منظمة غير حكومية، لمراقبة الانتخابات المزمع تنظيمها في 8 سبتمبر/أيلول 2021.
وقال البيان: إن "اجتماعات اللجنة الخاصة لاعتماد ملاحظي الانتخابات قد توجت باعتماد الملاحظين عشية انطلاق الحملة الانتخابية للاستحقاقات".
وأضاف المجلس أن الملاحظين سيتوزعون على "كافة جهات المملكة (12 محافظة)، إضافة إلى حوالي 17 جمعية غير حكومية دولية وبرلمانين دوليين بحوالي أكثر من 70 ملاحظا".
وأكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، أن منح الاعتماد لملاحظي هذه الجمعيات قد تم في "حرص تام على استيفاء جميع الشروط التي تؤهلهم للقيام بالملاحظة المحايدة والمستقلة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك وفق المقتضيات القانونية والتنظيمية ذات الصلة".
وجددت بوعياش الدعوة للهيئات المعتمدة لملاحظة الانتخابات إلى "التقيد الصارم بالتدابير الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا، والتي كانت قد وجهت اللجنة بخصوصها مذكرة للممثلين القانونيين لهذه الهيئات".
وتستمر الحملة لمدة 13 يوما وهي فرصة للأحزاب المتنافسة من أجل إقناع الناخبين بالتصويت لمرشحيها في الاستحقاقات المرتقبة، حيث بلغ عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية خلال نهاية يوليو/تموز 2021، 17 مليونا و983 ألفا و490 شخصا، وفق بيانات رسمية.
مؤشرات أولية
في 7 أغسطس/آب 2021، تقدم حزب التجمع الوطني للأحرار في "الانتخابات المهنية" بفارق كبير على باقي الأحزاب، وفق نتائج أعلنتها وزارة الداخلية.
وتنافس خلال انتخابات الغرف المهنية، 12 ألفا و383 مرشحا، بينهم 2940 امرأة، على 2230 مقعدا.
وقال وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، في مؤتمر صحفي عقد في اليوم نفسه: إن حزب التجمع (مشارك بالائتلاف الحكومي)، تصدر الانتخابات بـ638 مقعدا من أصل 2230.
وأضاف: إن حزب "الأصالة والمعاصرة" (أكبر أحزاب المعارضة)، حل ثانيا بـ363 مقعدا، يليه "الاستقلال" (معارض) بـ360 مقعدا.
وجاء "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي)، ثامنا بـ49 مقعدا، بعد "الحركة الشعبية" (160)، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (146) و"الاتحاد الدستوري" (90) و"التقدم والاشتراكية" (82).
وفازت الأحزاب السياسية الأخرى، وعددها 23 حزبا، بـ71 مقعدا، فيما فاز المستقلون بـ271.
وجرت انتخابات الغرف المهنية في ظروف استثنائية، لا سيما وأنها الأولى في ظل تفشي جائحة كورونا، وقبل شهر على إجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية.
وتحدد هذه الانتخابات طبيعة الناخبين المعنيين باختيار ممثلي الغرف المهنية في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، والذي يضم 120 عضوا، ينتخب 20 منهم من طرف الغرف المهنية.
عناصر غير حاسمة
أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس بالرباط، عبد المنعم لزعر، يرى أن "التكيف مع الحالة الاستثنائية التي تجري فيها الانتخابات وما تفرضه من إجراءات احترازية بات يفرض على الأحزاب السياسية والمرشحين الانتقال من إستراتيجية الحملة الانتخابية التقليدية إلى إستراتيجية الحملة الافتراضية أو الرقمية".
وأوضح لزعر لـ"الاستقلال": "لاحظنا أن بعض الأحزاب السياسية على رأسها التجمع الوطني للأحرار كان مستعدا لهذا الانتقال، واستثمر مبكرا في إستراتيجيات التسويق الانتخابي العصرية والاحترافية، لكن الأحزاب السياسية التي تعوزها الإمكانيات والخبرات للاستفادة وتوظيف مزايا الحملة الانتخابية العصرية حتما ستتأثر بهذه الإجراءات".
وشدد دكتور العلوم السياسية على أن "التسويق الانتخابي القائم على التواصل وجها لوجه أصبح متجاوزا، خاصة في ظل هذه الظرفية الاستثنائية".
وعلى مستوى الرهانات، يقول لزعر: يلاحظ بأن هناك أربعة أحزاب (لم يسمها) رفعت رهان تصدر الانتخابات التشريعية، وهي الأحزاب السياسية "التي تمكنت من تغطية جميع الدوائر الانتخابية البرلمانية".
ولفت لزعر إلى أن "الفوز في الانتخابات المهنية (في 7 أغسطس/آب 2021) هو مؤشر على مستوى جاهزية الأحزاب السياسية للانتخابات التشريعية مثلها مثل المباريات الودية لفرق كرة القدم".
وأضاف: "نتائج هذه الانتخابات ومؤشراتها تقدم لنا صورة تقريبية حول رهانات الأحزاب السياسية وجاهزيتها التنظيمية وعمقها السوسيولوجي والمهني، كما تقدم لنا مؤشرات حول مراكز الجذب السياسي المحتملة".
وختم لزعر تحليله بالقول: "هذه العناصر تساعد على تحليل المشهد الانتخابي ولكنها لا تحسمه".