"حراك 25 جويلية" في تونس.. من يقف وراء دعوات الانقلاب على الثورة؟
بينما يعاني التونسيون من أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية خانقة؛ خرجت دعوات للتظاهر بمطالب مثيرة رأى مراقبون أن فيها رائحة إماراتية، ويبدو أنها تتوغل بين فئة من الشباب على طريقة "حركة تمرد" المصرية عام 2013.
إسقاط المنظومة الحاكمة، وحل الأحزاب السياسية، واعتقال قياداتها ومحاكمتها، وتصحيح مسار الثورة، ومحاكمة الفاسدين، وحتى عسكرة الدولة عبر دعوة الجيش لتقلد زمام السلطة، أبرز مطالب مجموعات شبابية تونسية.
تلك المجموعة أطلقت تلك الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم تحركات يوم 25 يوليو/ تموز 2021، في ذكرى عيد الجمهورية التونسية.
الدعوات التي تهدف إلى إسقاط المسار السياسي الحالي بأكمله لم تتبناها المنظمات أو الأحزاب المعارضة، لكنها انطلقت بشكل افتراضي عبر صفحات حملت مسميات منها "المجلس الأعلى للشباب" و"حراك 25 جويلية (يوليو)".
التباس وغموض يحوم حول هذه الدعوات التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، بحسب خبراء في الشأن السياسي تحدثوا لـ"الاستقلال، وهو ما جعل أغلب أحزاب المعارضة تتبرأ منها.
قوى مجهولة
الخبير في الشؤون السياسية التونسي فريد العليبي، يرى أن "الدعوة للتحرك ظهرت منذ مدة في تونس، وهناك قوى أعلنت انخراطها فيها، فيما قالت أخرى مثل حزب العمال إنها لن تشارك".
العليبي، يقول لـ"الاستقلال": "هذه الدعوة لا يمكن احتسابها على أحزاب اليسار، ذلك أن القوى اليسارية أعلنت عدم الانخراط فيها".
ويضيف: "بالنسبة للحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، يبدو أنه يتملص من هذه المشاركة على الأقل ظاهريا، وعبرت موسي عن ذلك عبر منابر إعلامية".
ويتابع العليبي: "هناك قوى غير معلومة تتبنى هذه الدعوات، على غرار ما يسمى بالمجلس الأعلى للشباب وغيرها"، معتقدا أن وراءها "أطراف لا تريد الكشف عن أسمائها".
"هذه الدعوات تذكر بدعوات سابقة بنفس المطالب، لكنها لم تنجح في حشد أعداد كبيرة من المحتجين"، وفق الخبير التونسي.
الذي يؤكد أن "هذه الدعوة تحوم حولها جملة من الالتباسات؛ فهي غير واضحة وغير جدية".
ويعتبر أن الدعوات التي لا تنخرط فيها منظمات المجتمع المدني أو النقابات أو الأحزاب السياسية أو الشخصيات المعروفة تبقى غير واضحة".
العليبي، شدد كذلك على أن "هذه الدعوة مجهولة الدوافع والمآلات، وعوامل نجاحها مشكوك فيها".
قلب المسار الثوري
المحلل السياسي محمد ضيف الله، يرى أن "حق التظاهر مكفول في الديمقراطيات، لكن المنظومة السياسية التي جرى إرساؤها أفرزت قوانين لتنظيم الاحتجاجات".
ويضف لـ"الاستقلال": "ولا يمكن أن نطالب بإيقاف مسار سياسي معين دون احترام للقواعد التي أرست هذا النظام، والذين يحكمون اليوم صعدوا للحكم عن طريق الانتخابات".
"من المفترض أن أي دعوة للتظاهر يجب أن تحترم هذه القاعدة"، وفق المحلل السياسي، معتبرا أن "الداعين للتظاهر لم يحترموا هذه القاعدة".
ويفيد أنه من خلال متابعته لبعض الصفحات المتحمسة لهذه التظاهرة تبين أنها تهدف لقلب المسار الثوري كاملا منذ 2011 إلى اليوم وتغيير النظام السياسي إلى رئاسي".
وكذلك "إلغاء دستور 2014 والعودة إلى دستور 1959، وحل الأحزاب السياسية واعتقال قيادات أحزاب تتهم بأنها مسؤولة عن الوضع الذي وصلت إليه تونس".
ويزيد: "كما يطالب أصحاب هذه الدعوة بتكليف الرئيس قيس سعيد بالبقاء على رأس المنظومة التي يطالبون بها، مع مطالب بتولي الجيش هذا المسار".
أنصار سعيد
ويستنتج ضيف الله، أن "هذه المطالب يمكن نسبتها إلى أنصار سعيد"، مضيفا: "إما إن كان هو (قيس سعيد) متفقا معهم أم لا فذلك أمر لا نعلمه".
ويشير إلى أن "هذه المطالب تخدم سعيد الذي لم يبين للتونسيين ماذا يريد بالضبط، لكنه طالما دعا للعودة إلى دستور 1959 وتغيير النظام الحالي وحل الأحزاب".
ضيف الله، يؤكد أن "الأغلبية الساحقة التي تساند هذه الدعوات هم أنصار قيس سعيد".
وجزم بأن أطرافا تنتمي لأحزاب مثل "التيار الديمقراطي"، وحزب "الوطنيين الديمقراطيين"، والحزب "الدستوري الحر" ساندت في البداية هذه الدعوات".
ويضيف: "لكن قيادات تلك الأحزاب تبرأت لاحقا منها".
في المقابل، يستبعد فريد العليبي أن "يكون المطالبون بهذه الدعوة من أنصار سعيد على اعتبار أن الأخير لا ينتمي إلى أي حزب أو تنظيم سياسي".
ويشير العليبي، إلى أن "البعض ادعى أنه من أنصار سعيد وأطلق مثل هذه الدعوات لكن تبين لاحقا أنهم أعوان لأحزاب أخرى".
ويلمح إلى حزب "الشعب يريد"، ويبين أنه "نفس شعار حملة سعيد الرئاسية الذي حاول استمالة الناس باسمه، لكنه تبين بعد ذلك أنه يشتغل ضد سعيد وهاجمه مرارا".
شعارات غير مقنعة
المحلل السياسي ضيف الله يعتبر أن "الشعارات المرفوعة في هذه الدعوات غير مقنعة، ومستوى النقاش بين بعض المجموعات الافتراضية التي تتبنى الدعوات متدن جدا".
ويضيف: "هؤلاء الشباب يفتقرون إلى تجارب سياسية وليست لديهم ثقافة أو تكوين سياسي".
وتوقع فشل هذه التحركات وتواضع عدد المشاركين فيها، ويؤكد أن "مثل هذه التحركات الهادفة لإسقاط نظام الحكم في تونس لن تنجح".
ولم يخف محدثنا أن لهذه الاحتجاجات بعض المشروعية باعتبار أن الحكومة الحالية فشلت في إدارة الأزمات اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، ولم تستطع تجاوز الأوضاع الدقيقة.
ضيف الله يوضح أنه إذا ما فشلت التحركات فإنها ستكون قادحة لتحركات أخرى على المدى القريب.
ويرى أنه "على الحكومة أن تنجز شيئا ملموسا خاصة وأن التنسيقيات القيسية (أنصار قيس سعيد) ربما تتحرك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وربما ميدانيا".
ملعقة أبوظبي
وتعليقا على هذه الدعوات، وصف القيادي في حركة النهضة التونسية رفيق عبد السلام، هذا الحراك بالثورة الافتراضية، متهما الأميرال المتقاعد كمال العكروت بأنه وراءه.
وكتب عبد السلام عبر "فيسبوك": العكروت الذي اشتغل مستشارا للأمن القومي عند الباجي قايد السبسي واستغل منصبه، يدعو اليوم سعيد لتفعيل "البند 80" من الدستور.
وأوضح أنه "يريد استخدام الرئيس جسر عبور لتحقيق مآربه الصغيرة حتى يأكل العسل من ملعقة أبوظبي".
”بموازاة ذلك يشتغل العكروت بتفان وإخلاص على صناعة ثورة افتراضية يوم 25 جويلية، ولكن لنكد حظه تخاصم جماعة الثوار الجدد، وتلاعنوا مع بعضهم"، وفق عبدالسلام.
وأكد أن "كل ذلك بسبب التنازع على تقاسم الغنيمة، وكما يقول المثل المعروف: إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق”.
كما اعتبر عبد السلام، في تدوينة سابقة، أن”هناك عملا تحريضيا مدبرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقف خلفه أموال إماراتية.
وجزم بأن "الهدف من وراء ذلك إرباك الأوضاع وإحداث الفوضى في تونس، وذلك عبر استغلال الأوضاع الصحية التي تمر بها البلاد والمتاجرة بآلام الناس وأوجاعهم”.
مقاطعة اليسار
بدوره، أكد حزب العمال التونسي المعارض (يساري)، في بيان له الجمعة 23 يوليو/ تموز 2021، أنه ليس من الداعمين لما يسمى "مسيرات 25 جويلية".
وذلك خلافا لما جاء في بيان لما يسمى "المجلس الأعلى للشباب".
وشدد الحزب على أنه "لا يمكن أن ينخرط أو يسير وراء دعوات مجهولة المصدر، تقف وراءها أوساط غير معلومة أو مشبوهة".
ووصف حزب العمال ما جاء من تصورات في الدعوات لهذا الحراك، بـ"الفاشية والمعادية للحرية والديمقراطية".
واعتبر أنها "تشكل تهديدا لا يقل عن خطر منظومة الحكم الحالية".
وذكر الحزب، أنه سبق وأن دعا التونسيين للاحتجاج وللتعبير عن غضبهم والضغط للإطاحة بمنظومة الحكم بكل مكوناتها، رئاسة وبرلمانا وحكومة.
وأضاف أنه "مازال يدعو إلى ذلك، ولكنه لا يرى فيما تقع الدعوة إليه يوم 25 يوليو، الحل، لا من حيث الأهداف والبرنامج، ولا من حيث الأسلوب والطريقة".
حزب العمال، دعا التونسيين بكل تعبيراتهم إلى "عدم الانجرار وراء مثل هذه الأطروحات والبرامج، بل محاربتها دون هوادة".